دولة اللصوص

ثمة معادلة متناقضة مع كل قوانين العلم والمنطق لا تجدها سوى في هذه المملكة: إرتفاع مداخيل الدولة ومواردها وفي الوقت نفسه ارتفاع معدلات البطالة والفقر وتفشي أزمات السكن والخدمات العامة..هل الفساد هو السبب أم الاستبداد، أم أن هناك سبباً آخر لا نعرفه، أو نعرفه ولا نجرأ البوح به، أو نبوح به ولكن لاحل له بعد أن بلغ اليأس ذروته؟

منذ مطلع التسعينيات من القرن الماضي دخلت الى الثقافة الشعبية في المملكة السعودية مفردة (البركة)، وصار المواطن العادي والمسؤول في وزارت الدولة يردد مقولة باتت اليوم مستهلكة: (هذه الدولة ماشية بالبركة)..وصدّق بعض الناس هذه المقولة، بناءً على أن أزمات شهدتها المنطقة ولكن نجت المملكة من الخضوع تحت تأثيراتها السلبية، بدءاً من أزمة احتلال قوات صدام حسين للكويت، وما تلاها من تداعيات، والأخطر كان، بطبيعة الحال، العجز المتراكم في الميزانية، وتدهور الاوضاع الاقتصادية والمعيشية نتيجة للانخفاض الحاد في أسعار النفط، والذي أوصل البلاد الى أزمة الدين العام البالغ حينذاك 720 مليار ريال سعودي..

في نهاية العام 2003، بدأ سعر برميل النفط بالإرتفاع تدريجاً، إيذاناً بتدفق أموال النفط في خزينة الدولة، ولكن بدلاً من حل ملفات الأزمة الاقتصادية الداخلية: البطالة، والفقر، والسكن، والخدمات، والتعليم..بدأت أفواه الأمراء تفغر لابتلاع الفائض، فكان نصيب وزير الداخلية من أول فائض في موازنة 2004، البالغ حينذاك 30 مليار ريال، دفعت بعنوان ترقيات، ومكافآت، وتحسين أوضاع وهلم جرا.

وتوالت الفوائض عاماً بعد آخر، وانتهى زمن العجوزات في الموازنة السنوية للدولة، وتزايدت أرقام الموازنات العامة بمعدلات غير مسبوقة، ولكن ما شهده الناس والعالم أن هذه الزيادات ترافقت مع زيادات ولكن في الاتجاه المعاكس، زيادة في عدد العاطلين عن العمل، وزيادة في نسبة الفقر..الخ، واذا ما سأل أحد عن السبب في ذلك كله، حار في الجواب كأنه يُسئَل عن مسألة فلسفية معقّدة أو طلسماً في الرياضيات الفلكية عجز علماء الأرض عن فكّ رموزه.

وعلى طريقة خبراء الرواية الاعلامية، لابد من بطل في الرواية، ومن غير المعقول أن تضيع مئات المليارات هكذا سدى ولا أثر لفاعل، أو مسؤول، أو حتى شاهد. لاريب أن ثمة هدراً مالياً هائلاً وقع في هذا البلد، ولا ريب أيضاً أن هذا الهدر تمّ من قبل أناس يضطلعون بسلطة خاصة تمكنهم من وضع اليد على المال العالم، والثابت في نهاية المطاف أنهم أساءوا التصرف حد ارتكاب جريمة بحق الشعب وثروته الوطنية..فمن هم هؤلاء؟

بالتأكيد ليس هؤلاء المسؤولين جاءوا من كوكب آخر، ولم يقدموا أيضاً من خارج الحدود، فمن ينهب ويصادر ويضع يده على أموال الشعب هم الملك وأفراد من آل سعود (ذكوراً وإناثاً). فماذا يعني أن يموت الملك فهد عن ثروة تقدّر بـ 65 مليار دولار، في الوقت الذي حكم فيه البلاد في الفترة ما بين 1982 ـ 2005، وكانت تعاني فيه موازنة الدولة من عجز زمن؟ وماذا يعني أن يموت الأمير سلطان عن ثروة تقدّر بـ 270 مليار دولار؟، أما ثروة الامير مشعل بن عبد العزيز فقد وصلت الى 1200 مليار ريال سعودي، أما ثروة الملك عبد الله المعلنة بحسب مجلة (فوربس) فهي 21 مليار دولار وتضعه ثالث أغنى ملوك ورؤساء العالم..بل هناك من يقدّر ثروة العائلة المالكة مجتمعة بـ 400 مليار دولار..أثار كثيرون سؤالاً كبيراً: وماذا عن ثروة الأمير نايف؟ هل يعقل أنه مات ولم يترك وراءه ثروة..؟

ثمة من أراد بهذا السؤال تبرئة ذمة نايف، وأنه لم يكن منغمساً في الفساد المالي، وهناك من نجحت ماكينة الدعاية التي صنعها نايف لنفسه وتصويره على أنه نظيف اليد، وأن همومه أكبر من مجرد الحصول على المال وفتات الدنيا. والحقيقة، أن نايف لم يكن أقل لصوصية من اخوانه وأشقائه، بل إن خداعه يفوق جريمة السرقة ذاتها، لأن اخوانه السرّاق باتوا معروفين وتشهد (الشبوك) عليهم، ولكن نايف كان كالحيّة الرقطاء.

وحتى لا يتسرّع البعض في نفي التهمة نورد مقتطفات من وثيقة وكيليكس حول ثروة آل سعود.

تقول الوثيقة بأن مخصصات أمراء السعودية كلفت الخزينة الوطنية ملياري دولار عام 1996 والأميرين نايف وسلمان سعيا إلى مواجهة الملك ـ فهد ـ علناً لتقليصه المخصصات الملكية. ونقلت (رويتر) تقريراً إستناداً على مجموعة من وثائق وكيليكس (أن مجموعة من الأمراء المقربين من الملك ينفقون مبالغ تصل إلى 10 مليارات سنوياً). وقال التقرير استناداً الى هذه الوثائق (أن هناك مشروعين لا يخضعان للرقابة أو لإشراف وزارة المالية السعودية وهما مشروع المسجد الحرام ومشروع الخزن الاستراتيجي الذي يتبع وزارة الدفاع، وأنه يعتقد أن هذين المشروعين يمثلان مصدراً لعائدات كبيرة لعدد من الأمراء). ونقل التقرير أيضاً عن الوثائق: إن أميراً سعودياً أفصح للسفارة الأمريكية عن مليون برميل من النفط تباع يومياً لصالح خمسة أو ستة أمراء، وهم بحسب الوثيقة (الملك وعدد قليل من إخوته).

نضيف الى ذلك، أن وزير الداخلية الحالي الأمير محمد بن نايف، وهو إبن أبيه وفرخ البط عوّام كما يقال، فله ستة عشر حساب بنكي في سويسرا، وفي حسابه البنكي الموجود في بنك اتش إس بي سي بجنيف، يوجود 4 مليارات دولار، هذا فقط في حساب واحد من أصل 16 حساباً بنكياً وفي سويسرا فحسب، فماذا عن حساباته في بنوك أخرى في أميركا وأوروبا..وما يقال عن محمد بن نايف يقال عن الطفل عبد العزيز بن فهد الذي قدّر بعض المصادر ثروته بـ 100 مليار ريال سعودي، ويقال الشيء نفسه عن ثروة الأمير محمد بن نايف، حرامي الشرقية، والأمير بندر بن سلطان، عرّاب التسلّح، جنباً الى جنب أخيه حرامي الرياض الأمير خالد بن سلطان ويدخل معهم في الجوقة أبناء الملك وولي عهده سلمان وبقية الأمراء.

بكلمة إننا في دولة يحكمها اللصوص.

الصفحة السابقة