هل تكرر السعودية تجربة عام 1923؟

الدور السعودي لإخماد ثورة البحرين

يحي مفتي

منذ أحداث الثورة البحرينية في ايامها الأولى في 14 فبراير الماضي، أفادت الأنباء بوصول قوات سعودية عبر جسر البحرين ـ السعودية لدعم نظام حكم آل خليفة. الآن الخبر يتكرر وبالصور عن وصول قوات سعودية اضافية، ضمن ما سمي بقوات درع الجزيرة.

الباحثون في تاريخ البحرين من الذين يتابعون الأوضاع البحرينية اليوم سيتوقفون عند أوجه التشابه بين 2011 و1923م. في هذا العام الأخير، اعترضت الأكثرية الشيعية على التمييز الطائفي وطالبت بإصلاحات إدارية، وغيرها. يومها كان الوجود الأجنبي قارّاً في تلك الجزيرة، حيث المعتمد السياسي البريطاني هو صاحب الكلمة العليا والنهائية.

تدخل الملك عبدالعزيز يومها فأشعل فتنة طائفية لا تبقي ولا تذر، بدأت من سوق المنامة، وموّلها ممثله في البحرين عبدالعزيز القصيبي، ثم حرّض الدواسر على الإصطدام، وعدم الخضوع الى آل خليفة، فوضعوا شروطاً على حاكم البحرين، وهددوا بالخروج من البحرين (أي الدواسر) والإستقرار في المنطقة الشرقية السعودية. الإنجليز وشيخ البحرين يومها رفضا التصرّف السعودي، ورحلوا عبدالعزيز القصيبي، فيما استقبل ابن سعود الدواسر (بعضهم طبعاً) وأسكنهم في الخبر التي لم تكن سوى صحراء تصفر فيها الرياح، وأتى لهم بسعف النخيل من القطيف والأحساء لبناء بيوت لهم.

في عام 1923 أصرّ الإنجليز انه لا يمكن بقاء نظام الحكم في البحرين ما لم يتم إصلاحه ولو جزئياً. وكانوا يقولون: لا يمكن بقاء نظام الحكم إذا ما استمرّ في سياسة التمييز الطائفي الحادّة. وقد بدئ فعلاً ببعض الإصلاحات الإقتصادية واصلاح نظام الغوص والتمليك وما أشبه.

بعد ثمانية عقود، وبعد تأزم سياسي وعنف متواصل، يقرر ملك البحرين التنازل ولو قليلاً فيجري بعض الإصلاحات لم تكن كافية لتنفجر الأمور بعد عقد، فيطالب المواطنون بالإصلاح السياسي وبدستور تعاقدي وبمساواة بين المواطنين، وبتنازل من العائلة المالكة عن بعض صلاحياتها للأكثرية الشعبية.

لم يقبل آل خليفة.. وآل سعود معهم. وقد كان هؤلاء الأخيرين ينتقدون حاكم البحرين لأنه أجرى ابتداءً إصلاحات سياسية، وكانوا يصرون عليه بأن لا يمضي فيها، لأنها تؤثر على بقية دول الخليج.

انفجر الوضع، واستنجد الحكم بالورقة الطائفية، وبقوات السعودية وأموالها.

تأزم الوضع أكثر في 13 مارس، وأبلغ الأمراء السعوديون آل خليفة بأنهم لن يسمحوا بأن تحصل الأكثرية الشيعية ـ حتى ولو كان عبر الإنتخاب ـ على مكانة سياسية يمكن لها أن تشجّع الشيعة في السعودية على المطالبة بمثلها.

البحرين كما اليمن حديقتان خلفيتان للسعودية. وإن أي تغيير فيهما سيؤثر بلا شك على الوضع السعودي برمته.

مشكلة الأمراء السعوديين أنهم يدفعون الحكم في البحرين كما في اليمن لاستخدام القوة تجاه الجمهور والبقاء رغم أنف الشعب.

ولقد قدّم السعوديون تنازلات للأميركيين بشأن ليبيا (غطاء سياسي للحظر، وأموال وسلاح للمعارضة، وزيادة انتاج النفط لتهدئة الأسواق) مقابل كبح الثورتين اليمنية والبحرينية. وكأن هاتين الثورتين بيد أميركا تلعب بهما.

يريد النظام في الرياض كما في صنعاء والمنامة تجربة العنف في حدوده القصوى، بدلاً من التنازل من أجل قيام ملكية دستورية، شبيهة بما يجري الترتيب له في المغرب. وقد بدأت موجة العنف، وتلاها التدخل السعودي لدعم نظام الحكم ومواجهة الأكثرية التي تقول بسياسة (لا يفنى الغنم ولا يجوع الذئب).

لا تستطيع السعودية تحمّل مناخ ديمقراطي مجاور، وقد خرّبت التجربة البحرينية ودفعت بالإنقلاب عليها عام 1975 حيث ألغت العائلة الخليفية البرلمان وحلّت الدستور، ولاتزال السعودية سبباً اساسياً في ديمومة العنف والقمع في كل المنطقة. لكن هذه المرة، يبدو مناخ التغيير عاصفاً جارفاً ليس له بؤرة واحدة يمكن إخمادها، وإنما تتعدد بؤرها وتأثيراتها.

في كل الأحوال لن تنجح السعودية في فرض نظام ديكتاتوري في البحرين. والعائلة المالكة الخليفية قد تخسر مقعدها الى الأبد إن لم تقبل بأنصاف الحلول واعتمدت على العنف والقمع. هذا الزمن لم يعد فيه الرصاص حاسماً في حماية الديكتاتوريات والبيوتات الملكية الفاسدة المستبدة.

أما التدخل السعودي العسكري في البحرين، فهو أشبه ما يكون باحتلال سعودي، كان البحرينيون ـ بمن فيهم آل خليفة ـ لا يحبّذونه. لقد أراد البعض أن يصور دعاة الثورة الديمقراطية في البحرين بأنهم عملاء للأجانب، وان الصراع ليس بين الشعب الثائر والعائلة المالكة الفاسدة، بل بين ايران والسعودية على الغنيمة البحرينية. الآن لا نرى سوى السعودية التي تتدخل بشكل مباشر، ولكنها تبكي من التغطية الإعلامية لقناة العالم، فيما العربية وقناة الجزيرة لا تريان ثورة في البحرين بالمرّة.

إنها العين الطائفية، وتحويل مطالب الحرية والديمقراطية الى الخانة الطائفية.

بئسها من أنظمة فاسدة.

الصفحة السابقة