التحذير السعودي للرعايا.. رسالة أم عناية!

سامي فطاني

كثرت في الاونة الاخيرة بيانات التحذير الصادرة سواء من وزارة الخارجية السعودية أو من إحدى سفاراتها في بيروت أو دمشق أو بغداد أو غيرها، وأحاط بتلك البيانات الغموض أحياناً، لأنها لا تستند بالضرورة على أسباب وجيهة بوجود أخطار حقيقية أو قريبة تتهدد الرعايا.

وفي بلد مثل لبنان، الذي يعتبر الاعلام فيه ركناً أساسياً في الحياة العامة وفي تشكيل الرأي العام، فإن صدور بيان من حكومة ما هنا أو هناك من شأنه أن يترك مفعوله المباشر على السياحة والسياسة معاً. البيانات السعودية هذه المرة جاءت غامضة وتتسم بنوع من التلاعب بالألفاظ، الأمر الذي أثار اهتمام الصحافة اللبنانية التي نظرت الى تلك البيانات كما لو أنها تحمل دلالات سياسية.

لبنان لازال مقصداً لسعوديين مؤدجلين يأتون اليه ـ خلاف التحذير الرسمي ـ ليتوجهوا شمالاً للقتال ضد الأسد ونظامه..ويبدو ان التحذير لا يشمل هؤلاء، بل أنهم ـ كما تفيد مصادر أمنية ـ مدفوعون من جهات رسمية وشبه رسمية، للمجيء الى لبنان من أجل أداء واجب مقدس!

في تقرير بعنوان: (التحذير السعودي للرعايا دس رسائل أم إجراء تقني)، نشرته صحيفة (السفير) في 7 يوليو الجاري، كتبت لينا فخر الدين: بدا السفير السعودي علي عواض عسيري حريصاً وبشكل يومي على تكرار لازمته: قرار تحذير المواطنين السعوديين من السفر إلى لبنان ليس قراراً سياسياً ولا يصل إلى حد المنع الكامل من السفر، كما لا يهدف إلى الإضرار بلبنان اقتصادياً وسياحياً.

سواح خليجيون في لبنان

التقى عسيري على التوالي رؤساء الجمهورية ميشال سليمان والمجلس النيابي نبيه بري ومجلس الوزراء نجيب ميقاتي وطلب منهم عدم اعطاء تفسيرات سياسية للقرار الذي جاء مختلفاً عن قرار البحرين وقطر والامارات والكويت بالطلب من الرعايا المغادرة وعدم التوجه الى لبنان.

عسيري وفي بيان عممته السفارة قال انه (من غير الممكن حجب ما تبثه بعض وسائل الإعلام اللبنانية وغيرها حول الأحداث التي تجري من وقت إلى آخر، وآخرها ما جرى خلال الأسبوعين الماضيين من حرق دواليب وقطع طرق رئيسية، أهمها طريق المطار التي ترتب عليها تأخر بعض المواطنين السعوديين المتواجدين في لبنان في تلك الفترة من العودة إلى المملكة والالتحاق بعوائلهم وأعمالهم)؛ وأشار عسيري إلى (ما تعرض له بعض المواطنين السعوديين مؤخرا من عمليات خطف واعتداء وابتزاز وعدم توقيف الأجهزة المختصة لبعض الجناة المعروفين في بعض القضايا المشار إليها رغم ثبوت تورطهم بارتكاب الجريمة).

استفسر أهل السلطة من عسيري ابعاد القرار، فطلب حصره بالبعد التقني ومفاده الآتي: كنا نلجأ الى خيار ترحيل الرعايا عن طريق سوريا (جواً وبراً) في حال حدوث أي معطى أمني في لبنان (نموذج الحروب الاسرائيلية في 1993 و1996 و2006، وقد أصبح ذلك متعذرا اليوم. لذلك كان قرار التحذير.

ولكن السؤال: ماذا عن البعد السياسي؟

تجيب فخر الدين بما نصّه: لا يفصل أحد وزراء الأكثرية، القرار السعودي عن تكثيف الضغوط على حكومة ميقاتي بغية إسقاطها، ويقول ان (دسّ) الرسائل السعودية من تحت (عتبة) دول صغيرة في مجلس التعاون الخليجي، هي لعبة مكشوفة. يسأل الوزير نفسه: (إذا كانت الحجة التقنية صحيحة، كيف تحذر السعودية الزائرين ولا تطلب من المقيمين المغادرة، أم انها تخاف على القادمين ولا تخاف على الموجودين على الأراضي اللبنانية؟ المسألة سياسية بامتياز).

يحاول مقربون من السفارة السعودية نزع البعد السياسي، معتبرين أن (الأمر مرتبط بالظروف الأمنية المتخبّطة التي يعيشها لبنان). يتقاطع حديث هؤلاء مع كلام عسيري الذي حاول تجريد مضمون بيان المملكة من (الشوك السياسي)، لافتاً الانتباه إلى أن ذلك ينطلق (من حرصنا على عدم تعريض مواطنينا لأي مخاطر)، ومن دون أن ينتبه إلى المخاطر على السعوديين المقيمين في لبنان حالياً.

وفيما تمتنع أوساط في (حزب الله) و(امل) عن التعليق، تشير مصادر وزارية إلى أن (هذه التحذيرات كانت متوقّعة)، وتلفت الانتباه إلى أنها (تصيب بسهامها أولاً رئيس الحكومة ومن ثم كل الوزراء السنة)، وتؤكد أن (الهدف منها ليس أمنياً بل سياسي)، مؤكدين أن (الوضع الأمني، وعلى الرغم من التطورات الحاصلة، إلا أنه يبقى تحت السيطرة وسقفه معروف، فلا أمور جديدة طرأت على الأوضاع الداخلية حتى تصدر مثل هذه التحذيرات). وتلفت الانتباه إلى أن (بيان المملكة، وما سبقه على لسان بعض دول مجلس التعاون الخليجي، لا يصب في مصلحة لبنان بل على العكس فإنه يشوّه سمعة البلد).

لكن مصادر سياسية تعزو سبب إطلاق التحذيرات إلى (استياءٍ سعودي) من الرئيس ميقاتي، إذ أن المملكة طلبت منه بعد كلام مندوب سوريا في الأمم المتحدة بشار الجعفري رداً واضحاً وقاطعاً ينفي فيه كلام الأخير، مشيرةً إلى أن كلام رئيس الحكومة (لم يَرُق للديوان الملكي).

تتحدث المصادر نفسها عن كلام سعودي قيل للرئيس ميقاتي في السعودية عندما زارها مؤخرا للتعزية بوفاة ولي العهد الأمير نايف، حيث اجتمع بولي العهد الحالي الأمير سلمان بن عبد العزيز الذي أبلغه أن المملكة لا تكن له الا كل مودة وتقدير وأن سياسة حكومته بالنأي بالنفس عن الأزمة السورية وفرت مظلة حماية واستقرار للبنان.. أما الموقف من طريقة اسقاط حكومة سعد الحريري، فهذا أمر آخر، خاصة وأن المملكة تتعامل مع سعد ليس بما يمثله كشخص، بل كونه الوريث السياسي لرفيق الحريري.

الصفحة السابقة