نشرت مجلة (فورن بوليسي) على شبكة الانترنت بتاريخ 24 كانون الثاني (يناير) مقالة لمارك لينش، الاستاذ المساعد في العلوم السياسية والشؤون الدولية في جامعة جورج واشنطن، حيث يدير معهد الدراسات الشرق أوسطية ومدير مشروع علوم سياسات الشرق الأوسط. وهو أيضاً زميل غير مقيم في مركز الامن الأميركي الجديد، ومؤلف كتاب (ثورة العرب) الذي نشر في مارس 2012 في ببليك أفايرز.

أميركا والمشكلة السعودية

مارك لينش

في الرياض ـ الأسبوع الماضي، حيث كنت أتحدّث الى ورشة خاصة صغيرة، قدّمني الأمير تركي الفيصل، الرئيس السابق للاستخبارات السعودية والسفير السابق الى الولايات المتحدة، من خلال قراءة فقرات عديدة من عمود لي في فورين بوليسي: (البحرين تقمع معارضتها بالحصانة). ومن ثم قرأ: (يختار أوباما أن يعتمد على ملكيات الخليج ضد ايران، والتي تجعلها وبصورة استثنائية صعبة بالنسبة له للضغط بجدوائية عليها للإصلاح أو الاحجام عن تدخل الثورة المضادة في البحرين). تعليقه المهذب ولكن المقصود: (هذه الكلمات غير مقبولة في الخليج).

مارك لينش

تم وضع ذلك بصورة معتدلة. ولكن خلال معظم الاسبوع، إستمعت لوجهات نظر حادة من قبل سعوديين حول البحرين، حيث لم ينظروا اليها في الغالب الى كونها انتفاضة سلمية وانما بأنها نسخة من حملة عنف مدعومة من ايران ويجب اخمادها لاستعادة النظام. ربما القلة تتفق، على الأقل بصورة خاصة، الطبيعة غير المبررة لحملة القمع التي تلتها ـ ـ حتى وإن كانت لدى المحتجين مشاعر تعاطف إزاء ايران، هل يبرر ذلك تعذيبهم واعتقالهم لمدد غير محددة؟ وإن الافاق القاتمة للاستقرار دون مبادرة سياسية جديدة جادة. ولكن ذلك نادراً ما تمدد الى قبول أصالة ومشروعية حركة الاحتجاج البحرانية.

الفجوة المتثائبة في نظراتنا إزاء البحرين عكست قطيعة عامة أكبر بين واشنطن والرياض حول النظام الإقليمي. عداوة السعودية إزاء الثورات في تونس ومصر، وجهودها التنسيقية لوقف التغيير في الخليج وفي ملكيات متحالفة عبر المنطقة، تعمل بصورة مباشرة ضد الهدف الأميركي المعلن بتشجيع الاصلاح. فالدعم الذي قدّمته لقمع حركة الاحتجاجات البحرانية وإعادة تأهيل نظام غير تائب ترك هوّة تتسع في المصداقية الأميركية. السياسات المحلية السعودية، من حقوق المرأة الى التعامل مع الأقلية الشيعية في بلادها الى غياب الديمقراطية وقمع المجال العام، هي غير متوافقة بصورة واضحة مع أي رؤية ليبرالية. واذا ما حاولت ادارة أوباما الشروع في مفاوضات جادة مع ايران حول برنامجها النووي، فإنها سوف تجد في واقع الأمر شريكاً مرتاباً في الرياض.

التوتر يصل الى قلب رؤيتي لاستراتيجية الولايات المتحدة الشرق أوسطية حول الحضور العسكري والسياسي المناسب متظافراً مع التزام قوي بالإصلاح السياسي والانخراط العام. في الواقع، إن تحالف الولايات المتحدة مع السعودية يبقى التناقض الأعظم الثاوي في أي محاولة لموضعة نفسها مع التطلعات الشعبية نحو التغيير في المنطقة. الاستثناء السعودي يجعل بالتأكيد الاشياء مثل تنسيق احتواء ايران أسهل بالنسبة للدبلوماسيين على مستوى يومي. ولكنّها تدعم وترسّخ النظام الاقليمي حيث أنه على المدى الطويل مكلف لجهة دعم ومن الواضح على النقيض مع الافضليات المعيارية الأميركية.

بعض المحللين الأميركيين، وبصورة واضحة توبي جونز، قد دعوا لذلك، مراراً من أجل إعادة التفكير الاجمالي في التحالف الأميركي السعودي. ويناقش بصورة مقنعة بأن (أفضلية واشنطن الواضحة بالنسبة للوضع القائم في الخليج قد جاء على حساب باهظ الناشطين في المنطقة. فقد ساعدت الولايات المتحدة أنظمة الخليج للتصرّف بصورة سيئة، والأنظمة، من جانبها، استثمرت المنافسات الجيوبوليتيكية لجهة ترسيخ السلطة في الداخل. “كيف سيكون عليه في الواقع حال إعادة التفكير؟ يجب أن نقر ونحاول كسر الحلقة المفرغة. ولا أظن أن الولايات المتحدة كان أو يجب عليها الغاء موقفها الاستراتيجي في الخليج ــ بالتأكيد لن يكون ذلك خلال عشية أو ضحاها. ولكن لابد أن تكون أكثر صراحة في الدفع بالاصلاحات ودعم حقوق الانسان العالمي في كل الدول الحليفة. إنه الوقت بالنسبة لواشنطن للتفكير بصورة فاعلة حول كيفية استعمال واجبها الاستراتيجي الحقيقي لتخفيض التزاماتها العسكرية ازاء المنطقة كعنصر تأثير على حلفائها للإصلاح. وضع ذلك بعضه مع بعض، الى جانب الحوار الثابت مع السعوديين من العائلة المالكة من كل قطاعات المجتمع، يمكن أن يساعد في خلق انسجام أكبر في الاستراتيجية الاقليمية الأميركية.

لا أعتقد بان السعودية تستعد لثورة (بالرغم من أن هناك الكثير من الناس في الرياض تريد أن تعرف ما اذا كانت نظرات بروس ريدل يتم تقاسمها على نطاق واسع في واشنطن). وحتى الاصلاحيون الأشد تصميماً الذي تحدّثت معهم أبلغوني بأنهم توقعوا تغييراً جاداً في الاطار الزمني البعيد (البعض قال من 3 ـ5 سنوات، آخرون قالوا 5 ـ 10..أبدية في الممارسة الاستراتيجية الأميركية). ولكن “ثورة” تضع الخط عاليا جداً. التغييرات التي دخلت حيز التنفيذ ـ من الاحتجاجات الغاضبة في المنطقة الشرقية الى الاندفاعة المتجددة لحقوق المرأة الى الحملة القانونية لحقوق الانسان الى الانفتاح الدرماتيكي للمناظرة العامة على الشبكة..صدمني كونها ذات أهمية بدرجة عميقة.

ببساطة لايبدو معقولاً أن بلداً بسكان من الشباب ومتواشج بصورة وثيقة يمكن أن يحافظ الى ما لانهاية على نظام يرفض الشفافية، والمحاسبة، والمواطنة المتساوية.

لقد تأثّرت السعودية بصورة عميقة بالربيع العربي، حتى وان تم حجب المطالب من أجل التغيير السياسي عبر خلطة من القمع والاستقطاب. المشاكل الاقتصادية والمؤسسية المتكررة، الى جانب الفساد المستشري، يولّد سخطاً عالياً بين السعوديين. كل الاشخاص الذين التقيتهم تقريباً، من الناشطين الشيعة في المنطقة الشرقية الى الناشطين الشباب، الى المدافعين عن حقوق النساء، ومحامي حقوق الانسان في الرياض، حدّدوا تونس ومصر، والربيع العربي كشرارة لشكل جديد من التعبئة المحلية. فالرابطة بين الحملة الداخلية على الناشطين في السعودية وسياستها الاقليمية تبدو واضحة. فحملة الرياض على الاصلاحيين وطفرة الانفاق المحلي الهائل تعكس الدعم الذي توفّره للملكيات المحاصرة في الخليج، الاردن والمغرب.

في حقيقة الأمر، تذكّرني السعودية اليوم بوضوح بمصر في 2004، بتحوّل سريع في المجال العام، وتصاعد مطالب المواطن للحصول على فرصة قليلة للتعبير في المجال السياسي الرسمي. وحيث أن مثل هذه المقارنات محفوفة بالمشاكل، لا يمكنني أن أتفادى الأصداء. فكل شخص التقيته تقريباً أشار الى توتير كمجال عام سعودي جديد بصورة دراماتيكية في بلد لم يعتد مطلقاً أن يكون لديه مجال عام جدير على الأطلاق. أنا مستعد للتشكيك في هذه المزاعم، ولكنّها تبدو حقيقية في بلد تفرض سيطرة شديدة وبصورة استثنائية على كل الاعلام الآخر وبصورة استثنائية مستويات عليا من استخدام الاعلام الاجتماعي (من بين الاعلى على مستوى العالم في اليوتيوب والى حد بعيد المستخدمين الأكثر لتويتر في الشرق الأوسط). الرغبة في مناقشة القضايا الأشد حساسية وجدلية بانفتاح وأن دور الاعلام الاجتماعي يوسّع من نطاق المناظرة المفتوحة كان، كما كان الإحباط العميق بالسياسة الرسمية والعجز عن رسم طريق واضح للتغيير السياسي. انه ليس فقط مجتهد المشهور بكشف أسرار العائلة المالكة. إنه النقاش الضار المفتوح على الشبكة لكل شيء ..والسخرية المفتوحة لأولئك الأمراء الذين هم على قدر من الشجاعة للانضمام الى حلقة النقاش. صحافي بارز أخبرني بأن المسؤولين سمحوا مؤخراً ببث حديث سياسي مستقل الى حد ما على الموجات الهوائية والسبب بصورة رئيسية لأنهم أدركوا أيضاً الخطاب النقدي الذي يروج بصورة روتينية على تويتر.

حتى الآن، فإن الاحتجاجات الافتراضية لم تقدر على أ ن تنتقل الى الشارع، باستثناء الشرق، والتي خبرت تحدياً ثابتاً وجديّاً لتمييز ممنهج ضد المواطنين الشيعة. ناشطون من القطيف التقيتهم خلال زيارة الى المنطقة الشرقية أعطوا رواية متّسقة لتمييز منتشر وممنهج وحلقة خطيرة من العنف. فقد رفضوا الزعم الشائع بأنهم خضعوا تحت تأثير البحرين أو ايران ـ ـ يزعمون بأن الالهام جاء من تونس ومصر، وهما من أرسيا مطالب دستورية ومواطنة بدلاً من المطالب المذهبية. ولكن حيث أن هذه الاحتجاجات لم تنتشر في مناطق الأغلبية السنية في السعودية، جزئياً بسبب التشجيع الفاعل على الخطاب الطائفي في الداخل والخارج من قبل النظام، والحملة التي قام بها النظام ضد الاصلاحيين ما دفع نحو المحاسبة القضائية، واطلاق سراح المعتقلين السياسيين، والتغيير الدستوري صدمني كإشارة على ضعف النظام وليس قوة. حبس الكاتب الليبرالي تركي الحمد بسبب تغريداته، أو رمي شبّان في السجن دون اتهامات بسبب كتابات على الفيسبوك، يفيد بأن النظام غير واثق بنفسه ولا بالطريقة التي يمكنه التعامل مع التحوّل المفاجىء في المناظرة العامة.

ما يجب على الولايات المتحدة أن تفعله حيال هذه السعودية المتغيّرة؟ اعتمادها الفعلي علىى النفط السعودي، فإن الدور الرئيسي للرياض في البناء الأمني الحالي، وتكاليف التحوّل للاستراتيجية الجديدة قد لا يتمنى زوالها. لابد للحلفاء أن ينخرطوا مع فرضية الشراكة، وليس محاضرات من طرف واحد، أو تحوّلات مفاجئة وغير منتظمة في السياسات. ولكن اميركا لا يمكنها أن تستمر في تجاهل التوتر المتزايد بشكل واضح بين اهداف سياساتها المعلنة. فيجب عليها على الأقل تفادي القبول أو مباركة الواقع القائم، ويجب عليها العمل أبعد من ذلك لجهة تهيئة المجال العام السعودي الجديد والناشيء. على سبيل المثال، إن رمزية اللقاء غير العادي للرئيس أوباما مع وزير الداخلية الجديد محمد بن نايف، والذي نظر له كثير من السعوديين على أنه مباركة لشخص معروف بأنه قمعي وضد التيارات الاصلاحية في المملكة، كان مؤسفاً.

هل لدى واشنطن أي نفوذ؟ ربما، ففي اليوم التالي لتحقيق طويل حول عدد من الاتهامات السقيمة، فإن الناشط الحقوقي البارز محمد القحطاني أبلغني بأن الولايات المتحدة بحاجة عاجلة للعمل أكثر لدعم هذه الاصوات الناشئة. القحطاني، شأن آخرين، يعتقد بأن أوباما يمكنه بصورة لافتة دعم الخطاب الاصلاحي الجديد الناشئ ــ وأن الانخراط معهم سوف يكون في نهاية المطاف وبصورة جازمة في مصلحة واشنطن والسعودية معاً.

وحيث أن كثيرين رافضون لتعيين الثلاثين إمرأة المعينات من قبل الملك عبد الله في مجلس الشورى، علىى سبيل المثال، إحدى الناشطات في مجال حقوق المرأة وقد تحدّثت اليها تناقش بقوة أهمية ذلك. حضورهن، كما تشدّد الناشطة، كان مهماً من الناحية الرمزية وسوف يجعل من السهولة بمكان وضع قضايا المرأة على أجندة مجلس الشورى. فإذا كان ذلك ببساطة خطوة علاقات عامة لإرضاء الولايات المتحدة (مجلس هيلاري كلينتون، كما يطلق عليه كثير من السعوديين)، تجادل الناشطة، إذن يجب أن تؤخذ على أنها مثال إيجابي على قدرة الضغط الأميركي في المساعدة بتحقيق هكذا هدف.

التغيير لن يأتي بسرعة، ولكن أوباما لابد أن يتحدث ضد اضطهاد مثل هؤلاء الاصلاحيين الليبراليين وتطبيق ذات المعايير على الحق في حرية التعبير في السعودية كما يفعل في أماكن أخرى من المنطقة.

في خطابه الافتتاحي، صرّح أوباما مرة أخرى (سوف ندعم الديمقراطية من آسيا الى أفريقيا، ومن أمريكا الى الشرق الأوسط، لأن مصالحنا وضميرنا يفرض علينا العمل بالنيابة عن أولئك الذين يشتاقون الى الحرية). فإذا كان الرئيس جاداً حول هذا الأمر، وأنه يأمل بصدق في تشكيل النظام الإقليمي القائم على حلفاء أكثر ديمقراطية وانفتاحاً، فإنه لن يستطيع أن يستثني السعودية الى ما لانهاية. لن تكون الدعوة مرحباً بها، ولكن عليه دعم مطالب كل المواطنين العرب بالشفافية، والمساءلة، والتعددية..حتى في الحالات الصعبة مثل السعودية والبحرين.

الصفحة السابقة