تمهيداً لاستئصالها، الكونغرس يناقش:

الوهابية في الولايات المتحدة

منذ أحداث الحادي عشر من سبتمبر، والمجتمع الاسلامي في الولايات المتحدة يواجه إجراءات متشددة وقيوداً على حركته تبدأ في المستويات الدنيا، أي في النظرة إليه والتعامل معه من قبل نظرائه في هذا البلد، مروراً بالمستويات الوسطى، أي في المؤسسات الحكومية وفي السياسات التي تتبعها إزاء هذا المجتمع، وأخيراً في المستويات العليا حيث أصبح المسلمون قاطبة في الولايات المتحدة هدفاً لعملية إقصاء شاملة، تصل الى حد إلغاء مواطنتهم وجنسيتهم الأميركية والتعامل معهم كخصوم للشعب وللحضارة وللحكومة.

في المقابل، ثمة ضرورة لاستذكار الدور التخريبي الذي لعبته النشاطات الدينية المؤسس على كراهية الآخر ونبذه عقدياً، وهي نشاطات للأسف ساهمت في تمويلها ونشرها ودعمها المعنوي المؤسسة الدينية الرسمية في السعودية. فقد مثّل الاسلام السياسي السعودي أحد موضوعات الجدل في المستويين الرسمي والأهلي في الولايات المتحدة، بسبب النتائج الكارثية الذي أحدثتها نشاطاته في الولايات المتحدة، هذا الاسلام يخضع الآن للنقاش في الدوائر الرسمية ويشهد تقييماً شاملاً للحضور الوهابي داخل أميركا إستعداداً لاجتثاثه.

فقد أثار عضو في لجنة الشيوخ الفرعية في السادس والعشرين من يونيو الماضي موضوع النفوذ المتنامي للوهابية في الولايات المتحدة، في اشارة الى أن الكونغرس ينوي التعامل مع الموضوع بصورة جدية. فنموذج الاسلام الوهابي، الذي يبث الكراهية ضد المسيحيين واليهود وحتى أنواع أخرى من الاسلام، قد انتشر في أميركا، على حد قول خبراء الارهاب والنقاد للسعودية. ويحذّر هؤلاء بأنه في حال إستمر الوضع كذلك، فإن الوهابية قد تشكل تهديداً للأمن الوطني. يجب الاشارة الى أن تلك التقييمات والقررات الصادرة على ضوئها ستصيب جمعاً كبيراً من المسلمين الأبرياء بأذى، ممن يحملون رؤية إسلامية متسامحة ويدعون الى المحبة ونشرها بين أتباع الاديان السماوية وينبذون العنف والارهاب مهما تلبّس.

سنقوم هنا بتسليط الضوء على ما نشر عن جلسة الاستماع حول الوهابية في الولايات المتحدة في يونيو الماضي. فتحت عنوان (الإرهاب: تنامي النفوذ الوهابي في الولايات المتحدة) عقدت لجنة الشيوخ التابعة للجنة الفرعية للقضاء حول الارهاب، والتكنولوجيا، والأمن الوطني جلسة إستماع برئاسة السناتور كيل يوم الخميس الموافق 26 يونيو الماضي لدراسة النموذج الاسلام الوهابي. وقد حضر الجلسة ممثلون عن لجنة القضاء التابعة لمجلس الشيوخ، واللجنة الفرعية المهتمة بموضوع الارهاب، والتكنولوجيا وأمن الوطن. ومن بين المجموعات المشاركة، ضمّت المجموعة الأولى ديفيد أوفهاوسر، القنصل العام لوزارة الخزينة الأميركية، ولاري ميفورد، المدير المساعد لقسم مكافحة الإرهاب في هيئة التحقيق الفيدرالية بواشنطن، فيما ضمّت المجموعة الثانية كلاً من د. أليكس أليكسيف، زميل متميز في مركز السياسة الأمنية، وستيفن شوارتز كبير الزملاء في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات.

جلسة الاستماع تضمنت إلحاحاً من قبل الخبراء والشيوخ على ضرورة أخذ إجراءات لايقاف الافكار المتطرفة للوهابية، فنموذج الاسلام الوهابي، الذي يبث الكراهية ضد المسيحيين واليهود وحتى أنواع أخرى من الاسلام، قد انتشر في أميركا، على حد قول خبراء الارهاب والنقاد للسعودية. ويحذّر هؤلاء بأنه في حال إستمر الوضع كذلك، فإن الوهابية قد تشكل تهديداً للأمن الوطني.

السناتور سكومر، الديمقراطي من نيويورك وعضو لجنة القضاء التابعة لمجلس الشيوخ ذكر بأن الاتفاق بين البيت السعودي وعلماء الوهابية والذي يشكل موّحداً للسعودية كوطن هو (ليس سوى إتفاقاً مع الشيطان). يقول السناتور بأن (الوهابية تمثل شكلاً متطرفاً إقصائياً من الاسلام، لا يكتفي بتشويه العقائد الأخرى ولكنه أيضاً يهمّش الاتباع المسالمين للاسلام مثل الشيعة والسنة المعتدلين). ويقول السيد سكومر بأن (السعوديين ـ الحكام ـ يمنحون الحماية والدعم للوهابيين في مقابل تعهدهم بعدم تقويض العائلة المالكة). ولكن سعي الوهابيين لبث الكراهية والتطرف والذي يمثل العقائد الاصلية للوهابية لن يمر دون نتائج على حد قوله.

يذكر سكومر بأنه كتب عدداً من الرسائل الى الحكومة السعودية يطلب فيها بنبذ التعاليم الوهابية المحمّلة بالكراهية، وتحديداً في المدارس التي يديرونها، ولكنه لم يتلق أي رد يشير الى أي تغيير في هذه السياسة.

أحد الشهود المشاركين في جلسة الاستماع، أليكس أليكسيف من مركز السياسة الأمنية يقول أنه (بدون المبالغ الطائلة من المال السعودي المنفق على دعم شبكات ونشاطات التطرف، فإن التهديد الارهابي الذي نواجهه اليوم لن يكون خطيراً كما هو الحال عليه الآن).

شاهد آخر، وهو مدير برنامج الإسلام والديمقراطية في مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات ـ وحدة التنظير في موضوع مكافحة الإرهاب، ستيفن شوارتز ـ قال بأن السياسة السعودية ـ الوهابية كانت دائماً ذات وجهين: فبينما تبث الوهابية العداوة والعنف ضد المسلمين غير الوهابيين، فإنهم ـ أي الحكام السعوديين ـ يحافظون في ذات الوقت على سياسة تحالف مع القوى العسكرية الغربية، ابتداءً ببريطانيا ومن ثم الولايات المتحدة وفرنسا لتأمين سيطرتهم على الجزيرة العربية.

وقد ذكر شوارتز أسماء العديد من المنظمات المتورطة في إشاعة ونشر الأيديولوجية الوهابية في أميركا، العديد من هذه المنظمات تزعم بانها تمثل الاتجاه العام في الاسلام. يقول شوراتز بأن المجتمع الاسلامي في شمال أميركا، ومجلس العلاقات الاسلامية ـ الأميركية، والتحالف المسلم الأميركي، والمجلس الاسلامي الأميركي، كلها تمثل جماعات ضغط وهابية، وأن المنظمتين الأوليين تحتفظان بعلاقات وثيقة مع الحكومة السعودية حسب قوله.

السيد سكومر، الناقد الدائم للسعودية، يقول بأن له إهتماماً خاصاً بنفوذ العلماء الوهابيين في السجون الفيدرالية وفي القوات المسلحة، وقد كتب الى المفتشين العامين في وزارة العدل والبنتاغون بذلك. وفي رده على سؤال من قبل رئيس اللجنة الفرعية، السناتور كيل، الجمهوري من أريزونا، حول حجم نشاطات القاعدة في أميركا، أجاب المدير المساعد لقسم مكافحة الإرهاب في هيئة التحقيقات الفيدرالية إف بي آي، لاري ميفورد، بأن لدى إف بي آي عمليات متواصلة في أربعين ولاية ضد هذه الجماعة الارهابية والاعضاء المشتبه بإنتمائهم لها. وكان السناتور كيل قد ذكر في وقت لاحق بأن جلسة الاستماع هذه هي باكورة سلسلة جلسات إستماع لمناقشة النفوذ الوهابي في أميركا.

في تعليقه على جلسة الاستماع، كتب جون مينتز في صحيفة واشنطن بوست في السابع والعشرين من يونيو الماضي بأن مسؤولين سعوديين كباراً أنفقوا مبالغ طائلة من الثروة النفطية للمملكة لتعميم إتجاه إسلامي غير متسامح وهو الاتجاه الذي يعتنقه تنظيم القاعدة والجماعات الارهابية الأخرى. وينقل مينتز عن السناتور جون كيل بأن (المشكلة التي ننظر فيها اليوم هي تمويل وعقيدة دولة ـ أي السعودية ـ لأيديولوجية متطرفة تهيء الارضيات المناسبة للتجنيد، ودعم البنية التحتية والتمويل الضروري للإرهابيين الدوليين في الوقت الحاضر).

ويعلّق الكاتب بأن المسؤولين في الادارة الأميركية قد تحاشوا القول بأن السعودية، كحليف مهم بالنسبة للولايات المتحدة، هي المصدر الرئيسي في العالم لتمويل الإرهاب، كما ورد في شهادة القنصل العام في وزارة الخزينة ديفيد أوفهاوسر. وكان الأخير قد ذكر بأن (هناك طرقاً عديدة لإثبات أن السعودية هي مركز تمويل شبكة قاعدة أسامة بن لادن وحركات إرهابية أخرى). ويعلّق أوفهاوسر قائلاً: (نحن لسنا في حرب مع العقيدة، أو مع مذهب معيّن، ولكن الاسلام في هيئة حركة وهابية غير متسامحة ومتشددة يمثل عاملاً هاماً جداً يجب أن يؤخذ في الاعتبار حين تتم مناقشة تمويل الارهاب). يضيف أوفهاوسر قائلاً: (أن التمويل الهائل غير الخاضع للمراقبة من قبل السعوديين بهدف بث وجهة النظر الوهابية في العالم يعتبر مركّباً قابل للاشتعال حين يختلط بتعاليم دينية في آلاف المدارس الاسلامية التي ترفض التعددية وتصنّف غير المؤمنين بمبدئها كأعداء). ويعلق: (إن هذا أمراً يجب التعامل معه).

ينقل كاتب المقالة بأن المسؤولين في السفارة السعودية رفضوا طلب التعليق على جلسة الاستماع، وكان هؤلاء والمدافعون عنهم يقولون في السابق بأن انتقادات الوهابية تظهر نزعة مناوئة للاسلام وتسعى الى تخريب التحالف السعودي ـ الأميركي. المسؤولون السعوديون يعارضون إستعمال مصطلح الوهابية لوصف وجهة نظرهم الدينية، مفضّلين بدلاً عن ذلك مصطلح السلفية.

الشهود المشاركون في جلسة الاستماع لم يقدّموا أية تفاصيل حول عمليات التمويل التي تقوم بها المؤسسة الدينية السعودية حول العالم، وهي مشكلة كانت تحظى بإهتمام نقّاد الوهابية لسنوات طويلة، جزئياً بسبب السريّة التقليدية للسعوديين والتي تحيط بشؤونهم الخاصة.

اليكس أليكسيف، الخبير في حركات التطرف والزميل في مركز السياسة الأمنية، ذكر أسماء شخصيات في الحكومة السعودية، كما ذكر بأن هناك تقارير تظهر بأنه خلال الفترة ما بين 1975 و 2002 أنفقت الحكومة السعودية 70 مليار دولاراً كمشاريع دعم حول العالم. ويقول بأنه من غير الواضح ما اذا كان هذا المبلغ يشتمل على المبالغ الضخمة التي تقدّم كتبرعات خاصة تتقدم بها المؤسسات السعودية المجازة. ويذكر أليكسيف بأن حجم الجمعيات الخيرية هائل، إستناداً الى تقارير صادرة عن واحدة من هذه الجمعيات مثل مؤسسة الحرمين، حيث تظهر هذه التقارير بأن المؤسسة تطبع 13 مليون كتاباً إسلامياً، وترسل 3000 مبلّغاً وتموّل 1100 مسجداً ومدرسة ومركزاً سنوياً. وتحدث أوفهاوسر أيضاً عن نشاطات مؤسسة الحرمين قائلاً بأنه بعد التفجيرات المتزامنة الأخيرة لعدد من المباني السكنية في السعودية والتي قتلت 34 شخصاً، من بينهم ثمانية أميركيين، قام المسؤولون السعوديون بإغالاق عشرة مكاتب لجمعيات خيرية حول العالم. وقد تم التخلص من الهيئة الإدارية لمؤسسة الحرمين كما تم اعتقال عدد بارز من محصّلي التبرعات الأساسيين.

المسؤولون السعوديون كانوا مترددين لشهور في إتخاذ إجراءات صارمة ضد مؤسسة الحرمين، جزئياً بسبب نفوذها في الدوائر العليا للمجتمع السعودي على حد قول مسؤولين أميركيين بصورة سرية. ويستدرك أوفهاوسر قائلاً بأنه منذ التفجيرات الانتحارية في 12 مايو الماضي في الرياض، فإن المسؤولين السعوديين عملوا بصورة وثيقة مع الولايات المتحدة من أجل التشديد على الراديكاليين الاسلاميين.

المعتنق للاسلام، ستيقن شوارتز ومؤلف كتاب (The Two Faces of Islam) حذّر من إنتشار الوهابية وقال بأن السعوديين أنشأوا ـ ومازالوا يموّلون ـ المئات من المساجد والمراكز في هذا البلد ـ الولايات المتحدة، وهكذا تمويل بعض المنظمات الاسلامية الكبرى الناشطة داخل أميركا. ويدير السعوديون أيضاً ـ حسب شوارتز عمليات تدريب وتعيين كثير من الأئمة.

ويتفق كثير من المشاركين في جلسة الاستماع على أن (الحضور الوهابي في الولايات المتحدة يعد إنذاراً، وينطوي على نتائج مضرّة وبعيدة المدى لمساجد ومدارس وسجون بلدنا وحتى مؤسستنا العسكرية) حسب شوارتز، حيث أن عدداً من المبلّغين يخضعون تحت تأثير هذه الحركة حسب النائب الديمقراطي عن ولاية نيويورك شارلز سكومر.

الصفحة السابقة