السعودية واليمن..

الحدود الثورية، والثورة المضادة

عبدالحميد قدس

لاتزال السعودية متوجسة من الوضع اليمني، فهي لم تستطع إنقاذ رجلها علي صالح، ولم تشأ التخلّي عنه قبل أن تجد له البديل المكافئ؛ ربما من آل الأحمر. والآن فإن علي عبدالله صالح يتعالج في السعودية، لا يتوقع أن تسمح له الرياض بأمر من الأميركيين والأوروبيين بالعودة قبل أن يتم اعداد بديل له. وفي حال عاد، فإن المعنى هو: فشل الغرب والسعودية في إعداد بديل غير ضار في حديقة السعودية الخلفية الجنوبية!

السعودية متوجسة. فالمشاعر المعادية للسعودية في اليمن في تنامي. والجمهور العريض يرفض المبادرة السعودية التي كشفتها الخطوة القطرية حين اعلنت أنها تخلت عنها وأنها لا تمثلها. لقد استعدت السعودية قوى يمنية عديدة، وهي لا تخشى من وصول هؤلاء الى السلطة فحسب، بل تخشى أن يهيمنوا عليها. مع العلم أن الكثير من القوى التي ناصبتها السعودية العداء، وشنّت عليها الغارات والحرب، وقتلت الآلاف من اليمنيين (الحوثيين) قد لا يكونوا راغبين في حال مشاركتهم الأساسية في السلطة أن يعادوا السعودية، ولكنهم ـ شأن قوى معارضة أخرى ـ لا تريد دوراً سعودياً متضخماً في اليمن، على حساب استقلال قراره الوطني وإرادته الثورية الشعبية، كما لا يريد للأدوات الوهابية السعودية التكفيرية أن تفعل فعلها في اليمن كما كان في الماضي.

علي صالح بالنسبة للسعودية أهون الشرين. لكنها اليوم تدرك صعوبة بقائه، وصعوبة الدفاع عنه. وقد عملت على إيجاد البديل منذ اشهر، بالإتفاق مع آل الأحمر. وقد تنبّه الداهية علي عبدالله صالح للأمر، وأراد أن يتغذى بالبديل قبل أن يتعشى به، لكن الأمور لم تجر وفق ما اشتهى، فكانت نكسة محاولة اغتياله، وتعرضه للأذى الشديد، بشكل يرجح أن يخرجه من حلبة السياسة الى الأبد.

لكن يصعب على السعودية اعداد بديل بهذه السرعة، ويصعب عليه أكثر أن تبعد اللاعبين الأساسيين الذين تكرههم خاصة الحوثيين! وهي حتى الآن لم تبادر بعمل سياسي وتتواصل مع هذه القوى للحفاظ على ما سيتبقى لها من نفوذ في قادم السنوات، بل هي على الأرجح ـ إن سقط صالح ـ ستسعى لإفشال الثورة اليمنية، وقد فعلت قبل أن تنتصر الثورة، وستواصل مسيرتها في هذا الطريق، حتى لو ادى الأمر الى إشعال الفتن في اليمن، وجعله يلتهي بذاته، فهذا أهون الضررين، من أن تؤثر الثورة على السعودية، من خلال بناء نظام وطني يمني قوي مستقل ينافسها الزعامة على صعيد الجزيرة العربية، ويتطلع اليه الجمهور كنموذج للحكم المبتغى.

الثورة اليمنية تشعل القلق السعودي

في هذا الإطار.. نشرت صحيفة نيويورك تايمز تقريراً خبرياً في 7 يونيو عن مقتل إثنين من حرس الحدود وجرح آخر من قبل مسلّح حاول اجتياز الحدود البرية من داخل المملكة الى اليمن. وقال نيول ماكفاركوهار بأن العنف تفجّر على طول الحدود بين السعودية واليمن صباح يوم الثلاثاء (7 يونيو) حين قام رجل مسلّح بقتل إثنين من ضباط شرطة الحدود السعودية وجرح ثالث قبل أن يتم إطلاق النار عليه وقتله، حسبما ذكرت وزارة الداخلية السعودية.

الرجل، الذي لم يكشف عن هويته بعد، كان يحاول عبور الحدود إلى اليمن من منطقة نجران السعودية، في سيارة دفع أربع عجلات، حين تدخّل حرس الحدود. الرجل فتح النار من مسدّسه الآلي، وقتل ضابطاً ورقيب أول، وجرح رقيب أول، كما قال اللواء منصور التركي، الناطق بإسم وزارة الداخلية. وبدا أن بحوزة المهاجم كمية كبيرة من الذخيرة، حيث أنه كان يواصل قيادة سيارته وهو يطلق النار حيث حاول أن يسابق الطريق عبر المعبر الحدودوي، الوديعة قبل أن يتم إطلاق الرصاص عليه وقتله، حسب كلام اللواء التركي.

الحدود اليمنية ـ السعودية كانت على الدوام قناة لتهريب المخدّرات، والأسلحة والأشخاص من القسم الجنوبي المدقع من الجزيرة العربية الى الجار الشمالي الأغنى منها. والإستقرار على طول الحدود هو سبب يجعل للمملكة مصلحة خاصة في أي نتيجة للفراغ الحالي للسلطة في اليمن، مع وجود رئيس للبلاد في حال أزمة، ويقدّم له العلاج في المستشفى العسكري السعودي بسبب جروح مني بها في هجوم على مسجد القصر يوم الجمعة (3 يونيو الجاري). يقول معاونوه بانه سيعود في غضون أيام، ولكن جماعات المعارضة اليمنية التي تنظّم الاحتجاجات في الشوارع لأربعة شهور تطالب بخلعه تناور لتشكيل حكومة انتقالية في غيابه.

وكانت وكالات الأنباء قد ذكرت بأن حرباً ضارية في جنوب اليمن قد اندلعت، حيث يعتقد بأن للمحاربين روابط مع القاعدة التي فرضت سيطرتها على المدينة الساحلية، زنجبار، في الثلث الأخير من شهر مايو الماضي. وذكرت وكالة رويتر حينذاك بأن نحو 15 قتلوا فيما يحاولون السكّان وقوات الحكومة زيادة جهودها لإعادة اليسطرة على المدينة.

ما يلفت في قضية القاعدة التي يعاد طرحها مجدداً، كلما ثارت مخاوف من احتمال انفراط السلطة في صنعاء، أنها باتت ورقة يستعملها تارة علي عبد الله صالح بغرض تهويل خطر المجموعة على المصالح الغربية والأميركية بصورة خاصة، وتارة لجهة الحصول على الأموال من السعودية. ويبدو أن الأخيرة باتت تستعمل الورقة ذاتها لإقناع الأميركيين بضرورة التعاون من أجل ضبط ترتيبات السلطة في المرحلة القادمة.

كلام السفير الأميركي في صنعاء بدعم المبادرة الخليجية حول ما يعتبره (أزمة اليمن)، وليس (الثورة الشعبية)، في محاولة لإختزال ما يجري في الساحة اليمنية، وتحويله الى صراع على السلطة أو شكل من أشكال الصراع القبلي بين علي عبد الله صالح وبيت الأحمر يمثّل جزءاً من العار الأميركي، خصوصاً حين يطلب الأميركي من علي عبد الله صالح القبول بنقل السلطة تحت إشراف مجلس التعاون الخليجي، بحيث بتنا أمام صفقة مشبوهة يجري تنفيذ بنودها بصورة علنية، من خلال تعطيل إرادة الشعب اليمني، المعني بصورة مباشرة بشكل الحكم والدولة الذي يريدها، عبر استعمال ورقة القاعدة، ومحاولات التسلل للمقاتلين من داخل المملكة الى اليمن، فهل يعقل أن رأس النظام وهو يواجه ثورة شعبية لا يزال يحظى بدعم أميركي، ويرفض أي مسؤول أميركي أو غربي يقول ولو عن طريق الخطأ بأن عهد علي عبد الله صالح قد انتهى، لمجرد أن ذلك لن يتم إلا في سياق صفقة متكاملة يضمن فيها السعوديون والأميركيون مصالحهم في اليمن القادم، فالجميع يتحدث عن دعوة علي عبد الله صالح لوضع ترتيبات نقل للسلطة، بخلاف الحال عليه في ليبيا وسوريا حيث يتم استعمال الهيئات الدولية مثل مجلس الأمن وغيرها لإستصدار قرارات حرب!

الصفحة السابقة