2012: عام الثورة المضادة

السعودية وتركيا لحماية إسرائيل!

كتب ليون هادار، محلل الشؤون الدولية، والصحافي، والمدّون، والمؤلف مقالاً في 30 كانون الأول (ديسمبر)، نشر في صحيفة (سينجابور بيزنس تايمز)، قبل أن يعاد نشرها في مواقع أخرى من بينها (ريلكليروورد). قال هادار بأن العام المنصرم كان عام المتظاهر، حسب مجدلة التايم. فالإنبعاث الجماهيري الذي استهدف النخب السياسية الحاكمة في كل من تونس أولاً، ومن ثم في مصر، وليبيا، وسوريا، واليمن، والبحرين لم يقتصر على الشرق الأوسط. فقد أخذت التظاهرات مكانها في أسبانيا، واليونان، وايطاليا، وفرنسا، وبريطانيا، واسرائيل. وفي الولايات المتحدة، بدأ متظاهرو (احتلوا وول ستريت) بالتظاهر أولاً في نيويورك، ومن ثم في واشنطن، وشيكاغو، ومدن أخرى في البلاد.

الانتفاضات العالمية في العام 2011 ضد الأوضاع القائمة جرت مقارنتها بالثورات التي انتشرت عبر أوروبا في العام 1848، حيث سعى الاشتراكيون في الطبقة العاملة وليبراليو الطبقة الوسطى في باريس، ميلان، فيينا، براغ، بودابست وبرلين بإسقاط الأنظمة القديمة.

وفي الواقع، ليس كهيئة ربيع الأمم سنة 1848، فإن الربيع العربي والتظاهرات المتصاعدة في حديقة زوكوتي بنيويورك أو شارع روتشيلد في تل أبيب قد رفعت من توقّعات التغيير وتدشين نظام جديدة قائم على مبادىء الحرية والمساواة.

ولكن بالافادة من الإدراك المتأخر، فإن ثورات 1848 كان ينظر إليها بكونها فاشلة. وأن النظام السياسي والإجتماعي القديم بقي حاكماً. ولذلك من المحتمل أن ثورات 2011 قد تواجه بعض خيبات الأمل في العام 2012 وحين يبدأ عناصر النظام القديم بالهجوم المضاد لحماية الوضع القائم، تماماً كما حصل بالنسبة للثورات المضادة في العام 1849.

بالطبع، فإن التاريخ لا يعيد نفسه. ولكن بعض الأسباب التي قادت الى نضوب الزخم الثوري في أوروبا بعد توترات العام 1849 بين وداخل حركات المعارضة، والافتقار الى دعم شعبي واسع واحتفاظ النخب الحاكمة بسلطة واسعة، قد يفضي الى إنهاء الضغط من أجل التغيير في العام 2012. وتأتي الثورة المضادة.

في الشرق الأوسط، توقّع أن تقوم المؤسسة العسكرية بتعزيز سلطتها وتقوية التحالفات الحاكمة المريبة والواهنة مع الحركة الاسلامية الصاعدة. توقّع أن تقود السعودية وتركيا، بدعم من الولايات المتحدة وحلفائها، الجهود الطامحة لإعادة تأسيس الواقع الإقليمي الحساس الذي يحمي إسرائيل. في الغرب، سوف تحتوي الأحزاب السياسية المركزية الضغوط للإمساك بزمام الأسواق المالية والقيام بخطوات بطيئة لإصلاح دولة الرفاه المتضخّمة. سوف تعتمد واشنطن أكثر فأكثر على شركائها عبر العالم للمساعدة في الحفاظ على مصالحها العالمية.

سقوط الحكّام القوميين العرب في تونس (زين العابدين بن علي)، ومصر (حسني مبارك)، وليبيا (معمر القذافي)، واليمن (علي عبد الله صالح) في 2011، قد يعقبه سقوط نظام بشار الأسد في العام 2012. ولكن أصبح واضحاً في العام 2011 بأن العناصر العلمانية والليبرالية والديمقراطية الإجتماعية للمعارضة العربية لن يبرزوا كفائزين في الصراع على السلطة ما بعد الثورة.

في الواقع، إن الإنتخابات التي جرت في مصر وتونس قد كشفت عن أن الناطقين بإسم الثورة الشباب وروّاد الإنترنت الذي أصبحوا بارزين على تغطيات تلفزيون الجزيرة وسي إن إن من ميدان التحرير يفتقرون الى أي قاعدة قوية للدعم الإنتخابي.

بدلاً عن ذلك، فإن الأحزاب السياسية الإسلامية السنيّة العربية يتوقع استلامها السلطة ليس في مصر وتونس، ولكن أيضاً في ليبيا، واليمن، وسوريا، وهي بلدان ستكون مهدّدة بالإنقسامات على قاعدة دينية وإثنية وليبرالية. الأحزاب الإسلامية الشيعية العربية تلعب حالياً دوراً مهيمناً في عراق ما بعد صدام حسين وفي لبنان، حيث العرب السنة يلعبون دوراً سياسياً دفاعياً.

نهاية الحكام التسلّطيين مثل مبارك، القذافي، أو، للسبب نفسه، بشار الأسد، وإجراء إنتخابات حرّة، وإعطاء المواطنين المذاق الأول للحرية السياسية، قد يجلب بعض الأمل لأولئك المنادين بالتغيير. ولكن حكم الأغلبية في بلدان تفتقر للضمانات الدستورية التي تحمي حقوق الأفراد، والمساواة الجنسية، والحرية الدينية قد تصبح محكومة بالأحزاب الإسلامية التي قد تشكّل تهديداً للنساء والأقليات الدينية، مثل الأقباط في مصر، والمسيحيين في سوريا والعراق. وقد يسرّع ذلك من المنافسات الإثنية والطائفية والقبلية في ليبيا، واليمن، وسوريا، ومصر وقد تخلق ظروفاً مناسبة لسلسلة من الحروب الأهلية في العام 2012 في هذه البلدان.

يضاف إلى ذلك، فإن الكثير من التوتّرات المذهبية بين السنة والشيعة في لبنان، وسوريا، والعراق، أو في البحرين ـ حيث الأقلية السنيّة تحكم الأغلبية الشيعية، ستتفاقم من خلال القلق المتنامي من قبل السعودية وحلفائها في مجلس التعاون الخليجي ـ وهو قلق تبادله تركيا إياه ـ حول القوة الصاعدة لإيران الشيعية وإمكانية نمو حركات إنفصالية بين الاقليات الشيعية في منطقة الخليج.

ومثل السعوديين، فإن الأترك مهتمون بمنع وقوع العراق، وسوريا، ولبنان في خضم حروب أهلية ـ والذي قد يهيء فرصة انشقاق كردي عن العراق ـ وضمان انتقال سلمي للسلطة في مصر، وتونس، وليبيا، وفي المحافظة على الواقع القائم في الأردن، والمغرب، والتحرّك نحو قرار حل للنزع الاسرائيلي ـ الفلسطيني.

في ذلك السياق، فإن المساعدة على خلق آليات للتعاون بين القوى السياسية المتواشجة مع المؤسسة العسكرية والاخوان المسلمين بهدف تأسيس قانون ونظام وفتح الطريق لانعاش اقتصادي في البلاد سيكون أحد الطرق التي ستسعى تركيا والسعودية، بدعم من أغلبية المصريين وتأييد الولايات المتحدة وأوروبا، للسيطرة على التغيير الثوري.

ولذلك، ستبرز السعودية وتركيا كلاعبين رائدين في الثورة المضادة في الشرق الأوسط في العام 2012، وتطبيق نوع السياسات الإقليمية التي تبدو متطابقة مع مصالح الولايات المتحدة. في الحقيقة، في وقت إضعاف السلطة العسكرية الأميركية وتآكل القاعدة الاقتصادية، فسوف تشجّع واشنطن القوى الإقليمية مثل تركيا والسعودية، أو شركائها الآخرين في شرق أسيا (اليابان، كوريا، أستراليا)، للعب دور أكثر فاعلية في تطوير أجندة الأمن الأميركي العالمي.

هذه الاستراتيجية قد تثبت بأنها فاعلة في العام 2012 ولكن قد تواجه تحدّيات خطيرة في السنوات القادمة، حيث أن هؤلاء اللاعبين يعتنقون سياسات قد تتعارض مع مصالح الولايات المتحدة.

ولكن حتى مع كل التداعيات التي تأتي بسبب التزاماتها العسكرية في الشرق الأوسط (العراق)، فسوف تواصل الولايات المتحدة لعب دور حافظ التوازن العالمي للفترة الاخيرة من العام 2012، خصوصاً إذا أفضت الى كونها منغمسة في صراع دبلوماسي وعسكري مع إيران والذي قد يشعل حرباً شاملة هذا العام ولكن قد تسمح للرئيس باراك أوباما للدخول في مزاولة سياسة حافة الهاوية مع طهران قرب وقت الحملة الانتخابية لهذا العام 2012.

السيناريو الغربي

لن يتغير الكثير في الطريقة التي سيتم بها تطبيق السياسات النقدية والمالية في واشنطن، سواء غادر السيد أوباما البيت الأبيض في أعقاب النصر الرئاسي الجمهوري في نوفمبر القادم أو أعيد إنتخابه مجدداً (وينسحب الأمر ذاته على فرنسا، إذا خسر الرئيس نيكولاي ساركوزي في انتخابات العام القادم).

إن مصالح الصناعة المالية والشركات الأميركية التي تموّل الحملات الإنتخابية لكلا الحزبين سوف تواصل هيمنتها على السلطة التشريعية وعملية صناعة السياسة فيما سيواجه الضغط القادم من الناخبين والإتحادات العماليّة التي تمثّل العمّال في القطاع العام صعوبة خفض برامج التقاعد المدعومة من الحكومة والتأمين الصحي الرئيسية.

ليس هناك سبب للإعتقاد بأنّه إلى جانب كارثة إقتصادية مدّمرة، فإن هذا النوع من النظام الإقتصادي السياسي التي تهيمن أيضاً في أغلب أوروبا الوسطى والغربية قد يتم إسقاطه في أي وقت وشيك.

في الحقيقة، لا متظاهرو احتلوا وول ستريت على اليسار، ولا، لنفس السبب، أعضاء حركة حزب الشاي على اليمين ، أو حتى نظرائهم السياسيين في أوروبا، قد قدّموا مجموعات جديدة من الأفكار التي تساعد على إجراء تغييرات هيكلية في الواقع الاقتصادي والسياسي الحالي.

واذا كان هناك ثمة شيء، في وقت عدم الأمان الإقتصادي والغموض السياسي، فإن المصوّتين الغاضبين في الغرب أو، لنفس السبب، في الشرق الأوسط إنجذبوا الى سياسة الهوية التي تدمج العناصر المتفجّرة للقومية، والإثنية، والدين.

وعليه إذا كان الأهم في تراث زمن ربيع الأمل لعام 1848 كان نهوض القومية الألمانية والايطالية والاشكال الأخرى للقومية في أوروبا، فإن الانتفاضات لعام 2011 قد تبدأ تشعل ضغوطات مماثلة في الشرق الأوسط وحتى في أوروبا في عام 2012، حيث انقشاع الوهم مع الوعد بالتغيير يبدأ بتأسيس لمرحلة جديدة.

الصفحة السابقة