المرزوقي لعبدالله: اعيدوا لنا بن علي!
 
قمة اسلامية بلا قرارات ذات قيمة

قمة مكة بلا طعم! والطائفية منهج رسمي

محمد شمس

ترى ماذا كان هدف السعودية حين دعت الى قمّة إسلامية طارئة؟ مالجديد الذي دفعها الى الدعوة تلك؟ هل هي قضية فلسطين مثلاً، حيث عمليات التهويد والإستيطان التي لا تتوقف، وحيث أساسات وأركان المسجد الأقصى تكاد تتهاوى بفعل الحفريات، وحيث يعيش الفلسطينيون في غزّة وغيرها في حصار دائم وأوضاع معيشية صعبة منذ نحو خمس سنوات على الأقل؟

هل كان الهدف من اجتماع القمّة مناقشة قضايا الثورات العربية التي ادّت في بعض منها الى انفلاتات أمنية وشروخات مجتمعية؟ هل الهدف كان تهدئة الشارع العربي والإسلامي باتخاذ قرارات لها علاقة بإصلاح الأنظمة الإسلامية وفي مقدمتها العربية، اصلاحاً سياسياً يمنع الإنفجارات غير المتوقعة؟ أم كان الهدف حماية الأقليات الإسلامية التي تتعرض للمضايقات وفي بعض الأمكنة الى التصفيات الجسدية كما في بورما؟

أبداً لم يكن هذا هو هدف السعودية من المؤتمر الذي دعت اليه، ولم يكن هدفها تعضيد الوحدة الإسلامية، بل كان الهدف الوحيد والأساس هو: تحصيل إدانة إسلامية ضد نظام الحكم في سوريا، وعزل الدولة السورية وحرمانها من عضوية منظمة التعاون الإسلامي!

القمة التي جاءت أواخر رمضان (14-15 اغسطس)، وفي مكة المكرمة، وبعظم المناسبة والمكان، لم تسفر عن شيء ذي قيمة: لم تدعَ سورية الى القمّة، واتخذ قرار وبدون تصويت بتجميد عضويتها. ماذا بعد؟ هل سيحل هذا الأزمة السورية، أم سيعقدها؟ الدعم السياسي للثورة لن يغير كثيراً من واقع المعركة على الأرض. ولهذا فإن نتائج القمة لم ترض أحداً. الداعمون للثورة السورية رأوا أن تجميد عضوية سوريا في منظمة التعاون لا يكفي ولا يستحق قمة طارئة، ولا يغير من ميزان القوى. والمعارضون الباحثون عن حل آخر للأزمة السورية عبر الحوار وأنصاف الحلول لم يرضوا بالأمر، فتغييب نظام الحكم السوري يجعل القضية السورية أسيرة خيار السلاح والعنف، الذي يبدو أنه وصل الى طريق مسدود في كلا الإتجاهين الرسمي والمعارض، وبالتالي فإن ذلك التغييب قد يسدّ آفاق الحلول السياسية ولكنه لا يقدّم حلاً عسكرياً حاسماً للمعارضة او النظام المستبدّ.

الملك عبدالله أو من يحيط به، عودونا على بعض (الفرقعات) الإعلامية بين مناسبة وأخرى. آخر فرقعاته الدعوة الى إنشاء مركز للحوار المذهبي! السعودية التي تصدر الفتنة الطائفية الفائضة لديها الى كل البقاع الاسلامية وغير الإسلامية، أرادت أن تضع نفسها في موضع المتسامح الحريص على الوحدة، وهي التي ينطلق منها فكر التفكير، وجماعات الإستئصال والقتل، القاعدية منها وغير القاعدية.

سنة ونصف والفتنة الطائفية قائمة في السعودية في منابر إعلامية رسمية، ومنابر وهابية دينية رسمية، وفتاوى، وغيرها، ولم يقل الملك عبدالله كلمة ضدّ الحملة الأقلوية الوهابية على الآخر الأكثري في السعودية والمتهم في ديانته. لماذا إذن مركز الحوار المذهبي؟ هل هو تغطية على ما يفعله النظام وأدواته ومشايخه الوهابيون؟ كيف يكون مروّج الطائفية والفتنة داعية للتسامح؟ كيف يمكن للوهابية كمذهب تكفيري رائداً للوحدة وهو الذي يكفر المواطنين بل المسلمين عامة ولأتفه الاسباب؟ لماذا يدعو النظام السياسي الى الحوار المذهبي، ولا يفعل ذلك مشايخه، بل لا يعتبرون انهم معنيون بتلك الدعوة، تماماً مثلما فعلوا في موضوع حوار الأديان في نيويورك وغيرها، والحوار الوطني الذي مات ولم ينتج شيئاً؟

ليست الدعوة الى الحوار المذهبي دعوة جادة، ولا النظام الذي دعا اليها جادّ هو الآخر، ولا المذهب الوهابي مصدر الفتنة والطائفية والتكفير يهتم بهكذا دعوات أو يشارك، ولم يسبق لأي من اركان المؤسسة الدينية (مجلس هيئة كبار العلماء) أن شارك أي من أعضائه في حوار مذهبي أو ديني أو وطني؟

الغرض هو تهدئة الوضع أثناء القمة، وعدم التصادم مع ايران، والخروج بالحدّ المطلوب من القرارات. وهذا ما حدث. اما موضوع الحوار المذهبي، فاعتبروه مزحة وانسوا أمره، فالسياسة السعودية قائمة على اثارة الفتنة لتحصين نظام الحكم من الثورات ودعوات الإصلاح والتغيير. الطائفية سلاح النظام العاجز، وهو لم يستنفذ غرضه منها. لن تتذكروا بعد اليوم أن هناك مركزاً للحوار المذهبي!

بيد أن هناك ملاحظات أخرى على مؤتمر القمّة الذي دعت اليه السعودية:

الأولى ـ أن الرئيس التونسي منصف المرزوقي طالب السعودية بتسليم الرئيس التونسي السابق بن علي الى تونس لمحاكمته. كرر ذلك في أكثر من تصريح أثناء حضوره القمّة، ولكن السعوديين لم يلتفتوا اليه حتى! وهو ما سبب له ازعاجاً بشكل خاص، وإن أحرجت الرياض من تلك التصريحات ايضاً. قال المرزوقي للوكالة الفرنسية ولوسائل اعلام سعودية لم تنشر تصريحاته: (كيف تجير المملكة شخصاً اضطهد الإسلام ودنّس القرىن وسق أموال شعبه، وتمتعه بضيافة كان من الأجدر ان تقدم لأناس لم يقترفوا مثل هذه الأفعال؟). وأقر المرزوقي بأن ملف تسليم الرئيس المخلوع (يشكل حساسية في العلاقات الثنائية بين البلدين). ويبدو ان العلاقات بين البلدين لن تعود طبيعية؛ اولاً بسبب الثورة ذاتها والتي تعاديها السعودية لأنها ثورة، وثانياً بسبب ان المنتصرين تصنفهم السعودية كيساريين وإسلاميين تعاديهم السعودية اصلاً؛ وثالثاً بسبب منح السعودية اللجوء الى بن علي صديق الأمير نايف، ولا يبدو ان السعودية ستتراجع عن الأمر وتسلمه الى تونس.

الثانية ـ أيضاً فإن القمة فجرت بشكل اكبر العلاقات بين السعودية والعراق الذي لم يشارك في القمّة الاسلامية بسبب (حظر سعودي) متعمد. فالسعودية لم ترد أن يأت المالكي ممثلاً لبلده، وأرسلت الدعوة حصرية الى رئيس الجمهورية، الذي هو مريض ويتعالج في ألمانيا، وحسب قول المالكي، رئيس الوزراء: (الدعوة التي وجهت للعراق من قبل السعودية كانت حصرياً للرئيس جلال طالباني ومن دون ان تخوّل أحداً للحضور بديلاً عنه). وهذا الأمر هو تدخل في شأن داخلي عراقي، فالعراق هو من يقرر من يمثله حتى وإن وجهت الدعوة رسمياً الى رئيس الجمهورية. ما جعل العراقيين ـ ولأول مرة في تاريخ منظمة التعاون الإسلامي ـ يشعرون وكأنهم ليسوا في دولة اسلامية في الأساس! وتبع هذا أن القى المالكي كلمة خلال حفل إفطار انتقد فيها بقسوة السعودية ومؤتمر قمتها فقال أنها (قمة الإرهاب على العراق والدول العربية المظلومة)، وأضاف بأن (قمة مكة هي للتآمر على العراق وسورية ولبنان)، وتوقع المالكي أن (يشهد العام المقبل سقوط دولتين وحدوث تغيرات جوهرية فيهما)، في إشارة إلى قطر والسعودية. وفي المحصلة فإن القمة الإسلامية وبدل أن توحد دول المسلمين فرقتهم أكثر.

الثالثة ـ استوقفت المراقبين الحفاوة السعودية المصطنعة للضيف الإيراني، الرئيس نجاد، وتقريبه من الملك، ما أثار عدداً من مشايخ السلطة، بل أن فيديو ظهر على اليوتيوب يصور نجاد وهو يطوف بالكعبة، ويصفه المصور في مقطع الفيديو بأنه خنزير! الحفاوة غير المتوقعة هي مجرد (تكتيك) لتهدئة الموقف الإيراني المعارض لتجميد عضوية سوريا في منظمة التعاون الإسلامي، وحتى يمضي المؤتمر بدون إزعاج، ليس إلاّ، وهو ما حدث فعلاً.

معلوم أن انقساماً داخلياً حصل تجاه حضور ايران للقمة الإسلامية، فبعض المسؤولين الايرانيين رأى أن لا فائدة من الحضور، وان السعودية ليست في وضع وجهوزية لبحث الملفات المختلف بشأنها وحلحلتها، بل هي ماضية في طريقها، وبالتالي فإن عدم الحضور يمكن ان يمثل رسالة للرياض. بيد أن الرأي الذي تغلّب كان يقول بأن حضور ايران ضروري لتبلغ العالم رأيها، حتى وان اتخذ بقية القادة قرارات بالاتجاه الآخر.

الرابعة ـ استوقف المراقبين غياب سعود الفيصل عن القمة الإسلامية وترتيباتها الأولية. كان غائباً عن اجتماع وزراء الخارجية العرب الذي تم تأجيله لأن (الرئيس) كان مريضاً ويجري عملية جراحية في أمعائه! أعلن عنها رسمياً، وقالت وكالة الأنباء السعودية نقلاً عن الديوان الملكي بأن العملية ناجحة. المهم تعطل الإجتماع الوزاري العربي الذي كان مخصصاً لمناقشة الموضوع السوري ووضع المزيد من الإستراتيجيات والعقوبات على النظام هناك، بسبب ان سموّه كان مريضاً.

وكيل وزارة الخارجية هو ابن الملك عبدالله واسمه (عبدالعزيز) وقد وضعه أبوه ضمن المحاصصة بين الأطراف الملكية، حيث يسعى الملك لتعيين أبنائه في شتى المناصب: الحرس الوطني لمتعب، مشعل لإمارة نجران، عبدالعزيز في الخارجية، وآخرون في مناصب آتية.

في 14/8/2012، بثت وكالة الأنباء البريطانية رويترز خبراً قالت فيه عن مصادر سعودية مقربة أن الأمير سعود الفيصل قد توفي بسبب مضاعفات العملية التي أجراها، ثم ما لبث أن سحبت الخبر بعد بضع دقائق، وقد سبب النشر انزعاجاً حاداً بين (آل الفيصل)، واصدرت الخارجية السعودية بعد يومين خبراً يكذب وفاة وزير الخارجية، فيما اعتذرت الوكالة بأن هناك من سرّب الخبر اليها عبر (اختراق) لموقع أحد مسؤوليها، وهذه مجرد حجة.

الثابت ان صحة سعود الفيصل متدهورة، وهو يعاني من أمراض الرقبة، ويقال أنه مصاب بالباركنسون، اضافة الى مرض الأمعاء والركبة والظهر وغيرها. وقيل ان وزارة الخارجية التي هي من حصة آل الفيصل ستكون من نصيب أخيه تركي الفيصل، لكن الملك عبدالله يكره تركي، وقد عيّن ابنه وكيلاً للخارجية، وبالتالي ليس من المستبعد أن يتولى عبدالعزيز بن عبدالله الوزارة في حال شغرت بموت سعود الفيصل أو في اية ترتيبات قادمة بين الأجنحة المتصارعة على الحكم.

الملاحظة الأخيرة ـ هي أن المؤتمر كان مجرد أداة سياسية للسعودية، لتأكيد مكانتها الدينية والسياسية في المنطقة والعالم الإسلامي، ولتأكيد اجندتها السياسية المواجهة لما يسمى بحلف الممانعة، وللثورات العربية عامة. لهذا ظهرت الإشكالات مع العراق وسوريا، مع تهدئة مع ايران؛ ولذا ايضاً لم يستقبل الرئيس المصري بالاحتفاء اللائق به وبمكانة مصر؛ كما لم يلتفت السعوديون الى ما قاله الرئيس التونسي، ولا الى ما قاله عدد من الرؤساء العرب الذين اعترضوا على طريقة إقرار تجميد عضوية سوريا، حيث لم يعرض الأمر للتصويت بالأغلبية.

ويبقى الناتج من القمة ضئيلاً لم يزد من رصيد السعودية كثيراً، ولم يغير من المعادلات القائمة على الأرض. بمعنى آخر: هو اجتماع فاشل بإجماع المراقبين مهما اختلفت توجهاتهم السياسية.

الصفحة السابقة