تأهيل سيارات أم دعاة؟

فاجأ عادل جبير مستشار ولي العهد السعودي، والمقيم في واشنطن ضمن الطاقم الدبلوماسي للسفارة السعودية، فاجأ الإعلام الغربي بخبر بل بإنجازٍ يدغدغ المشاعر، ولكنه لم يلقَ اهتماماً ذا بال في الأوساط الصحفية العربية والسعودية. الخبر يقول بأن الحكومة السعودية أوقفت أكثر من ألف داعية وإمام وخطيب مسجد عن العمل، وأنها أعادت تأهيل بضعة آلاف (4 آلاف) منهم كيما يكونوا أكثر اعتدالاً وأقلّ ميلاً نحو تأييد العنف ضد الأميركيين، كما قال وكيل وزارة الشؤون الإسلامية عبد الرحمن المطرودي. ورغم أن الأخير نفى أن يكون الإجراء السعودي قد جاء على خلفية الضغوط الأميركية، أو أنها رد فعل على التفجيرات التي وقعت مؤخراً في الرياض، حيث اعتبر المطرودي الأمر مجرد مراجعة دورية لمعرفة مواطن القصور والتقصير لدى الأئمة والخطباء.. رغم هذا، فإن التشديد على ما قيل أنه جرى بمراجعة ذاتية لا يغيّر كثيراً من الحقائق المهملة، ولا يقنع المواطنين أنفسهم.

المهم في هذه القضية، أنها تحوي كذباً صرفاً، فإيقاف ألف داعية وخطيب وإمام رقم مهول لو جرى معشاره لانقلب الوضع الداخلي رأساً على عقب. لقد أوقفت الحكومة فعلاً بعض الخطباء ولكن العدد في أقصاه لن يتجاوز العشرات، وهم في أكثرهم من ذوي المرتبة الدنيا أو المتوسطة، في حين أن المشكلة تنحصر في ذوي الرتب العالية.. في خطباء وأئمة الجوامع والمساجد في المدن الكبيرة وليس في أطراف القرى والأرياف والهجر. فالأولون هم من يقع تحت الطائلة الأمنية وهم المستهدفون بالإجراءات الحكومية.

وفضلاً عن هذا، فإن تأهيل العدد الكبير من الدعاة كما يقولون قد جرى بصورة صاروخية، يستدعي أسئلة حاسمة، فكيف استطاعت الحكومة تأهيل هذا العدد، وعلى حد تعبير البعض أن الحكومة ستكون عاجزة عن تأهيل أربعة آلاف سيارة فضلاً عن أربعة آلاف داعية قد تشكّلت ذهنيتهم منذ زمن، وتربّوا على تعاليم محددة تشيع التطرف ضد المسلم المواطن فضلاً عن الكافر الخارجي. ثم من الذي يؤهّل هؤلاء، وهل يقبل المستهدفون بالتأهيل من يؤهلهم، ووفق أية أسس؟ ربما لا يستدعي الأمر من وجهة النظر الرسمية أكثر من بضع محاضرات حول التثقيف السياسي وشرح وضع الحكومة وورطتها التي سببها هؤلاء. الدعاة الكبار لن يقبلوا تعاليم من أحد، فضلاً أن يدخلوا دورات، هم رمز النظام وأساس شرعيته، هم المدرسون والمعلمون والمفتون والموجهون، ومثل هؤلاء لن يقبلوا بتوجيهات أحد أو حتى ملاحظاتهم، فضلاً أن يغيروا فهمهم للدين، ويعيدوا نظرتهم للمسائل وفق أسس مختلفة قد تتعارض مع المذهب والرؤية الوهابيتين.

لهذا كله.. هناك مبالغات كبيرة في حجم من جرى تأهيلهم، وفي كيفية التأهيل، وفي الجهة والمناهج التي على أساسها جرى الأمر. وحتى في مجال الفصل للدعاة، فهناك شكوك كبيرة أن يكون الفصل نهائياً، بمعنى أن الفصل لمن جرى فصلهم (وهم بنظرنا قلّة) يحتمل أن يكون مجرد إبعاد مؤقت مع مواصلة لاستلام المرتب الشهري.

الإدعاء الحكومي في التأهيل والفصل للمتطرفين من الدعاة يستهدف فقط تضخيم الإنجاز في عيون الأميركيين، وليقولوا بأنهم جادّين في تخفيض حدّة التطرف عبر مواجهته في مكامنه وأسسه: المناهج أولاً، وهي لم تتغير حتى الآن، والدعاة ثانياً حيث جرى الإلتفاف على ذلك بالإدعاءات والإختلاقات.

الصفحة السابقة