(4)

خريف سعودي وربيع عربي

البنية السياسية والإجتماعية لشعوب الثورة وخريفها

عبد الوهاب فقي

كشفت الثورات العربية عن ارتباط قوي بين بنية النظام السياسية وبنية المجتمع من جهة، وبين احتمالية قيام ثورة شاملة يساهم فيها الشعب بكل مكوناته. يمكن تقسيم الثورات والإحتجاجات العربية الى ثلاثة أقسام:

القسم الأول، هناك شعوب صنعت ثورتها وساهمت فيها كل الشرائح والفئات تقريباً، رغم وجود تعدد وتنوع ثقافي أو طائفي أو قبلي أو مناطقي، وذلك بفضل النزعة الوطنية القوية التي استطاعت تجسير الخلافات أو الإختلافات المجتمعية. وأفضل مثل يمكن تقديمه هنا هو الثورة المصرية التي ساهم فيها الأقباط والمسلمون؛ وفي كافة المحافظات المصرية. في تونس كان هناك تفاوت مناطقي بين الشمال والجنوب، وقد اندلعت الثورة في الجنوب لترتفع شيئاً فشيئاً حتى تصل الى العاصمة وتسقط النظام. وفي اليمن حيث يبلغ التعدد والتنوع مداه، من جهة الإنتماءات القبلية والمذاهب (الزيدية والشافعية) والمناطق/ المحافظات، وبرغم وجود نزعة انفصالية في الجنوب، إلا أن الثورة اليمنية تعالت على كل ذلك، وصنعت الروح الوطنية اليمنية مناخاً وحدوياً باهراً، ساعد على استمرار الثورة، رغم عوامل الإحباط والخيانة من الجوار والغرب، وسوف تستكمل الثورة وتنتصر بإذن الله.

القسم الثاني، هناك ثورات واحتجاجات وقعت في بلدان تحكمها أقليّات مذهبية أو مناطقية أو عائلية أو قبلية، أو خليطاً منها، بعضها يرفع شعار الوطنية كما في سوريا، وبعضها يرفع شعار العائلة كما في البحرين التي حين شعرت بالخطر رفعت شعار الطائفة، وبعضها يتدثر برداء القبيلة كما في ليبيا.

في البحرين ظهرت ثورة أكثرية (يمثلها الشيعة) الذين هم مستبعدون من السلطة ويمارس بحقهم التمييز، ولم تشارك فيها الأقلية، بل اصطفت هذه الأخيرة الى جنب النظام الذي استثارها طائفياً عبر إعلامه الرسمي (التلفزيون خاصة) وذلك لمنع انهيار حكم العائلة الخليفية، وليربط مصيره بمصير الطائفة السنيّة.

وفي ليبيا، تحركت أغلبية المناطق والقبائل ضد نظام القذافي، عدا المناطق التي تسكنها قبائل تنتمي الى ـ وتنتفع من ـ نظام القذافي، ولاتزال تمثل مشكلة حتى بعد سقوط العاصمة.

وفي سوريا، فإن المعارضة السلمية أو المسلحة تنتمي في معظمها الى الأكثرية السنيّة، وهي معارضة بدأت بحراك سلمي كان يمكن أن يتطور ليشمل الجميع، لكن العامل الطائفي أقحم عليها من الخارج، مدفوعاً من السعودية وبعض دول الخليج، واستخدم ياللغرابة الخطاب الطائفي من المعارضة، وقد كان متوقعاً أن يأتي من قبل النظام الأقلوي، لكن هذا الأخير أصرّ على خطاب سياسي وطني، انحاز اليه جزء من جمهور السنّة، والأقليات الأخرى: المسيحيون، والدروز، والإسماعيليون، إضافة الى العلويين.

في هذه الدول الثلاث، تبدو صناعة ثورة شاملة أمراً مستحيلاً، والإصرار عليها يعني قيام حرب أهلية. فحتى لو كان نظام الحكم أقلّوياً أو ينتمي في جزء أساس منه الى الأقليّة، فإن من الصعب إزاحته، كونه مسيطراً على أهم مفصل في الدولة وهو الجيش وقوى الأمن، وبالتالي لا يمكن إسقاط هكذا أنظمة دفعة واحدة، بل يفترض أن يصار الى تغييرها بالتدريج، وعبر اتفاق داخلي (اذا ما كانت الحدود والموانع قوية رفيعة بين الطوائف) من خلال ابتداع حلول لديمقراطية توافقية أو ما يشبهها.

في التجربة الليبية، كان مستحيلاً أن تنتصر الثورة، أوتتجنّب الحرب الأهلية، لولا تدخّل حلف الأطلسي العسكري المباشر، الذي قصم قوة الدولة الليبية المركزية. بدون ذلك، كان الثوار الذين بادروا الى السلاح سيخسرون معاركهم على الأرجح، أو تتحول ليبيا الى حرب أهلية، كل طرف لديه مدنه التي يسيطر عليها ومقاتلوه. ومع هذا، فإن شبح الحرب الأهلية، وعدم الإستقرار السياسي لازال مخيّماً على ليبيا، ولا بدّ من أن تجري مصالحة من نوع ما بين المناطق والقبائل لنزع فتيل استمرارها.

في التجربة الليبية، كان مستحيلاً أن تنتصر الثورة، أوتتجنّب الحرب الأهلية، لولا تدخّل حلف الأطلسي العسكري المباشر، الذي قصم قوة الدولة الليبية المركزية. بدون ذلك، كان الثوار الذين بادروا الى السلاح سيخسرون معاركهم على الأرجح، أو تتحول ليبيا الى حرب أهلية، كل طرف لديه مدنه التي يسيطر عليها ومقاتلوه. ومع هذا، فإن شبح الحرب الأهلية، وعدم الإستقرار السياسي لازال مخيّماً على ليبيا، ولا بدّ من أن تجري مصالحة من نوع ما بين المناطق والقبائل لنزع فتيل استمرارها.

في ذات السياق يمكن وضع سوريا أيضاً، فهي لا تتحمل تدخلاً خارجياً عسكرياً كما في التجربة الليبية، فهذا أمرٌ يستحيل حدوثه ضمن الحسابات السياسية القائمة (انظر العدد الماضي من الحجاز)؛ ويستحيل على النظام المستبدّ في سوريا أن يعيد الأمور الى ما كانت عليه بالحسم الأمني؛ كما يستحيل على المعارضة المسلّحة بالذات أن تنتصر في مواجهة قوى الأمن والجيش؛ وتبقى احتمالات الإنشقاقات في جسد الدولة (بالذات في الجيش والمؤسسات السياسية والدبلوماسية) أمراً محتملاً، لكنه لم يحدث حتى الآن، وحتى لو حدث فالأرجح أن يساعد ذلك على انشقاقات أوسع مجتمعية ومناطقية تسرّع بقيام حرب أهليّة. والحلّ مرّة أخرى، لا يختلف عن الدول الأخرى المماثلة: إصلاحات عميقة في البناء السياسي؛ وتوافقات مجتمعية؛ وربما محاصصة سياسية حتى. لا بد أن تكون الإصلاحات مغرية ومقنعة، وإلا فالأزمة مستمرة، حتى ولو استطاع النظام كسر معارضيه، فهذا حلّ مؤقت بلا شك.

ولاء نجد المنعّمة للعائلة المالكة

القسم الثالث، وقعت احتجاجات أخرى في بلدان عربية، رفعت مطالب سياسية أو اقتصادية، ولم يتهيّأ لها أن تتحول الى ثورة، لأسباب اقتصادية واجتماعية وسياسية. بعض تلك الإحتجاجات استجيب لها بنحو كبير كما في المغرب، والى حدّ ما سلطنة عُمان. في المغرب كانت الإحتجاجات سياسية، وفي السلطنة كانت إقتصادية، لكن الحكومة حاولت أن تقدّم بعض التعديل في الجانب السياسي من جهة المشاركة الشعبية، كما قامت بعزل عدد من الوزراء. وعلى قدر الإحتجاجات وطبيعتها يتوقف حجم الإستجابة ونوعه.

في العراق كان مستحيلاً أن تقوم ثورة، فالنظام القائم جاء على أساس انتخابي، ولذا اخذت الإحتجاجات منحى احتجاجياً على أداء الدولة في مجال توفير الخدمات، وإن رأى بعض العرب أن بالإمكان تحويل تلك الإحتجاجات الى ثورة سياسية، وهو ما لم يحدث. وقد حاول المالكي بالقمع وغيره امتصاص الغضب الجماهيري، ونجح الى حدّ كبير. لكن قد تحدث الثورة سلمياً في الإنتخابات البرلمانية القادمة، حيث من المحتمل أن يحطم الجمهور رموزاً سياسية عتيدة ويأتي بأخرى.

أيضاً في الأردن، فإن الملك متلكيء في إجراء التغييرات السياسية المطلوبة من المعارضة؛ ولايزال المعروض على الطاولة أقلّ مما يلبي مطالب المحتجين، والوضع لازال مراوحاً بين فريقي السلطة والمعارضة، قد يتطور الى احتجاج صاخب، وقد يتراجع بفعل الحقنات المالية الخليجية، والآمال الكبيرة بانضمام الأردن الى نادي الملوك الخليجي (مجلس التعاون).

في الأنظمة الملكية لم يطرح المتظاهرون إسقاطها (عدا البحرين)، أو لم يجرأوا على ذلك، وإن كانت هيبة (الملكية) قد أصابها الكثير من الضرر، وفقدت ألقها بشكل كبير، خاصة بعد قيام الثورات العربية، كما في المغرب والأردن، حيث التحرّش بالعرش من قبل بعض الجمهور علامة فارقة في التاريخ السياسي لهذين البلدين. ومثل ذلك الملكية في البحرين التي لازال كثيرون يرددون شعارات اسقاط الملك.

بيد أن هناك أصوات واحتجاجات قد خنقت في مهدها، كما في الجزائر والسعودية. في الأولى استطاع النظام ـ وبسهولة فيما يبدو ـ تفريق بعض التظاهرات التي انطلقت في ميادين العاصمة. قيل أن الوضع الإقتصادي ـ خاصة الإسكاني ـ ليس بذلك السوء في الجزائر؛ فضلاً عن أن شعبها لم يكن متحمّساً للصراع مع الجيش والسلطة، آخذاً بعين الإعتبار أنه قد خرج للتوّ من تجربة سيئة، بل محنة حقيقية، هي محنة الحرب الأهلية منذ التسعينيات، والتي لازالت بعض ذيولها قائمة اليوم، وقد وقع تفجير في إحدى الكليات العسكرية مؤخراً، ما يفيد بأن الوضع غير مستقر، وأن الجمهور لازال منهكاً من آثار الماضي.

بنية النظام السعودي

أما في السعودية، فإن النظام السياسي فيها أقلّوي، شأنه شأن عدد من الأنظمة العربية، أي أن هناك أقليّة تستفرد بقدرات ومغانم ومناصب الدولة بشكل مطلق في كل الميادين العسكرية والسياسية والإقتصادية والأمنية والتعليمية والدينية والثقافية وغيرها، في حين أنها لا تشكّل إلا نحو 20% من مجموع السكان. في وضع مثل هذا، يصبح الإصلاح السياسي والثقافي والديني طوعاً أمراً مستحيلاً، وقد تمّ تجريبه على مدار سنوات عديدة. ولأن المجتمع المسعود يتكون من أقليّات متعددة مناطقية ومذهبية، لكل منها ثقافتها الخاصة وتراثها السياسي المختلف وبيئتها ومناخها ومذهبها الخاص وطبوغرافيتها ومناشطها الإقتصادية ونوعية القبائل القاطنة فيها وغير ذلك، فإن ذلك انعكس على طبيعة الحراك السياسي المحلي، نشأة وتطوراً.

فمن جهة هناك أقليّة نجدية حاكمة مسيطرة غزت المناطق الأخرى وضمّتها لسلطتها السياسية، والبقية مهمّشة؛ كما أن الشعور الوطني ليس فقط ضعيفاً يكاد يكون ميّتاً، بل أنه من غير المسموح أن ينمو حسّ وطني وثقافة وطنية تؤسس لوحدة وطنية حقيقية ومشاركة عادلة في السلطة والثروة. كل ما أُبقي مجرد خيط رفيع من مشاعر التواصل بما يحفظ للدولة السعودية وحدتها الظاهرية تحت قبضة العنف المشترك بين الديني والسياسي النجدي.

فيما مضى من عقود، كان الخيار الوطني غير ناضج ولازال، فقد انطلقت معارضات بأيديولوجيات عابرة للمناطق والمذاهب: قومية عربية؛ يسارية؛ وحتى شيوعية؛ ولكنها جميعاً فشلت. ليس فقط لأن المجتمع محافظ من شماله لجنوبه، ومن شرقه لغربه، بل لأن مثل تلك الأيديولوجيات كانت غير قادرة على التغلب على الفئوية الخاصة، لغياب روح وطنية، فكان من البديهي أن تتذرّر المعارضة بقدر ما هو المجتمع متذرّر، حيث لا أحد في منطقة ما يمثل منطقة أخرى، ولا معارضة في منطقة ما تمثل المواطن في المناطق الأخرى، وليست هناك قدرة حتى الآن على جمع الاختلافات في إطار مشترك من المصالح والرؤى، لدى معارضات بدت وكأنها قليلة الخبرة، بسبب القمع المستمر وعدم إتاحة المناخ المناسب لها للنضوج.

مظاهرات المناطق الناقمة

وزيادة على وجود فئة حاكمة منعّمة تفرض ثقافتها ومذهبها الوهابي ورجالها النجديين على الآخرين، وأخريات يجري التمييز المناطقي والمذهبي بحقها، فإن هذا عنى، أنه يصعب إيجاد أرضية أو موقف مشترك من نظام حكم العائلة المالكة. فالفئة النجدية الحاكمة هي في المجمل ـ كما مؤسستها الدينية الوهابية ـ مع آل سعود النجديين؛ وإذا ما حدث إنشقاق داخل الفئة الحاكمة، كما حدث مع جيش الإخوان، أو مع جهيمان، أو مع موقعي مذكرة النصيحة، أو حتى مع القاعدة، فإنما هو انشقاق داخل البيت الواحد، والخلاف على مَنْ وكيف تدار الدولة، وحصّة كل طرف (مناطقي نجدي فيها) سواء كان مؤسسة أو تياراً دينياً وهابياً، أو نخبة نجدية تكنوقراطية، أو عائلة سعودية مالكة تنتمي مذهباً ومنطقة وثقافة الى الفئة الحاكمة.

لذا لا غرابة أن تجد الأجندات مختلفة، وأن معارضة نجد إذا ما وجدت، وهابية كانت أم زعمت اللبرالية او العلمانية، تختلف من حيث الأهداف عن المعارضات التي تنشأ في مناطق أخرى، بل هي تصطدم معها على الدوام، وتعتبرها كافرة، أو تنظر اليها بعنصرية، وتتهمها بالعمالة للخارج، وأنها تمثل تهديداً خطيراً لسيطرة نجد مذهباً ومغنماً وسلطة.

دوافع التحرك والمعارضة مختلفة من منطقة لأخرى، فالمنعّمة لا تتحرك، وإن تحركت فلأهداف غير وطنية في المجمل. أما المضطهدون وهم الأكثرية، فالمعارضة بينهم متفاوته أيضاً اعتماداً على حجم الضغط والقمع والتمييز الممارس ضدها، وكذلك اعتماداً على تراث المنطقة النضالي، وعلى أسبقيتها في التعليم وفي الإحتكاك بالعوالم الأخرى (اعتماداً على الموقع الجغرافي والإقتصادي).

من هذا نخلص، أن من الصعب أن تقوم معارضة وطنية في السعودية، بمعنى تتقدم بأهداف وطنية ويساهم فيها كل الأطراف والفئات، وبديهي أن تكون هناك شبه استحالة من قيام ثورة شاملة.

لهذا قيل بأن السعودية أقرب ما تكون الى التفكيك منها الى الإتحاد.

وهذا يعني أنها أقرب الى الحلول الراديكالية منها الى الإصلاح السياسي المتدرج.

وهي أقرب الى العنف منها الى التسالم بسبب النزعة النجدية الوهابية العنصرية والتكفيرية الحادّة، وأيضاً بسبب انغلاق آفاق التغيير السياسي السلمي.

المعارضة النجدية عنيفة، ونموذجها القاعدة وجهيمان وقديماً الإخوان. أما المعارضات الأخرى التي لا تمتلك وسائل التحرك والمخنوقة في مهاد التمييز، فإنها تأمل بالإصلاح السياسي وتدعو اليه، بعد أن فشلت في إيجاد حركة وطنية معارضة تعيد هيكلة الدولة السعودية.

واذا ما رأينا أن الربيع العربي له تأثير إيجابي، فبمعنى أن له التأثير المباشر على الحجاز في الغرب، والأحساء والقطيف في الشرق، ونجران في الجنوب، وتبوك في الشمال. أما نجد ـ عدا حائل ـ فالتأثير سلبي، حيث تغلبت الخشية على ضياع الحكم من يدها، وهي ـ أي نجد ـ التي تقود الثورة المضادة في العالم العربي. لا غرو أن الوهابية كانت ضد الثورات العربية؛ ولا عجب أن شيوخها هم وحدهم من أفتى ضد التظاهرات في السعودية؛ ولا يصيبنا الإندهاش من قبول الوهابية إسقاط أنظمة معادية لآل سعود في سوريا وليبيا، خلافاً لقناعتها المذهبية. فالمصلحة تأتي أولاً وآخراً.

لماذا خرجت مظاهرات في المنطقة الشرقية، فتصدّى لها الوهابيون ولبراليو نجد شتماً واتهاماً؟

لماذا ظهرت ملامح تظاهر في الغربية، وسابقاً تظاهر بالسلاح احتجاجاً في نجران، في حين أن نجد كانت ضد كل ما يسيء الى النظام السعودي؟

في 11 مارس الماضي، فشلت التظاهرات في السعودية. فاضافة الى الفتاوى الوهابية المحرمة للتظاهر، واضافة الى تجييش النخبة النجدية ضد المواطنين الذين يزمعون التظاهر ووصمهم بالعمالة وعدم الوطنية!!، أنزل النظام قواته الأمنية وبعض فرق الجيش والحرس الوطني الى شوارع المدن السعودية الكبرى، ودفع بالطائرات للتحليق في سمائها ترهيباً وتخويفاً. كانت هناك مفارقتان مهمتان في هذا، في نجد ظهر أحدهم يريد التظاهر بعد صلاة الجمعة وفي باحة المسجد، فأمسك به الجمهور وسلّمه للسلطة. والمفارقة الأخرى، أن المظاهرات التي انطلقت حتى قبل ذلك التاريخ انما تمت في المنطقة الشرقية التي اعتادت اعلان غضبها على النظام، فتمّ تجاهلها تماماً، فلهذه المنطقة قانونها الخاص، وكأنها حالة لا تمثل المجتمع المسعود!

بمجرد ان أنجزت السلطة وقواها النجدية إجهاضها للتظاهرات والإحتجاجات، كافأ النظام مؤسساته الأمنية والدينية بالأموال والمخصصات التي بلغت نحو مائة مليار ريال فقط!

لو تحركت نجد، لتحرّكت المناطق الأخرى. ولو تحركت المناطق دون نجد، إذن لقمعت بقوى نجد السياسية والأمنية والعسكرية والدينية والمالية!

اعتاد النظام أن يضرب بقواه النجدية الوهابية كل منطقة على حدة. لأنه يدرك صعوبة ـ وليس استحالة ـ تحرك المناطق بصفة جمعية لتحقيق هدف سياسي مشترك. وهذا يعني بالتحديد أن شرذمة المجتمع وعدم إنماء أي حس وطني جامع أو هوية وطنية مشتركة، هدف للعائلة المالكة، لأن (في تشرذم المجتمع وحدة للسلطة) وقبضاً بمجامعها في يد نجدية واحدة. وشرذمة المجتمع، تعني أيضاً إضعافه في المقاومة والمعارضة، وبالتالي فإن غياب الحسّ الوطني يعني وجود معارضات مشتتة يستطيع النظام ضربها بشكل متفرّق بدل أن ترهقه او حتى تسقطه بجهد جمعي.

لعلّ هذا كلّه يفسر.. لماذا هذا الخريف السعودي، الذي من المؤكد أنه لن يبقى الى الأبد، فالدنيا دول، والفصول تتعاقب، وما خلق الله عائلة مالكة أو فئة متحكّمة لتسيطر على مقدرات الشعوب الى الأبد.

الصفحة السابقة