سلمان في لندن وواشنطن

تقديم أوراق اعتماده كملك (عجوز) قادم!

الأمراء يوبخون (الحياة) لنشرها من بيان رسمي بريطاني أن كاميرون
ناقش سلمان في موضوع حقوق الإنسان والإصلاح السياسي


هاشم عبد الستار

لم يعد أخوه ولي العهد بعد من رحلته العلاجية الى أميركا حتى طار الى لندن ومن ثمّ الى واشنطن، عاقداً صفقات سياسية وعسكرية!

إنه الأمير سلمان، وزير الدفاع، والملك القادم للسعودية، والذي لم يمض على توليه وزارة الدفاع سوى بضعة أشهر (منذ نوفمبر الماضي).

سلمان هو الثالث في التراتبية الحاكمة، بعد الملك عبدالله، وولي العهد نايف، وهو (الشاب!) بينهم حيث يبلغ من العمر نحو 76 سنة فقط (مواليد 1936)، وهو بهذا يصغر أخيه الشقيق نايف بنحو خمس سنوات (نايف من مواليد 1931)! أما الملك فيصل عمره نحو 89 عاماً.

وكما هو معلوم في مسألة الخلافة في السعودية؛ فإن الملك من الناحية العمليّة لا يقوم بواجباته، فهو غير قادر على ذلك لأسباب صحيّة؛ ولا يداوم حتى في الديوان الملكي، الى حدّ أن إحدى جلسات مجلس الوزراء عقدت مؤخراً ولأول مرة في تاريخ البلد في قصر الملك!

الملك عبدالله وكما هو معروف، مريض بالقلب، وقد أُصيب بأكثر من جلطة، ونجا بأعجوبة، ولازال يشرب المسكر ويدخّن أيضاً! وقد أُضيف له في العامين الأخيرين، أمراض تتعلق بالظهر، ذهب على أثرها الى أميركا في رحلة علاجية معلنة، وعاد قبل 14 شهراً تقريباً، دون أن يستفيد كثيراً من تلك الرحلة، وقد أُدخل المستشفى أكثر من مرّة في الرياض بسبب آلام الظهر (اللعين!). وقد سبق للملك ان تحدث عبر شاشة التلفزيون وقال أن ما به هو: ديسك (ويسمونه عرق النسا، والنساء ما جاءنا منهن إلا كل خير) على حدّ تعبيره!

أما ولي العهد نايف، فهو مصاب باللوكيميا، وفي فقرات الظهر، وكذلك بالركبة (مرض الملوك) وأخيراً ظهرت عليه أمراض القلب أيضاً، وقد أجريت له عملية قسطرة في جدّة، قبل شهرين تقريبا، ويبدو أنها لم تفده كثيراً، حيث نقل أثناء عطلته في دول عديدة من المغرب الى امريكا للعلاج.

المهم الآن أن سلمان تتوسع صلاحياته كلما كان الرجلان الأولان في وضع صحي لا يساعدهما على متابعة الأعمال، ولا يعتقد أن (هيئة البيعة) ستتدخل لحل الإشكال وتعزلهما، فهذه الهيئة انتهت صلاحياتها؛ وستتكرر تجربة الملك فهد الذي بقي مقعداً غائباً عن الوعي في الغالب مدة تسع سنوات فقط، تجمدت فيها أحوال البلاد بسبب إعاقته (وليس مرضه فحسب)!

سلمان، كان أحد شخصيتين مفضّلتين لواشنطن كي ترث الحكم. الشخصية الأخرى كانت سعود الفيصل. في منتصف التسعينيات الميلادية الماضية، وفيما كان الأميركيون يبحثون (أزمة الخلافة) في الحكم السعودي، انتابتهم رغبة جامحة في تحويل المسؤوليات الى الأمير سلمان، وكان حينها اميراً للرياض، وكانت سمعته بين السلك الدبلوماسي الأجنبي حسنة للغاية، وأنه لا يؤجل أعماله اليومية، كما أنه يتمتع بالصرامة وبقدر من الحكمة غير متوفر لدى فهد ولا نايف، حسب وجهة نظرهم.

حينها تم ترتيب زيارة لسلمان لواشنطن، وكان أحد الصحفيين العرب المشهورين في جريدة خالد بن سلطان (الحياة) قد تولّى مسألة التسويق الإعلامي. ولكن بعد لقاءاته مع أعضاء في الكونغرس والإدارة الأميركية، واستماعهم لآراءه في الحكم، أصيب الأميركيون بخيبة أمل، فقد اكتشفوا أميراً مختلفاً لا يتمتع بالجرأة، ولا بالموهبة التي اعتقدوها فيه، ولا بالوعي الكافي لمتطلبات بقاء النظام السعودي، الذي كان بنظرهم بحاجة الى تغييرات هيكلية عميقة، حتى لا تتطور أزمة الخلافة سلباً.

كان الأميركيون يومها مدركين بأن الملك فهد على خلاف مع شقيقه نايف، ومع أخيه غير الشقيق الذي لا يملك شيئاً من الأمر، الأمير عبدالله (الملك حالياً) وكانوا يلحظون بأن سلطان غير مرغوب فيه حتى بين نجد نفسها، بالنظر الى ممارسات الفساد التي أزكمت الأنوف، وبسبب التعديات التي وصلت الى الأعراض. أما سلمان فكان فهد ينظر اليه على أنه أقرب ما يكون الى ابنه، ومن المشاع أن فهد هو الذي ربّى سلمان! وكان الأخير على علاقة طيبة مع كل الأطراف، وكان الوحيد القادر على الدخول على الملك فهد لحل قضية هنا أو هناك، كما كان فهد يعهد اليه بالكثير من المهمات دون باقي أشقائه وإخوانه.

يومها، في منتصف التسعينيات الميلادية الماضية، تصوّر الأميركيون خطأ، أن الخلافة يمكن أن تنتقل من فهد الى سلمان. ففهد أساساً كان يريد نقلها الى ابنه عبدالعزيز (الطفل المعجزة) وقد فاتح الأميركيين بشأن ذلك في حدود عام 1992؛ ثم إنه لم يكن مهتماً بوصول سلطان الى الحكم، وأما ولي العهد يومها (الملك عبدالله حالياً) فيمكن تجاوزه في حال توافرت شرائط إجماع داخلي في العائلة المالكة، بحيث تبقى وزارة الدفاع بيد سلطان وتنتقل الى أحد أبنائه في أول تغيير وزاري بعد موت الملك فهد؛ وكذلك رئاسة الحرس الوطني تبقى بيد عبدالله ثم تنتقل الى ابنه متعب كما حدث مؤخراً؛ ويصبح سلمان ملكاً.

هذه الخطّة الأميركية لم يكتب لها النجاح، فلا سلمان كان يعتقد بإمكانية نجاحها، ولا كان مدركاً لواقع أزمة الحكم من جهة أن (الشيخوخة) تزحف على الحكم وتهدد استقرار البلد، وتشعل الفتنة بين المتصارعين السياسين داخل أجنحة الحكم.

الفارق بين الآن وعام 1995 كبير جداً. فالأمير سلمان كان يومها في حدود الستين عاماً من العمر، بينما هو اليوم في السادسة والسبعين، وقد لا يصله الحكم قريباً، إذ لا يعلم إلا الله متى يتخطف الموت الملك وولي عهده، ومن هو السابق ومن هو اللاحق. وقد يصل سلمان الى الثمانين من العمر، وحينها أية روح سيضيفها للدولة وهو في أرذل العمر؟!

لقد سيطرت الشيخوخة على الحكم، فشاخ رجاله وتجمدت أعضاؤه وأعضاؤهم، وقبل ذلك عقلهم؛ ولن يغير وصول سلمان الى الحكم حتى لو تمّ اليوم شيئاً في مسار الدولة التي تسير نحو حتفها بنظر العديد من المراقبين.

منذ توليه منصب وزارة الدفاع، قام الأمير سلمان، بأول زيارة له الى لندن وواشنطن. وقد اعتبرت بمثابة تقديم ورقة اعتماده ملكاً قادماً للسعودية لساسة لندن وواشنطن. في 3/4/2012 التقى سلمان بكاميرون مدة ساعة؛ وبعدها مباشرة توجه الى وزارة الدفاع البريطانية حيث استكمل (محادثات التعاون الدفاعي مع الوزير هاموند) حسب الحياة 4/4/2012. كان يهم الإنجليز وضعهم الإقتصادي، وما يمكن الحصول عليه من صفقات أسلحة تقلّصت في الآونة الأخيرة بسبب أن الأزمة الإقتصادية الأميركية فتحت شهية واشنطن للإستحواذ على ما تعارف عليه أن تكون صفقات الطائرات الحربية من نصيب بريطانيا، والبحرية من نصيب فرنسا، والباقي من اميركا. الآن أميركا تريد كل هذا؛ وتوجت ذلك بصفقة طائرات اف 15 مؤخراً بستين مليار دولار مع السعودية، ستتلوها صفقة بحرية بنفس المقدار من المال؛ وهذا ما أزعج لندن، التي أخرجت طريقة اعتراضها من خلال الإعلام الذي بدا أقلّ تحفظاً في نقد السعودية وسجل انتهاكاتها لحقوق الإنسان، والمطالبة بإصلاحات سياسية.

حصل كاميرون على صفقة 800 مليون دولار من السعودية. ولكن مكتب رئيس الوزراء في بيانه الصادر عن الإجتماع آنف الذكر، أشار ان المبادلات التجارية بين الرياض ولندن تبلغ 23 مليار دولار سنوياً، وتبلغ استثمارات السعوديين في بريطانيا نحو 95 مليار دولار. لكن المهم هو أن البيان أشار الى أن بناء علاقات متينة مع السعودية يتطلب (تشجيع الإستقرار عبر الإصلاح السياسي وحقوق الإنسان). وقد أدّى نشر هذه الفقرة في صحيفة الحياة، الى تلقي مسؤوليها توبيخاً من ملاكها الأمراء!

وبالتزامن مع وصول الامير سلمان قالت شركة بي ايه اي سيستمز البريطانية للصناعات الدفاعية انه جرى توقيع عقد لتصنيع 48 طائرة تايفون في بريطانيا لصالح السعودية لكن لم يتم الاتفاق بعد على تعديلات على سعر الصفقة. وكانت الشركة تتوقع توقيع التعديلات على بنود الصفقة في عام 2011، لكنها نبهت في يناير الماضي الى أن المحادثات بشأن التعديلات المقترحة على التجميع النهائي لطائرات تايفون الـ 48 المتبقية من 72 طائرة ستستمر في عام 2012، الامر الذي قد يضر بأرباح الشركة في عام 2011، وأكملت في بيان لها (4/4/2012): (جرى الآن توقيع عقد التجميع النهائي لـ 48 طائرة تايفون، وبدأ التجميع في مصنع وارتون، والمباحثات مستمرة بخصوص انشاء مصنع للصيانة في السعودية.. سوف تستمر المفاوضات بشأن زيادة السعر في عام 2012).

أيضاً ناقش وزير الدفاع السعودي مع ويليام هيغ، وزير الخارجية البريطاني، وذلك في لقائهما يوم 4/4/2012، مواضيع غير محبذة تتعلق بالإصلاح السياسي واحترام حقوق الإنسان. وحسب بيان وزارة الخارجية عن الإجتماع، فإن هيغ قال: (ناقشنا اليوم الإصلاح السياسي والإقتصادي... وسبل تصعيد الضغوط على الرئيس الأسد)!

في أمريكا، لم يشر أوباما، ولا وزير دفاعه بانيتا، ولا وزيرة الخارجية كلينتون، ولا مساعد أوباما نائب رئيس الأمن القومي لمكافحة الإرهاب جون برينان.. لم يشر أي منهم الى موضوع احترام النظام السعودي حقوق الإنسان ولا الإصلاح السياسي، وهي الشعارات التي ترفعها واشنطن في اكثر من بلد، خاصة المعادية لها؛ فالحليف السعودي يختلف!، فهو الأوزّة التي تبيض ذهباً لواشنطن، وهو مهدّئ لأسعار النفط؛ وهو الحليف في مواجهة الإرهاب حسب التعريف الأميركي؛ وهو الذي يعيد البترودولار الى خزانة أمريكا؛ وهو الذي ينفق ثمن الحماية الأميركية أضعافاً مضاعفة؛ والحليف الذي يواجه العدو الإيراني، ويقدم المبادرات السلمية تجاه اسرائيل (مبادرة عبدالله) ويحاصر الإرهاب في غزّة! نظام مثل هذا، لا بد وأن يكون أثيراً لدى واشنطن، التي لا ترى ولا تسمع شيئاً في السعودية: لا مظاهرات، ولا اعتصامات، ولا انتهاكات ولا أي شيء؛ فكل الأمور (تمام التمام) في المملكة المحمية.

لا يوجد ما يشير الى أمور غير معتادة في محادثات سلمان في واشنطن. لقد نوقشت قضايا ايران وبرنامجها النووي؛ والملف السوري واليمني، ولكن لم تتم الإشارة الى مناقشة القضية الفلسطينية، فهذه صارت نسياً منسيّا. لكن في الجزء الدفاعي، كان هناك لقاء مثير بين سلمان، مع مدير وكالة الدفاع الصاروخية الأميركي، الفريق باتريك أورايلي، ومن الواضح أنهما تطرقا الى مشروع الدرع الصاروخي الذي اقترحته واشنطن على دول الخليج بحجة حمايتها ضد أي تهديد محتمل للصواريخ الباليستية الإيرانية. وكان هذا المشروع قد نوقش خلال أول منتدى ‏للتعاون الاستراتيجي بين واشنطن ودول المجلس الذي حضرته مؤخرا بالرياض هيلاري كلينتون. عموماً هذا مشروع ابتزاز مالي من قبل أمريكا، التي تتجه لعقد صفقة مع طهران في موضوع برنامجها النووي.

محصلة القول، أن الأمير سلمان وبسبب مرض أخويه الملك وولي عهده، سيتسنم أدواراً أكبر على الصعيد الخارجي، هي بمثابة تأهيل سياسي له، احتاجت منه تقديم اوراق اعتماده كملك قادم. ولكن ماذا عن مصير المملكة المسعودة، التي يتصاعد فيها السخط والتظاهر والإحتجاج؟ مملكة يحكمها عجزة اقتربوا من حافة القبر، لن يصلح حالها لا نايف ولا سلمان ولا (فقعان)!

الصفحة السابقة