السعودية تهدد بطرد اللبنانيين

هل خسرت السعودية لبنان الى الأبد؟

عبدالحميد قدس

لم تكن السعودية بحاجة الى التهديد ـ كما فعلت قطر أيضاً ـ بطرد العمال اللبنانيين العاملين على أراضيها، في حال تعرّض مواطنوها الى الخطف. لقد نصحت السعودية منذ أشهر رعاياها بعدم السفر الى لبنان للسياحة ضمن قرار سياسي لإضعاف ـ إن لم يكن إسقاط ـ حكومة ميقاتي، وتبعتها كالعادة دول الخليج الأخرى عدا سلطنة عمان التي اعتادت النأي بنفسها عن المماحكات السياسية وتمييز مواقفها عن مواقف السعودية في قضايا مختلفة، الى حد أن البعض أصبح يتحدث ساخراً بأن السعودي الذي يزور بلدان مضطربة امنياً عليه ان يلبس (طاقية) عمانية، حتى لا يتعرّض له أحد!

السعودية أرسلت طائراتها الى لبنان لنقل رعاياها الى السعودية خشية الخطف. لم يخطف سعودي واحد، وقد نفت السفارة السعودية أن يكون أي من مواطنيها قد تعرّض للخطف. ومع هذا، فإن قضية السعودية في لبنان بحاجة الى قراءة مختلفة.

في 18 أغسطس، أي في يوم العيد، نشرت جريدة الرياض مقالة لمدير تحريرها يوسف الكويليت حوت تهديداً للعاملين اللبنانيين في السعودية؛ وقبلها لمحت صحف أخرى الى ذات الأمر وبينها صحيفة عكاظ، الخديوية المعروفة. يأتي هذا بعد انجلاء حقيقة ان لا مختطف سعودي في لبنان من قبل عائلة المقداد، لكن السعودية مسكونة بالصراع السياسي مع سوريا وايران وحزب الله وبالضرورة مع حكومة الرئيس ميقاتي.

ما كشف عنه الكويليت أبعد من رد فعل آني. لقد تألم من خسارة السعودية مكانتها في لبنان، وحوّل المشكلة الى صراع طائفي، وقال بأن السنّة مهمّشون في لبنان رغم أنهم (أكثرية) حسب زعمه! حيث لا توجد أكثرية في لبنان! فهو بلد أقليات! السعودية التي هندست اتفاق الطائف لا تقبل به، ولا بنتائجه، ولا بالإنتخابات إلا إذا كانت في صالحها. حكومة ميقاتي كانت محصلة تغيّر في موازين القوى في البرلمان، أي أنها لم تأتِ بذراع العسكر، وإنما في إطار التنازع السياسي الديمقراطي ـ حتى الآن.

خطف سوريين مقابل خطف لبنانيين: ما دخل السعودية؟

ما كان على السعودية إدراكه، أن نجاح جماعتها في الإنتخابات عبر الضخ المالي، خسرته لا بسبب شحّ المال، بل بسبب فساد الرهانات السياسية السعودية. الهجوم الذي شنه الكويليت على اللبنانيين عامة، وعلى الجيش اللبناني، وعلى التاريخ اللبناني، وعلى سوريا وايران وحزب الله، وعلى المستقلين والمسيحيين المخالفين للسعودية، ينبيء عن أن السعودية تقترب من خسارة مكانتها في لبنان.

الخسارة التي نقصدها ليس غياب النفوذ، بل (تضييعه) عبر حماقات سياسية.

السعودية سواء كان الحريري على رأس السلطة أو ميقاتي أو غيره لها أجندة في لبنان أكبر ممن يحكمه. ان عينها على الحرب الإقليمية الواسعة التي تخوضها ضد محور ايران ـ سوريا. تلك الحرب هي التي خسرتها السعودية. هدف السعودية الأكبر في لبنان هو: رأس حزب الله قبل أي شيء آخر. وقد أبدت استعداداً منذ 2006 للتعاون مع اسرائيل لإنجاز ذلك.

اذا كان لكل دولة نفوذ في لبنان، فإن من حقنا التساؤل: لماذا تصرف السعودية أكبر المبالغ، وفي النهاية تخسر المعركة السياسية؟

هذا هو السؤال الذي على الرياض ان تجيب عليه.

نظن ان السعودية لم تكن متوازنة في علاقاتها مع اطراف الأزمة اللبنانية. وهي لم تكن تبحث عن توافقات سياسية تبقي جماعتها (الحريري وجعجع وجنبلاط وغيرهم) على رأس السلطة بقدر ما كانت مهتمة بالمعركة الكبرى واعتبار لبنان جزءً منها. الروح الطائفية التي سادت السياسة الخارجية منذ زمن بعيد تأكدت، وبالتالي فهي لم تتعلم من الإيرانيين أنفسهم الذين يعتبرون جديدين على اللعبة، ومع هذا كسبوا المعركة ولو جزئياً.

استعداء حزب الله والشيعة، وكذلك استعداء الأكثرية المسيحية التي اعطت صوتها للتيار الوطني الحر، واعتماد سياسة المغالبة عبر المال السياسي والإنتخابي.. كلها جعلت الأكثرية المسيحية والأكثرية الشيعية وجزء من السنّة يرون خيارهم السياسي في مكان آخر غير الرياض التي ينظر اليها كبئر نفط وكيس فلوس!

حتى السنّة، لم تتعاط معهم السعودية بعقلية منفتحة على كل الأطراف. أصرت على الحريري وعلى سياسات بعينها تعتبر إقصاءً لرموز سنيّة تاريخية، فاتخذت مواقف ومسافات مع الرياض.

الآن، إن قامت الرياض بمعاقبة لبنان بطرد عماله من السعودية، فإنها تكون قد قطعت شعرة معاوية، وتكون قد عاقبت السنّة قبل الشيعة، والمسيحيين قبل المسلمين، بما سيرتد عليها بشكل فوري على شكل سياسات على الأرض في غير صالحها.

ما تحتاجه الرياض ليس التلويح بطرد العمالة من اراضيها كلما غضبت على نظام حكم، مرة مصر، واخرى اليمن، وثالثة لبنان، ورابعة سوريا.. ما تحتاجه بحق: المراجعة لسياساتها، فلربما وجدت طرقاً أخرى غير هذه التي تعرضها على العالم بشكل صلف وغبي، يزيد من خسارتها، في حين تعتقد ان خصمها هو من سيخسر فقط!

من الغباء خسارة لبنان، ومن الحمق السعودي طرد العمالة اللبنانية، لأنها تعني طرداً للنفوذ السعودي من لبنان لزمن طويل قادم.

الصفحة السابقة