آل سعود وتحدي البقاء

الإستيعاب السياسي هو الحل المتبقي للمعضل الداخلي

مي يماني

ردود الفعل العنيفة إزاء إنفجارات الرياض مازالت مدوّية في أرجاء البلاد، منذرة بخطر وشيك. ولكن هل ستصحو العائلة السعودية الحاكمة  أخيراً من سباتها العميق؟ فهذا التوقف والانقطاع المزعج مؤخراً لمعاليها، من قبل رعايا يحملون الاسم السعودي، قد خلقوا غيظاً وانتقاماً وخوفاً. ولكن كبار السن ـ في العائلة المالكة ـ مازالوا في حالة انكار (لما يجري). فإذا ما قدّر للنظام تصنيع استراتيجية بقاء، فإن عليه الآن إعادة تقييم للأسس التي يستند عليها.

كشأن باقي العوائل الحاكمة، فإن آل سعود كثيرو العدد: فهناك إثنان وعشرون ألفاً منهم. وعلى أية حال، فإن هؤلاء القابعين في الأعلى، يصارعون من أجل الحفاظ على تماسك أجزاء السلطة ببعضها، أي الملك فهد المقعد (86 عاماً) والأخ غير الشقيق لولي العهد الأمير عبد الله (82 عاماً) وأخويه الشقيقين أي وزير الدفاع سلطان (80 عاماً) ووزير الداخلية نايف (77 عاماً).

فكبار السن هؤلاء في العائلة المالكة لا بد أنهم قد توصلوا الى قناعة بسقوط كل فرضية تبنوها سابقاً. والأشد تمزيقاً منها هو حقيقة أن التفجيرات الأخيرة في الرياض قد دكّت صميم ومركز العائلة المالكة في منطقة نجد. وهذا يشير إلى أنه بالرغم من القمع فإن العدو في الداخل، قريب من العرش بأكثر مما لم يكن يظن سابقاً.

وعليه، فما هي استراتيجية البقاء لدى العائلة المالكة؟. وإلى من يمكن لهم أن يلجأوا؟ فالسكان منقسمون الى مجموعات مناطقية، قبلية ومذهبية بصورة مائزة. فالى الشرق، في المنطقة الغنية بالنفط، يقطن الشيعة، الذي أصبحوا أكثر جرأة من الناحية السياسية منذ سقوط نظام صدام حسين وإنبعاث أخوتهم الأيديولوجيين في العراق. وقد إستغلّ هؤلاء الوقت المناسب لإرسال عريضة الى عبد الله (ولي العهد) مطالبين بوضع نهاية للاقصاء السياسي وكونهم مصنّفين في خانة المشيطنين على أرضية دينية من قبل المؤسسة الدينية الوهابية المحافظة الرسمية. فرسالتهم ـ أي الشيعة ـ الى الحكّام هي أنه لم يعد كافياً مجرد توصيف السعوديين على أنهم وهابيون ومن نجد: (لا بد أن تكون هناك طريقة جديدة لضمنا باعتبارنا شيعة). وهناك بعض آخر يحذر بأن الضغوطات قد تتزايد في المجتمع الشيعي لجهة الاستعانة بجهات خارجية لمساعدتهم وربما إرساء أسس دولة مستقلة (لهم).

في نفس الوقت، فإن الحجازيين، وبخاصة في مدينتي مكة المكرمة والمدينة المنورة يحتضنون سخطاً مكبوتاً لفترة طويلة، وذلك بسبب الطريقة المهينة التي تبطّنها إستيعابهم الجزئي في السياسة السعودية وأشكال أخرى من الاقصاء. وبالرغم من أن الحجازيين، وهم من السنّة ولكن ليسوا وهابيين، لم يُتهموا بصورة مباشرة بالهرطقة، فإنه مع ذلك قد جرى تهميشهم بسبب ميولهم الصوفية. فعلى سبيل المثال، ليس بإمكانهم أن يصبحوا جزءا من التركيبة العلمائية الرسمية. المثقفون الحجازيون يطلبون اصلاحات معتدلة: تغييرات في النظام القضائي، وفي المجال الاقتصادي وفي النظام السياسي. ولكن حتى الاعتدال قد تم رفضه من قبل آل سعود.

بالنسبة للقبائل في منطقة عسير فإن لها شعوراً مختلطاً بالهوية وذلك بسبب روابطهم بالقبائل اليمنية. فالعسيريون يشعرون بالغربة، سواء من قبل المراكز السياسية أو الاقتصادية على حد سواء. وهكذا الحال بالنسبة لسكان الجوف في الشمال فإنهم يحملون شعوراً مماثلاً بالغربة والعزلة، وكثير منهم على علاقة قرابية مع قبائل في الأردن.

الغضب والغيظ

الدولة مؤلفة من أقليّات. وحتى المؤسسة الوهابية نفسها هي أقلية. وبتحالفهم مع الوهابيين، فإن آل سعود استطاعوا السيطرة (وليس الاستيعاب) على الاختلاف الثري في هذه البلاد. وبالرغم من مشاعر السخط الطافحة والحرمان، فإن العناصر الليبرالية والمعتدلة داخل الأقليات قدّمت مطالب الى كبار الأمراء في العائلة المالكة بالإصلاح. وكان الهدف هو للحيولة دون وقوع اضطرابات أو ما يفضي الى تفكُّك الدولة. وهؤلاء يمثلون الغالبية العظمى من السكان في السعودية.

في المقابل، فإن النشطات السرية المتخالفة مع الطريق الاصلاحي، قد بدأت في التعبير عن غضبها وفورتها بطريقة غير تصالحية. وهذه الحركة تهدد بالتنامي والاتساع في حال إعتنقت مجموعات من الشباب النزوعات العصبانية التي يحملها أسامة بن لادن. وبسبب السياسات الرسمية الطويلة الأمد في القهر والفساد، فإن المعزولين والمحرومين قد اضطروا لتنظيم أنفسهم بصورة سرية الى حد شكّلوا تهديداً لاستقرار نظام آل سعود.

فالصراع بين عبد الله الأكثر ميلاً الى الاصلاح، ونايف الذي يجنح الى نظام للتحكم والسيطرة بدرجة أضيق في وزارة الداخلية، يرمز الى الصراع الداخلي في قمة النظام. فالصراع يتسرب من أعلى الى المستويات الدنيا في المجتمع. والتحدي الذي يواجه آل سعود يكمن في مقدرتهم على توحيد واستيعاب، في صميم النظام السياسي، كل من تجاوزتهم لعقود طويلة. ودون ذلك، فإن المواطنين سيتحولون الى معسكر المتشددين، كمتعاطفين إن لم يكن مساندين فاعلين لتنظيم القاعدة.

تهديد للدولة؟

تستمد (القاعدة) أيديولوجيتها وجذورها ودعمها من السعودية. وعلى أية حال، فإنه لايبدو واضحاً تماماً ما اذا كان التنظيم السري هو تحديداً نتيجة الصراع الداخلي بين الحكام أكثر من تهديد للدولة نفسها. تفجيرات الرياض أثارت مشاعر مربكة ومختلطة. وبالرغم من أن قتل مواطنين سعوديين ومسلمين الى جانب (الكفار) ينظر إليه بوصفه تخريباً مؤكداً من قبل أولئك المصممين على هز العرش، فإن الشعور بالغضب لدى الجمهور قد عزّز مطالب الاصلاح السياسي.

سيكون آل سعود بلا ريب قساة في البحث عن الأفراد المتورطين بصورة مباشرة في التفجيرات. ولكن مشكلة النظام هي أن مصادر السخط التي تغذي التشدد لن يكون بالإمكان إغلاقها عبر الأمن والقسوة، وبعض الأمراء يقرّون بذلك ويدركون بأن تطهيراً شاملاً للبيت بات مطلوباً. سيحتاج (الأمراء) لمواجهة الإختلالات الأمنية الى توسعة قاعدتهم السياسية من خلال استيعاب ممثلين مثقفين معتدلين وليبراليين من جانبي الشيعة والسنّة في البلاد ممن هم على إستعداد للمصالحة.

الخيارات الخطرة

على عائلة آل سعود أن تختار بصورة حاسمة: إما البقاء في طريق ضيّق أو التحوّل باتجاه سياسة استيعابية أكثر انفتاحاً.. كل من الخيارين محفوف بالخطر. فإذا ما إختاروا الانفتاح، فإنهم يتخذون خطوة كبيرة لاستيعاب أناس كان ينظر اليهم بوصفهم هراطقة، أي الشيعة، أو يتحدّرون من دم غير نقي مثل الحجازيين، أو من طرق قبلية بدائية، كالقبائل على حدود اليمن. ولكن إذا إختاروا الانغلاق، فسيجدون أنفسهم معزولين ورهائن لمقترفي العنف وقوى التشدد التي تهدد النظام. إن التحالف مع الوهابيين، وسيطرتهم على النظام التعليمي الديني الجامد ساهم في صعود ودعم المنظمات الوهابية الجديدة المتطرفة.

لا يزال هناك عناصر معتدلة من السكان ممن يدعمون التغيير. وعلى أية حال، فإن بناء تحالف واسع يعتمد على قدرة الحكومة على التنازل وتقديم الثمن، وهذا بدوره يعتمد على مداخيل النفط غير القابلة للتنبوء في المدى الطويل.

وأخيراً، هناك طريقان محتملان: إما تصليب وتضييق القاعدة السياسية، أو توسعتها لجهة الاستيعاب والتليين. وفيما تحارب العائلة الحاكمة القتلة، فإن بإمكانها في ذات الوقت الشروع بالإصلاحات لاستيعاب الجماعات الأخرى من أجل موازنة خسارة الوهابيين الراديكاليين. وكلا المقاربتين خطرتان، ولكن من المؤكد أن خيار التضييق يعد استراتيجية فاشلة. فهل يستطيع آل سعود تقرير ذلك، او أنهم أصبحوا مشلولين بفعل إرث التحالفات والقوانين القديمة.

وكما يذكّرنا أليكسس دي توكيوفيل، فإن الوقت العصيب على النظام التسلطي هو حين يبدأ الاصلاح. فآل سعود قد ماطلوا لفترة طويلة من الوقت، حتى أصبح القرار الآن خطراً، ومهما يكن فإن الاصلاح قد يكون الطريق الوحيد لإنقاذ حكمهم.


* عن مجلة ذي وورلد توداي، الصادرة عن المعهد الملكي للشؤون الدولية، المجلد 59 العدد 7 يوليو 2003.

الصفحة السابقة