الربيع العربي السعودي.. لم يلحظ ذلك أحدٌ؟!

روس بيكر

في مقالة للكاتب روس بيكر بتاريخ 7 كانون الأول (ديسمبر) الجاري، يقول فيها: هل سمعت عن الربيع العربي في السعودية الذي لم يسمع به أحد؟ يجيب: لا، وليس ذلك على سبيل النكتة. إنه واقع حقيقي ـ وأن المثال الحذر لما يجري حين تكون الحكومات ووسائل الاعلام الغربية تفضّل بدرجة أكبر بعض “الثورات” على بعض.

في مثال النظام السوري، الذي لم يك يحظى بأي أفضليّة في الغرب منذ زمن طويل، سمعنا عن الثورة عليه منذ البداية. قرع الطبول تنامى بشكل دراماتيكي، جنباً إلى جنب الإستنكارات الغربية والخطوات لعزل النظام لقيامه بقمع الإحتجاجات..

وفي حالة ليبيا، التي كانت تدار من قبل القذافي، فإن كثيراً من صحافة العالم تدافعت ببلاهة لنشر كل شائعة حول أشكال الترف والتبذير للنظام، وكثير منها لا يمكن التحقّق منه، وقد تبدو غير صحيحة. لقد صوّرت الصحافة المتمرّدين على أنهم أبطال، وعكست ذلك في التغطيّة اليوميّة. وفيما قامت الناتو بالتدخل العسكري التدريجي الذي انتهى الى التفجير من جدار الى آخر، قبل الإعلان زعماً بأن التدخّل كان لوقف القذافي من إلحاق الضرر أو مزيد من الظلم ضد شعبه.

إنتقل الإعلام بصورة سريعة ـ وبقي كذلك ـ الى الثورة في مصر، وهي احدة من أفقر البلدان في المنطقة، حيث فقد الغرب حليفاً ولكن أسّس على نحو عاجل عميلاً جديداً في مجلس عسكري ذي ميول مماثلة.

في حالة أم الحلفاء النفطيين جميعاً، السعودية، فإن الإحتجاجات كانت تلاقي صمتاً من قبل الاعلام ولا عبارات تعاطف مع المعارضين من قبل الحكومات الغربية.

النضال السعودي

خلفيّة: في 21 تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، فتحت القوات الحكوميّة النار على المتظاهرين في المنطقة الشرقية من السعودية، وقتلت على الأقل أربعة وجرحت آخرين. بالنظر الى قلّة التظاهرات في بلد يتمّ التعامل فيه مع المعارضة بقسوة، فإن الاحتجاج والعنف بدا تطوّراً يستحق بدرجة عالية التغطية الخبرية.

في اليوم التالي، تجاهلت قناة (الجزيرة) الانجليزية ومقرّها في الشرق الأوسط، (أفضل) مصدر خبري غربي عن المنطقة. وبدلاً من الحصول على تقارير تستند على شهود عيان الذي قد يغضب القيادة السعودية (الحلفاء الحميمون لأمير قطر، الذي يمتلك الجزيرة)، فإن الشبكة استعملت الخدعة القديمة. فقد نقلت عن وكالة أنباء غربية، فرانس برس، التي نقلت الرواية السعودية للأحداث.

وبعد يومين من خبر الجزيرة، كان لوكالة الاسوشيتدبرس تقريرها الخاص، وأيضاً يستند على الناطق الرسمي السعودي. وقد لاحظت المادة (سلسلة مناوشات بين الشرطة والمحتّجين في شرقي البلاد التي يهيمن عليها الشيعة، والتي بدأت في الربيع” ولحظت: أن وزارة الداخلية ألقت باللائمة سابقاً على ما وصفته بالمقيمين المشاغبين، وقالت بأنهم هاجموا القوات الأمنية بالأسلحة والقنابل بدعم من جيش أجنبي ـ في إشارة واضحة الى إيران.

بيان الوزارة في يوم الثلاثاء قال بأن حالات الوفاة في الإضطرابات الأخيرة كانت نتيجة لتبادل إطلاق النار منذ الإثنين مع “مجرمين مجهولين”، الذي قال بأنهم فتحوا النار على نقاط التفتيش وسيارات الأمن من البيوت والأزقّة.

السياق المزعوم يأتي في الفقرة الأخيرة:

هناك تاريخ طويل من التنافر بين حكّام المملكة السنة والأقلية الشيعية المتمركزة في الشرق، وهي منطقة الإنتاج النفطي الرئيسية في السعودية. ويمثّل الشيعة 10 بالمئة من 23 مليون مواطناً بالمملكة، ويشكون من التمييز، ويقول بأنهم ممنوعون من مناصب رئيسية في المؤسسة العسكرية وفي الحكومة كما لا يعطون حصة متكافئة من ثروة البلاد.

على أية حال، فإن النقطة البارزة في السعودية، هي ليست التمييز الإثني، والتي لا تزال باقية في أرجاء العالم. إنها قصة الجشع والوحشية التي تسيطر عبرها العائلة الكبيرة على البلاد.

في ليبيا، هيمنت على الإنتفاضة معارضة قبلية واضحة، ولكنها تشخّصت على نحو عاجل كممثلة للشعور الوطني الواسع، بنوع من النبل والقدرية. ولذلك ليس هناك (حتى الآن) تغطية صحافية للإحتجاجات في السعودية. في الحقيقة، إن النقمة على العائلة المالكة ليست مقتصرة على الشيعة، وأن مستويات الغضب قد تكون بحجم إن لم يكن أعظم من تلك التي كان يشعر بها الليبي العادي إزاء القذافي.

رأي آخر

إن أولئك الذين يريدون نظرة قريبة لما يجري في السعودية قد يذهبون إلى موقع (Liveleak) على الشبكة، حيث هناك مقطع فيديو منغّص مرفق مع هذا النص “القطيف ـ إطلاق الرصاص الحي على المتظاهرين في 21 نوفمبر 2011: يبدي الفيديو النمط الوحشي لقوات الأمن السعودية في التعامل مع المتظاهرين بإطلاق الرصاص الحي”. مصدر آخر هو مدوّنة تدعى (وكالة أخبار العرب الغاضبين)، والتي تعرض مقطع فيديو لمجموعة كبيرة من الناس في القطيف وهم يردّدون شعار (الموت لآل سعود).

هذا النوع من المواد يبدو مسوّغاً لاهتمام عالمي. يضاف الى ذلك، قد نتوقّع بشكل مقبول تنامي الاحتجاجات. ولكن التغطية الصحافية لم تأت، ولا الثورة الكبرى.

نيويورك تايمز

من هو الملوم؟ الجميع، في الواقع. ولكن بناء على دعوى كونها المعيار الذهبي، نحن نسّلط الضوء على صحيفة نيويورك تايمز. وبناء على بحث في قاعدة المعلومات (نيكسيز ـ ليكسيز)، فإن التايمز لم تأت على ذكر أي شيء على الإطلاق عن القطيف حتى يوم الأحد الموافق 27 نوفمبر، حين عرضت استطلاعاً حول الإضطرابات في المنطقة. الإحالة إلى القطيف وريت عميقاً حتى نهاية المادة، حيث كادت أن تمرّ دون ملاحظة.

يبقى أن التايمز يجب أن تكون قد توصّلت إلى أنها كانت تنظر الى نمط. وبعد ذلك كله، فإن الصحيفة غطّت حدثاً سابقاً في القطيف ـ في آذار (مارس) الماضي. وكانت مادّة وحيدة، مؤرّخة من بيروت.

فقد فتح ضباط الشرطة السعوديون النار على تظاهرة احتجاجية في المنطقة الغنيّة بالنفط المضطّربة يوم الخميس، والذي أدى إلى جرح ثلاثة على الأٌقل، بحسب شهود عيان ومسؤول حكومي سعودي.

فقرة منقولة

وصف الشاهد بأن تظاهرة الإحتجاج الصغيرة في شرقي مدينة القطيف بوصفها سلمية، ولكن الناطق بإسم وزير الداخلية قال بأن المتظاهرين هاجموا الشرطة قبل أن يبدأ الضبّاط بإطلاق النار، بحسب تقرير وكالة رويترز.

فقرة منقولة

الصدام مع المحتجّين في القطيف، الواقعة في منطقة شيعية، يشدّد على التوتّرات الطويلة في المجتمع السعودي: وهناك إحساس وسط الأقلية الشيعية التي تتعرض للتمييز من قبل حكومة تمارس شكلاً متشدّداً من الأرثوذكسية السنية.

ليس هناك تركيز على اساءه استعمال السلطة، الطمع، والبربرية التي تميّز الديكتاتورية السعودية. المثير للسخرية، حين كانت المظاهرات في ليبيا في كل نشرات الأخبار، مع التركيز المستمر على عار القذافي. وهنا بعض المانشيتات العريضة في صحيفة نيويورك تايمز في الربيع العربي:

ـ صورة تكشف دليلاً بيانياً للإنتهاكات تحت حكم القذافي

ـ الوقت إنتهى، القذافي (مقالة رأي)

ـ الثوّار الليبيون يشكون من معوّقات مميتة تحت قيادة الناتو

ـ ضحية اغتصاب تصف محنتها

ـ قوات القذافي قالت بأنها ستضع ألغام أرضية في المدينة

القصة الحقيقية

إذن ماهي القصة الحقيقية في السعودية؟ لقد جلب شهر ديسمبر تقريراً من مجموعة منظمة العفو الدولية الحقوقية، والذي تمّت تغطيته من قبل بي بي سي على النحو التالي: إتهام السعودية بالقمع بعد الربيع العربي

وجّهت منظمة العفو الدولية إتهاماً للسعودية برد فعل على الربيع العربي من خلال القيام بموجة من القمع. وفي تقرير، قالت منظمة العفو بأن المئات من الناس قد تمّ اعتقالهم، وكثير منهم بقوا دون تهمة أو محاكمة.

إصلاحيون بارزون صدرت بحقّهم أحكام طويلة عقب محاكمات وصفتها منظمة العفو الدولية بأنها (غير عادلة بصورة صارخة). وحتى الآن فإن الاضطراب لا يزال مقتصراً على الأقلية الشيعية في شرق البلاد.

في الصفحة 73 من التقرير، إتّهمت منظمة العفو السلطات السعودية باعتقال المئات من الناس المطالبين بإصلاحات سياسية واجتماعية أو المنادين بالأفراج عن أقربائهم المعتقلين دون تهمة أو محاكلمة.

يقول التقرير بأنه منذ شباط (فبراير) الماضي، حين بدأت مظاهرات متقطّعة ـ في عصيان للحظر الرسمي الدائم للإحتجاجات ـ فقد قامت الحكومة السعودية بمداهمة...

منذ آذار (مارس) الماضي، أكثر من 300 شخص شاركوا في الاحتجاجات السلمية في القطيف، والإحساء، والعوامية في الشرقية قد جرى اعتقالهم، بحسب منظمة العفو. كثير منهم قد تمّ الإفراج عنه، وغالباً بعد التعهّد بعدم التظاهر مجدداً. يواجه كثيرون قرارات بالحرمان من السفر.

في الإسبوع الماضي، حكم على 16 رجلاً، من بينهم تسعة إصلاحيون بارزون، بأحكام بالسجن تتراوح بين خمس سنوات وثلاثين سنة. وقالت منظمة العفو الدولية بأن قد تمّ تعصيب أعينهم وتقييد أيديهم خلال المحاكمة، فيما لم يسمح لمحاميهم بدخول المحكمة خلال الجلسات الثلاث الأولى.

(المحتّجون بصورة سلميّة والداعمون للإصلاح السياسي في البلاد جرى استهدافهم بالإعتقال في محاولة لقمع كل أنواع الدعوات للإصلاح التي تردّدت أصداؤها في المنطقة)، بحسب فيليب لوثر، مدير قسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في منظمة العفو الدولية.

فقرة منقولة

تقول منظمة العفو بأن الحكومة تواصل اعتقال الآلاف من الناس على أرضية تتصل بالإرهاب. التعذيب وأشكال المعاملة السيّئة الأخرى في المعتقل تنتشر على نطاق واسع، كما تقول المنظمة، وهي دعوى تنكرها السعودية على الدوام.

فقرة منقولة

تقول منظمة العفو الدولية بأن الحكومة سنّت قانون مكافحة الإرهاب الذي سوف يجرّم بصورة فاعلة المعارضة باعتبارها (جريمة إرهابية)، ويسمح بتمديد فترة الحجز دون تهمة أو محاكمة.

إن إخضاع نزاهة الملك للمسائلة سوف يؤدي في الحد الأدنى الى حكم بالسجن عشر سنوات، بناء على منظمة العفو الدولية.

فقرة منقولة

(وبدلاً من التعامل مع المطالب المشروعة، تسلك الحكومة الطريق السهل وتلقي باللائمة في كل شيء على مؤامرة الايرانيين)، كما يقول ناشط، الذي سئل بشرط عدم الكشف عن هويته خشية انعكاساتها السلبية.

خلاصة تقرير منظمة العفو الدولية تفيد بأن المتظاهرين كانوا فاعلين في السعودية كما الحال في ليبيا وأماكن أخرى، وعلى نحو مستمر ـ وكذلك كما في أماكن أخرى، التي جرى التعامل معهم بصورة قمعيّة من قبل حكومتهم. وبنحو ما فإن ذلك لم يعتبر قصة ذات أهمية كافية لتحظى بالتغطية.

هل لذلك علاقة بقدريّة السعودية بوصفه حليفاً ومزوّداً للنفط؟ في أي حال، لا تطبّق معدّلات تغطية الأخبار التقليدية؟

وهل يطلب أحد من الحكومة الأميركية، بأن تشجب على نحو عاجل القذافي لقمع المتظاهرين، إذا كان لذلك أي رد فعل على القمع السعودي على المتظاهرين؟ ألا تشبه تلك الحالة هذه؟

في غضون ذلك، ماعن كبش الفداء لإيران فيما يبدو بأنها معارضة سعودية حقيقية؟ فكيف لهذا العشق مع الجهد الغربي الاجمالي لوصف ايران باعتبارها وراء كل فعل شرير أو شنيع، حتى المخطط الهزلي/المضحك الذي أعلن عنه قبل شهور من قبل البيت الأبيض، والذي زعم بأن الايرانيين يحاولون تجنيد عصابات مخدرات مكسيكية لاغتيال السفير السعودي الى الولايات المتحدة؟..

كم من هذه المسرحية الكبيرة تدور حول إبقاء العائلة المالكة في السلطة، والاهتمام بصناعة النفط الغربية، “طريقة الحياة الغربية”؟

ضع في الاعتبار ليبيا في مقابل السعودية. دولتان منتجتان للنفط، واحدة غير قابلة للتكهن وغير موثوقة، والأخرى مرتبطة حميمياً بالغرب. تغطية صحافية مكثّفة للمعارضة في واحدة، وفي الأخرى لا شيء على الإطلاق.

السعوديون لا ينتظرون

يعرف السعوديون أفضل من أن ينتظروا إعلام الحكومة بالإنخراط في العمل. أحد الناشرين الذي يميل الى أن يكون في رأس القائمة، صحف ماكلاتشي، كتب مادة حول كيف أن المعارضين السعوديين يتوجّهون الى موقع يوتيوب لبث رسائلهم. وبالرغم من أن المستوى العالي للمعيشة في السعودية يعتبر فاكهة التغطية الإعلامية، يسلّط المعارضون على التباينات في المملكة في فيديو محلي:

رجل سعودي يقابل آخر لديه 11 طفلاً يعيلهم بدخل شهري صافي 1,200 دولار، يذهب نصفه لتغطية نفقة الإجار. وما تبقى من المال لديه يغطّي نفقة الطحين ووجبة واحدة في اليوم. وقد كشف الإمام في مسجد محلي بأنه في سبيل أن توفّر المال للبيت، يرسل الآباء أبناءهم الصغار لبيع المخدّرات، والنساء في العمل في مجال الدعارة.

وفيما لا يوضّح الفيلم صراحة “احتكار” العنوان، فإن ناشطاً حقوقياً قال في المقابلة بأن ذلك يعبّر عن شيء واحد: “كل الأرض بحكم الواقع والقانون مملوكة للعائلة المالكة”.

تلاحظ المادة بأن الانتفاضة لم تبدأ بعد ـ في جزء منها بسبب اللامبالاة.

ولكن كم هي اللامبالاة، وكم توصّل السعوديون الى حقيقة أنه لن يأتي أحد لمساعدتهم إذا ما خاطروا بإلقاء القيود عن أنفسهم؟ لن يستطيعوا الاعتماد على الدعم المتاح الذي يمنحه الغرب للثورات في البلدان القريبة. ولا يمكنهم أيضاً الاعتماد على الاعلام الغربي، الذي ينهق حول استقلاله ومبادرته، ولكن يبدي، بصورة متزايدة، عكس ذلك حيث إمدادات النفط العزيزة لللغرب تكون حاضرة.

الصفحة السابقة