مظاهرتان طلابيتان في أبها، جنوب السعودية

السعودية: إرهاصات التغيير 2012

محمد الأنصاري

محصّنة أم غير محصّنة من رياح التغيير ومن تداعيات الربيع العربي؟

هل هناك خصوصية للشعب السعودي تمنع تأثره، أم لا خصوصية لديه، وحاله حال بقيّة شعوب الأرض؟

هل هناك خصوصية لنظام الحكم السعودي، أم أنه نظام مثل بقية الأنظمة فاسد ومستبد، وقد يكون أسوء من كثير منها؟

قال مسؤولون خليجيون بأن المنطقة الخليجية وأنظمة الحكم فيها غير محصّنة تجاه التغيير.

وقال أمير سعودي لصحفية بريطانية بأن السعودية غير محصّنة أمام التظاهرات والإحتجاجات، ولكنه أكد بأن أحداً لن يسمع بها أو يبث أو ينشر عنها شيئاً!!

هناك قواعد في السياسة وعلم الإجتماع تؤشر الى حقيقة أن بلداً ما سيصاب بالتغيير أم لا؟ بل هناك قواعد سياسية معيّنة يمكن من خلالها توقّع الثورات أو الإنقلاب العسكرية أو حوادث الشغب وما أشبه.

ولكن الحكام السعوديين لا يفهمون هذه القواعد ولا يصدّقونها، وهم يعتمدون على الحدس والتجربة في إمكانية تصديهم للتحركات الشعبية، وليس في إمكانية قيام الشعب بتلك التحركات. فعلى الأرجح هم يعتقدون بأن الشعب يمكن أن يتحرك ضدّهم في منطقة أو أخرى، ولكنهم يعتقدون بأن لديهم الإمكانيات المالية والإعلامية والغطاء السياسي الدولي ما يجعلهم قادرين على إجهاض أي نشاط سياسي معارض يطالب بالتغيير.

حتى حسب الموازين الدينية وقيم الدين وقواعده والسنن التي جاء بها القرآن، فيما يتعلق ببقاء نظم الحكم أو زوالها، فإن نظام آل سعود لا يؤمن بها.

العدل بشتى صوره، يطيل أمد الحكم، والظلم والإستبداد والتسلط، بشتى صوره يؤدي الى نهاية الأنظمة والحكام. وحين يتسع الظلم فذلك مؤشر الى السخط، وقد يتطور الى الشغب فالثورة. فهل يعتقد آل سعود ـ مثلاً ـ أنهم رمز العدالة في حكمهم؟! وكيف يعتقدون بأنهم محصّنين ضد رياح التغيير؟ ولمَ لا يعدلون من نهجهم إن كانوا يريدون استمرار حكمهم؟!

والفساد، حسب قيم السماء والأرض، مهلك للأمم، محرّض على الثورات، مسبب للفقر والفاقة، يجعل الناس طبقات تأكل بعضها بعضاً، فما بالك بمن يستولي على أموال الناس بالباطل، ويسرف في انفاقها ويلهو بها في الحرام؟ هل هذا سيطيل حكمه؟

الحرمان، والفقر محرّض آخر على الثورة، خاصة في بلد نفطي مثل السعودية، فكلما تصاعد برميل النفط، ازداد المواطن فقراً وفاقة، وانضمت شرائح متعددة الى طبقة الفقراء، بعد أن كانت تُحسب ضمن الطبقة الوسطى، التي انكمشت بشكل مريع في العقود الماضية، ما يؤشر الى خلل كبير، والى احتمال تفجر الأوضاع الأمنية والسياسية.

الإثرة بالمال والسلطة، سببت ثورات حتى في عهد الصحابة! فلماذا يتوقع آل سعود أنها ستكون مقبولة في هذا العصر، ومن قبل شعبهم؟

احتجاج قبيلة طويرق

باختصار شديد، حين يجتمع الإستبداد السياسي؛ مع قمع الحريات؛ مع الظلم، مع الفقر والحرمان في بلد نفطي يصدّر نحو عشرة ملايين برميل يومياً.. حينها لا يمكنك إلا أن تتوقع أن هناك خللاً كبيراً، وأن هذا الخلل لا يمكنه الإستمرار، فذلك خلاف سنن الله في أرضه، ولا بدّ أن تتوقع أيضاً أن إصلاح ذلك الخلل الفاحش لا بدّ أن يأتي من الجمهور العريض المتضرر من فساد وسوء الأحوال.

هنا لا تفيد أية خصوصية للشعب الذي (سعودوه). فالإنسان بتطلعاته وطموحاته وحاجاته لا يختلف عن الآخرين، اللهم إلا أن يكون معوّقاً ذهنياً!

خصوصية الشعب السعودي مجرد أكذوبة؛ تحدث عنها كثير من الكتاب السعوديين؛ وأول تلك الخصوصية التي يصرّ عليها الأمراء، أنه شعب (وديع) و(مطيع لحكامه) وإن جلدوا ظهره وسرقوا ماله!

قبضة الأمن وكثافتها هي التي تجعل المواطنين صامتين، ولكن أيضاً الى حين. اي الى حين يطفح الكيل، ويفيض الكاس، وينتهي مفعول التضليل الديني لمشايخ السلطة.

في 11 مارس من العام الماضي 2011، حاول المواطنون التظاهر، فخرجت كل قوى النظام وحواماته فأجهضت تلك المحاولة، حيث لم يخرج أحدٌ للتظاهر في مناطق غير الشرقية، عدا واحداً، وهو خالد الجهني، الذي التقى الإعلاميين الغربيين، وقال لهم انه جاء للتظاهر، وأوضح معاناته، وقال أنه سيعتقل قريباً لأنه تحدث اليهم، وانه لا يهتم بذلك، واضاف: الشعب يريد السجون! وقد بثت البي بي سي العربية كل أقواله تلك. وفعلاً تم سجنه ولازال!

لعب مشايخ السلطة دوراً في التثبيط، وطبعوا ملايين النسخ من فتاوى تحريم المظاهرات، وظهروا على الشاشات كما سعد البريك يهددون بـ (سحق جماجم المتظاهرين)!

استبشرت الحكومة خيراً، وطفق الأمراء يسخرون من مزاعم التظاهر ودعاته، وتساءلوا: أينهم؟! الشعب كله مع الحكومة!

نسي الأمراء وإعلامهم بأن قواتهم التي ملأت (كل المدن) الرئيسية هي السبب. ونسوا أيضاً ان تظاهرات وقعت في ذلك اليوم وقبله، والى الآن وبشكل منتظم في المنطقة الشرقية!

لكن الإحتجاجات في الشرقية أريد لها أن تصنّف خارج سياق الربيع العربي، وتأثر المواطنين بأجواء ذلك الربيع. صنّفت الحكومة الاحتجاجات بأنها عمل ارهابي مدعوم من الخارج الإيراني! وبررت قسوتها وقتلها المواطنين (8 حتى الآن) بالرصاص على أنه عمل يدخل في إطار (مكافحة الإرهاب)! بل أنها أصدرت قائمة مطلوبين على غرار قوائمها بأسماء القاعدة في جزيرة العرب!

حتى لا يتأثر بقية المواطنين بما يجري في الربيع العربي، أو ما يجري في القطيف، كان لا بد من فتح معارك تشغل الذهن: فتحت المعركة الطائفية، وتمّ تسعير الخطاب الطائفي الرسمي، السياسي والإعلامي، وأُقحم موضوع احتجاجات المنطقة الشرقية/ منطقة النفط في سياق المواجهة السعودية مع ايران. وعلى المستوى الخارجي، تمّ توجيه النظر (طائفياً وسياسياً) الى ما يجري في سوريا، حيث اعتبر إسقاط الأسد معركة الأمراء السعوديين الأساس. وهكذا تمّ إشغال المواطنين لأشهر عديدة بما يجري هناك. ولم يخفّ الأمر إلا في شهر فبراير الماضي، حين بدا أن الملف السوري قد تحول الى ملف دولي دخلت فيه الصين وروسيا على الخط، ومنعتا أمريكا وحليفاتها من اسقاط النظام عسكرياً.

الآن، بدا ذهن المواطنين يعود ليهتم بشأن الداخل. وقد كان التحوّل هذا قد وقع على حادثين أساسيين فجّرا الكثير من الألم والعنفوان في الحراك الذي بدأ يتراكم في أكثر من مدينة ومنطقة في السعودية.

الحادث الأول، ويتعلق بانتحار مواطن في عرعر، خريج تمريض، بحث عن عمل لسنوات عديدة، وشارك في بعض النشاطات المطالبة بالتوظيف، وحاول الإتصال بالمسؤولين وعلى رأسهم وزير الصحة، وكانت نهايته أن شنق نفسه بعد أن سُدّت كل الأبواب. وسبق لشوارع مدينة عرعر أن شهدت قبل أسابيع تحركات سماها النظام شغباً استمر لأيام عديدة. هذا سبّب امتعاضاً عاماً، طفح على وسائل الإتصال الإجتماعي.

الحادث الثاني، هو تظاهر سبعة آلاف طالبة احتجاجاً في جامعة الملك خالد بأبها في منطقة عسير. الأمن كان لهم بالمرصاد، فأسقط حوامل، وجرح عشرات، وتوفيت طالبة، ما دفع بالطلبة من نفس الجامعة للتظاهر يوم 10 مارس الجاري، وليتبع ذلك تظاهرة طلاب التحضيرية بجامعة الملك سعود بالرياض، في 11/3، وأيضاً طلاب تقنية الرياض، وخريجي المعاهد الصحية، وخريجي التربية. وترافق ذلك مع دعوات لإضراب الطيارين ومساعديهم في الخطوط الجوية السعودية.

خريجون يبحثون عن عمل

وقد سبق ذلك كله احتجاج قبيلة طويرق في الطائف حول أرض تخص القبيلة تمّ نهبها؛ وجرى اطلاق رصاص وجرح آخرين، وتعطيل أحكام قضائية في هذا الشأن.

وخلال العام المنصرم تكاثرت الإحتجاجات والإعتصامات للمعلمين والمعلمات وخريجي الجامعات والمعاهد والتربية وغيرها، وحتى الإضرابات كما لدى موظفي شركة الإتصالات، وهناك دعوات لاضرابات عمالية واحتجاجات آخرها (الكادر الهندسي).

يبدو من خلال جغرافيا التحرك في المدن والمناطق، أن ارهاصات التغيير بدأت. وفي الغالب فإن الشباب لهم الدور الأكبر. كما أن عوامل اقتصادية وسياسية هي التي تكمن وراء ما يجري من تحركات وغضب عام. لكن الملاحظ أيضاً أن النساء أصبحن عنصراً اساسياً في التغيير، وهنّ كما يبدو قادرات على إشعال الوضع أكثر من الرجال، كما هو واضح بالنسبة لتحركاتهن في موضوع السواقة، وفي الإنتخابات البلدية الأخيرة الفاشلة، وفي حراك أبها الأخير. أيضاً، يلاحظ أن أقلّ الأمور وأهونها قد تسبّب شرراً كبيراً، فلا يجب النظر مثلاً الى السبب المباشر الذي يفجر الوضع (أي الصاعق) بل الى جذور المشاكل. ومع أن الحكومة تتجه دائماً الى الترقيع في مثل هذه الأمور، فإن قدرتها على ملاحقة الأخطاء الظاهرية التي تسبب انفجار الإحتقان ضعيفة، إذ ستخرج لها كل يوم مشكلة؛ والحقيقة الأساس هنا أن الوضع برمته السياسي والإجتماعي والإقتصادي والديني والإعلامي بحاجة الى تغيير راديكالي، ليس آل سعود اليوم يفكرون فيه.

المشكلة الأساس أن الوضع السياسي في السعودية متيبّس، وهو المصنع الذي يولّد المشاكل والفساد وضعف الإدارة كما ضعف المحاسبة.

بدون التغيير السياسي، لا يبدو أن حلاً صحيحاً سينجز. وشاء النظام أم لم يشأ، فإن المواطنين الذين يحتجون اليوم على سلوكيات وممارسات من هم دون الأمراء من مسؤولين ووزراء، سيصلون الى النتيجة المنطقية، التي تقول بأن الجسد الفاسد لا يمكن أن يصلح بدون قطع دابر ورأس الفساد؛ وأن من المستحيل معالجة المرض، من خلال معالجة أعراضه، بل جذوره وأسبابه الحقيقية.

من الواضح أن ما جرى في عسير والجامعات الأخرى، أن السعودية دخلت منعطفاً جديداً، فقد جرى كسر مقولة أن من يتحرك هم سكان المنطقة الشرقية (الشيعة)، كما انكسر الخطاب الطائفي للنظام الذي استخدمه كمصدات لمنع أي تحرك في المناطق الأخرى.

سيكون عام 2012 صعباً على العائلة المالكة:

ـ فهو عام لن تقوم فيه حربٌ أميركية ـ اسرائيلية على إيران كما تشتهي تلك العائلة.

ـ وهو عام لا يبدو فيه أن التغيير الشامل سيحدث في سوريا باسقاط الأسد كما تتمنى، بل سيصار الى إصلاح تدريجي بمشاركة المعارضة ـ على الأرجح.

ـ وهو عام بدأ الجسد المحلي يتحرّك فيه، من شريحة لأخرى، ومن منطقة لأخرى، في وقت استمر فيه حراك القطيف عاماً كاملاً حتى الآن.

ـ وهو عام زادت فيه صراعات الأمراء بعد وفاة سلطان، وملك الموت يحوم حول أمراء آخرين، ونايف مبتلى باللوكيميا والقلب وهو في أمريكا للعلاج. والوراثة للحكم مازالت تشلّ النظام الهرم.

إرهاصات التغيير واضحة، تحتاج الى بعض الوقت فقط.

الصفحة السابقة