بريطانيا تفتح ملف اليمامة وتلعب دوراً في دمقرطة السعودية
عشية هجمات قوات التحالف الانجلوأميركي على العراق في العشرين من
مارس الماضي، أرسلت الحكومة البريطانية موفداً تجارياً الى المملكة
سعياً لإحياء الصادرات الدفاعية الى السعودية. فقد إلتقى وزير الدفاع
السعودي الامير سلطان برئيس قسم الصادرات الدفاعية البريطانية ألن
جاروود في الرياض في التاسع عشر من مارس، وحضر اللقاء كل من اللواء
محمد العايش رئيس القوات الجوية السعودية والمدير التنفيذي لمشروع
اليمامة الدفاعي إضافة الى السفير البريطاني في السعودية السير ديريك
بلمبلي.
توقيت زيارة السير جاروود ربطت بإندلاع الحرب على العراق، رغم أن
ثمة تفسيراً آخر يميل الى ترجيح إحتمال إستثمار الجانب البريطاني
للاستياء السعودي من الحملة العسكرية على العراق. ومهما كانت طبيعة
المشاعر السعودية، فإن الرياض لم تكن مستعدة للموافقة على تجديد
الصفقات الدفاعية في هذا الوقت. عوضاً عن ذلك، واصلت الحكومة
السعودية عقد المشاورات حتى اللحظة التي دخلت فيها القوات الأميركية
الى بغداد.
وكان السلاح الجوي البريطاني عقد صفقة القرن المعروفة باليمامة
والتي تتضمن تزويد السعودية بنظام تسليحي متنوع إضافة الى طائرات
تورنادو المقاتلة لسلاح الجوي السعودي وهكذا صائدة ألغام الى سلاح
البحرية. والمشروع يمثل حجر الزاوية في مجمل الخطة التجارية لسلاح
الجو البريطاني، وفي حقيقة الأمر، أن الأخير أعلن عن خطط في مارس
2001 من أجل زيادة الاستثمارات التجارية في السعودية حسب ما نقلت
إذاعة بي بي سي البريطانية.
ولكن مشروع اليمامة واجه عدة اخفاقات وتراجعات خلال السنوات
القليلة الماضية. وفي أواخر عام 1990 أعلنت مجموعة شركة بريتيش
أيروسبيس بأن أسهمها انخفضت بنسبة 10 بالمئة حين كشفت المجموعة عن أن
انخفاض أسعار النفط في العام 1998 قد تسبب في انخفاض المدفوعات
السعودية بمقدار عدة ملايين من الدولارات. وكانت الحكومة السعودية قد
طالبت بإعادة جدولة المشروع، مما تسبب نتيجة ذلك تراجع حاد في
الطلبات الدفاعية. فضيحة الرشاوى والفساد فاقمت الوضع عام 1999، حيث
ظهر بأن ملايين الدولارت في الرشاوى دفعت على حساب المشروع.
وفي تطور جديد، فإن قرار مجموعة بريتيش أيروسبيس بتسريح العمال
السعوديين في يونيو 2002 أثار رد فعل عكسي ضد الشركة، فقد تعرض عدد
من موظفي المجوعة الى هجوم في الشهور الأخيرة فيما قتل أحد الموظفين
في العشرين من فبراير الماضي. لقد تسببت هذه المشاكل في تعكير
العلاقات بين لندن والرياض، ولذلك جاءت زيارة جاروود من أجل إمتصاص
التوتر و(تليين) الاوضاع باتجاه دفع التعاون الدفاعي خطوة للأمام.
وفيما تندفع الولايات المتحدة لفرض سيطرتها على العراق، فإن
المسؤولين السعوديين قد يشعرون بالحاجة الملحّة لدعم القوات الدفاعية
الخاصة بالمملكة وبخاصة أسطولها الجوي.
ولكن يبقى أن الحكومة السعودية تعاني من دين داخلي ضخم، حيث وصل
الى ما يفوق الناتج المحلي بنسبة مائة بالمئة، أو 190 بليون دولار
حسب مصادر رسمية. إرتفاع أسعار البترول ساهم نسبياً في تخفيف مشاكل
السيولة النقدية على المدى القصير. ولكن الدين يبقى، وأن الضغط
الداخلي من أجل الانفاق على الخدمات الاجتماعية والذي يمثل أعلى مصدر
في الانفاق الحكومي قد تنامى بشكل كبير نتيجة المعارضة السياسية
لتحالف العائلة المالكة مع الولايات المتحدة وهكذا الحرب على العراق.
ورغم الجهود البريطانية الجادة والحثيثة وهكذا الوعود السعودية،
فإن المملكة قد لا تملك المال الكافي في المديين القصير والمتوسط من
أجل شراء طائرات تقدر تكلفتها ببلايين الدولارات.
من جهة ثانية، ترددت في شهر أبريل الماضي أنباء عن عقد مؤتمر في
لندن برعاية وزارة الخارجية البريطانية حول الاصلاحات السياسية في
السعودية. وقد ذكرت مصادر صحافية بريطانية بأن مشاورات جرت بين
موفدين سعوديين وبريطانيين من أجل التحضير للمؤتمر المقرر عقده في
العاصمة البريطانية من أجل مناقشة موضوع دمقرطة السعودية، وقد عقد
أول لقاء تشاوري في لندن وكان حسب مصادر صحافية مأذونة ناجحاً. وما
يلفت إليه أن الجانبين البريطاني والسعودي مازلا يتكتمان على الاعلان
عن خبر الترتيبات الجارية بين وزارتي خارجية البلدين، بخصوص المؤتمر.
مصادر صحافية بريطانية أشارت الى أن خبر المؤتمر قد يكون مرتبطاً
بما جرى من ترتيبات سياسية بعد الحرب على العراق وسقوط نظام صدام
حسين. وتفيد هذه المصادر بإحتمال لعب بريطانيا دوراً هاماً في
المرحلة القادمة بخاصة بعد تزايد ظاهرة العداء للولايات المتحدة.
وتشير تلك المصادر الى معلومات تسربت من مصادر سياسية في العاصمة
البريطانية تربط بين مؤتمر لندن حول الاصلاح السياسي في السعودية،
ووجود جماعات سياسية معارضة للحكومة السعودية داخل بريطانيا، حيث
تكفّلت الدوائر السياسية بمساعدة الحكومة السعودية في التوصل الى
مرحلة مصالحة سياسية حقيقية بينها وبين الجماعات السياسية المعارضة
بإطلاق مبادرات اصلاحية متوالية. الجانب السعودي لم يعلّق حتى الآن
على المقترحات البريطانية، ولكن هناك من يرى بأن ثمة أطرافاً داخل
العائلة المالكة تحاول إعاقة ما يقوم به بعض الموفدين من طرف ولي
العهد السعودي من أجل التوصل الى ما يمكن وصفه بـ (طبخة) ناضجة
وصولاً الى عهد جديد من الانفتاح السياسي الداخلي بدرجة أساسية. |