مذكرة بروس ريدل الى أوباما:

ثورة محتملة في الرياض

من بروس ريدل، الى أوباما: مذكرة عن السعودية نشرها معهد بروكنغز
بتاريخ 17 يناير 2013 بعنوان (الأوزة السوداء: الثورة في الرياض)

السعودية هي آخر ملكية مطلقة في العالم. وكما حال لويس السادي عشر، فإن الملك عبد الله يمتلك السلطة المطلقة في البلاد. وتبقى الثورة في السعودية غير محتملة ولكن، لأول مرة، وبسبب الصحوة العربية، فقد أصبحت ممكنة. العائلة المالكة في السعودية لديها قوة ومشروعية فريدة، فالمملكة تأسست في القرن الثامن عشر كتحالف بين العائلة المالكة وداعية إسلامي متشدّد حيث لا يزال أتباعه يتقاسمون مع آل سعود حكم الدولة. وهي تقريباً الدولة الوحيدة في العالم التي لم تتعرض قط لغزو الامبريالية الأوروبية. الملك هو خادم أقدس مدينتين في الإسلام. وتمتلك ـ السعودية ـ أكبر شركة نفط وأكبر احتياطات نفطية في العالم. وهذا الخليط ما بين القداسة الدينية والمداخيل الهائلة كانت كافية حتى الآن لدرء الاحتجاج من النوع الذي هزّ أغلب العالم العربي في السنوات الأخيرة.

بروس ريدل

مهما يكن، فإن التغيير الثوري في المملكة سوف يكون كارثياً بالنسبة للمصالح الأميركية في العالم. وكونها أكبر منتج للنفط في العالم فإن عدم الاستقرار لفترة طويلة في السعودية سوف يتسبب بكارثة في الاسواق النفطية العالمية، وسوف يؤدي الى تراجع الانتعاش الاقتصادي في الغرب واضطراب في النمو الاقتصادي في الشرق. السعودية هي أيضاً أقدم حليف في الشرق الأوسط، شراكة تعود الى عام 1945، ولذا فإن إسقاط النظام الملكي سوف يمثّل تراجعاً حادّاً لموقع أميركا في المنطقة وسوف يقدّم مكافأة استراتيجية لايران. الملكيات الصغيرة الغنية بالنفط في الخليج ستكون في وضع خطر، وكذلك الملكية الهاشمية في الأردن.

توصية:

لسوء الحظ، وبالرغم من الرهانات، فإن الولايات المتحدة لا تملك خياراً جديّاً لاجهاض الثورة في المملكة في حال وقعت. وحيث أن المصالح الأميركية هي وثيقة الصلة بنظام آل سعود، فإن الولايات المتحدة لا تملك خيار النأي بالولايات المتحدة عن هذا النظام في مسعى للوقوف في الجانب الصحيح من التاريخ. مهما يكن، لا بد من أن تسعى لجهة إعادة تأسيس الثقة مع الملك ودفعه للتحرّك بصورة عاجلة على أجندة الاصلاح السياسي، في الوقت الذي لابد من الاعتراف بأن هذا الجهد قد يكون له نتائج محدودة. وفي الوقت نفسه، يجب توفير أفضل عمل استخباري ممكن لرؤية الأزمة القادمة، ووضع التدابير اللازمة للحد من تأثيرها على الاقتصاد العالمي أو أي انقطاع لامدادات النفط، وأن نكون جاهزين لتعضيد الملكيات والمشيخات المجاورة، ومن ثم محاولة الانحناء للعاصفة.

خلفية:

المملكة السعودية الحالية هي الناج الثابت حتى الآن. المملكة السعودية الاولى والثانية هزمتا على يد الامبراطورية العثمانية وتمّت ازالتهما. ولكن الحكم السعودي عاد مجدداً. وقد نجا الأخير من موجة الثورات ضد الملكيات العربية في الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي. ومحاولة التمرد الجهادي في 1979 سيطرت على المسجد الحرام في مكة ولكنّها قمعت. أسامة بن لادن والقاعدة خاضا مواجهات مدة أربع سنوات لاطاحة العائلة المالكة ولكن فشلا قبل أقل من عقد. على أية حال، فإن كوادر القاعدة بقوا في المملكة وفي الباب المجاور في اليمن.

اليوم، تفرض الصحوات العربية الاختبار الأشد بالنسبة للمملكة منذ نشأتها. وذات التحديات الديموغرافية التي عجّلت بالثورة في مصر واليمن تنطبق على السعودية: مجتمع سكّاني شاب جداً ونسبة عالية من البطالة. تمييز عنصر حاد، حرية تعبير مقيّدة بشدّة، تنافس اقليمي طويل الأمد مع ايران الثورية عبر الخليج، وأقليّة شيعية ساخطة، أضف الى ذلك المكمون الانفجاري. وبالنظر الى ضعفهم فإن أمراء آل سعود قد أنفقوا أكثر من 130 مليار دولار منذ بدء الصحوات العربية في محاولة لشراء الساخطين في الداخل. وفي الخارج، أرسلوا قوات عبر جسر الملك فهد لقمع الثورة في البحرين، وتسويق صفقة سياسية في اليمن باستبدال علي عبد الله صالح بنائبه، والعمل على وحدة وثيقة بين مشيخات مجلس التعاون الخليجي الست. كما دعوا الأردن والمغرب للإنضمام الى (نادي الملوك). ولكنهم أيضاً براغماتيون حيث دعموا الثورات في ليبيا وسوريا لتقويض خصوم قديمين للمملكة، وخصوصاً ايران.

حتى الآن، فإنهم ساهموا في ضمان أن الثورة لا تؤدي الى إزالة أي ملك عربي. على أية حال، فإن البحرين والأردن أصبحتا الحلقتين الأضعف في السلسلة الملكية. ملك البحرين أخفق في قمع ثورة طويلة الأمد ضد حكمه، وأن ملك الأردن قد يكون التالي. الاضطراب في الاردن سوف يهدد السلام مع اسرائيل. ولكن الولايات المتحدة ـ واسرائيل ـ يمكن احتواء الاستقرار في دولتين صغيرتين. ولكن لا يمكن فعل ذلك في السعودية.

فإذا ما بدأت صحوة في السعودية، فإن من المحتمل أن تكون نظير الثورات في الدول العربية الاخرى.فهناك الآن مظاهرات، سلمية وعنفية، قد ضربت المنطقة الشرقية الغنيّة بالنفط لأكثر من عام. هناك احتجاجات شيعية وعليه فإنها ليست دارجة في بقية المملكة لأن الشيعة يمثلون 10 بالمئة فقط من السكان. المحتّجون الشيعة في أرامكو، شركة النفط السعودية، استعملوا الحرب الالكترونية بمهاجمة أنظمة الحاسوب فيها حيث دمروا 30 ألف محطة في أغسطس الماضي. قد يكون تلقوا مساعدة إيرانية.

ما هو مقلق بدرجة أكبر بالنسبة للأمراء هو الإحتجاجات في المناطق السنية من المملكة. فهذه قد تبدأ في الحزام الشمالي من العاصمة، حيث الاحتجاج متفشي أو في منطقة عسير المهملة على الحدود اليمنية. وفي حال بدأت فإنها قد تتدحرج وتصل الى المدن الرئيسية في الحجاز، بما في ذلك جدة، ومكة، والطائف، والمدينة. المعارضة السعودية مسلّحة بدرجة جيدة بتكنولوجيا الهواتف النقّالة، والتي تضمن سرعة تواصل الاحتجاج داخل المملكة والعالم الخارجي.

المدافع الرئيسي عن النظام سوف يكون الحرس الوطني. وقد أمضى الملك عبد الله حياته في بناء هذه القوة النخبوية البرتيوري (نسبة الى جنود الحرس الامبراطوري الروماني). وقد درّبت الولايات المتحدة وسلّحت هذه القوة بعشرات المليارات من الدولارات من طائرات ومدرّعات. ولكن السر المفقود هو ما اذا كان الحرس على استعداد لأن يطلق النار على إخوانه وأخواته في الشارع. فقد يتشظى أو قد يرفض ببساطة قمع الاحتجاج، إذا كانت الى حد كبير سلمية، وخصوصاً في البداية.

قضية وراثة العرش تضيف طبقة أخرى من التعقيد. فكل وراثة في المملكة منذ موت مؤسسها عبد العزيز بن سعود في 1953 كانت بين إخوانه. الملك عبد الله وولي العهد سلمان هما، حرفياً، نهاية ذاك النسل وكلاهما في وضع صحي سيء، ومن بعدهم يبقى هناك فقط إخوان غير شقيقين قد يكونا مناسبين ومن ثم ليس هناك خط واضح للوراثة في الجيل التالي. فإذا ما مات عبد الله/أو سلمان فيما تبدأ الاحتجاجات، وأزمة الوراثة تندلع، فإن المملكة قد تكون عرضة بدرجة أكبر للثورة.

وكما في الثورات العربية الأخرى، فإن ثوّار المعارضة لن يكونوا متحّدين على أي شيء سوى ازالة النظام الملكي. سوف يكون في المعارضة ديممقراطيون علمانيون ولكن أيضاً قاعدة وعناصر وهابية. محاولة الالتقاط والاختيار سوف تكون صعبة للغاية. فوحدة المملكة قد تنهار حيث تنفصل الحجاز عن البقية، ويسقط الشرق في يد الشيعة المدعومين من ايران، ويصبح الوسط قلعة جهادية.

بالنسبة للولايات المتحدة، فإن الثورة في السعودية قد تكون لعبة تغيير. وحيث أن الولايات المتحدة تستطيع العيش بدون النفط السعودي ولكن لا يمكن لدول مثل الصين والهند واليابان وأوروبا العيش بدونه. فأي اضطراب في صادرات النفط السعودي سواء بسبب الاحتجاجات أو الهجمات الالكترونية، أو قرار جديد من النظام بخفض الصادرات بصورة كبيرة فسوف يكون له تأثيرات رئيسية على الاقتصاد العالمي. حرب السي آي أيه ضد القاعدة يعتمد بصورة كبيرة على المملكة، عمليات الاستخبارات السعودية أحبطت آخر هجومين للقاعدة في الجزيرة العربية على الداخل الأميركي. بعثة التدريب العسكري التابعة للولايات المتحدة في المملكة، والتي تأسست سنة 1953، هي أكبر بعثة في العالم. وكان السعوديون أيضاً اللاعب الرئيسي في احتواء ايران على مدى عقود. الملك عبد الله هو صاحب خطة السلام العربية التي حملت اسمه.

الملكيات الأخرى في الجزيرة العربية سوف تكون بلا مناص في حال خطر اذا جاءت الثورة الى السعودية. الاقلية السنيّة في البحرين قد لاتبقى بدون المال والدبابات السعودية. قطر، الكويت، الامارات العربية المتحدة هي دول ـ مدن ولن تكون قادرة على الدفاع عن نفسها ضد نظام ثوري سعودي، بالرغم من كل المال الذي بحوزتهم.السلالة الهاشمية سوف تكون في حال خطر أيضاً دون مال ونفط السعودية والخليج. فقط سلطان عمان قد يكون معزولاً وهو قوي بدرجة كافية تجعله قادراً على التحمّل. وبالرغم من الرهانات، فإن الخيارات ليست جاذبة كما هي تلك الخيارات التي واجهها الرئيس كارتر في التعامل مع نهاية النظام الملكي البهلوي في ايران. وليس كما هو الحال بالنسبة للشاه الذي جرّب إصلاحات فاترة، فإن العائلة المالكة في السعودية لم تبد أية رغبة في تقاسم السلطة أو في سلطة تشريعية منتخبة.

ليس لدى الولايات المتحدة خيارات جادة للتأثير على الاصلاح التدريجي في المملكة. الملك يخشى، ربما بصورة محقة، بأن تقاسم السلطة مستحيل في دولة شمولية. في البحرين، أبدى السعوديون بصورة واضحة وجهة نظرهم بأن فتح الباب للتعددية السياسية سوف يفني النظام الملكي. وأن الملك سوف يكون مرتاباً إزاء أية نصيحة بهذا الصدد بسبب الموقف الذي اتخذته ضد صديقه والزميل التسلّطي، حسني مبارك.

مهما يكن، من الأهمية بمكان محاولة إعادة تأسيس الثقة مع الملك، الذي يظل بحاجة الى الولايات المتحدة لمواجهة التهديد الخارجي الذي يتصوّره من ايران، وتشجيعه بصورة هادئة على تسريع الاصلاحات التي كان قد أشار الى رغبة بالقيام بها. ولكن، في الوقت نفسه، عليك التخطيط لما هو أسوأ. ولابد من توجيه المجتمع الاستخباري للقيام بتطويرات داخلية، ليس فقط مكافحة الارهاب، وهي رأس أولوياتها في المملكة الآن. ليس بإمكان الولايات المتحدة تحمّل مفاجأة مثل 1978 ولابد أن تعرف اللاعبين في المعارضة، خصوصاً مشايخ الوهابية، بعمق. ولابد أن تقوم بخطوات للمساهمة في دعم الجيران الصغار للسعودية وهم حلفاء مخلصين للولايات المتحدة للحد من تأثير أي تقطّع في امدادات النفط السعودي. فهذا سوف يكون تحدٍ هائل ولكن من الجوهري التحضير لما يمكن ان يكون الأوزة السوداء.


الصفحة السابقة