كيف يدير السديريون الثورة المضادة؟

ثيري ميسان

نشرت شبكة فولتير على شبكة الإنترنت في 3 يونيو الجاري مقالاً للصحافي الفرنسي ثيري ميسان، مؤسس ورئيس شبكة فولتير ومعسكر مؤتمر السلام حول الثورة المضادة في الشرق الأوسط. جدير بالذكر، أن ميسان يخصّص أعمدته حول العلاقات الدولية وينشرها في الجرائد والمجلات الإسبوعية باللغات العربية، والاسبانية، والروسية. ومن آخر كتبه المطبوعة باللغة الانجليزية: كذبة 9/11 الكبرى، وبنتاجيت.

الفرع السعودي، السديري، يدير المدّ الثوري المضاد الذي أطلقته الولايات المتحدة وإسرائيل في الشرق الأوسط. في تقييم واسع، نشر في شكل متسلسل عن طريق جريدة ريادية باللغة الروسية، يرسم ثيري ميسان من دمشق صورة عامة عن التناقضات التي تواجه المنطقة. وفيما يلي ترجمة لنص المقالة:

في غضون شهور، سقطت ثلاث حكومات موالية للغرب في العالم العربي: أزال البرلمان اللبناني حكومة سعد الحريري، فيما أزاحت حركات شعبية زين العابدين بن علي في تونس، وحسني مبارك في مصر.

أعقبت هذه التغييرات مظاهرات ضد هيمنة الولايات المتحدة والصهيونية. لقد أفادوا سياسياً من معسكر المقاومة المؤلّف من إيران وسورية على مستوى الدول، وعلى مستوى غير ذلك عن طريق حزب الله وحماس.

وفي سبيل قيادة ثورة مضادة في المنطقة، إعتمدت واشنطن وتل أبيب على أفضل داعم لهما: الفرع السديري، الذي يجسّد الطغيان في خدمة الإمبريالية دون أي طرف آخر.

السديريون

ربما لم تكن سمعتَ بهم من قبل، ولكن لعقود كان السديريون أغنى منظمة سياسية في العالم. ومن بين ثلاثة وخمسين إبناً للملك ابن سعود، مؤسس السعودية، فإن السديريين هم سبعة ولدوا من أميرة سديرية. قائدهم كان الملك فهد، الذي حكم من 1982 الى 2005. وهناك ستة مازالوا على قيد الحياة. أكبرهم سناً هو الأمير سلطان، وزير الدفاع منذ 1962، والذي يبلغ من العمر 85 عاماً. وأصغرهم سناً، ويبلغ 71 عاماً، الأمير أحمد، نائب وزير الداخلية منذ العام 1975. ومنذ الستينيات كان فرعهم الذي نظّم، وركّب، وموّل الأنظمة الصورية الموالية للغرب في (الشرق الأوسط الكبير).

الحاجة للعودة للوراء هنا

السعودية كيان أنشأه البريطانيون خلال الحرب العالمية الأولى لإضعاف الإمبراطورية العثمانية. وبالرغم من أن لورانس العرب قد اخترع فكرة (أمّة العرب)، فإنه لم يعمل مطلقاً على تحويل هذه الأمة الى بلد، فضلاً عن دولة. فقد كانت ومازالت ملكاً خاصاً لآل سعود. وكما كشفت التحقيقات البريطانية بخصوص فضيحة اليمامة الى في القرن الواحد والعشرين، فليس هناك حتى الآن حسابات بنكية أو ميزانية للمملكة. إنها حسابات العائلة المالكة التي تخصص لإدارة المملكة، والتي تعتبر مجالاً خاصاً.

وقعت المنطقة تحت سيطرة الولايات المتحدة بعد الحرب العالمية الثانية، حين لم يعد بمقدور المملكة المتّحدة الحفاظ على إمبراطوريتها. الرئيس فرانكلين دي. روزفلت أبرم إتفاقية مع الملك ابن سعود: تكفل عائلة آل سعود إمدادات النفط الى الولايات المتحدة في مقابل تأمين المساعدة العسكرية الضرورية للحفاظ على بقاء آل سعود في السلطة. وقد عرف هذا التحالف بإسم (Quincy Agreement)، وتمّ التفاوض بشأنها من قبل الإسم نفسه (كوينسي)، ولكن دولة وعائلة.

إتفاقية كوينسي تربط أميركا بالعائلة السعودية

كان لدى الملك المؤسس، إبن سعود، 32 زوجة و53 إبناً، ولم تكن منافسات جادة بين الورثة من السهولة بروزها. ولذلك تقرر أن العرش لا ينتقل من الأب إلى الإبن، ولكن من أخ غير شقيق إلى أخ غير شقيق آخر.

خمسة من أبناء إبن سعود جلسوا على العرش حتى الآن. وأن الملك الحالي، عبد الله الأول، 87 عاماً، يعتبر شخصاً منفتحاً ذهنياً، بالرغم من أنه غير مواكب بالمرة للوقائع الجارية اليوم. يدرك بأن النظام السلالي الجاري يؤول إلى الانهيار، فهو ينوي إصلاح قوانين التوريث. ولذلك، فإن ولي العهد سيعيّن من قبل مجلس المملكة ـ وهذا يعني اختياره من قبل ممثلين عن عدّة فروع من العائلة المالكة ـ وقد ينتقل بصورة ما إلى الجيل الشاب.

هذه الفكرة الحكيمة لا تناسب الجناح السديري. في واقع الأمر، بالنظر الى التنازلات المتعددة عن العرش لأسباب صحية أو الإنغماس في الملذات، فإن الثلاثة المرشّحين التالين ينتمون الى الجناح السديري: الأمير سلطان، والذي عيّن سابقاً وزيراً للداخلية، 85 عاماً، والأمير نايف، وزير الداخلية، 78 عاماً، والأمير سلمان، حاكم الرياض، 75 عاماً. وإذا ما تم تطبيق ذلك، فإن القانون السلالي الجديد سيعمل لصالحهم.

وبإمكان المرء أن يفهم بسهولة أن الجناح السديري، الذي لم يهتم مطلقاً بالأخ غير الشقيق، الملك عبد الله، يكرهونه في الوقت الراهن. وأيضا، قرروا أن يرمون بكل قواهم في الصراع الجاري.

عودة بندر بوش

في أواخر السبعينيات، كان يترأس الجناح السديري الأمير فهد، الذي لحظ خصائص نادرة لدى أحد أبناء أخيه سلطان: الأمير بندر. فأرسله الى واشنطن للتفاوض حول عقود أسلحة، وكان معجباً بالطريقة التي أدار فيها الاتفاق مع الرئيس كارتر.

بندر بن بوش: العودة الى التآمر على الثورات

وحين اعتلى فهد العرش في العام 1982، كان الأمير بندر موضع ثقة. وقد تمّ تعيينه ملحقاً عسكرياً، ثم سفيراً الى واشنطن، وهو منصب تولاه حتى طرده المفاجىء من قبل الملك عبد الله في العام 2005.

إبن الأمير سلطان، عبد ليبي، شخصية بارعة ومتوحّشة الذي يميّز نفسه داخل العائلة المالكة بالرغم من الوصمة الملصقة بأصله من ناحية أمه. وهو الآن الذراع العاملة للجناح السديري الكهل.

خلال إقامته الطويلة في واشنطن، عقد الأمير بندر صداقة مع عائلة بوش، وخصوصاً جورج إتش بوش، الذي لم ينفصل عنه. الحرف الذي يمكن أن يصوّره باعتباره الإبن الذي يحب أن يكون له، ولذلك كان لقبه بالحرف الكبير هو (السيد بندر بوش). ما يقدّره فيه جورج إتش، الرئيس السابق لوكالة الاستخبارات المركزية سي آي أيه والولايات المتحدة بصورة أكبر هو ذوقه في الأعمال غير القانونية.

(السيد بندر بوش) بالحرف الكبير، حجز مكاناً لنفسه في الطبقة العليا في المجتمع الأميركي. فهو مدير مدى الحياة لمعهد أسبن وعضو بوهيميان جروف. سمع المجتمع البريطاني عنه من خلال فضيحة اليمامة: أكبر صفقة أسلحة في التاريخ، وكذلك أكبر فضيحة فساد. وعلى مدى عقدين (1985 ـ 2006)، باعت بريتيش أيروسبيس، التي أصبح أسمها لاحقاً، بي أيه إي سيستمز، ما قيمته 80 مليار دولار من الأسلحة للسعودية فيما تم إيداع وبصورة هادئة حصّة من هذا المبلغ في حسابات بنكية لسياسيين سعوديين وربما سياسيين بريطانيين، فيما ذهب 2 مليار دولار الى الأمير بندر وحده.

ذلك لأن لدى سموه الكثير من النفقات، فقد أخذ الأمير بندر على عاتقه مسؤولية العديد من المقاتلين العرب الذين تدرّبوا من قبل المخابرات الباكستانية والسعودية خلال الحرب الباردة لمقاتلة الجيش الأحمر في أفغانستان بطلب من الـ سي آي أيه، والـ إم آي 6. بالطبع، الشخصية المشهورة في هذا الصدد ليس سوى البليونير الذي تحوّل الى جهادي ضد الشيوعية، أسامة بن لادن.

من المستحيل القول بالدقة كم عدد الرجال الذين كانوا تحت تصرّف الأمير بندر. وبمرور الوقت، شهدنا ضلوعه في كثير من النزاعات والأعمال الإرهابية عبر العالم الإسلامي من المغرب وصولاً الى الصين. على سبيل المثال، قد يستدعي المرء الجيش الصغير الذي قام بزرعه بإسم فتح الإسلام في المخيم الفلسطيني في نهر البارد في لبنان. وكانت مهمة هؤلاء المقاتلين هو تحريض اللاجئين الفلسطينيين، وأغلبهم من السنّة، لإعلان إمارة مستقلة ومحاربة حزب الله. ولكن الأمر تحوّل الى شيء مر، حين لم يتم دفع مرتبات المرتزقة في الوقت المناسب. وفي نهاية المطاف، في 2007، حصّن رجال الأمير بندر أنفسهم في المخيم. واضطر 30 ألف فلسطيني على النزوح، فيما شنّ الجيش اللبناني معركة لمدة شهرين لإعادة السيطرة على المخيم. وقد كلّفت هذه العملية أرواح 50 من المرتزقة، و32 فلسطينياً مدنياً، و68 جندياً لبنانياً.

وفي بداية 2010، خطّط بندر لعملية إنقلابية لإطاحة الملك عبد الله وتعيين والده، سلطان على العرش. تم اكتشاف المخطط، وغادر بندر بانكسار وفضيحة دون، على أية حال، أن يخسر مناصبه الرسمية. ولكن في أواخر 2010، منح إنهيار صحة الملك وعمليته الجراحية الجناح السديري اليد العليا فقاموا بوضع الترتيبات لعودة بندر بدعم من إدارة أوباما.

كان ذلك بعد زيارة قام بها للملك، الذي كان يرقد في واشنطن، وتوصّل على وجه السرعة بأنه سيموت، وأن رئيس الوزراء اللبناني الحريري إصطف الى جانب الجناح السديري. سعد الحريري، سعودي، ولد في الرياض، ولكن بجنسية مزدوجة. ورث ثروة من أبيه، المدين في كل شيء إلى آل سعود. ولذلك، التزم بما قرره الملك وأصبح رئيس وزراء لبنان بموجب إلحاح الملك، فيما كانت وزارة الخارجية الأميركية قلقة حيال قدرته على ملء المنصب.

وخلال تلك الفترة، حين كان عليه أن يطيع الملك عبد الله، بدأ سعد الحريري التصالح مع الرئيس بشار الأسد، وسحب الإتهامات التي وجّهها ضده حول اغتيال والده، رفيق الحريري، واعتذر عن أنه خضع تحت تأثير تضليل لخلق توتر بين لبنان وسوريا. وفي مباركته للجناح السديري، قام سعد بتراجع سياسي. وبين عشية وضحاها، جحد سياسة الملك عبد الله في المصالحة إزاء سوريا وحزب الله وشنّ هجموماً ضد نظام بشار الأسد، ونزع سلاح حزب الله، من أجل الصلح مع اسرائيل.

على أية حال، فإن الملك عبد الله خرج من حالة شبه الغيبوبة، ولم ينتظر طويلاً لطلب المحاسبة. وكونه حرم من هذا الدعم الجوهري، فإن سعد الحريري وحكومته سقطت من قبل البرلمان اللبناني لصالح نجيب ميقاتي، وهو مليونير وطني، ولكنه مغامر أقل. وكعقاب، أمر الملك عبد الله بفتح تحقيق ضريبي في شركات الحريري داخل السعودية، وتمَّ اعتقال كثير من معاونيه بتهمة الفساد وانتهاك القوانين.

الجحافل السديرية

قرّر الجناح السديري قيادة الثورة المضاد في كل الإتجاهات. في مصر، حيث كانوا يموّلون مبارك من جهة والإخوان المسلمين من جهة ثانية، فإنهم فرضوا الآن تحالفاً بين الإخوان وضباط الجيش الموالين للغرب.

التحالف الجديد تقاسم السلطة من خلال إقصاء قادة الثورة في ميدان التحرير. فقد رفض عقد مجلس وطني وعمل بجد على تعديل الدستور هامشياً.

السعودي سعد الحريري: التحالف مع السديريين

أولاً، أعلنوا بأن الإسلام دين الدولة الى حد الإضرار بالأقلية المسيحية القبطية (تشكّل نحو 10 بالمئة من إجمالي السكان)، والتي تعرّضت للإضطهاد من قبل حسني مبارك، فكان يقوم بالتعبئة الجماعية ضدهم. بالإضافة الى ذلك، فإن الدكتور محمود عزّت، الرجل الثاني في الإخوان، دعا الى إقرار فوري للشريعة واستعادة العقوبات الشرعية (الحدود).

الشاب وائل غنيم، الذي لعب دوراً قيادياً في إسقاط الطاغية، منع من صعود المنصة خلال احتفالات النصر، في 18 شباط (فبراير)، والتي جمعت نحو 2 مليون إنسان. على النقيض، فإن الداعية النجم للإخوان، يوسف القرضاوي، العائد بعد 30 سنة من المنفى في قطر، سمح له بالكلام مطوّلاً. لقد تم سحب الجنسية منه من قبل جمال عبد الناصر، مصوّراً نفسه على أنه رمز الحقبة الجديدة: الشريعة والتعايش السلمي مع النظام الصهيوني في تل أبيب.

الحائز على جائزة نوبل للسلام، محمد البرادعي، الذي أسبغ عليه الإخوان المسلمين مسمى الناطق الرسمي خلال الثورة كيما يعطوا أنفسهم لمحة أكثر ليبرالية، قد تعرّض لهجوم جسدي من قبل نفس الإخوان خلال الاستفتاء على الدستور وتمَّ إخراجه من المشهد السياسي.

وأرسى الإخوان المسلمون أساس دخولهم الرسمي الى السياسة عبر تشكيل حزب جديد، الحرية والعدالة، بدعم من (الوقف القومي من أجل الديمقراطية National Endowment for Democracy - NED) وبتقليد نموذج حزب العدالة والتنمية التركية (وهي نفس الاستراتيجية التي تم اختيارها في تونس مع حزب البعث).

في هذا السياق، شنّت هجمات عنفية ضد الأقليات الدينية. وتمّ إضرام النيران في كنيستين للأقباط. وبعيداً عن معاقبة المعتدين، فإن رئيس الوزراء منحهم ضمانة: طرد الحاكم وعيّن في منطقة قنّه، الجنرال الموقّر عماد ميخائيل، لأنه مسيحي قبطي وليس مسلم سني.

في ليبيا، نقل الجناح السديري المقاتلين المسلّحين الى برقة، بضوء أخضر من فرنسا وبريطانيا لبدء التمرّد ضد حكومة طرابلس. وهم الذين وزّعوا الأسلحة والأعلام التي تحتوي على ألوان الأحمر والأسود والأخضر، ونجمة وهلال، وهي رموز الملكية السنوسية. وكان هدفهم هو التخلّص من صانع المتاعب القذافي وتنصيب الأمير محمد على عرش ما كان يعرف سابقاً بالمملكة الليبية المتحدة.

إنه مجلس التعاون الخليجي الذي كان أول من دعا الى تدخّل عسكري ضد حكومة طرابلس. في مجلس الأمن، كانت البعثة السعودية التي قادت المناورات الدبلوماسية للقمة العربية لتأييد هجمات الجيوش الغربية.

الكولونيل القذافي من جانبه أعلن في خطب عديدة بأنه ليس هناك ثورة في برقه، ولكن بلاده تواجه عملية زعزعة من قبل القاعدة، مزاعم أثارت خطئاً الابتسامات والتي أكّدت شخصياً الحرج الكبير من قبل الجنرال كارتر إف هام، قائد القوات الأميركية الأفريقية (يو إس أفريكوم). وفي ضوء مسؤوليته عن العمليات العسكرية الأولية قبل أن تتولاها قوات الناتو، كان الجنرال هام مندهشاً حيال ما يجب عليه اختياره من أهداف بناء على معلومات من جواسيس على الأرض والذين يعرفون بأنهم حاربوا ضد قوات التحالف في أفغانستان ـ باختصار، رجال بن لادن.

البحرين، في غضون ذلك، تقدّم نفسها على أنها مملكة مستقلة منذ العام 1971. وفي الحقيقة، مازالت منطقة خاضعة للهيمنة البريطانية. خلال حكمهم إختاروا خليفة رئيساً للوزراء، وتمّ المحافظة على هذا المنصب لأربعين عاماً متواصلة، منذ وهم الإستقلال حتى اليوم. وهذا هو المجال الذي لا يضير الجناح السديري.

منح الملك حمد تنازلاً هاماً للولايات المتحدة، فأقامت بموجبه القيادة المركزية ومركز قيادة الأسطول الخامس البحري في ميناء الجفير. في هذه الظروف، فإن المطلب الشعبي بملكية دستورية يعني الوصول الى الإستقلال الحقيقي، ونهاية الحكم البريطاني، ومغادرة القوات الأميركية. تطوّر كهذا سيكون له بالتأكيد أثر الدومينو في السعودية ويهدّد أسس النظام.

أقنع السديريون ملك البحرين بقمع وبصورة دموية آمال السكّان. وفي 13 آذار (مارس)، وصل وزير الدفاع الأميركي روبرت جيتس الى المنامة لبدء تنسيق العمليات، والتي بدأت مع دخول القوات السعودية الخاصة التي تعرف بـ (نسور نايف)، تحت قيادة الأمير نايف. وخلال أيام، تمّ تدمير كل رموز الإحتجاج، بما فيها النصب العام المقام في دوّار اللؤلؤة.

مئات من الناس إما ماتوا أو فقدوا. التعذيب، الذي توقّف لنحو عقد تقريباً، شاع مجدداً. الأطباء والممرضات الذين عالجوا المحتجّين جرى اعتقالهم في المستشفيات، وأو احتجزوا في حبس انفرادي، وتقديمهم أمام محاكم عسكرية.

ولكن، العنصر الأشد أهمية في هذا القمع الوحشي هو التصميم على نقل صراع طبقي كلاسيكي، بين جميع السكّان والطبقة المحظوظة المربوطة بالإمبريالية الأجنبية، الى صراع طائفي. أغلبية البحرينيين هم شيعة بينما العائلة الحاكمة سنيّة. وينظر الى الشيعة على أنهم وسيلة المثال الثوري لروح الله الخميني، الذي تم وضعه كهدف. خلال شهر واحد، أزالت (نسور نايف) 25 مسجداً شيعياً وأتلفت 235 أخرى.

21 من قادة الاحتجاج السياسي الرئيسيين سيتم عمّا قريب محاكمتهم في محكمة خاصة، ويواجهون عقوبة الإعدام، فالأمر يتجاوز الشيعة، فالعائلة المالكة تلاحق إبراهيم شريف، رئيس حزب وعد (حزب يساري علماني)، وتتهمه بأنه لا يلتزم بالقوانين لأنه مسلم سنّي.

الأمير نايف يقود الثورة المضادة في البحرين
v

زعزعة سورية

في بدايات شباط (فبراير) الماضي، حين كانت البلاد بالكاد تشهد مظاهرة، تمّ وضع صفحة على الفيسبوك بعنوان (الثورة السورية 2011). ودعت الى (يوم غضب) يوم الجمعة 4 شباط (فبراير)، والدعوة وضعت من قبل قناة الجزيرة، ولكن لم يتردد صداها في أي مكان. الجزيرة تحسّرت على غياب رد الفعل ووصمت سورية بـ (مملكة الصمت).

إسم (الثورة السورية 2011) هو لغز: إنه باللغة الإنجليزية وله ميزة الشعار الدعائي. ولكن ما يعتقده الثوري الأصيل بأنه إذا فشل في تحقيق هدفه في 2011، فإنه، ببساطة، سيعود إلى داره.

ماهو أكثر غرابة، في يوم وضع الصفحة على الفيسبوك أن أكثر من 80 ألف صديق سجّل عليها. هذا الحماس خلال ساعات قليلة، أعقبه لا شيء، ما يفيد بأن ثمة تضليلاً تمّ عن طريق برنامج كمبيوتري كان يضاعف الحسابات أضعافاً.

ولا بد من الأخذ بنظر الإعتبار أن لدى السوريين مستوى معتدلاً من استخدام الإنترنت، وأنهم باتوا يتواصلون عن طريق (أيه دي إس إل) منذ الأول من يناير الماضي.

المشاكل بدأت بعد شهر في درعا، وهي مدينة ريفية تقع على الحدود الأردنية وتبعد أميالاً قليلة عن إسرائيل. المخرّبون دفعوا للمراهقين أموالاً لتعليق شعارات مناهضة للحكومة على جدران المدينة. فقامت قوات الشرطة باعتقال الطلبة وتعاملت معهم كمجرمين الى حد مضايقة عوائلهم. الوجهاء المحليون الذين عزموا على تسوية الخلاف جرى صدّهم من قبل محافظ درعا. تمّ ضرب الشباب. وفي حالة غضب، هاجمت العوائل مركزاً للشرطة من أجل إطلاق سراح الشباب، وردّت الشرطة بالمزيد من الوحشية وقتلت معترضين.

الرئيس بشار الأسد تدخّل لمعاقبة الشرطة والمحافظ ـ إبن عمه والذين عيّنه الرئيس على درعا، البعيدة من العاصمة، من أجل إبقائه بعيداً عن المشهد. تمّ فتح تحقيق لإلقاء الضوء على جرائم القتل التي إرتكبتها الشرطة.

المسؤولون الضالعون في العنف تمّ استدعاؤهم للتحقيق وأفرج عنهم بكفالة. إعتذر الوزراء وقدّموا التعازي لعوائل الضحايا نيابة عن الحكومة، وهي تعبيرات حظيت بقبول شعبي.

كل شيء لا بد أن يعود الى طبيعته، ولكن فجأة أخذ القنّاصون الملثّمون مواقعهم على أسطح المنازل وصاروا يطلقون النار على كل من الجمهور والشرطة، لتغرق المدينة في الفوضى.

مع استغلال حال الإرباك، ذهب المسلّحون الى خارج المدينة لمهاجمة مبنى حكومياً الذي يأوي القوات الأمنية المسؤولة عن مراقبة منطقة مرتفعات الجولان المحتلة من قبل اسرائيل. وقامت قوات الأمن بالرد على مصدر النيران للدفاع عن المبنى والأرشيف فيه. وكان هناك ضحايا من الجانبين.

هذا نوع من الصدام قد تكرر. الناس طلبت الحماية من الجيش في رد فعل على الهجمات التي عصفت بالمدينة. تمّ نشر ثلاثة آلاف جندي ودبابات لحماية السكّان. وفي نهاية المطاف، فإن معركة تفجّرت في وجه المقاتلين المتسلّلين ضد الجيش السوري في سيناريو مشابه لحصار الجيش اللبناني على نهر البارد. سوى أنه في هذا الوقت، فإن الاعلام الدولي شوّه الحقائق واتّهم الجيش السوري بمهاجمة أهالي درعا.

في غضون ذلك، أنّ صدامات تفجّرت في اللاذقية، الميناء الذي كان لفترة طويلة موطن التنظيمات الإجرامية التي تتخصص في التهريب البحري. تلقى هؤلاء الأفراد الأسلحة والمال من لبنان. وقاموا بنهب وسط المدينة، وتدخل البوليس. وبموجب أمر رئاسي، البوليس كان مسلّحاً فقط بالهراوات. وشنّ أفراد العصابات حرباً بالأسلحة، وقتلوا العشرات من أفراد الشرطة غير المسلّحين.

السيناريو نفسه تكرر في المدينة المجاورة، بانياس، وهي مدينة ذات أهمية أقل، ولكنها أكثر استراتيجية لأنها موطن مصفاة النفط الرئيسية في البلاد. في هذا الوقت استعمل أفراد الشرطة أسلحتهم وتحوّل الصدام الى معركة منظمة استعدّ لها الطرفان.

في الأخير، فإن الأفراد في حمص، وهي مدينة رئيسية، جاءوا ليشاركوا في مسجد ودعوا أتباعهم الأصوليين للتظاهر ضد (النظام الذي يقتل إخوتنا في اللاذقية).

الجحافل السديرية وسلفييها يقودون الثورة المضادة في مصر

وفي رد فعل على الاضطرابات، فإن الشعب السوري نزل بأعداد غفيرة لتأكيد دعمه للجمهورية. تظاهرات كبيرة وغير مسبوقة في تاريخ هذا البلد، ضمّت مئات الآلاف من الناس في دمشق، وحلب، واللاذقية وأن تصرخ (الله، سورية، بشّار).

وفيما كانت المواجهات تتصاعد في الأطراف المعنية، فإن قوى الأمن تمكّنت من وقف المقاتلين. وبحسب إعترافاتهم المتلفزة، فقد تمّ تجنيدهم، وتسليحهم، وتمويلهم من قبل نائب برلماني في لبنان موالٍ للحريري، جمال جرّاح، الذي نفى تلك الإتهامات.

جمال جرّاح هو صديق للأمير بندر، وجرى تداول إسمه في قضية فتح الإسلام في نهر البارد. وهو إبن عم زياد جرّاح، الجهادي المتّهم من قبل إف بي آي كونه مسؤولاً عن اختطاف طائرة كانت تقوم برحلة رقم 93 وسقطت في بنسلفانيا في 11 سبتمبر 2001. هو ايضاً إبن عم الأخوين علي ويوسف جرّاح اللذين جرى اعتقالهما من قبل الجيش اللبناني في نوفمير 2008 بتهمة التجسس لصالح إسرائيل.

جمال جرّاح هو عضو سري للإخوان المسلمين، وهو أمر نفاه أيضاً. في 1982، سعت جماعة الإخوان إلى السيطرة على السلطة في سورية. فشلوا وأصبحوا ضحايا قمع وحشي. ومنذ العفو العام الذي أعلن عنه الرئيس بشار الأسد، ساد إعتقاد بأن تلك الذكريات المؤلمة قد تمّ نسيانها. على النقيض من ذلك، فإن هذا الفرع من جماعة الإخوان يموّل الآن من قبل الجناح السديري. إن دور إخوان بانياس في المواجهات باتت معلومة لدى الجميع.

وكما يزعم، فإن جمال جرّاح استخدم أيضاً مقاتلي حزب التحرير اللبناني، وهي منظمة إسلامية مقرّها في لندن وناشطة على وجه الخصوص في آسيا الوسطى. حزب التحرير، الذي يناصر العمل السلمي وضد العنف، متّهم بالتخطيط لكثير من الهجمات في وادي فيرغانه. وكان ذلك بنية قمع هذه المجموعة حيث أن الصين بدأت التقارب مع روسيا داخل منظمة تعاون شنغهاي. وبالرغم من الجدل الكثير في مجلس العموم حول هذه المجموعة، فإن ممثليها في لندن لم يكونوا منزعجين على الإطلاق، وأن جميع أفرادهم يحتلون مناصب في كمدراء رفيعي المستوى في الشركات متعددة الجنسيات الأنجلوـ أميركية.

في العام الماضي، إفتتح حزب التحرير فرعاً له في لبنان، وبتلك المناسبة، عقد مؤتمراً حيث دعى إليه شخصيات أجنبية مرموقة، بمن فيهم مفكر روسي له شهرة على المستوى الدولي. وخلال المناقشات، دعا المنظّمون لتأسيس دولة إسلامية، وقالوا بأن المسلمين الشيعة والدروز وحتى بعض السنة ليسوا مسلمين حقيقيين، ويجب طردهم مثل المسيحيين. حالة الذهول التي تسبّبت بها مثل تلك الملاحظات الغاضبة، دفعت الضيف الروسي كيما يجري على الفور مقابلات تلفزيونية حتى ينأى بنفسه عن هؤلاء المتعصّبين.

في البداية، بدت قوات الأمن السورية كما لو أنها مغمورة بالأحداث. أولئك الضبّاط الذين تدرّبوا في الاتحاد السوفياتي السابق استعملوا القوة دون قلق من تداعيات ذلك على السكّان. ولكن الوضع إنقلب تدريجاً. فقد أخذ الرئيس بشار الأسد زمام السيطرة على الوضع، وقام بتغيير الحكومة. وألغى حالة الطوارىء، وحلّ محكمة أمن الدولة. ومنح الجنسية لآلاف الأكراد السوريين الذين حرموا تاريخياً من حق المواطنة بسبب إحصاء سكاني متنازع عليه. بالإضافة الى ذلك، قام بعدد من التدابير الأخرى مثل إلغاء العقوبات المفروضة على التسديد المتخلف للخدمات العامة (الكهرباء..الخ). وبفعل ذلك، حقّق المطالب الرئيسية للسكّان وقلّل من شأن المعارضة. في يوم الغضب (الجمعة، 6 مايو)، لم يصل العدد الإجمالي للمتظاهرين في البلاد 50 ألف شخصاً من إجمالي عدد السكان البالغ عددهم 22 مليون نسمة.

وعلى وجه خاص، فإن محمد الشعّار، وزير الداخلية الجديد، دعا أي شخص كان متورّطاً في أحداث الشغب الى أن يقدّم نفسه طواعية الى مركز الشرطة والحصول على عفو عام في مقابل التعاون التام. وقد تجاوب أكثر من 1100 شخص. وخلال أيام، فإن الخلايا الرئيسية جرى تفكيكها وتمّت مصادرة كثير من مخازن الأسلحة. وبعد خمسة أسابيع من العنف، عاد الهدوء تدريجاً الى أغلب المدن المضطربة.

ومن بين قادة الحلبة الذين تمّ التعرف عليهم واعتقالهم، كان كثير منهم ضباطاً إسرائيليين أو لبنانيين وأحدهم كان سياسياً لديه روابط وثيقة بسعد الحريري. هذه المحاولة للزعزعة لها تتمة.

فتوى اللحيدان: قتل ثلث الشعب
السوري لينجو الثلثان!

مؤامرة مفتوحة

فما كان في الأصل مخططاً لإطاحة النظام السوري تحوّل لاحقاً إلى ابتزاز مفتوح عبر الزعزعة. فبعد التوصّل الى حقيقة أن الثورة لا تحصل على دعم وشعبية، فإن الصحافة العربية المعادية لسورية ردّدت بلا خجل أن المفاوضات في حال تقدّم.

وقد نقلوا أنباء عن زيارات للمفاوضين الذين جاءوا إلى دمشق لتقديم مطالب الجناح السديري. وإذا كنا نصدّق الصحف، فإن العنف لن يتوقف حتى ينحني بشار الأسد لمطلبين: الانفصال عن إيران، ووقف الدعم للمقاومة في فلسطين، ولبنان والعراق.

الدعاية الدولية

الجناح السديري يريد تدخلاً عسكرياً غربياً لإنهاء المقاومة السورية، على سمت خطوط مماثلة كالعدوان الذي يجري في ليبيا. للقيام بذلك، كانوا بحاجة الى أخصائيين في الدعاية.

وعلى نحو مفاجىء للكل، بدأت قناة الجزيرة الفضائية وبصورة مفاجئة تغيير خطّها التحريري. وليس سرّاً أن القناة تأسست من قبل ديفيد وجين فريدمان، الأخوين المليارديرين الفرنسيين اللذين كانا مستشارين لإسحاق رابين وإيهود باراك. فقد أرادا إنشاء وسيلة تسمح بالحوار بين الاسرائيليين والعرب، حيث أن مثل هذا الحوار ممنوع بموجب القانون في كل البلدان المعنية.

فمن أجل إنشاء هذه الشبكة، دعيا أمير قطر الذي عمل في بادىء الأمر كغطاء. الفريق المؤسس تمّ توظيفه من بين موظفي القسم العربي في إذاعة بي بي سي، وعليه منذ البداية فإن غالبية الصحافيين كانوا من عملاء إم آي 6 (جهاز الإستخبارات البريطاني ـ القسم الخارجي) الأساسيين.

على أية حال، فإن الأمير أمسك بالسيطرة السياسية على الشبكة، والتي أصبحت الذراع العاملة للعائلة الحالكمة في قطر. ولسنوات، لعبت الجزيرة في واقع الأمر دوراً استرضائياً من خلال تطوير الحوار والتفاهم في المنطقة. ولكن الشبكة ساهمت أيضاً في إحالة نظام الفصل العنصري الاسرائيلي الى تافه، كما لو أن الوسائل العنفية التي وظّفت من قبل قوات الدفاع الاسرائيلية كانت مجرد أخطاء مؤسفة من جانب نظام مقبول أساساً، فيما هي تشكّل جوهر النظام نفسه.

الجزيرة، التي كانت تغطيتها للثورات في تونس ومصر جليّة، بدّلت بصورة عاجلة خطّها التحريري مع الحالة الليبية لتصبح ناطقة بإسم الجناح السديري.هذا يستحق شرحاً. فإن الهجوم على ليبيا كان في الأصل خطّة فرنسية ـ بريطانية ولدت في نوفمبر 2010، حسناً قبل “ربيع العرب”، حيث أن الولايات المتحدة كانت ضالعة في الخطة. كانت النيّة لدى باريس ولندن هي لتسوية حسابات مع طرابلس والدفاع عن مصالحهما الاستعمارية. في حقيقة الأمر، في 2005 ـ 2006، قدّمت شركة النفط الوطنية الليبية (NOC) ثلاثة عروض دولية للكشف واستثمار إحتياطيها، الأكبر في القارة الأفريقية. الكولونيل القذافي فرض شروطه الخاصة في اللعبة على الشركات الغربية، بإرغامهم على قبول الاتفاقيات التي ليست تفضيلية من وجهة نظرهم. إنها بالكاد تمثل العقود التفضيلية الأقل للشركات متعددة الجنسيات عبر العالم. بالإضافة الى ذلك، كانت هناك خلافات عدّة تتعلق بإلغاء عقود مربحة للمعدّات والتسلّح.

من الأيام الأولى للثورة المزعومة في بنغازي، أعدّت باريس ولندن المجلس الإنتقالي الوطني الذي اعترفت فرنسا به بصورة رسمية بوصفه الممثل الشرعي للشعب الليبي. وأنشأ المجلس شركة نفطية جديدة، وهي (LOC)، والتي اعترف بها المجتمع الدولي في قمة لندن باعتبارها القابض لحقوق البلاد من المواد الهيدروكربونية. وخلال التجمّع، تقرر بأن تسويق النفط المسروق من قبل (LOC) يتم عن طريق..قطر، وأن مجموعة الإتصال للدول الحليفة ستجتمع لاحقاً في الدوحة.

في إشارة بدء، بدأ الداعية التلفزيوني يوسف القرضاوي الصراخ للإطاحة بالرئيس بشار الأسد بصورة شبه يومية. الشيخ القرضاوي هو رئيس الإتحاد العالمي لعلماء المسلمين، وكذلك المجلس الأوروبي للإفتاء والأبحاث. وهو رمز للإخوان المسلمين والخطباء للنموذج الأصلي للإسلام، وهو خليط من (ديمقراطية السوق) الأميركية والغموضية السعودية: يقرّ مبدأ المسؤولين المنتخبين بشرط أنهم يتعهدون بتطبيق الشريعة في تفسيرها الضيق جداً.

إنضم إلى يوسف القرضاوي الشيخ السعودي صالح اللحيدان الذي طالب بـ (قتل ثلث السوريين من أجل أن يبقى الثلثان على قيد الحياة). قتل ثلث الشعب السوري؟ هذا يعني نحر المسيحيين، واليهود، والشيعة، والدروز، والعلويين. وعليه يمكن للثلثين أن يعيشا؟ وهذا سيقود الى تأسيس دولة سنيّة قبل أن تقوم بتطهير نوعها الإنساني.

حتى هذا التاريخ، فإن الفرع الفلسطيني للإخوان المسلمين، حماس، يظهر أنه يقاوم تلك السلطة الإغوائية للبترودولار السديري. أكّد قائدها، خالد مشعل، وبدون لحظة تردد، بأنه سيبقى في المنفى في دمشق متعهداً بتقديم دعمه للرئيس الأسد. فمساعدة الأخير، أحبط الخطط الامبريالية والصهيونية من خلال التفاوض على اتفاقية مع فتح محمود عباس.

ومنذ آذار (مارس)، تحوّلت الجزيرة، بي بي سي ـ القسم العربي، وفرانس 24 ـ القسم العربي الى وسائل دعائية ضخمة. فمن خلال مضاعفة الشهادات المزيفة والمشاهد المضلّلة، فإنهم نسجوا أحداثاً لجعل الجمهورية السورية تظهر وكأنها النظام التونسي لإبن علي.

لقد حاولوا تصوير الجيش السوري وكأنه قوّة قمعية شبيهة بالشرطة التونسية، التي لم تكن تتردد في إطلاق النار على مواطنين سلميين يناضلون من أجل حريتهم. لقد أعلنت هذه الشبكات أيضاً عن موت جندي شاب رفض إطلاق النار على مواطنيه، وأنه جرى تعذيبه حتى الموت من قبل رؤوسائه. في الحقيقة، الجيش السوري هو جيش إلزامي، وأن الجندي الشاب الذي نشرت إحصائيات حيوية حوله كان في واقع الأمر في عطلة. وفي مقابلة مع التلفزيون السوري، شدّد على جهوزيته للدفاع عن بلده ضد المرتزقة الأجانب.

أكثر من ذلك، فإن القنوات الفضائية حاولت تصوير شخصيات سورية عدّة بكونها منتفعة، مثل أقارب إبن علي. وقد كثّفوا نقدهم لشخص رامي مخلوف، الرجل الأغنى في البلاد، وهو إبن عم الرئيس الأسد. وزعموا بأنه كما النموذج التونسي طالب بحصص في كل الشركات الأجنبية التي ترغب في إقامة مشاريع تجارية في البلاد. وهذا غير مؤسس ولا متخيّل على الأطلاق في الواقع السوري. في واقع الأمر، فإن رامي مخلوف يتمتع بثقة الرئيس الأسد لدوره في تأسيس شبكة الهاتف الخليوي. وكما هو حال أي شخص حصل على امتيازات في العالم، وأصبح مليارديراً.

السؤال الحقيقي هو هل استعملوا مناصبهم من أجل إثراء أنفسهم على حساب المستهلكين. الجواب هو لا: فشبكة سيرياتل تقدّم أرخص تعريفة للمكالمات الخليوية في العالم.

وفي أي مستوى، فإن مكافأة الكذب تذهب الى الجزيرة. فقد ذهبت الشبكة بعيداً لتقديم مشاهد لمظاهرات من 40 ألف شخص في موسكو تدعم لإنهاء دعم روسيا لسوريا. وكانت الصورة في الحقيقة قد التقطت خلال احتفالات الأول من مايو، حيث أن الشبكة زرعت ممثّلين لتقديم تصريحات مزوّرة.

إعادة تنظيم شبكات الأمير بندر وإدارة أوباما

جهاز الثورة المضادة المستخدم من قبل الجناح السديري يواجه صعوبة واحدة. حتى الآن حارب مرتزقة الأمير بندر تحت علم أسامه بن لادن، سواء في أفغانستان، البوسنة، الشيشان، أو أماكن أخرى. واعتبر في البداية مناوئاً للشيوعية، وأصبح بن لادن تدريجاً مناوئاً للغرب. تحوّله تأثر بأيديولوجية صدام الحضارات التي عرضها برنارد لويس واكتسبت شعبية من قبل تلميذه صموئيل هنتجتون. وقد جرّبت عصرها الذهبي مع الهجمات الإرهابية في 11 سبتمبر والحرب على الإرهاب. رجال بندر أثاروا الفوضى في أي مكان أرادت الولايات المتحدة التدخّل فيه.

في الفترة الراهنة، فإن صورة الجهاديين بحاجة الى تغيير. فمن المتوقّع الآن أن يحاربوا جنباً إلى جنب الناتو، تماماً كما حاربوا ذات مرة الى جانب الـ (CIA) في أفغانستان ضد الجيش الأحمر. ولذلك من المستحسن قلب الخطاب الموالي للغرب في الماضي والعثور على بديل للمناوىء ـ للشيوعية. وهذه ستكون المهمة الإيديولوجية للشيخ يوسف القرضاوي.

ولتسهيل هذا التحوّل، فإن واشنطن أعلنت الموت الرسمي لأسامة بن لادن. وفيما مضت الشخصية الأبوية، فإن مرتزقة الأمير بندر يمكن تعبئتهم تحت راية جديدة.

إعادة توزيع الأدوار هذه تتظافر مع لعبة الكراسي الموسيقية في واشنطن. الجنرال ديفيد بترايوس، وهو قائد القيادة الوسطى (CENTCOM) كان عليه أن يتعامل مع رجال بندر في الشرق الأوسط، وأن يصبح مدير وكالة الإستخبارات المركزية (سي آي أيه). ولذلك، علينا أن نتوقّع إنسحاباً متسارعاً لقوات الناتو من أفغانستان وانخراطاً أكبر لجماعة بندر في العمليات السريّة لـ سي آي أيه.

ليون بانيتا، المدير المغادر لوكالة الاستخبارات المركزية سي آي أيه، أصبح وزير الدفاع. وبحسب الاتفاقية الداخلية للطبقة الحاكمة في الولايات المتحدة، فإن هذا المنصب يجب حجزه لعضو هيئة بيكر ـ هاملتون.

بانيتا، مثل جيتس، كان عضواً. بخصوص الحروب الجديدة، فإنه سيحد من انتشار القوات البريّة، باستثناء القوات الخاصة. في الرياض وواشنطن أعدّوا وثيقة وفاة (ربيع العرب). بإمكان الجناح السديري أن يقول بخصوص الشرق الأوسط، ماذا! جاتوباردو (النمر) كان يقول عن إيطاليا: (يجب أن يتغير كل شيء من أجل أن يبقى كل شيء كما هو ويمكننا البقاء أسياداً).

الصفحة السابقة