استعدوا المصريين والتونسيين وشعبهم المسعود!

عجزة الرياض يقاتلون عن مبارك حتى النهاية

عبد الوهاب فقي

تكشف سلسلة المواقف السعودية تجاه الثورة المصرية، بأن (عجزة الرياض) قد فقدوا هم أيضاً ـ وليس حسني مبارك وطبقته الحاكمة ـ التواصل مع الحقائق على الأرض. ما الذي يدفع آل سعود للمقاتلة من أجل إبقاء مبارك في الحكم، في وقت يعلم فيه المبتدئ في السياسة بأن النظام المصري انتهى، وأن حسني مبارك قد مات بـ (الجمعة القاتلة) جمعة الغضب؟!

ترى ماذا كان يفكر الأمراء السعوديون وهم يتشاجرون مع أوباما؛ أو وهم يرسلون إلى مبارك شحنات الكاش؛ أو وهم يجدون مطالبهم تتطابق مع مطالب تل أبيب؛ أو وهم يشهدون تجربة مماثلة لإيران، حيث الشارع المصري يغلي بالملايين في كل المدن المصرية الرئيسية؟

لا نظن أن آل سعود كان يهمّهم حركة الشارع المصري؛ ولا حتى محاولة فهمها، فضلاً عن فهم مآلاتها واحتمالات انتصارها. الأمراء السعوديون كانوا يتعاطون السياسة من أعلى.. أما في القاعدة، فهم بعيدون عن الواقع. كل همّهم كان إجهاض الثورة، ولم تكن للأمراء خطط بديلة في حال سقط مبارك، بل أنهم حرقوا إمكانية التواصل مع الجمهور والمجتمع المدني والأحزاب السياسية المصرية كافة. لو تساءلنا اليوم: من بقي موالياً للسعودية بين النخب المصرية؟ من يجرؤ أن يتفوّه اليوم بجملة ودّ تجاه أمراء بقوا الى اللحظة الأخيرة يقاتلون الى جانب اسرائيل من أجل حماية النظام المصري؟

بشكل مبكر أعلن آل سعود انحيازهم الى مبارك وبشكل علني، وبلغة لا تخلو من الوقاحة. في فجر يوم 29/1/2011، وحسب وكالة الأنباء السعودية، اتصل الملك عبدالله من مقره في المغرب (بأخيه) مبارك ليطمأن (على الأوضاع في مصر الشقيقة). وقال الملك مندداً بالمتظاهرين:

(إن مصر العروبة والإسلام، لا يتحمل الإنسان العربي والمسلم، أن يعبث بأمنها واستقرارها بعض المندسين باسم حرية التعبير بين جماهير مصر الشقيقة، واستغلالهم لنفث أحقادهم تخريباً وترويعاً وحرقاً ونهباً ومحاولة إشعال الفتنة الخبيثة).

وبعد أن ألقى باللائمة على المتظاهرين واتهمهم بالعمالة قال الملك بأن المملكة تشجب ما يقوم به المتظاهرون وأنها (تقف بكل إمكاناتها مع حكومة مصر وشعبها الشقيق). وتابعت وكالة واس:

(وقد طمأن فخامة الرئيس محمد حسني مبارك خادم الحرمين الشريفين حفظه الله على أن الأوضاع مستقرة، وما شاهده العالم لا يخرج عن كونه محاولات لفئات لا تريد الاستقرار والأمن لشعب مصر، بل تسعى لتحقيق أهداف غريبة ومشبوهة، لكن مصر وشعبها عازمون على ردع كل من تحاول أن تسول له نفسه استغلال مساحات الحرية لأبنائها وبناتها، وأنها لن تسمح لأيّ كان أن يغرّر بهم، أو أن يستخدمهم لتحقيق أجندات مشبوهة وغريبة الطعم والرائحة)!

حسابات سعودية غير دقيقة بعد (جمعة الغضب). والأمراء العجزة لا يؤمنون بمراكز البحث ولا يهتمون برأي عام ولا قياس توجهاته، لهذا اعتادوا أن يسقطوا ويكبوا على وجوههم، حين يتخذون مواقف حادّة شديدة لا علاقة لها بالواقع، كما هذا التصريح آنف الذكر. بيد أن آل سعود أبوا إلا أن يكرروا أخطاءهم، وهم رعناء مثل مبارك.. لا يريدون أن يصدقوا بأن التاريخ انقلب عليهم ولم يعد يعمل في صالحهم. هم يعيشون أوهاماً، ويحللون الأوضاع بعقلية (العواجيز) ويبنون حصونهم على أوهام الرغبوية.

في الثلاثين من يناير، اتصل أوباما بالملك عبدالله لتهدئة غضبه، وليقول له: من الغباء محاولة إنقاذ حسني مبارك!. (واس) تقول عن ذلك الإتصال أنه تناول

(تطورات الأوضاع في المنطقة وما تشهده حالياً جمهورية مصر العربية الشقيقة من أحداث مؤسفة، واكبها أعمال فوضى وسلب ونهب وترويع للآمنين، مستغلين مساحات الحرية والتعبير محاولين إشعال نار الفوضى لتحقيق مآربهم المشبوهة وهو ما لا يقره الطرفان السعودي والأمريكي. وقد أكد خادم الحرمين الشريفين حفظه الله على أن استقرار مصر وسلامة وأمن شعبها الشقيق أمر لا يمكن المساومة عليه أو تبرير المساس به تحت أي غطاء. وقد تفهم فخامة الرئيس الأمريكي وجهة نظر خادم الحرمين الشريفين أيده الله بما يتفق مع استقرار المنطقة وأمنها)!

كان أوناسيس المليونير اليوناني قد حاول منع احتكار الغرب لنقل وشحن النفط السعودي، فأقنع الملك سعود بأن يؤسسا معاً شركة سفن لشحنه الى جهات الدنيا الأربع. وفي لحظة فاصلة، غيّر الملك سعود رأيه بأوامر أو ضغوط أميركية، فتألم أوناسيس وقال عبارة مهمة: (إنه خطئي أن حاولت أن أوقظ الموتى)!

لا يريد آل سعود أن يفهموا الواقع كما هو، ويعتقدون بأن إرادة أميركا أعلى من إرادة الله وإرادة الشعب المصري. لم يدرك الأمراء أن سياسة الغرب عامة تميل الى تقليص الخسائر المتوقعة من سقوط مبارك، فيما آل سعود يعتقدون بجهل أن مبارك باقٍ بوجه كل الدنيا. وأعلنوا بأنهم على استعداد لتوفير كل الدعم له، وتعويضه عن الدعم الذي يمكن أن يخسره من أميركا. وهكذا فآل سعود يريدون القتال حتى النهاية، ولتكن الخسارة ما تكون، فالمهم أن لا يسقط (عمود الخيمة) أبو الهول المصري!

سعود الفيصل، وزير الخارجية السعودي، بدا وكأنه لا خبرة سياسية لديه مطلقاً. كان واحداً من الصقور غير الراشدين المستميتين في الدفاع عن حسني مبارك. أي نظام هذا الذي لا يفهم أهمية أن تكون لديه خطط بديلة، ومواقف بديلة، لحماية مصالح مواطنيه. لماذا يعلق آل سعود كل علاقاتهم ومصالحهم مع مصر وشعبها وقواها السياسية على شخص مبارك الذي يرى الأعمى فضلاً عمن يزعم أنه بصير، أنه يترنّح وأنه سيسقط؟ لماذا لم يسأل آل سعود أنفسهم، عن عاقبة وقوفهم مع مبارك الى النهاية.. ماذا سيكون تأثير ذلك على العلاقة مع الشعب المصري ونخبه والحكومة القادمة؟ ولماذا لم يفترضوا ـ ولو مجرد افتراض ـ أن مبارك قد يسقط، فكيف سيكون الموقف آنئذ؟

اذا كان الملك وإخوته من كبار السن والعجزة الذين تقارب أعمار بعضهم التسعين عاماً.. لا يجيدون اتخاذ المواقف ولا يرون المصالح العامة للبلاد، فماذا عمن يوصف بأنه من الجيل الثالث المتعلم في جامعات الغرب؟! كيف يمكن لشخص أمضى 36 عاماً في وزارة الخارجية، ثم يرتكب مثل هذه الحماقات. قبل يوم من سقوط مبارك، كان سعود الفيصل يقول في برلين، بأن على الإتحاد الأوروبي الحفاظ على الشرعية المتمثلة ببقاء حسني مبارك رئيساً للبلاد!

والغريب أنه وقبل ساعات من سقوط الصنم المصري، وحسب وكالة الأنباء السعودية، يصف وزير الخارجية سعود الفيصل موجات الإحتجاج في مصر وغيرها من البلدان العربية بأنها (وليدة حراك مستورد) وأضاف: (نحن نُميّز بين ما هو مستورَد وما هو حقيقي وما يُعبِّر عن وضع داخلي هو شأن كل بلد، ونحن لا نتدخل فيه بأي شكل من الأشكال)!

الموقف السعودي من الثورة المصرية واضح منذ اليوم الأول لانطلاقتها. وما لم يقله المسؤولون السعوديون في بدايات الثورة، تكفلت (العربية) في التعبير عنه بالنيابة عن الموقف الرسمي.

الجمهور المصري نفسه أعلن مسبقاً موقفه من آل سعود، فهو يعرفهم جيداً كمخربين، ومفسدين لمصر، ودعاة للإستبداد وحماة الطغيان. لهذا لا غرابة أن ذلك الجمهور ومنذ الأيام الأولى للثورة كان يردد في مظاهراته:

السعودية مش بعيد

اتلمّ الخونة والعبيد!

أو شعاره: يا مبارك يا مبارك.. السعودية بانتظارك!

وسواء بقي حسني مبارك في شرم الشيخ، أو انتقل الى السعودية ليرافق صديقه زين العابدين بن علي، أو فضّل البقاء قريباً من استثمارات العائلة في دبي وأبو ظبي.. فإن السعودية لم تخسر نظامين حاكمين في تونس والقاهرة فحسب، بل خسرت جمهور الشعبين، وخسرت ما تبقى لها من سمعة، لتؤكد أنها بلد يحمي الطغيان والإستبداد. وفي الحقيقة لن تقف خسائر آل سعود عند هذا الحد، بل ستزداد على أصعدة كثيرة.

ما نخلص إليه هنا.. هو أن العقلية التي تتخذ المواقف السياسية في السعودية متخلفة الى أبعد الحدود. وفي كل الأحوال فإن رهانات أصحابها لا تعتمد على حسابات أصلاً، وإنما على أهواء ورغبات وتمنيات.

بالأمس القريب انسحب الأمراء (أصحاب العقول النيّرة!) ونفضوا يدهم من الملف اللبناني، في تواطؤ مع واشنطن، ومن خلال لعبة ظنّوا أنها متقنة لتوجيه ضربة الى دمشق وحزب الله. فجاءهم طوفان من حيث لم يحتسبوا: إسقاط حكومة الحريري، وتولي المعارضة السلطة، وتهميش الدور السعودي في لبنان الى أبعد حدّ له منذ ثلاثين عاماً.

ثم جاءت ثورة تونس، فاستخفوا بعاطفة الشعب واستقبلوا الطاغية زين العابدين بن علي في ديارهم!

واليوم يقف السعوديون حتى النهاية، حتى الخسارة، مع مبارك، ليسقطوا معه. ولا عزاء لهم.

لا عزاء.. لأن من الجهل ما قتل. وإن النظام السعودي بلغ حدّه في الخرف والهرم، ولم تعد ردود فعله منسجمة مع طبيعة الأحداث، فضلاً عن أن يقوم أساطينه بالفعل ابتداءً. ما جرى في مصر وقبله في تونس يبيّن كم هم آل سعود بعيدون عن الواقع. عقلية متخلفة وقديمة، يصعب علاجها أو إصلاحها، ولا بدّ أن يتم التعاطي معها مثلما تم التعاطي مع مبارك عبر التنحي. بل عبر (الخلع)!

الصفحة السابقة