تصدير القمع وتجربة نظام فاشل:

الثورة السعودية المضادّة في البحرين

توفيق العباد

لا يوجد مثال أوضح في قراءة الثورة المضادّة التي تقودها السعودية، من البحرين.

ماذا فعلت السعودية:

1/ أرسلت قواتها الى البحرين لقمع الحراك الشعبي هناك. وهذا أقصى ما يمكن لدولة أن تقوم به. وهناك أنباء مؤكدة تفيد بأن السعودية تدخلت بدون إذن كامل الطاقم السياسي البحريني، واعتمدت فقط على موافقة أولية وشفهية من رئيس الوزراء، الذي يعتبر الأشرس في مواجهة التغيير. كان لدى السعودية الإستعداد الكامل للتدخل عسكرياً بموافقة رسمية أو بدونها.

نايف وخليفة: اتحاد قوى الثورة المضادة!

2/ اختطفت السعودية جزءً كبيراً من قرار البحرين السياسي، وفرضت أجندة الحلّ الأمني، ولاتزال.

3/ روّجت السعودية للخطاب الطائفي، وصورت ما جرى في البحرين وكأنها معركة مذهبية بين الشعب، بينما القضية هي بين الشعب وحكومته. كما عمد التدخل السعودي الى تعويم المشكلة وخلق معركة إقليمية طائفية تتخطّى موضوع البحرين وصراع المعارضة مع حكم آل خليفة.

4/ منذ التدخل السعودي، جرى ترويج للحرب المذهبية، وللإعلام الطائفي، وقد كان هذا دأب الإعلام البحريني الرسمي، خاصة التلفزيون (الذي يسيطر عليه رئيس الوزراء) والذي لازالت برامجه تتسم بالتطرف والطائفية.

5/ انتعشت القوى السلفية (الوهابية) في البحرين، وفي مقدمتها النائب السعيدي، الذي يهاجم المواطنين المختلفين معه مذهبياً، ويدعو لحرب إقليمية، تماشياً مع السياسة السعودية. وشيئاً فشيئاً صار للنفوذ السلفي قوّة لم يكن يحلم بها لولا التدخل والدعم السعوديين.

6/ سدّ التدخل السعودي آفاق الحل السياسي للأزمة البحرينية. فالسعودية لا تريد حلاً سياسياً، ولا إصلاحاً في البحرين، فضلاً عن أن تكون هناك ثورة تطيح بملكية مجاورة. هناك تعاضد بين السعودية (نايف وزير الداخلية) مع (رئيس وزراء البحرين خليفة) لرفض الحلول السياسية، والإستمرار في الحل الأمني، وقد كان هناك سعي في الأساس، للعودة الى مربع التسعينيات الميلادية الماضية. وكل الإجراءات الحكومية منذ قمع الإحتجاجات في البحرين تؤكد استخدام سياسة استئصالية تجاه كل القضايا: خنق حرية التعبير؛ الإعتقالات الجماعية؛ الفصل من الوظائف؛ سجن نواب منتخبين ورؤساء جمعيات سياسية؛ التعذيب والإعتداء على الأعراض؛ طرد عشرات الصحافيين؛ أحكام الإعدام؛ محاكمة الأطباء؛ فصل الطلبة المبتعثين والمحليين وأساتذة الجامعات؛ السعي لحل الجمعيات السياسية؛ تعويق عمل المؤسسات الحقوقية المحلية؛ اعتقال الناشطين الحقوقيين؛ تدمير دور العبادة للشيعة... وغير ذلك كثير.

الآن وبعد أن دعا الملك الى حوار وطني ـ بضغط غربي، فإن الكثيرين يتوقعون له الفشل، بسبب السعودية بالذات والتي ترفض أن تعود الأمور الى ما كانت عليه ويتم معالجة الأزمة بالسياسة. السعودية تريد أن تكون البحرين نسخة منها، وإن قواتها في البحرين تمثل الورقة الأقوى في ذلك، خاصة وأن رئيس الوزراء البحريني يؤيد هذا المنحى العنفي، لأنه يعلم بأن نجاح الحوار يعني إزاحته من السلطة، وفي أفضل الأحوال سحب صلاحياته. لا حوار ناجح في وجود رئيس الوزراء البحريني. من شبه المستحيل أن يفضي الحوار الى نتائج، خاصة وأن التهيئة لم تتم له حتى الآن.

كأن هناك سياستان: واحدة أميركية غربية تضغط على رأس الهرم (الملك وولي عهده) للتراجع عن السياسات السابقة كتهيئة للحوار، وتقديم تنازلات سياسية تعزز الديمقراطية وحقوق الإنسان؛ وأخرى سعودية تقوم عكس ذلك على الأرض. فمع وجود دعوة للحوار: لازالت السعودية تتشدد وتضغط من أجل المزيد من القمع، حيث يجري فصل الموظفين، ومحاكمة الناشطين والأطباء، وغير ذلك. هذه ليست أجواء حوار، ولا تهيء لحوار.

السعودية في أفضل حالاتها تريد حواراً للإستهلاك الإعلامي، مثل حوارها الوطني المزعوم الذي لم ينفذ منه توصية واحدة، رغم مضي أكثر من سبع سنوات على إقامته. بل اتجهت السعودية الى المزيد من القمع على أراضيها، فلماذا تريد أن تكون البحرين نسخة أخرى مختلفة عنها؟!.

الملك الذي فقد سلطته على الأرض لصالح عمّه بمجرد دخلت القوات السعودية، رأى أن ما يقوم به عمّه مفيداً حين يتولى الأعمال القذرة ليتدخل فيما بعد ويظهر نفسه وكأنه غير راض، وأنه مع الحوار والإصلاح السياسي. ولكن هذه السياسة لم تنجح، فعمّه خليفة والسعودية لن يقبلا اليوم بأن يستعيد زمام المبادرة، ولا إنجاح الحوار.

هناك شعور عام لدى الغربيين بأن أيام رئيس الوزراء البحريني قد شارفت على الإنتهاء؛ وأن لا حلّ أمام البحرين إلا بإزاحته بعد أربعين عاماً من التحكم في قرارها السياسي. هذا ما يريده البحرينيون. لكن هل تسمح السعودية بذلك؟ بالطبع لا.

إن إبعاد رئيس وزراء البحرين من منصبه يعني فشلاً للنهج القمعي السعودي، وتمدداً للحالة البحرينية الإصلاحية ـ نصف الثورية ـ الى السعودية نفسها، خاصة الى المنطقة الشرقية التي ترتبط بوشائج اجتماعية وثقافية وتاريخية مع البحرين.

ليس كل التدخلات السعودية تنجح في نهاية الأمر.

لكن المعركة السعودية المضادة للثورات، بل المضادة لكل أنواع الإصلاح والتغيير، مستمرة: على أراضيها وعلى أراضي الغير أيضاً!

الصفحة السابقة