الإصلاح السعودي ووقفة صديقي!

مجاهد إبراهيم عبدالمتعالي

الإصلاح في السعودية.. كلمة كررها على مسامعي صديق لي مضيفا: لنقف مع الإصلاح فهو المستقبل الأفضل.. ثم حذرني من السوداوية التي أعيشها ليرجوني أن أقف مع الإصلاح فقلت له: من منا لا يريد الإصلاح!! لكن قطعا، كلنا لا نريد تكرار وهم مجلس الشورى، فقط نريد تفعيلا.. كم كان أبي ـ رحمه الله ـ مجحفا عندما بقيت إلى سن العشرين لا أجيد قيادة السيارة فكان يكبتني بكلمة (يا ولدي أنت تجيد القيادة ثم يسألني عن إسم المقود فأخبره ثم يسألني عن المكابح والموتور و.. و.. الخ ثم يقول: أرأيت أنت تعرف كل شئ في السيارة ولهذا أنت سائق ممتاز).

ربما هذا الإسلوب الأبوي جعلني أعتب على السعودية كعتبي على أبي عندما تأخرت في القيادة إلى هذا العمر الذي عشته مدار سخرية من قبل زملائي آنذاك، فالسعودية محتارة بين طرحين:

طرح إسلامي يراهن على الخصوصية، وطرح ليبرالي يراهن على حريات أعلى ومشاركة عالمية فاعلة على المستوى الدولي ـ ما زال الإسلاميون يحرمون الإستفادة من آثار الإخدود ومدائن صالح كإستثمار سياحي والشواهد كثيرة في تاريخهم المديد، التي تذكرني بما قاله لي أحد السياسيين العرب، عندما سألته عن التجربة الإسلامية في بلدهم فقال: التجربة مضحكة ومخجلة فعندما جاء الإستثمار الأجنبي لمشروع بسيط (الصابون) توقفنا لنرى الطرح الإسلامي فكانت المفاجأة أنهم يقولون: إعملوا ونحن نقيم عملكم هل يوافق الشريعة أم لا؟ وعندما طلبنا منهم العمل بأنفسهم كانت المفاجأة أنهم لا يجيدون سوى التنظير، فحتى أبجديات التفاوض في العقود لا يملكونها، فتذكرت حينها ما يقوم به غازي القصيبي وما يقوم به الآخرون من عمل.. الفرق واضح فالإسلاميون لا يجدون الحلول سوى في عالم ما وراء الطبيعة ليزايدوا به على كل منظر حقيقي؛ فلكي نحل مشكلة البطالة ليس بالضرورة توفير الوظائف بل يكفي محاضرة عن تقوى الله، متناسين كلمة عمر رضي الله عنه أن السماء لا تمطر ذهبا ولا فضة.

أما المواطن السعودي العادي ـ واشير هنا إلى المواطن التقليدي إبن الشارع السعودي والذي يمثل الغالبية العظمى المشكلة للصوت العام ـ فمازال سلبيا كعادته فالدولة جعلته كالطفل المدلل الذي ينتظر من والدية إيصال اللقمة إلى فمه، ولم يدرك أن ذويه لم يعودوا بذلك الثراء فلا بد أن يكون فاعلا إن أراد الحياة الكريمة.

أما النخبة الليبرالية فلقد برزت كمنافس قوي يزايد على الوطنية في سبيل سحق الرهان على الهوية، ولنطرح بذلك تساؤلا يحتاج لمقال آخر وهو: أيهما سيكسب؟ الوطنية ومن وراءها الليبراليون أم الهوية ومن وراءها الإسلاميون؟ ولماذا تأخر تفعيل الإصلاح ليكون إيديولوجيتنا القادمة ومن السبب في ذلك الليبراليون أم الإسلاميون؟!

إن ما نلحظه على الإسلاميين هو الرغبة في السلطة غير المباشرة وكذلك يفعل أرستقراطيو الليبرالية، ولهذا فمنطلقات الطرفين في الإصلاح لا تتجاوز ما تم تحقيقه على أرض الواقع، فالإصلاح عندنا يذكر بتلك المرأة التي تجيد صنع البطاطا المسلوقة فقط وعندما طولبت بتغيير الوجبة الدائمة من البطاطا، فقد فكرت ثم قدرت لتخرج علينا بالبطاطا أيضا ولكن هذه المرة مقلية.

إلا أن طريقة الإصلاح الميكافيللية فضحت دعاة الإصلاح من ليبراليين وإسلاميين لنجد النخبويين المزيفين من كلا الطرفين وقد إستهوتهم الطريقة الميكافيللية لمعالجة صراخهم النخبوي وذلك بانشاء مجالس بكل الألوان والأسماء وقد يخصص لها مستقبلا ميزانية لتعطي هؤلاء النخبويين مكانة إعتبارية ومادية تجعلهم لا يتجاوزون مجهودات مجلس الشورى ـ الذي يكفي تفعيله بشكل حقيقي ليغنينا عن أي مجالس أخرى تستهلك ميزانية الدولة المنهكة ـ وبهذه الطريقة يتم شراء ذمم النخبة عن طريق النخبة نفسها؛ والنخبة السعودية أدركت ثمن صراخها الآن وها هي تريد قبض الثمن.

هل النخب ستتكلم بعد أن تعطى مكانتها الإعتبارية من خلال مجالس لن تتجاوز قراراتها قرارات متحدثي الهايد بارك؟!

أين المواطن من كل هذا؟!، وأقصد ذلك المواطن الذي أسأله عن مفهوم الإصلاح في السعودية، فلا يتجاوز بي في إجابته حدود مطالب الأبقار الإفريقية من مأكل ومشرب ومسكن.

أما الحقوق الأخرى فلا يتقن لعبتها سوى النخبة الليبرالية الجائعة التي تريد نفس حصص الإسلاميين من الشرهات والمشالح الغالية (البشوت)؛ والإسلاميون الجدد يريدون نفس مكاسب سابقيهم وهكذا.. فالجوعى زاد عددهم، والمال لم يعد متوفرا كما كان لإسكات كل الأفواه المتسلقة، ولم يعد هناك سوى طريق التوقف عن الإستنزاف والتوجه نحو إصلاح حقيقي يرضي الجميع ويسكت كل الأطراف.

قد نستغرب تدخل أمريكا الملح في عملية الإصلاح ولكن الحقيقة تقول: إن حادثة 11 سبتمبر أكدت أن الوعي الحكومي للدول العربية بعظمة أمريكا غير كاف للردع من الإعتداء، ولهذا لا بد من إشراك المواطن أيضا في اللعبة السياسية بشكل يجعله يدرك قوتها فلا يتهور كما تهور التسعة عشر مواطنا في منهاتن.

ولهذا كان لابد من من توجيه درسين:

الدرس الأول في أفغانستان وهو موجه للإسلاميين.

والدرس الثاني في العراق وهو موجه للحكومات العربية وشعوبها، ولهذا فقد تألمت الشعوب العربية للمواطن العراقي وأدركت معنى الهيمنة الأمريكية واقعا ملموسا إنتهت معه دعاوى النضال الزائفة.

منذ بدأت محاربة الفساد في السعودية، وأنا أتأمل التفعيل ليتحول الخطاب فجأة وبدون مقدمات من محاربة فساد إلى إصلاح دون المرور بمرحلة التخلص من المفسدين، لنتأمل الدول من حولنا.. محاكمات.. إقالات.. إستجواب وزراء.. نقاشات حادة في البرلمانات.. الخ.

لكن خصوصيتنا القاتلة التي يكبلنا بها الإسلاميون جعلتنا كالمعاق الذي يطلب من العالم مراعاته في كل شئ بحجة إعاقته، بالرغم أن الخصوصية التي أفهمها تعني شيئا من التفوق على الآخرين لا الإعاقة عنهم، فهل يعقل أن خصوصيتنا الدينية التى نفاخر بها تكون عائقا.. هل نعتقد أن تمثيلنا لدور الراهب المتدين الذي يسبح الله ليل نهار سيجعل العالم يقبل أيادينا طلبا للبركة، ونحن ضمن عالم يقدس المصالح، ويقوم على علمانية مفرطة وقديمة قدم دراهم معاوية التي هزمت سجادة علي.

السعودية تراهن على قدرة أبنائها لتفهم الإصلاح؛ لكن ما العمل إذا طال أمد تفهم المواطن؟ هل سنقع في حرج مع العالم.. لا أظن، فوطني بكر خصبة وستلد كل خير إن شاء الله، فالعيب ليس من السعودية بل ممن يحشو عقول مواطنيها بخصوصية كخصوصية طالبان التي إمتنعت عن المشاركة في التفاعل الدولي فكانت أثرا بعد عين.

بعد كل هذا العرض هل هناك من مخرج؟ نعم. ولأضع أول لبنة معترفا أن الهوية الإسلامية ستبقى في دمائنا ما دمنا مسلمين، ولا مشكلة مع الهوية بقدر ما هو خلاف حول الرؤية المثلى لهذه الهوية، فمن نسمعهم من المشاركين في الإصلاح من الإسلاميين وخصوصا عرابي المراهقين في الثمانينات إن هم إلا مزايدين ليصبحوا الطابور الثاني من حماة العقيدة والدين بعد إحالة الجيل الأول للتقاعد، وهذا محال وإلا سنعود لنفس الإرتكاسة.

فهؤلاء يمارسون الدين كما تمارس السياسة بجميع قذاراتها اللاأخلاقية من براغماتية وميكافيللية، أي أن الأساس الديني غير موجود؛ فهم يدعون الآن للتعددية لا لقناعاتهم الشرعية ولكن للميكافيللية المفرطة التي استطاعوا بها أن يحافظوا على بقائهم وتواجدهم من خلال الموازنة بين كفتي السلطة والشعب، والتي تؤكد أنهم لو وجدوا الريح المواتية لعادوا كما كانوا، ولظهرت أنيابهم القديمة، لتصفية بني جلدتهم من السعوديين، الذين كان قدرهم أن يكونوا شيعة مثلا، فكيف أثق بأمثال هؤلاء، ومواقفهم المتذبذبة ـ بين فقههم الموروث الدوغمائي ورغبة حكومتهم في تحقيق المواطنة ـ تكاد تشي بهم.

لا يسألني أحد كيف يكون المستقبل.. فالبرجان سقطا فجأة بأيديولوجية شعبية، وعدي وقصي قتلا بأيديولوجية أمريكية، وبين الإيديولوجيتين يكمن رهان الحكومات فهل من مدكر.

نقلاً عن إيلاف

الصفحة السابقة