استعدادات موسم الحج

مخاوف من عدوى ربيع العرب

سعدالدين منصوري

موسم الحج هذا العام سيكون دون ريب مختلفاً عن كل المواسم السابقة، فحجّ هذا العام يأتي في ظل تحوّلات كبرى تشهدها منطقة الشرق الأوسط وبلاد العرب على وجه الخصوص، فكثير من الحجاج القادمين هذا العام الى الديار المقدّسة سينقل تجاربه وذكرياته الثورية الى إخوانه من الشعوب الأخرى، التي مازالت تنتظر موعدها القادم في ربيع الثورات.الهواجس تتعاظم لدى آل سعود من إمكانية الحد من تأثير الحجاج المصريين والليبيين والتونسيين واليمنيين والبحرينيين والسوريين بل قد يكون دور الحجاج من البلدان التي لم تهب عليها وفيها رياح الثورات أشد خطراً بالنسبة لآل سعود، لاعتقادهم بأن هؤلاء قد يعملون على تأجيج مشاعر الحماس وتشجيع بعضهم على أن يحذو حذو من سبقهم من الشعوب التي ثارت وبلغت أهدافها.

ليتخيّل المرء كيف سيكون موقف آل سعود وهم ينظرون الى ممثلين عن كل الثورات العربية وهم يجتمعون في الديار المقدّسة، وبالتأكيد سيختلطون بباقي الحجاج سواء المحليين أو من دول عربية وإسلامية متعددة. الأهم في ذلك، أن الممثلين عن الثورات يأتون من بلدان لم تعد محكومة بالحديد والنار، وحتى وإن بقي من النظام البائد رجال أمن مازالوا بتلك العقلية فإنهم لا يشكّلون مصدر هلع بالنسبة لهم، لأنهم يملكون الشارع، ويستطيعون تحريك الناس في أية لحظة من أجل إرغام النظام على التنازل وكف يدّه عن المناضلين..

السعودية لا تملك الآن سلطة على البلدان التي نعمت بثورات شعبية، سوى أنها ستقوم بطلب قوائم بأسماء الأشخاص الذين رصدتهم قوى الأمن التابعة للحكومة الانتقالية في تونس أو المجلس العسكري في مصر أو حتى المجلس الإنتقالي في ليبيا فضلاً عن الأجهزة الأمنية في اليمن والبحرين، أما الثوّار السوريون فلربما يخرقون العادة كما يفعلوا في عواصم عربية وأوروبية بأن يطالبوا الحجّاج وبطريقة علنية بمساندة قضية الشعب السوري ما قد يشجّع الثوّار الآخرين سواء في اليمن أو البحرين وربما حتى في الداخل على مطالب من هذا القبيل.

ماهو متوقّع أن وزارة الداخلية السعودية ستعمل بأقصى طاقتها في الموسم القادم، بسبب مخاوف من انتقال عدوى ربيع العرب وسط الحجاج من كل الأصقاع. خشية آل سعود تعود الى أن ما نجت منه في موعد الاحتجاج الافتراضي في 11 آذار (مارس) الماضي حين أعلنت مجموعات شبابية على مواقع التواصل الاجتماعي عن يوم للثورة، قد يتمّ التعويض عنه في موسم الحج، وقد تبادر مجموعات الى تثمير هذا الموسم أولاً للرد على الموقف السعودي من الثورات العربية، وقد تخرج حركة إحتجاج من بين الحجاج في شمال أفريقيا للمطالبة بتسليم زين العابدين بن علي الى تونس من أجل تقديمه للمحاكمة، وقد يخرج الحجاج المصريون الغاضبون من موقف آل سعود من ثورة 25 يناير، وإغفالهم دماء أكثر من 300 شهيد وآلاف الجرحى الذين تساقطوا في شوارع ومدن مصر خلال الثورة، في وقت يتباكون فيه على الطريقة التي يقدّم فيها حسني مبارك للمحاكمة، حتى نقل عن مسؤولين مصريين قولهم أن السعودية هدّدت بقطع العلاقة في حال جرى تكرار مشهد حضور مبارك على سرير متحرّك، فيما قيل بأن الملك عبد الله تعهّد بدفع عدّة مليارات في الاقتصاد المصري في حال لم يتكرر مشهد مبارك وهو على السرير الطبي..

على أية حال، بدأت وزارة الداخلية سلسلة تدابير وقائية لمواجهة الأخطار المحتملة في موسم الحج القادم والمرتبطة بصورة وثيقة بربيع الثورات العربية. واحدة من تلك التدابير ما تمّ الإعلان عنه في الأول من سبتمر الجاري، حيث دعت وزارة الثقافة والإعلام جميع الصحافيين إلى عدم تلبية الدعوات أو إجراء مقابلات صحافية مع بعثات الحج، إضافة إلى عدم تلبية الدعوات أو حضور اللقاءات والدورات التي تدعو إليها جهات أجنبية تعمل بالمملكة أو خارجها وعدم إجراء أية مقابلات صحافية أو دعوة منسوبي تلك الجهات إلا بعد التنسيق مع الوزارة ذاتها.

وتفادياً لأية ردود فعل أو إثارة لحساسية ما خصوصاً حين تكون جهة التعميم ذات طبيعة أمنية وخصوصاً وزارة الداخلية، فإن الجهة المسؤولة عنه جاءت متساوقة مع مضمون التعميم، أي وزارة الثقافة والإعلام، كيما يبدو وكأنه صادر عن جهة اختصاص ويتعلّق بقضية ذات طبيعة تنظيمية وإجرائية ليس إلاّ، وقطع الطريق على أية تفسيرات محتملة حيال أبعاد التعميم ودلالاته، وخصوصاً في هذا الوقت الذي تبدو فيه الأمور خاضعة لمنطق مختلف تماماً، أي أن التفسير لأي شيء لن يكون محايداً البته.

التعميم، رغم ذلك، أثار تساؤلات من عدد من العاملين في الحقل الإعلامي، فقد حمل أخطاء قانونية بحسب المستشار القانوني المحامي أحمد المحيميد في كلام لصحيفة (الحياة)، الذي أكّد أن هناك ثلاثة أخطاء قانونية تضمنها، بدءاً من أنه صادر عن غير صاحب الصلاحية “فمثل تلك القرارات التنظيمية تكون بقرارات سيادية تصدر من مجلس الوزراء”، لافتاً إلى أن “التعميم لم يُشِر إلى أي مرجع قانوني يستند فيه إلى منع الصحافيين من إجراء اللقاءات مع بعثات الحج”، موضحاً أنه ليس من اختصاص وزارة الإعلام إصدار مثل تلك الخطابات، بل تكون من الجهات التي لها علاقة بالحج مثل وزارات الحج، الشؤون الدينية والأوقاف وغيرها بالتنسيق مع الجهات العليا، مشيراً إلى أن على المتضرر من التعميم “اللجوء إلى ديوان المظالم إذا لم يلغ الحكم خلال 60 يوماً والمطالبة بالتعويض ومحاسبة من أصدره”.

وطالب الخطاب، الموقّع باسم وكيل وزارة الثقافة الإعلام المساعد للإعلام الداخلي المكلف أحمد الحوت، والموجّه إلى مديري عموم المؤسسات الصحافية ورؤساء تحرير الصحف والمجلات المحلية “بالإحاطة والتأكيد على جميع الصحافيين بعدم تلبية الدعوات أو حضور اللقاءات والدورات التي تدعو إليها جهات أجنبية تعمل بالمملكة أو خارجها وعدم إجراء أية مقابلات صحافية أو دعوة منسوبي تلك الجهات إلا بعد التنسيق في ذلك مع وزارة الثقافة والإعلام وأخذ الموافقة الرسمية بذلك، كما نأمل الالتزام التام والتقيد بمضمون هذا التعميم والتأكيد على منسوبيكم بالعمل به وعدم مخالفته نهائياً”، فيما تساءل إعلاميون عن سبب عدم توضيح المرجع القانوني الذي استندت إليه الوزارة لمنع إجراء اللقاءات الصحافية مع هذه الجهات، وعن نوع العقوبات التي ستطبقها في حال خالف الإعلاميون توجيهاتها، غير أن مصدراً في الوزارة أكد لـ(الحياة) أن “التعميم صادر وفق تعليمات من جهات عليا”.

وليست الجهات العليا، عزيزي القارىء، سوى وزير الداخلية الأمير نايف بن عبد العزيز، رئيس لجنة الحج العليا، وهو المسؤول المباشر عن كل شؤون الحج سواء كانت تنظيمية، أو أمنية، أو ثقافية، أو إعلامية، أو سياسية، ولا يسمح لغير الأمير نايف شخصياً بالبت في أمور الحج دون الرجوع إليه.

منذ اعلان الملك عبد الله في بيانه المخيّب للآمال في 17 آذار (مارس) الماضي والذي نظر إليه كثيرون على أنه جاء متطابقاً مع رغبة الأمير نايف حرفياً، ولعله كان جزءً من صفقات التسوية التي تجري بينه وبين الملك، والناس تعتقد بأن كل ما يجري من تدهور في مجال الحقوق والحريات يكون الأمير نايف شخصياً مسؤولاً عنه، وأن المكافأة التي حصل عليها نايف في خطاب الملك عبد الله حين ضاعف من عديد عناصر الأمن العاملين في أجهزة وزارة الداخلية كانت على حساب الاصلاح السياسي المطلوب شعبياً، ومقايضة على حقوق الناس، ما جعل الأمير نايف شخصية ممقوتة، ويتوجّس الأهالي من حضورها وتصريحاتها وقراراتها، الأمر الذي دفع به إلى إشراك جهات أخرى حكومية في الإضطلاع بأدوار القمع ومصادرة الحريات، فتارة تتولى وزارة العمل، وأخرى وزارة الصحة، وثالثة وزارة البترول، ولا شك أن لوزارة الثقافة والإعلام دوراً كبيراً تقوم به خصوصاً حين يتعلق الأمر بحريات العباد وحقوقهم، فقد تراجعت حرية التعبير بطريقة لافتة منذ إعلان الملك عن معاقبة كل من يوجّه نقداً لرجال الدين بكلمة توصف بأنها تعريض بهم، ثم جاء الإعلان الثاني في 22 تموز (يوليو) الماضي والذي كشفت عنه منظمة العفو الدولية واعتبرته وسيلة لمعاقبة المعارضين، حين هدّد بيان مكافحة الإرهاب الجديد بمعاقبة كل من يوجّه نقداً للملك أو ولي العهد، ويضع ذلك في خانة الارهاب، ويعرّض صاحبه لعقوبة تصل الى عشر سنوات..القوانين الجديدة لا يغفل فيها دور وزير الداخلية نايف الذي تعجبه هذه القوانين من أجل إخفاء أجندته، فهو في الوقت الذي يوهم الملك بأنه حريص على موقعه من أن يمسّ من قبل بعض (ضعاف النفوس) و(الصغار)، وهذا ما ينجح الأمير نايف في الغالب فيه مع الملك، فإنه يضمر أهدافاً أخرى بعيدة، فهو يضع نهاية للصورة الوهمية عن الملك باعتباره إصلاحياً، فيصبح هو وغيره من الأمراء الكبار في الجناح السديري على مرتبة سواء بمعنى آخر (مافي أحد أحسن من أحد حين يأتي الحديث عن الحريات وقمعها)..

على أية حال، فإن التدابير الوقائية في موسم الحج ستصدر تباعاً وكلها ذات أهداف أمنية محضة، وأن ثمة توتّرات داخل العائلة المالكة تدفع بالأمير نايف الى تصعيد الإجراءات الأمنية ضد الحجّاج القادمين. ما يخشاه آل سعود هذه المرة أن يصبح الحج بنكهة ثورية، فالنفوس مهيئة، والشعوب العربية تتطلّع للإستماع الى صنّاع الثورات وتجاربهم وذكرياتهم، وقد تعقد روابط لما بعد الحج بين صنّاع الثورات والحالمين بها، ولا شك أن لكل ثورة تراثها، وأدبياتها، التي ترغب في نقله الى الشعوب الأخرى كتعبير أمين ومسؤول عن الروح القومية التي تملي هذا النوع من التثقيف والدعاية الثورية..

آل سعود لن يهنأوا هذا الموسم، وإن هيبة الأنظمة الشمولية والإستبدادية التي تساقطت كأصنام خاوية لن يكون آل سعود استثناءً فيها، فهذا موسم سقوط الهيبة وزمن الخيبة..يشعر الأمراء الكبار بأن حساباتهم ليست دقيقة تماماً حين استضافوا زين العابدين بن علي، وحين بالغوا في دعم مبارك حتى بعد سقوطه، أو حين أماطوا اللثام عن تآمرهم على الشعب اليمني، دع عنك دخول قواتهم الى البحرين بهدف وأد ثورة شعبها، فالكراهية المتنامية وسط الشعوب العربية ضد النظام السعودي تثير قلقه، وقد لحظ آل سعود كم هو غضب الشارع المصري منهم كما عكست ذلك الصحف المصرية بكل أطيافها، حتى اضطر السفير السعودي للخروج على القنوات الفضائية لتهدئة الشارع المصري عبر وعود بمساعدات واستثمارات سعودية، وكانت صورة معبّرة أن يجتمع المصريون أمام سفارتين للتعبير عن غضبهم: الإسرائيلية والسعودية..!

محاولات الأمير نايف لمنع تواصل الحجاج فيما بينهم مستحيلة، فقوانين حظر التواصل بين الحجيج كقانون حظر استعمال الصحون اللاقطة الذي لم يلتزم به أحد بمن فيهم الأمراء أنفسهم، وكذلك الكاميرات، ومواقع التواصل الإجتماعي التي بدت فيها نكتة شراء الملك لموقع (فيسبوك) كأنها سخرية غبية..

خلاصة الكلام، أن محاولات حجب حقائق الثورات عن بقية الحجاج وخصوصاً المحليين مصيرها الفشل الحتمي، ولا سبيل أمام آل سعود سوى الكف عن خنق المجال المحلي الذي قد يصبر ويؤجّل موعد ثورته لأن المال يعمل كمبرّد للحرارة الثورية، ولكن في نهاية المطاف هناك أجل سيصل إلى آل سعود قريباً أم بعيداً، ولكن لن يكون بعيداً جداً.

الصفحة السابقة