شائعات عن فشل العملية الجراحية

عاش الملك.. مات الملك

عبدالحميد قدس

الملك عبدالله يدخل المستشفى المحلّي هذه المرّة، ولم يغادر البلاد الى مستشفى أمريكي يتطبّب فيه كما فعل في العام العام الماضي من رحلة علاجية الى امريكا من مرض حاول الملك أن يجعله نكتة فعدّد مسميات المرض: ديسك، عرق النسا! واضاف: لكن النساء ما شفنا منهن إلا كل خير!

لا يعاني الملك عبدالله من أزمة في فقرات الظهر فحسب، بل لديه مشكلة في القلب، كما هو معروف، أيضاً.

وحين ادخل الملك مرة اخرى للمستشفى لعلاج رباطات الفقرات هذا الشهر، كان من المتوقع أن يظهر علينا الديوان الملكي بخبر (نجاح العملية). إذ لم يحدث في تاريخ السعودية، أن أقرّ الديوان الملكي بفشل عملية جراحية لأيّ من الأمراء!

الأصل يقال دائماً: العملية ناجحة!

ثم يأتي الخبر الذي يليه، أن هناك مضاعفات في العملية، أو أنه حدثت انتكاسة غير متوقعة، وما أشبه، الى أن يوسد المريض الثرى!

الإعتراف بفشل العملية خطير الإفشاء به. حدث هذا مع نايف، ومع سلطان، ومع امير مكة عبدالمجيد، ومع آخرين من الأمراء هم ادنى مرتبة، سعود الفيصل مثلاً، أو بندر بن سلطان، وهكذا!

الإشاعات الآن تتصاعد بشأن وفاة الملك عبدالله، ومن البديهي انها ما كانت لتزيد لولا دخول الملك المستشفى اولاً، ولأنه بلغ من العمر ما يقرب من التسعين عاماً، وأضحى غير قادر على مزاولة مهامه في الحكم.

ومع ان الأعمار بيد الله، فإن المرجح أن لا يطول عمره، وهو بهذا العمر وفي هذه الحال. وحتى لو أطال الله عمره، وسلم من الزهايمر، فإنه بالقطع لن يكون الحاكم إلا بالإسم.

السؤال: هل هناك تحديات حقيقية ستواجه آل سعود ومملكتهم في حال توفي الملك قريباً؟ هل ستؤدي الوفاة الى مضاعفات سلبية، ام تفتح الباب امام حقبة أفضل؟

ما يبدو جليّاً اليوم، أن الملك وبفعل عزل ووفاة الرؤوس الكبيرة في العائلة المالكة والتي يمثلها اخوته ابناء عبدالعزيز.. نقل معركة الخلافة الى الجيل الثالث (جيل الحفدة) بامتياز. بهذا المعنى يمكن القول أن معركة المنافسة بين الكبار قد هدأت في ظاهرها، وان على مضض، في حين لم تظهر مؤشرات فاقعة على الخلاف بين أبناء الجيل الثالث ممن تولوا السلطة فعلياً. وربما يعود السبب هنا، الى أمرين أساسيين: الأول، أن إعادة التحصيص للسلطة بين الأمراء الأقوياء قد تمّ في السنتين الماضيتين بشكل جعل لكل أمير أو مجموع عقب أمير.. (مزرعته) و(إقطاعياته) بحيث أُشغل كلّ منهم بما في يده، فيما تمّ تأجيل البتّ ـ وهو الأهم ـ فيمن يكون رئيس المزرعة الأكبر (الملك وولي العهد) القادمين. السبب الآخر، ان هناك استحقاقات أخرى منتظرة لأمراء ينتظرون أوامر ملكية بمنحهم بعض السلطات، أي أن تحصيص السلطة لم يتم بالكامل، وهناك بعض التغييرات المنتظرة تدفع أمراء كثيرين الى الصمت وانتظار توزيع بقية التركة/ الإرث، قبل أن يقرروا المشاغبة والإعتراض. وإذا لم يستطع الملك ان ينهي الحصحصة هذه قبل موته، فإن من المتوقع أن تتحوّل الى قنابل متفجرة بوجه خليفته.

ملك العجزة!

هل وفاة الملك اليوم لصالح الإستقرار والإصلاح في السعودية؟

ربما لا تغير وفاة الملك عبدالله شيئاً. فقد كانت هناك خشية أن تتحول السعودية الى (مملكة سديرية) كما تحدثنا عنها مراراً في مجلتنا (الحجاز). إرادة الله قضت أن يفشل هذا الأمر بوفاة نايف (ولي العهد السابق) وقبله شقيقه (سلطان ولي العهد الأسبق ووزير الدفاع) بحيث لم يتبق من الجناح السديري من أبناء ابن سعود إلا الضعفاء والمرضى. فعبدالرحمن تمت إزاحته من نيابة وزارة الدفاع، وتركي بن عبدالعزيز العائد من مصر بعد وفاة زوجته هند الفاسي، ونائب وزير الدفاع الأسبق، اقتنع بالإنزواء، وأقصى أمله له ان يحصل أحد أبنائه على منصب ما. ويبقى من الجناح السديري القوي: أحمد، وزير الداخلية الذي أُقيل مؤخراً، ويحتمل ان يكون ذلك نهاية لمستقبله السياسي، وسلمان المصاب بجلطات الدماغ، والزهايمر.

لن تكون هناك مملكة سديرية حتى من قبل الجيل الثالث، فالثلاثي الحاكم على الداخلية والدفاع والحرس الوطني، سيشكل عصبيته الخاصة به، ولن تكون معتمدة على أجنحة بقدر ما سيعتمد كل فرد من الثلاثي على إخوته وأشقائه، فهذا وقت تفتّت العصبيّات بأكثر مما يظن البعض.

هناك من يتمنّى حدوث سيناريو مختلف: أن يطيل الله عمر الملك، ويموت سلمان ولي العهد قبله، فيقوم الأول بتعيين ولي عهد جديد من الجيل الثالث، بحيث تنتقل السلطة الى ذلك الجيل بحضور شخصية كبيرة مثل الملك. بيد أن آخرين يتمنون ذات الأمر، ولكن لغرض آخر، وهو أن تموت (الدولة) بموت (الملك)، بحيث أن طول عمر الملك يؤدي الى تسارع انحلال الدولة نفسها وبقائها على جمودها وفساد سياساتها.

السيناريو الاخر، ان يموت الملك قبل ولي عهده سلمان. هنا تختلف الأمور: فسلمان لن يقبل بأن يرحل عن الدنيا قبل أن يضع بصمته ويضمن مصالح عقبه من أبناء. إن مات الملك قبل تعيين خالد بن سلطان وزيراً للدفاع، فإن وزير الدفاع سيكون أحد أبناء سلمان. وفي كل الأحوال، سيحاول سلمان في حال وصوله الى كرسي المُلك أن يستحوذ على إحدى الوزارتين: الدفاع أو الداخلية، ومن الصعب إقناعه بأقل من ذلك. وعموماً فإن الثلاثي الذي يتمنى سلمان له حكم المملكة قد يتشكل من: امير من ابناء سلمان للدفاع؛ محمد بن نايف للداخلية، متعب بن عبدالله للحرس الوطني.

لكن السؤال: من سيعيّن ولياً لعهد سلمان حينها؟ هل يُعاد أحمد المطرود حديثاً من الداخلية الى ولاية العهد، كما كان متوقعاً يوم تعيينه وزيراً للداخلية؟ أم تفعّل هيئة البيعة، فتختار ولي عهد جديد من الجيل الثالث؟ هذا الأمر الأخير هو المرجح: تعيين ولي عهد من الجيل الثالث، لأن تعيينه من الجيل الثاني، من أبناء ابن سعود، يعني أن وصوله الى كرسي الملك سيدفعه بشكل تلقائي الى إزاحة واحد من الثلاثي المسيطر على أجهزة العنف والأمن في الدولة. قد يطرد وزير الدفاع الذي عيّنه سلمان، أو محمد بن نايف.

بناء على ذلك كلّه، فإنه في كل الأحوال، لا يرجح تعيين ملك بعد رحيل سلمان وعبدالله، من أبناء عبدالعزيز، مهما كانت الأحوال.

يبقى السؤال الأهم: وأين الشعب؟ أين الإصلاحات؟ أين مراكز القوى السياسية والدينية من المعادلة؟

يبدو أن موضوع الإصلاح ليس مطروحاً البتة لدى الأمراء. ليس هناك اجماع على الإصلاح، ولا حتى ربع إجماع! الإصلاحات السياسية ليست على الطاولة بالمرّة. لا يوجد على الطاولة إلا هراوة وسوط! زد على هذا فإن من الصعب أن يتم الإلتفات الى موضوع الإصلاحات قبل حسم مسار الدولة وتحولها من جيل الى جيل. والى أن يُحسم الأمر، وهذا قد يتطلب سنوات، والى أن يرتب الأمراء أوضاعهم، فإن ما ستشهده البلاد هو القمع مجرداً. وإذا ما ترتب وضع الأمراء وخط الخلافة في الحكم، وتغلب الأمراء على المشاكل البينية بينهم، ومُنحوا الفرصة لتحقيق ذلك، فسيكونون في وضع أقوى لرفض الإصلاحات! فإذا كان الأمراء لا ينوون الإصلاح السياسي في هذا الظرف العصيب الذي يمرون به، فكيف بهم في حال وقفوا على أرض صلبة؟!

الجيل الثالث من الأمراء ليس جيلاً إصلاحياً حتى يمكن التعويل عليه. لا أظن أن أحداً ممن عرف محمد بن نايف، والذي أمضى عمره في وزارة الداخلية يمارس القمع، يعتقد بأنه ـ كما اباه ـ يمكن أن يتحمل سماع كلمة (إصلاح). ومتعب بن عبدالله رئيس الحرس الوطني، والذي أمضى عمره عسكرياً، يمكن ان يتحول الى حمل. ومثل ذلك خالد بن سلطان، إن اصبح في وزارة الدفاع.

الجيل الثالث، وإن تعلّم بعض أفراده في الغرب، فإن ما تعلموه هناك لا شأن له بالإصلاحات، ولا أدى التعليم الى (ذهنية منفتحة)، ولا ولّد رغبة (في الديمقراطية وحقوق الإنسان). ما تعلّموه في الغرب هو استخدام الأدوات في السيطرة المباشرة على الناس. ولذا فمن النادر ان تسمع أميراً من الجيل الثالث يتحدث عن الإصلاحات السياسية أو حتى يؤمن بها. لم نرَ ذلك من بندر بن سلطان، ولا تركي الفيصل، ولا بقيّة شلّة الجيل الثالث.

في الحقيقة فإن الجيل الثالث أكثر شراسة وقمعاً، وأقلّ حكمة في معالجة الأمور بغير منطق القوة. أمامنا جيل تربّى على الإستعلاء كما آباؤه، ومارس القمع طيلة حياته، واختنق في شرنقة الفساد والمؤامرات، وعرف عقلية الغرب وما يرضيها، وكيف يرشيها ويفسدها.

لا.. ليس هذا الجيل الثالث هو جيل الإصلاح، ولا جيل ما يسمى بـ (الحكمة)! هو جيل في مجمله في الستينيات والسبعينيات من العمر! أي أنه ليس جيلاً شاباً كما يتحدث الغرب واعلامه (الغبي) وكأن الذي سيحكم هم أبناء الثلاثين من العمر!. كلاّ: هذا جيل فاسد وقمعي ومفسد في نفس الوقت. جيل لا يؤمن بحرية ولا احترام آدمية الإنسان. بحيث لا يمكن الإعتقاد بأن وفاة العجزة المخرفين مثل الملك وولي عهده، ستؤدي الى انفتاح سياسي واجتماعي في البلاد.

ستنتقل مشاكل المملكة وحكمها في كل المواضيع الى الجيل الثالث عمّا قريب، ولا يتوقع ان يعالجها، بل يرحّلها الى المستقبل كما فعل آباؤه. فالزمن حلال المشاكل، وذاكرة الشعوب ـ بالنسبة لهم ـ قصيرة ولا تتذكر ما جرى بالأمس. هذا رأيهم.

رأينا نحن هو: أن موت الملك عبدالله لن يغيّر الأحوال الى الأحسن، بل قد يدفعها الى الأسوأ. وإن كان هناك من حسنة في هذا التحوّل فهي أن الأجيال الشابة الجديدة المُسعودة لم تحترم أبناء هذا الجيل، ولا تنظر اليهم بقدسية، بل للجمهور موقفه منهم كما هو معلوم، وقد مارس نقدهم بقسوة في السنوات الأخيرة، بالتزامن مع فورة وسائل التواصل الإجتماعي.

لا نظن ان الجيل الثالث سيحلّ مشاكل البلاد، ولن يكون بإمكانه تحسين سمعتها، كون أقطابه مصدر الفساد ورؤوسه؛ كما ان نزعته العنفية والأمنية صارت ممجوجة، والأهم انها صارت غير مخيفة ولا ترهب الناس كثيراً. وحتى في معالجة مشاكل الأسرة وخلافات أفرادها البينية، فإن الجيل الثالث سيصحو وهو في الحكم على انفجار في المواجهة مع (أبناء العمومة) الباحثين عن (حقّهم!) في السلطة والثروة.

الوضع السياسي الداخلي ـ مهما حاولنا استيضاحه ـ يبقى غامضاً حتى على اللاعبين أنفسهم.

الصفحة السابقة