أقوياء الجيل الثالث: خالد بن سلطان/ الدفاع، متعب بن عبدالله/ الحرس الوطني، محمد بن نايف/ الداخلية

نايف ولياً للعهد..

الجيل الثالث وتقسيم الدولة أشلاءً

خالد شبكشي

الحديث عن موقع الجيل الثالث ـ حفدة الملك عبدالعزيز مؤسس الدولة ـ وتوليه السلطة بدلاً من الجيل الثاني ـ أبناء المؤسس، بدأ منذ سنوات طويلة، تصل الى ثلاثة عقود، ولازال مستمراً بوتيرة أبطأ، لأسباب أساسية، يأتي في مقدمتها أن الجيل الثالث صار هو الآخر جيلاً عتيقاً، عجوزاً أيضاً، بالنسبة لعدد من المنتسبين إليه.

هناك ستة أجيال في العائلة المالكة، تبدأ بمؤسس الدولة، وتنتهي بأبناء حفدة الجيل الثالث! ما يشير الى أن الجيل الثالث في كثير من أعضائه هم عجزة أيضاً، ولهم أحفاد، بل لبعضهم أحفادهم أبناء. وتالياً فإن من المفترض ـ إن كان الحديث عن ضخ دماء شابّة في شريان حكم العائلة السعودية ـ أن يتولى السلطة خليط من الأمراء ينتمون الى الجيلين الثالث والرابع وربما الخامس أيضاً، لكن الواقع يقول بأن الجيل الثاني لازال حاكماً ومهيمناً، وأن الجيل الثالث وقلة من أمراء الجيل الرابع لازالوا تحت التدريب!

ولقد طرح تولي نايف ولاية العهد، وسلمان وزارة الدفاع (ما يعني أنه سيكون ولي العهد التالي) مسألة التحوّل في الحكم الى الأجيال الجديدة، أي الى الجيلين الثالث والرابع تحديداً. الجيل الأول، ليس به سوى شخص واحد، هو مؤسس الدولة، وبموته عام 1953 تحوّل الحكم الى أبنائه منذئذ وحتى اليوم.

أصغر أبناء الجيل الثاني الأحياء من أبناء الملك عبدالعزيز، هو مقرن، رئيس جهاز الإستخبارات، وهو من مواليد عام 1945، أي أنه يبلغ من العمر 66 عاماً بالتقويم الميلادي، و68 بالتقويم الهجري. كان يعتقد بأنه سيكون الحل الوسط بين الجيلين الثاني والثالث، فهو يمتلك مواصفات الثالث لكنه ينتمي الى الجيل الثاني. لكن الخلافة تحوّلت الآن الى الأميرين نايف وسلمان، ما عنى أن اتجاهات الخلافة لن تكون بعد الأمير سلمان، أفقية (من الأخ الى أخيه)، بل عمودية من الجيل الثاني الى واحد من أبناء الجيل الثالث المنتمين على الأرجح الى العصبة السديرية.

السؤال الذي يطرح نفسه، إذا ما قدّر للنظام السعودي البقاء، ما قيمة تجديد الدولة بدماء عتيقة من أبناء الجيل الثالث؟ أليس ذلك يعني تحويل الحكم من الأبناء المعمّرين الى الأحفاد المعمّرين أيضاً؟

الجيل الثالث عجوز!

التفاوت الكبير بين أبناء الجيل الثاني في العمر (الأول تركي ولد عام 1900، والأخير حمود ولد عام 1947)، ولّد تفاوتاً في أعمار الجيل الثالث، فعمر بعضهم أكبر من عدد من أعمامه، كما هم العديد من أبناء الملك سعود. وبعض الأحفاد ـ كعبدالله الفيصل (1923 ـ 2007) ـ تولّى مناصب ووزارات في عهد جدّه المؤسس، وهو أكبر من عدد من الملوك، ومات قبل الملك الحالي أيضاً، ولديه من الحفدة من هم أكبر سنّاً من أعمام أبيه (ابنه خالد من مواليد 1942، ومحمد من مواليد 1943، وتوفي هذا العام 2011).

الأعمار بيد الله، ولكن إذا افترضنا أن الملك الحالي سيمضي في الحكم ثلاث سنوات أخرى، وأن نايف من بعده سيمضي خمس سنوات في العرش، ومن بعده سلمان سيصبح ملكاً لخمس سنوات أخرى مثلاً، بعدها كم ستكون أعمار الجيل الثالث حينها (أي في حدود عام 2024)، خاصة أولئك الذين يمسكون بمناصب اليوم؟

خالد بن سلطان نائب وزير الدفاع (من مواليد عام 1948) سيكون عمره حينها 76 عاماً؛ وأخوه فهد ـ أمير تبوك (74 عاماً)؛ وأخوه الآخر بندر بن سلطان (75 عاماً)؛ وتركي بن سلطان مساعد وزير الإعلام (65 عاماً)، وهكذا. ومن أبناء فيصل هناك سعود الفيصل (1940) سيكون عمره 84 عاماً، ومثله تماماً أخوه خالد الفيصل فهو من مواليد نفس العام؛ وأما تركي الفيصل، رئيس الإستخبارات العامة السابق فهو من مواليد 1945، وسيكون عمره 79 عاماً. من ابناء الأمير نايف هناك سعود بن نايف رئيس ديوان أبيه، ومحمد بن نايف مساعد وزير الداخلية، كلاهما سيكون عمره في الستينيات. وأبناء الملك فهد، هناك محمد أمير الشرقية، سيكون عمره 74 عاماً. ومن أبناء سلمان وزير الدفاع هناك سلطان بن سلمان، مسؤول هيئة السياحة، من مواليد 1956، سيكون عمره حينئذ 68 عاماً. وإذا ما أتينا أخيراً الى أبناء الملك الحالي عبدالله، فمتعب سيكون عمره 71 عاماً (مواليد 1953)؛ ومشعل أمير نجران وعبدالعزيز المستشار عند أبيه ستكون أعمارها في منتصف الستينيات الميلادية.

بالمختصر المفيد.. لن يترك الجيل الثاني الحكم للجيل الثالث إلا بعد أن يصبح معظم أبناء هذا الجيل عجزة أيضاً مثل آبائهم، وهذا يضيف أعباءً كبيرة على رجال الحكم، خاصة مع تبدّله المستمر بتبدّل الملوك ـ على افتراض أن ملك الموت يختار الأكبر سنّاً!! ـ ومثل هذا يسبب عدم الإستقرار السياسي، ويزيد من حدّة الصراعات.

بيد أن هناك قضيّة أخرى ذات علاقة بمسؤوليات الجيل الثالث في الحكم. فحتى الآن لم يعيّن أيّ أمير في موقع الوزارة، اللهم إلا حالة نادرة هي الأمير منصور بن متعب وزير الشؤون البلدية منذ عام 2009، والذي عيّن في ظرف طارئ، بسبب غضب أبيه الوزير على تعيين نايف نائباً ثانياً ورفضه حضور جلسات مجلس الوزراء التي يرأسها نايف، وكذلك لأن منصور كان وكيل الوزارة التي وزيرها أبوه.

توزيع السلطة أشلاء وتحصيصها

هناك من يعتقد، وهو صحيح الى حدّ ما، أن (معظم) أوصال السلطة قد تمّ تقطيعها وتقسيمها على الجيل الثالث، وبوجود آبائهم أحياء أحياناً، وبالتالي فإن هؤلاء يديرون الدولة كأمراء ووكلاء مناطق ومسؤولي هيئات وأجهزة، ولكن تحت رعاية الجيل العجوز الذي يقوم بالإشراف على السلطة دونما ممارستها فعلياً إلا فيما ندر، وفي القضايا الإستراتيجية المتعلقة بوجهة الدولة السياسية داخلياً وخارجياً.

ما جرى خلال العقد الماضي يكاد يكون توزيعاً لأشلاء السلطة على أبناء الملك المؤسس وحفدته، ولكن تحت ضابطة وسيطرة الجناح السديري الذي منح أبناءه المراكز الأساسية والمهمة. ربما لم ينته حتى الآن من توزيع بقية الأشلاء، فهناك مجموعة من أبناء الملك عبدالعزيز لم تنل نصيباً من كعكة السلطة، سواء كانوا بأشخاصهم أو أبنائهم، مثلما هو الحال بالنسبة للأمراء أبناء سعد بن عبدالعزيز، وأبناء محمد أبي الشرين، وعبدالرحمن، وأبناء مشاري، وطلال، وعبدالإله (اعطي منصباً اسمياً كمستشار للملك وما أكثر مستشاريه العاطلين عن العمل!)، وممدوح (الذي ابعد عن امارة تبوك ليتولى مركز الدراسات الإستراتيجية، ولم يكن هناك من مركز ولا حتى مكتب له! فتقاعد وأصبح سلفياً في سابقة فريدة في هذه الأسرة!) وهذلول ومشهور ومساعد الذي لم يتول أي من أبنائه منصباً. هناك أيضاً فواز حيث لم يخلف أبناءً، وحمود الذي لم يخلف ذكراً فضاعت حصته، ومشعل وزير الدفاع السابق الذي لم يعيّن أحدٌ من أبنائه.

عدا عن هذا، فإن بقية أبناء عبدالعزيز حصلوا سواء لأنفسهم أو لأبنائهم شيئاً ما.

لنبدأ بالقابضين على السلطة:

فالملك عبدالله، لأبنائه حتى الآن، حصّة: رئاسة الحرس الوطني بقيادة متعب؛ ومشعل أمير نجران منذ 2009، وعبدالعزيز مستشار عند أبيه. وأما خالد الذي كان وكيلاً للحرس في المنطقة الغربية فقد عزل عن منصبه رغم أنه أكبر أبناء الملك، والسبب أن الجناح السديري ـ في بداية التسعينيات الميلادية من القرن الماضي ـ أغواه للتمرد على أبيه والقيام بانقلاب عليه مقابل الحصول على منصب كبير، فطرده الأب منذئذ، ولكنه اليوم كلّف بأن يكون نائباً عن أبيه في هيئة البيعة!

أبناء ولي العهد السابق سلطان، ويتولون: خالد كنائب وزير الدفاع؛ وفهد أميراً لتبوك؛ وبندر أميناً عاماً لمجلس الأمن الوطني (بلا وظيفة حقيقية، وبندر نفسه معتقل على الأرجح بتهمة الإعداد لإنقلاب قبل نحو ثلاثة أعوام)؛ وهناك تركي بن سلطان وكيلاً لوزارة الإعلام؛ وسلمان بن سلطان، يشغل مساعداً لبندر في مجلس الأمن الوطني!

أما نايف وزير الداخلية وولي العهد الحالي: فهناك محمد بن نايف مساعد وزير الداخلية (الوزير فعلياً)؛ وسعود رئيس ديوان ولي العهد، وقد سبق ان تولى سفارة بلاده في مدريد، ونيابة أمارة الشرقية.

سلمان، وزير الدفاع، توفي ابناه الكبيران: فهد (1955 ـ 2001) بسبب المخدرات، وكان نائباً لأمير الشرقية؛ وأحمد (1958 ـ 2002) بسبب الإدمان على الكحول وكان رئيس مجلس ادارة الشركة السعودية للأبحاث والتسويق؛ ولم يتبق له من الأبناء في السلطة سوى سلطان بن سلمان، الذي يشغل منصب رئيس هيئة السياحة.

بالنسبة للملوك الآخرين السابقين:

من أبناء الملك سعود: وعدد الأبناء يزيد على 65، والبنات أكثر من ذلك، فإنه جرت تصفية مواقعهم وأزيحوا عن السلطة، كان هناك مشعل بن سعود (مواليد 1940) الذي كان أميراً لنجران حتى 2008. والآن هناك ابنه فيصل يعمل نائباً لأمير القصيم. ايضاً هناك محمد بن سعود (مواليد 1933) الذي شغل آخر منصب له كأمير للباحة حتى عام 2010، وقد سبق له أن تولى مناصب عديدة في عهد أبيه الملك سعود كرئاسة الحرس الملكي، ورئاسة الديوان الملكي، وكان وزيراً للدفاع، ووزيراً للمالية، الى أن أُطيح بابيه الملك في انقلاب فيصل. هناك أبناء عديدون للملك سعود لازالوا أحياء، ولكنهم كبار في السن، وقد سبق لهم أن تولوا مناصب في عهد أبيهم الملك، وكأن الدولة كانت مزرعة خاصة له دون إخوته!. من بين الأحياء المشهورين: خالد وعمره يقرب الثمانين عاماً، وكان قد تولى رئاسة الحرس الوطني في عهد أبيه، ثم تولى إدارة جامعة الرياض في عهده أيضاً. وهناك منصور بن سعود تولى منصب رئاسة الحرس الملكي والحرس الخاص في عهد أبيه؛ وأيضاً مساعد وتولى امارة تبوك وسفير الكويت ووكالة وزارة الدفاع، وغيرهم.

ومن أبناء الملك فيصل الذين يتولون مناصب اليوم: سعود، لوزارة الخارجية؛ وخالد لأمارة مكة. وكان هناك تركي رئيساً للاستخبارات، ويحتمل أن يحصل على منصب أخيه سعود في حال قرر التقاعد!

ومن ابناء الملك خالد ممن مثّلوا في السلطة: فيصل بن خالد (مواليد 1954) يتولى أمارة عسير.

ومن أبناء الملك فهد: هناك أمير الشرقية محمد بن فهد منذ 1985، في حين خسر سعود بن فهد منصبه كنائب لرئيس الاستخبارات، كما خسر عبدالعزيز بن فهد منصبه كوزير دولة. ايضاً هناك نواف بن فيصل بن فهد رئيس رعاية الشباب (مواليد 1977) وقد ورث المنصب من أبيه فيصل الذي توفي في 1999 بسب الإدمان على المخدرات؛ ومن ثم من عمّه سلطان الذي تولى المنصب قبل أن يسفّ فيعزل عام 2011.

وإذا ما أتينا الى أبناء الملك عبد العزيز الكبار، ومن يمثلهم في السلطة نجد التالي:

أبناء ناصر بن عبدالعزيز، الذي تجاوزه فهد ليصبح ملكاً، فله تمثيل في السلطة بأربعة من الأبناء: محمد أميراً لجازان، وتركي الرئيس العام للأرصاد وحماية البيئة، وعبدالرحمن محافظ الخرج، ومنصور مستشاراً للملك.

ومن أبناء بندر بن عبدالعزيز، هناك: فيصل أميراً للقصيم؛ وخالد قائداً في القوات البرية السعودية.

ومن أبناء بدر الذي كان يتولى نيابة الحرس الوطني حتى نوفمبر 2010، هناك: فهد، أميراً لمنطقة الجوف.

ومن أبناء عبدالمحسن، ابنه سعود أميراً لحائل.

ومن أبناء نواف، رئيس الإستخبارات السابق، هناك محمد: السفير السعودي في لندن؛ وعبدالعزيز مساعد رئيس الإستخبارات.

ومن أبناء ماجد، هناك: مشعل، محافظ جدّة، وعبدالعزيز أمير المدينة منذ خمس سنوات 2006.

وكما ذكرنا، فإن متعب تم تمثيله بابنه منصور كوزير للشؤون البلدية.

ولا يوجد تمثيل لأبناء الأمير منصور: أول وزير دفاع سعودي. ولا لتركي الأول، الإبن البكر لعبدالعزيز، فقد أنجب ولداً هو فيصل، ولا يوجد سوى الحفيد عبدالله، الذي هو عضو هيئة البيعة. كما أن تركي الثاني، أي تركي بن عبدالعزيز (احد السديريين السبعة) فكان نائباً لوزير الدفاع، وله العديد من الأبناء، ولكن لم يمنحوا أي تمثيل في السلطة، وربما كان هذا هو السبب الذي دفع بابنه سلطان ان يعلن معارضته لأعمامه من جنيف قبل أن يختطف منها عام 2004.

أيضاً طلال قضي عليه سياسياً منذ معارضته لعائلته في 1962، ولم يعيّن منذئذ في منصب لا هو ولا أي من أبنائه، رغم رغبتهم الشديدة في ذلك. ينطبق العزل ايضاً على أبناء محمد بن عبدالعزيز المعروف بأبي الشرين.

هناك أمراء خسروا مناصبهم ولم يحصلوا هم على شيء من اشلاء السلطة، مثلما هو الحال مع عبدالإله، وبعضهم بيده شيء كسطام الذي صار أميراً للرياض، أو أحمد نائب وزير الداخلية.

وفي الجملة، فإن السلطة قد حصصت وتوزّعت على الجيل الثالث وبعض من الجيل الرابع. ونلاحظ أن التقسيم في التركة غير عادل سواء على مستوى أبناء الملك عبدالعزيز، أو على مستوى أحفاده. هناك بين الأبناء من حرموا وطمست أسماؤهم، لمخالفتهم، وهناك حفدة قتلوا، مثلما هو خالد بن مساعد، ثم أخيه فيصل الذي قتل الملك فيصل في مارس 1975. وبعضهم عانى بسبب خلافات أبيهم كأبناء طلال، وبعضهم تعجّل الوصول الى السلطة فسقط كخالد بن الملك عبدالله، وبندر بن سلطان، وحتى الوليد بن طلال الذي قال في مقابلة انه لا يستطيع أن ينتظر كيما يصبح ملكاً!

هناك محاولة للحدّ من انفلاش العائلة المالكة بشكل كبير، لهذا لا بدّ أن تكون هناك بعض الترضيات في المناصب كما رأينا. ولكن هذا ليس هو ما تمّ تحصيصه فقط. ليست المناصب وحدها بل المال والثروة الى حدّ ما. ولكن هذا غير مدرك باليد بشكل واضح عدا قلّة من المعلومات المتوفرة. فهناك بين الأمراء من تنازل عن حصته السياسية مقابل المال، كما هو مشعل، وربما أبناؤه ايضاً. وربما يكون أبناء الملك خالد وكذلك شقيقه محمد أبي الشرين من بين هؤلاء. فلهؤلاء قناعة بأنهم ليسوا رجال سياسة، فتمّ تعويضهم مالياً، كحصص محددة أو كإقطاعات من الأراضي أو كحصص نفطية رأيناً بعضاً من وثائقها حتى للأميرات، فضلاً عن تحويل المناقصات والعقود التابعة للدولة على هذا الأمير أو ذاك رغبة في إرضائه.

لكن تحصيص السلطة ووهبها للجيل الثالث، لا يعني أن الماكنة التي تحركها وتديرها وتسيطر عليها تغيرت. إنها الماكنة السديرية بكل تأكيد. وشأن الثروة في هذا لا يختلف عن شأن المناصب السياسية.

التحصيص والتوافق

لكن هل سيؤدي هذا الى توافق وإجماع داخل العائلة؟ وما هي الإنعكاسات المترتبة على أداء الدولة وأجهزتها حين تحوّل الى إقطاعيّات لكلّ إبن أو لكلّ جناح؟

من المؤكد أن الصراع على السلطة لن ينتهي داخل العائلة المالكة؛ وهذه التسويات التي قرأنا عنها آنفاً إنما تمثّل الحدّ الأدنى من الإسترضاء، ومن المؤكد أن هناك أمراء ممتعضون وربما أميرات ممتعضات أيضاً على قسمة الضيزى هذه. ذلك أن تعيين واحد من الأبناء من الجيل الثالث لا يعني أنه مثّل إخوته الأشقاء وغير الأشقاء الآخرين؛ إنما القضية استرضاء للقلّة، وإلا فإن مناصب الدولة كلّها لا تكفي الأمراء، وإن كانت كافية، فهناك من سيتحدث عن عدم وجود عدالة داخل العائلة المالكة في توزيع الثروة والسلطة.

لطالما كانت قمة السلطة محدودة الإستيعاب للأفراد في كل الدنيا، فكيف بها سترضي أكثر من 22 ألف أمير وأميرة؟ وأية ثروة تلك التي تستطيع أن تُشبع نهم هؤلاء؟ بل أي قوة موجودة على الأرض بما فيها القضاء يستطيع أن يخفف من وطأة وتجاوز هذا العدد الكبير من الأمراء؟

لقد هندس الجناح السديري تقسيم السلطة الى أشلاء، بناء على تجارب سابقة قام بها أبوهم وإخوانهم من قبل (ولكن بين الأخوة وحتى الأعمام). لكن الزمن تغيّر كثيراً داخل العائلة المالكة، وداخل المجتمع السعودي أو المسعود نفسه!

هذا الشعب هو الغائب الأكبر عن مشهد الخلافة وعن مشهد السلطة. كأن الشعب والأرض والثروات والمقدسات لعبة بين الأمراء، فلا صوت لغيرهم، ولا كلمة. هذا الشعب يتعاطى معه كقطيع يسوقه هذا الأمير أو ذاك. عليه واجب الطاعة والبيعة والخضوع لأولي الأمر، وليس له كلمة في الإختيار ولا في التفضيل ولا أدنى من ذلك. الخلافة باختصار شأن عائلي. ولكن هل نهب الدولة واستباحتها وتقسيمها لإقطاعات شأن عائلي هي ايضاً؟!

هي كذلك فعلاً، إلا أن يثبت الشعب أنه ليس قطيعاً لهذه العائلة المالكة المتوحشة والفاسدة.

وحتى مشايخ السلطة الذين يطنطون على رؤوس مستمعيهم بأن مفهوم (أولي الأمر) يشمل (العلماء والأمراء)! واضعين لأنفسهم منصباً أعلى يوازي آل سعود.. وإذا بهم كما في تعيين نايف وغيره، مجرد أدوات صغيرة، لا شغل لها سوى التطبيل وتقبيل رأس الأمراء والملوك، في حين يفترض أن يحدث العكس وأن يمثلوا الناس إن كانت هذه قناعتهم الدينية.

لم يكن هناك صوت لا للمشايخ ولا للمثقفين ولا لأي من أفراد الشعب فيما يجري؛ وكأن آل سعود قدرٌ تاريخي لا يمكن التخلّص منه؛ أو كأن الله سبحانه قد طوّق أعناق الشعب بأغلال العبودية ـ تعالى الله عن ذلك ـ بحيث يحكمه افراد العائلة المالكة واحداً بعد الآخر، ويتولون كل المناصب في كل زاوية وقرية ومدينة ومحافظة ومؤسسة وهيئة!

الربيع العربي لم يترك حجّة لأحد لأن يقبل بالوضع البائس الذي يعيشه. لن يتغيّر شيء ما لم يتغيّر الناس: (ان الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم). حين تتغيّر القاعدة، ينقلب الهرم، وتتغير الأحوال.

الصفحة السابقة