المملكة المتشدّدة داخلياً وخارجياً في العهد الجديد

الملك مصاب بالزهايمر ونايف وسلمان يديران المملكة

يحي مفتي

الى أيّ حدّ هي المملكة قد تغيّرت بسبب التعديلات في رؤوس السلطة؟ وفي أيّ اتجاه؟ هذا هو المهم حين الحديث عن تعيين نايف ولياً للعهد، وشقيقه سلمان وزيراً للدفاع، الى جانب الإطاحة بعبدالرحمن نائب وزير الدفاع، وخسارة عدد من الأمراء المهمشين في السلطة معركتهم معهم مع الجناح السديري، كالأمير طلال.

لماذا ستتغير السعودية سياسة، إن كانت الوجوه الحاكمة لم تتغيّر، حتى لو تغيّرت المناصب؟ فنايف وسلمان كانا صانعي سياسة قبل وبعد التغييرات في المناصب، ولم تدخل وجوه جديدة تنافسهما، فحلقة صانعي القرار كانت أربعة، تقلّصت الى ثلاثة أعضاء من العائلة المالكة بعد موت الأمير سلطان، وهم الملك ونايف وسلمان. هل سيزيد نايف من صلاحياته الفعلية (رغم تصاعدها إسمياً) بعد أن أصبح ولياً للعهد؟ وكذلك سلمان: هل سيصبح أكثر قوة في جهاز الدولة؟ وعلى حساب من؟ هل على حساب الملك الذي قد تنخفض صلاحياته، أم على حساب أمراء آخرين؟

إن تقلّص عدد صانعي القرار، يزيد من حجم السلطة ابتداءً. فصلاحيات الأمير سلطان سوف يرثها وبالتحديد شقيقاه نايف وسلمان، وقد أخذ أحدهما ولاية العهد، والثاني أخذ وزارة الدفاع، وأُسند الطيران والمفتشية العامة الى آخرين. إن تزايد صلاحيات الأمير نايف، تنبع من كونه أنه لم يخسر ما بيده، أي وزارة الداخلية، بل أُضيفت له مسؤوليات جديدة. وقد يقال أن تلك المسؤوليات كان يمارسها فعلاً بسبب مرض أخيه سلطان الذي دام سنوات عديدة، وبالتالي لم يتغير وضعه كثيراً. لكن الأمير سلمان، أمير الرياض، فإنه فقد منصبه لصالح الأمير سطام. مع هذا، فهو قد حصل على إمكانيات وصلاحيات أكبر من خلال منصبه الجديد كوزير للدفاع، فضلاً عن أن دوره كمسؤول عن شؤون أفراد العائلة المالكة الخاصة، فيما يتعلق بالمال والسفر والمشاكل الخاصة، سيبقى ملفها بين يديه.

أما الملك عبدالله، فموت الأمير سلطان، لم يضف اليه شيئاً من السلطات، فضلاً عن أنه مكتف بما لديه، وغير قادر على تحمّل مزيد من الأعباء تضيفها على كتفيه أية صلاحيات جديدة مفترضة. ومن المرجح جداً، أن الشقيقين نايف وسلمان، سيديران الدولة باسم الملك الذي يضعف يوماً بعد آخر ويعجز عن القيام بمسؤولياته كملك، خاصة إذا ما تأكّد خبر أنه مصاب بأعراض أولية من الزهايمر يفترض أن تتفاقم سريعاً لتجعله بعيداً عن السلطة، وقد يجري عرضه على طبيب يقرر إزاحته من السلطة، حسب نظام هيئة البيعة.

لقد تمّ تقسيم إرث الأمير سلطان المالي بين أبنائه وهو حيّ، وكذلك تركته السياسية بعد موته بين حزبه (السديري) خاصة أخويه سلمان ونايف، وهما بالمناسبة مقربين جداً من بعضهما البعض، فضلاً عن ابن ولي عهد السابق خالد بن سلطان، الذي جرى ترفيعه ليتولى نيابة وزارة الدفاع بدلاً من عمّه عبدالرحمن الذي أُطيح به رغماً عنه.

الزهايمر قد يعيّن نايف ملكاً!

وهكذا، فإن الحلقة الحاكمة الضيّقة، أضافت الى سلطاتها سلطات أخرى إضافية، على حساب أطراف من خارج الحلقة ومن خارج المشهد السياسي الملكي السعودي نفسه.

هذه هي طبيعة المشهد الداخلي المتعلق بالأسرة الحاكمة.

وهناك مشهد آخر له علاقة بالسياسة الداخلية السعودية، فهل سيتغيّر فيها شيء؟

يرجح أن التغيير سيكون طفيفاً، عدا ما تستدعيه الإستجابة للأحداث الخارجية سلباً أم إيجاباً.

من المؤكد أن المؤسسة الدينية الوهابية تعتبر نفسها رابحة من تولّي نايف ولاية العهد. ذلك أن رهانها لم يكن يوماً إلاّ سديرياً، وهي لا تكنّ ودّاً للملك، ولا تعتبره خيارها، وتراه بأنه (لا يحبّ المشايخ) أو هو لا يرى منحهم المزيد من السلطات. كان الرهان دائماً على الحزب السديري، وعلى الأمير نايف بالذات، ثم الأمير سلمان. كان رهان المشايخ الكبار والصغار منهم قائم على حقيقة أن مكانتهم في الدولة والمجتمع مرتبطة بالأمير نايف، الذي هو نفسه قام بتوثيق عرى العلاقات معهم بصورة واضحة منذ منتصف التسعينيات الميلادية الماضية، ولم يفوت مناسبة إلا وأشاد بهم، ودافع عنهم، بل أنه هو الذي أكّد على حقيقة أن (الدولة سلفية) في تصريحات متكررة، وليس فقط أن مذهب العصبة الحاكمة سلفي فحسب، رغم أن السلفيين يمثلون أقليّة في السعودية. لهذا اعتبره السلفيون (أمير السنّة) و(المدافع عن السنّة) وقد تلقّف نايف ذلك وأسس جائزة باسمه (جائزة الأمير نايف للسنة النبوية). أدرك الأمير نايف بأن التحالف السعودي ـ الوهابي يمثّل ضمانة لبقاء الحكم السعودي، وأن مكانته السياسية ستتصاعد إن اتّكأ هو على المؤسسة الدينية التي بدت منبوذة اجتماعياً منذ أحداث سبتمبر عام 2001.

لكن المدهش هو قدرة الأمير نايف على الجمع بين ضرب الجناح الوهابي القاعدي المتشدد، واحتواء الجناح الأقل تشدداً لكي يعمل لصالحه، مقابل تبنّي بعض سياساته، فيما يتعلق بالمرأة والإصلاحات وما أشبه.

الآن وقد وصل الأمير نايف الى مبتغاه، وهو إدارة الدولة من الناحية الفعليّة، معزّزاً بسلطة ولاية العهد، وبضعف يقارب الشلل للملك عبدالله.. فهل سيفكّ تحالفاته مع التيار الوهابي المتشدد، أو يخففها، خاصة وأنها تحالفات تجلب نقمة الأكثرية من المواطنين الباحثين عن متنفس اجتماعي وسياسي بعيد عن التشدد؟

لا يبدو أن هذا الأمر سيتحقق. فالوهابية مطلوبة في مقاومة الإصلاحات السياسية بالذات، وإن كان ثمن دعمها بذل المزيد من المال والمناصب والسلطات للتيار النجدي الوهابي الحليف.

بالنسبة للمواطن العادي، فإن وصول نايف الى السلطة بشكل شبه كامل، يعني المزيد من التشدد الديني والإجتماعي والسياسي والقمع الأمني. ليس في نيّة النظام السعودي القيام بإصلاحات اجتماعية وسياسية، حتى مع وجود عواصف سياسية بفعل الربيع العربي بما تلقيه من ظلال على الوضع الداخلي. بل هناك مقاومة شرسة لتأثيرات الربيع العربي، وتوسعة للدور الأمني، واستخدام المزيد من القبضات الحديدية لإبقاء السلطة آمنة من أن يشترك في صناعة قرارها الشعب، ولو في الحدود الدنيا.

وعلى الصعيد الإجتماعي، فإن وضع المرأة سيبقى على حاله، خاصة وأن نايف قال ذات مرّة في مجلس الوزراء، بأنه لن يسمح لها بقيادة السيارة مادام هو على قيد الحياة! قال ذلك وهو وزير للداخلية، أما اليوم فهو ولي للعهد وملك غير متوّج، أو قد يتوّج في فترة قصيرة قادمة، في حال توفي الملك عبدالله.

الملمح الداخلي العام في عهد الأمير نايف ولياً للعهد أو ملكاً، سيكون الجمود السياسي والإجتماعي معزّزاً بالقبضة الأمنية والدعم السلفي/ الوهابي. في هذا نكون أمام مشهد مستمر، إن لم يتطوّر الى الأسوأ، فإنه لن يتطور الى الأحسن.

أما الملمح الخارجي، فالأمير نايف لم يظهر اهتماماً كبيراً به. كان الهمّ الأمني مستحوذاً على كل تفكيره ونشاطه. اليوم هو ركن أساس في الشأن الخارجي الذي لم يرد أن يلعب في ميدانه، رغم أنه يستطيع. لكن هناك مشكلة كبيرة تواجه نايف في الموضوع الخارجي، فهو ليس فقط غير خبير به، ولكن رأيه المطلوب اليوم يأتي في ظل انحسار للسياسة الخارجية السعودية، وفي ظل معاداة سعودية لأطراف عديدة كما في العراق وسوريا والسودان والى حد ما لبنان والجزائر، فضلاً عن عدائه للثورات العربية، حيث أن أعمدة السعودية خارجياً قد تمّ اسقاطها بسقوط النظام المصري، وترنّح النظام اليمني، وسقوط التونسي بن علي، وغير ذلك. زد على هذا، فإن الأمير نايف عادى أطرافاً عديدة خارجية ضمن زاوية أمنية سياسية، أراد ان يحملها مسؤولية اخفاقاته الداخلية، حيث شنّ هو وإعلام السعودية حملة من الكراهية والعداء على العديد من الحركات الإسلامية خاصة الإخوان المسلمون في مصر، وحركة النهضة في تونس، وحملها مسؤولية نشر العنف في السعودية، في حين أن العنف السعودي مفرّخ ومنتج داخلياً وهو يفيض ويرسل الى دول الجوار القريب، والى أماكن بعيدة في العالم.

الآن ماذا يستطيع أن يفعل نايف وقد قارب أعداء أصدقائه في مصر وتونس من الوصول الى الحكم (النهضة والإخوان)؟ هل سيلقم إعلامه حجراً؟ هل سيعتذر ويقوم بالتفافة على مواقف السعودية السابقة ويبني على الأمر الواقع؟ لا يبدو ذلك، فالحكومة السعودية اختارت معاداة الشعوب، وصارت هي المعنية بالثورات المضادة، وأصبحت مكروهة شعبياً وسياسياً في معظم الأقطار والدول العربية والإسلامية. ولا يبدو أن السعودية ستغير نهجها قريباً. حتى في اليمن، كيف ستخرج السعودية من المأزق، وأية سياسة ستتبنّى وهي قد دعمت علي صالح، وحاربت كل أولئك المعارضين الذين سيصبحون جزءً من النظام السياسي اليمني المستقبلي؟

الأمير نايف كان يفضل سياسة خشنة مع ايران، والآن بإمكانه أن يفتح العداء على آفاق واسعة، وهو اتجاه تحبّذه السياسة الغربية عامة. لكن من المؤكد أن الطابع العدائي للسياسة الخارجية السعودية كلف الأخيرة كثيراً، وسيكلفها أكثر في المستقبل. والسياسات الماضية يبدو أنها ستستمر في التشدد كما هو الموقف من موضوع الثورة في البحرين او اليمن. هذا كلّه يعني أن الطابع المتشدد قد يكون عنواناً أيضاً للسياسة الخارجية السعودية، إذا ما قرر الأمير نايف أن يغمس يديه فيه. أي ان التشدد الداخلي سيتناغم مع التشدد الخارجي، ما يفضي على عدم تحصين الداخل أيضاً بعكس ما يشتهي الأمير نايف.

من المرجح أن تبقى مسارات السياسة الخارجية السعودية على وضعها الحالي، ولكن بلا فاعلية كبيرة، فالجميع يشهد ضعف الأداء السعودي وما ينجم عنه من خسائر متتالية، لن يكون سقوط حسني مبارك وبن علي آخرها. كما لن يكون العداء الشعبي العربي قليلاً بل سيرتفع الصوت عالياً أكثر فأكثر.

الصفحة السابقة