أسطورة في المشتريات، وجبان في الحروب!

نوبة التسلّح: يشترون الحماية ويكسبون الفساد!

محمد قستي

هو جنون التسلح السعودي، ولكنّه جنون هادف!

فالنظام السعودي يشتري حماية الغرب له عبر صفقات التسلّح بمبالغ خيالية، ولا ينسى فيها الأمراء الكبار نصيبهم من العمولات الفلكية. ويدرك آل سعود أكثر من غيرهم أنهم لا يشترون السلاح من أجل الحرب، فهم ليسوا رجالها، ولا أبطالها، وقد فضحت حرب اليمن السادسة وهم القوة العسكرية السعودية، فالغارات الجوية التي كانت تقوم بها الطائرات الحربية السعودية على مناطق صعدة في الشمال اليمني، بدت كما لو أنها لعبة إلكترونية محضة، فيما كان عناصر التنظيم الحوثي ثابتين في مواقعهم، وحرموا الجيش السعودي من مجرد الإنتصارات الوهمية، بل ع?زت الطائرات الحربية السعودية عن استعادة جبل الدخان، الذي كان يرابط فيه 12 مقاتلاً حوثياً فقط. وأجلى فضيحة كانت سقوط مركز حدودي سعودي بيد المقاتلين الحوثيين وهروب كل الجنود منه، الأمر الذي دفع بالقيادة السعودية الى دفع مبالغ طائلة الى بعض القبائل الشمالية من أجل إقناع الحوثيين بعدم التقدّم داخل الأراضي السعودية.

لقد بدا واضحاً للرأي العام المحلي والعالمي أن التسلّح السعودي أسطورة في المشتريات، ولكنه جبان في الحروب. فالصفقات العسكرية التي لا تتوقف لا يمكن أن توضع في سياق التوازن العسكري مع أي قوة إقليمية سواء كانت إيران أو العراق أو حتى مع الحوثيين في اليمن، فقد خبر الجنرال الهزيل خالد بن سلطان حقيقة أن أفراد الجيش والقوات المسلّحة لا يقاتلون من أجل قضية عادلة، وليسوا هم على استعداد للدفاع حتى الموت عن عائلة فاسدة.

آل سعود يشترون السلاح من أجل مكاسب سياسية. لقد ازدادت مشترياتهم مؤخراً في ظل ربيع الثورات العربية. تصوّروا لو أن الولايات المتحدة وحلفاءها الأوروبيين قرروا دعم الثورة في السعودية، ماذا سيكون حال آل سعود، خصوصاً وهم يعرفون تماماً بأن روسيا والصين والهند وكل القوى الفاعلة في العالم لن تعترض على السياسة الأميركية الداعمة للثورة هناك. لا شك أن موقفاً أميركياً من هذا القبيل سيؤول الى إطاحة آل سعود في فترة قياسية، ولكّنهم لن يفعلوا، ببساطة لأن السعودية البطة التي تبيض ذهباً، لا تضع بيضها في الخزانة الأميركية فحس?، بل وأيضاً تجد طريقها الى الحسابات الخاصة لكبار المسؤولين في الإدارة الأميركية، أو بالأحرى العوائل التجارية الكبرى مثل بوش، تشيني، رامسفيلد وغيرهم.

إكتشف آل سعود السر في كيفية تأمين حماية عروشهم، وقبل الأميركيون والأوروبيون منهم ذلك، وصار اللعب كما لو كان مكشوفاً، فكلما شعر آل سعود بأن ثمة تهديداً يحدق بعرشهم، بعثوا برسل السلاح الى العواصم الأميركية والأوروبية لترتيبات صفقات تسلّح جديدة، وفي الغالب تأتي عقب مواقف سياسية تطلقها حكومات غربية، بهدف استدراج عقود تسلّح. ولأن اللبيب السعودي بالإشارة الأميركية يفهم، بدا اللاعبون في الفريقين في حال جهوزية دائمة. فالجبنة التي تقدّمها السعودية الى حلفائها الكبار، يراد منها دون ريب تأمين نظام حماية متطوّر، فكلما?ازدادت المخاطر حول العرش السعودي، كلما تصاعدت الأثمان.

في أوائل شهر تموز يوليو الجاري، أعلن دبلوماسيون في الخليج أن المملكة السعودية تعتزم زيادة مشترياتها من الأسلحة من الولايات المتحدة الى 90 مليار دولار، مقابل 60 ملياراً أعلن عنها العام الماضي، في مسعى لتطوير سلاح البحرية. ما يثير هذا الجزء من الخبر، أن من يعلن عن أثمان الصفقات وطبيعتها ليسوا حكومات، أو ناطقين بإسمها، وليسوا حتى قادة عسكريين، وإنما دبلوماسيين، فمن هم هؤلاء؟

لم يعد خافياً أن السفراء الأميركيين والأوروبيين في دول مجلس التعاون الخليجي هم ممثّلون لـ أو/عن شركات نفطية أو عسكرية، وبالتالي هم مسؤولون عن ترتيبات العقود التجارية والعسكرية مع الحكومات الخليجية. ولذلك، فإن الكشف عن أحجام وطبيعة الصفقات من قبل دبلوماسيين أجانب لا يعني شيئاً آخر غير الممثلين لشركات تجارية أو عسكرية.

هؤلاء أنفسهم من أعلن عن صفقات تسلح سابقة، ففي العام الماضي قال مسؤولون أميركيون أن السعودية تعتزم شراء طائرات حربية وتطوير الأسطول الموجود في صفقة بقيمة 60 مليار دولار. حسنا، فماذا تغيّر هذا العام من ظروف أمنية واستراتيجية تستدعي هذه الزيادة العالية في المشتريات العسكرية؟

كما يبدو، فإن الحديث عن خطر إيراني لتبرير زيادة وتيرة التسلح لا يعدو كونه مبرراً إضافياً، بالرغم من أن هذا الخطر حقيقاً كان أم وهمياً كان يتم ذكره في كل الأحوال، في وقت لم نلحظ زيادة من أي نوع في حجم التسلّح الإيراني ما يدفع الى هذه الزيادة.

نعم، قد يكون سحب القوات الأميركية من العراق في نهاية هذا العام عاملاً لرفع مستوى الجهوزية العسكرية؟ ولكن هل حقاً أن السعودية ستدفع خطراً عراقياً، حقيقياً أم وهمياً، من خلال شراء المزيد من الطائرات الحربية؟ مع أن العراق والسعودية هما حليفان للولايات المتحدة، وأن قرار سحب القوات الأميركية من العراق مازال غير محسوم، وسيكون خاضعاً لتسويات. علاوة على ذلك، فإن قرار التسلّح ليس بالضرورة سعودياً صرفاً، فهناك التزامات متبادلة بين الدولتين: النفط مقابل الحماية، أو السلاح مقابل الحماية، وهذه الثنانية ستبقى قائمة وتشك?ل حجز الزاوية في التحالف الاستراتيجي بين الرياض وواشنطن.

نعم، قد تعتبر السعودية ربيع الحرب التحدي الأكبر في المرحلة المقبلة، خصوصاً بعد أن خسرت حلفاء كبار لها مثل مصر، وتونس والعراق ولبنان وعلى وشك أن تخسر في اليمن وربما في البحرين، ما يجعل مصادر التهديد متعددة وقريبة أيضاً من حدودها. يضع بعض المحللين دخول القوات السعودية البحرين لقمع الحركة الشعبية المطالبة بالديمقراطية في سياق المواجهة بين السعودية وإيران، وعليه يضفي مشروعية لزيادة التسلّح السعودي، وكذلك الاشتباك مع الجماعة الحوثية في الجنوب هو فصل من فصول الذرائعية السعودية في التسلّح.

تحديث القطاعات العسكرية بكل أذرعها البحرية والجوية والبرية يجري منذ سنوات طويلة، وتشارك فيه دول عديدة. وإذا كان سلاح الجو السعودي يستهلك الجزء الأكبر من النفقات العسكرية، فإن سلاح البحرية بدأ يدخل في نطاق التحديث المتسارع. وبحسب دبلوماسي غربي أن هناك خطة لإنفاق 30 مليار دولاراً إضافياً لتحديث الأسطول البحري السعودي، بما يشمل الصيانة وتدريب القوات. وهذه المبالغ جزء من برنامج منفصل بقيمة 60 مليار دولار أعلن عنه العام الماضي، ما يجعل إجمالي المبلغ 90 مليار دولار يتم إستكمالها خلال فترة مابين 15 و20 عاماً. ولم?يتضّح كم من الوقت ستستغرقه الإضافة الجديدة البالغة قيمتها 30 مليار دولاراً.

بحسب ثيودور كاراسيك، المحللة العسكري، ومقرها دبي، فإن (السعودية تزداد نشاطاً في سياستها الخارجية وتحاول بالتوازي مع ذلك زيادة أسلحتها من أجل مجابهة التحديات المتزايدة الماثلة أمامها اليوم). وأضافت: (تتراوح التحديات بين ماذا سيحدث في اليمن وحتى زيادة مخاطر القرصنة في مياهها.. لهذا فهم يحاولون تعزيز أساطيلهم في البر والبحر). ولكن ما لا تجيب عنه كاراسيك هو كيفية مواجهة تلك التحديات، خصوصاً وأن السعودية تعاني من قصور ذاتي في بنيتها العسكرية، ولا يمكن لمجرد شراء كميات كبيرة من الأسلحة النجاة من مخاطر قريبة من ح?ودها. على سبيل المثال، قد تستطيع عبر دفع أموال لقراصنة من تخليص سفينة جرى اختطافها، ولكن ستعجز عن فعل ذلك في حال قررت استخدام الخيار العسكري، الذي تدرك سلفاً بأن مصيره الفشل.

التركيز على عامل التهديد الإيراني بدا بمفرده متهافتاً، وكأنه إستهلك بصورة تامة، لأن الايرانيين أظهروا انضباطاً صارماً في علاقاتهم مع السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي عموماً، وسعوا إلى تبديد أي مخاوف محتملة من قدراتهم العسكرية التي كشفوا مراراً أنها لمواجهة تهديدات ذات طبيعة دولية وإمبريالية. عوامل أخرى مستحدثة جرى إدماجها في قائمة التهديدات المتخيّلة مثل الانسحاب الأميركي من العراق، ومن ثم الاضطرابات في اليمن والبحرين.

ما يلفت في طبيعة مصادر التهديد من وجهة نظر آل سعود أن ليس من بينها أي تهديد إسرائيلي، فكل مصادر التهديد عربية أو إسلامية وفي الغالب مجاورة. حين يصبح انسحاب الولايات المتحدة من العراق مشكلة بالنسبة للسعودية، يعني أن ثمة تبريراً قوياً لوجود قوات أجنبية في منطقة الخليج، بل وعلى الأراضي السعودية. بل ما كشف عنه أنور عشقي، رئيس مركز الشرق الاوسط للدراسات الاستراتيجية والقانونية، ومقره جدة، لوكالة فرانس برس بأن (السعودية ودول مجلس التعاون الخليجي تمر بمرحلة بالغة الحساسية لان الولايات المتحدة بصدد الانسحاب من الع?اق حالياً وفي ضوء هذا التطور، يجب ان تعتمد دول المجلس على قواها الذاتية للدفاع عن نفسها)، يبطن إقراراً بتبعية السعودية ودول مجلس التعاون جميعاً للولايات المتحدة، وأن الأخطار المومىء إليها هي عربية. وما يزيد الأمر غرابة، أن الانسحاب الأميركي في نظر عشقي يؤول الى فراغ يجب ملؤه، وأن ثمة خوفاً من قيام إيران بملء الفراغ الحاصل بعد رحيل القوات الأميركية.

أن تسيطر الولايات المتحدة على الشرق الأوسط، وأن تتحكم بكل معابر ومضايق ومقدّرات دول مجلس التعاون الخليجي يبدو مقبولاً، بما ينطوي على شكل من أشكال الاستعمار، ولكن مجرد الخوف من نفوذ إيراني محتمل يصبح مبرراً لصفقات تسلّح فلكية. من بين ما يجري الحديث عن قرب إبرامه مؤخراً وتحدّثت عنه الصحافة الألمانية عقد بيع 200 دبابة قتالية من نوع ليوبارد 2 الى السعودية.

ما لا ينكره أحد، أن العلاقة بين واشنطن والرياض تجاوزت حدودها الاعتيادية، والتي غالباً ما ينظر إليها بوصفها من المألوف بين الدول الحليفة، ولكن ما لا يمكن فهمه بسهولة هو طبيعة الشراكة الاستراتيجية بينهما. القول بأن واشنطن تبقى الشريك الأبرز للسعودية في مسائل الأمن والدفاع وأن من غير المحتمل أن يتغيّر هذا الأمر في المستقبل المنظور، بحسب نيل بارتريرك، الخبير في شؤون الخليج لوكالة فرانس برس، يعني كما يوضّح ذلك أن تلعب الولايات المتحدة (دوراً رئيسياً من حيث الخدمات الاستشارية في خطط السعودية الحالية لتوسيع قدرات?وزارة الداخلية على حيازة معدات التكنولوجيا المتطورة والمركبات المدرعة). والأمر بطبيعة الحال، ليس مجرد تقديم استشارات ولا تزويد وزارات الأمن والدفاع بالتكنولوجيا الضرورية، وإنما الوصول إلى حد إدارة دفة السياسة والأمن بطريقة تكفل مصالح الكبار في هذه المنطقة.

من النقاط المثيرة في عقود التسلح السعودية مع الولايات المتحدة أنها لم تعد تواجه معارضة من الكونغرس، كما هي العادة في كل الصفقات العسكرية مع الرياض. والسبب في هذا الغياب هو أن السعودية لم تعد تشكل خطراً على الدولة العبرية، فضلاُ عن مصالح الغرب. ولذلك، لم يعارض الكونغرس الأميركي من حيث المبدأ العقد الدفاعي الضخم قيد الانجاز رغم أنه يتضمن طائرات هجومية وقدرات صاروخية من بينها السماح ببيع 84 طائرة مطاردة قاذفة من طراز اف - 15 وتحديث 70 طائرة اخرى. كما تشمل الصفقة 178 مروحية هجومية (70 اباتشي و72 بلاك هوك و36 ا?ه اتش - 6اي) و12 مروحية خفيفة للتدريب من نوع ام دي – 530 اف، بحسب الخارجية الاميركية. وهي أسلحة تنطوي على خطورة على القدرات العسكرية الإسرائيلية، ولكن ما يجعل الكونغرس مطمئناً هو أن الجميع يعلم بأن السعودية لن تقاتل.

البعد الأخلاقي في الصفقات هو الآخر ليس عائقاً، وإن كان مطروحاً على مستوى المنظمات الأهلية والحقوقية والصحافية، فهناك من يرى بأن بيع السعودية دبابات ومدرّعات متطوّرة في وقت تقوم به قواتها بقمع حركة مؤيّدة للديمقراطية في البحرين وتتواطأ على وأد الثورات العربية من خلال دفع الأموال لجماعات معينة بهدف تخريب أجواء الثورات وتوزيع الأموال على المخرّبين والبلطجية للتشويش على حركة الثورات العربية.

الصحف الألمانية انتقدت مع بدء انتشار خبر بيع ألمانيا دبابات من طراز ليوبارد 2، وقالت بأن تلك الصفقة تأتي في وقت ترسل فيه السعودية مدرّعاتها لسحق حركة سياسية في البحرين، وأن الصفقة تمثل إهانة للتحركات المطالبة بالحرية في البحرين. ومع أن المعارضة الألمانية تعتبرها مخالفة لقواعد التصدير، فيما ذكرت مجلة (دير شبيغل) الأسبوعية بأن مجلس الأمن الفدرالي (الحكومي) أعطى موافقته على بيع الدبابات، في وقت كان يرفض فيه من قبل بيع الأخيرة أسلحة ثقيلة. وكان المبرر السابق هو (الحفاظ على أمن إسرائيل واحترام حقوق الإنسان). من?الواضح أن الموضوعين سالفي الذكر لم يعدا مدرجين على قائمة التحفظات، فأمن اسرائيل لا يشكّل قلقاً بالنسبة للسعودية، وكذلك موضوعة حقوق الإنسان التي استخدمها الغرب ضد أعدائه وليس أصدقائه.

ما يكشف عن ذلك، ما ورد في صحيفة (سودويتش تسايتونغ) التي نقلت عن مصدر قريب من الحكومة بأن اسرائيل والولايات المتحدة (تم ابلاغهما بالصفقة ولم تعترضا). وقال هذا المصدر للصحيفة الصادرة في ميونيخ (فهم الجميع ان الحكومة الاسرائيلية موافقة. والا لكان صدر اعتراض رسمي). هل يحمل ذلك دلالة ما؟ بكل تأكيد، ليس فقط أن عدم الاعتراض الاسرائيلي يكشف عن اطمئنان الى أن السعودية لن تستعمل السلاح بما يهدد أمنها، بل أن هذا النوع من الموافقة يشي بتنسيق مشترك بين الرياض وتل أبيب، لأن الأخيرة لم تعتد السكوت على صفقات حتى للأصدقاء ?ذا كانت تحمل ولو مجرد احتمال بعيد للغاية خطراً على الأمن الاسرائيلي.

الصفحة السابقة