الدولة الحاقدة

حين يرد ذكر الحقد، يحضر مثال الجمل، وقد سرى على ألسنة الناس عبارة (أحقد من الجمل)، ومن حقده أن يصبح هدفه الوحيد الانتقام من الشخص الذي أساء اليه، فيجلس يراقب ويتحيّن الفرصه والحقد في عينيه. يقول أحد ملّاك الأبل: (سبحان الله نحن ملاّك الإبل ننظر الي عين البعير ويبين لنا الغدر)، وخاصه في وقت الهياج. ويقال بأن الجمل لا ينسى انتقامه حتى وان مرت سنين طويلة، وقالوا يصل حقد الجمل الى (10) سنوات، وقد قالوا: (لا غدر مثل غدر البحر، ولا حقد مثل حقد الجمل).

نقل عن الإعلامي المصري الكبير محمد حسنين هيكل قوله بأن (حقد آل سعود أكبر من مصالحهم)، فهم على استعداد لتغليب حقدهم على مصالحهم الخاصة والمباشرة، وهذه من السمات البارزة في شخصية الأمراء.. وبحسب تقرير سري أعدّه بصورة مشتركة كل من لجنة الشؤون الخارجية في الكونغرس الأميركي ولجنة من وزارة الخارجية، وقدّم في بداية عهد الرئيس الأسبق بيل كلينتون في يناير 1992، فإن من طبائع العائلة المالكة أنها تتصرف كمافيا ولا تتردد في فعل أي شيء!

ويقول العارفون بشؤون قصور الأمراء، ومن اقتربوا منهم ردحاً من الزمن أن الحقد لا يكاد يفارقهم، بل يكاد يصبغ تصرفاتهم وأحاديثهم. حتى وإن حاولوا إخفاءه، فإنه ما يلبث أن يظهر في كلمة أو غمز ولمز من بعيد. ينقل أحد وجوه الحجاز بأن الملك فهد سمع كلاماً عنه في أحد المجالس الخاصة، فأضمر سوءاً للرجل الذي نسب إليه الكلام، فاتصل به في آخر الليل فقط ليكيل له الشتائم القذرة ثم أغلق الخط.

لا يتردد أحدهم ملكاَ كان أو أمير محافظة في أن يختار الوقت والمكان كيما يحقق ذاته الحاقدة ضد من يعتقد بأنهم أساؤوا إليه.. ويقال بأنهم يضمرون الحقد لفترات طويلة، وينتقمون ممن يمتنع عن الاستجابة لمطالبهم، والرضوخ لهم..فقد أحرقوا مخازن تجّار لمجرد أنهم امتنعوا عن حضور المجلس الاسبوعي لهذا الأمير أو ذاك، وقد يمرر أحدهم رسائل حقد الى من يعتقد بأنه تجاوزه وذهب الى غيره، فالحقد له شكل خاص هنا، فحين يقرّر وجيه الذهاب الى العاصمة لنقل شكوى أو للمطالبة بحقوق لأهل منطقته، ثم يسمع أمير المنطقة عن ذلك، فإنه لا يكتفي بمجرد الحقد على من تجاوزه، بل يضمر له الشر لينتقم منه يوما ما.

الحقد بين الأمراء أنفسهم مألوف، ولذلك فهم يتصرفون على أن الكل عدو الكل، ولكن حين يأتي الأمر على الناس والعائلة المالكة يصبح حقد الأخيرة موجّهاً صوب الناس، وقد قيل: (عند الشدائد تذهب الأضغان)، فطالما ليس هناك خطر يتهدد الكيان، فإن الأمراء يتحاقدون فيما بينهم، لأن كعكة السلطة مازالت محفوظة ويقتصر التنافس على مجموعة صغيرة، هم عدد أفراد الأسرة المالكة، إما إذا قرر الشعب أن يدخل الى حلبة التنافس، فيتوحّد هؤلاء ضد الشعب..

أشكال الحقد لدى آل سعود متنوّعة، وقد تنعكس على السياسة الخارجية في أحيان كثيرة، وقد بات معلوماً أن ضلوع الملك وسعود الفيصل وبندر بن سلطان في الملف السوري ليس لأنهم حريصون على دماء السوريين أو حباً في نشر الديمقراطية بقدر ما هو تعبير عن تصفية حساب شخصي مع بشار الأسد، الذي وصف رؤساء العرب بعد حرب تموز على لبنان بأنهم (أشباه الرجال)، فيما وصف نائب الرئيس السوري فاروق الشرع السياسة الخارجية السعودية في العام 2003، بأنها مصابة بالشلل. حقد الملك عبد الله على الرئيس الليبي معمر القذافي كان غير خاف، وهو أحد محرّضات التدخل السعودي في الثورة الليبية وعسكرتها.

ينقل سياسي عراقي كان ضمن وفد يضمُّ ممثلين عن الحكومة العراقية وينتمي أغلب أفراده الى الطائفة الشيعية، جاءوا الى الرياض والتقوا بالملك عبد الله، فالتفت الى أحد أعضاء الوفد وكان من السنّة، فقال له: دفعنا لكم مليارين دولاراً لكي تسقطوا نظام المالكي الشيعي ولم تفعلوا، فتدارك هذا العضو الوضع ونبّه الملك الى وجود أعضاء شيعة في الوفد، ومع ذلك، لم يكترث، لولا أن هذا العضو قرر تبديل موضوع الحديث بعد ذلك.

حقد الأمراء الكبار والصغار ينسيهم أحياناً كونهم رجال دولة، فيتصرفون على طريقة الهواة أو أعضاء في عصابة، يظهر ذلك أحياناً كثيرة من خلال كلامهم لوفود الوجهاء الذين يحملون إما مطالب خاصة بمكوّنات سكانية أو يشتكون من ظلم أحد المسؤولين. الأمير نايف، ولي العهد ووزير الداخلية الأسبق، كان يتصرف أحياناً كما لو أنه ممثل لفئة أو جماعة صغيرة، فيقول للمرحوم الشيخ محمد عبده يماني، وزير الاعلام والثقافة الاسبق، بعد انتخابات أول مجالس بلدية العام 2005، بأنه (لا تفرحوا طويلاً هذه مجرد لعبة)، وكأنه يريد تصفية حساب شخصي مع متحدّثه. وينقل عنه أنه قال لوفد من المنطقة الشرقية (مشايخنا لا يحبونكم)، فهل هذا منطق رجل دولة؟ وما عباراته المتكررة حول (سلفية) الدولة السعودية في بلد متعدد المذاهب والمشارب الأيديولوجية.. الا دليل على أن الرجل كان يعبّر عن مكنونه الخاص وليس عن مكنون رجل الدولة.

لابد أن لدى من تداخل مع الأمراء قصصاً كثيرة حول حقد العائلة المالكة، وهناك من اكتوى به، ودفع أثماناً من حياته، وأمواله، وأبنائه. لأن الحقد حين يصبح دولة، لا يصلحها الا قطع دابر الحاقدين.

الصفحة السابقة