سعوديين في تفجيرات بوسطن

سامي فطاني

السعودية قلقة من تفجيرات بوسطن 15 ابريل الجاري، وحقّ لها أن تقلق.

بادرت السفارة السعودية في واشنطن للتصريح بأن لا أحد من الطلاب السعوديين مصاباً في تفجيرات بوسطن، كما لم يشارك أي سعودي في التفجير! وكأن مسؤولي السفارة تطوّروا وتحوّلوا الى مسؤولين أمريكيين يتحدثون بالنيابة عن الاف بي آي وكل الأجهزة الأمنية الأميركية.

ذات الشيء فعله الملحق الثقافي السعودي، الذي بادر الى نفي وجود مصابين او مشاركين سعوديين. تبيّن ان هناك سعوديان مصابان في الحادث، أحدهما فتاة.

الملك عبدالله أصابه الفزع من الأحاديث عن اعتقال سعودي على خلفية التفجيرات، كما جاء في (بوسطن بوست). والأمر كما قيل لاحقاً هو أن السعودي مجرد مصاب، كان حاضراً حفل الماراثون، وعلى هذا الأساس جرى التحقيق معه. اتصل الملك بأوباما معزياً ومندداً. سعود الفيصل ـ وزير الخارجية ـ ندد هو الآخر بالحادث.

تفجيرات بوسطن: هل وراءها سعودي قاعدي؟

الخوف من ان يكون قاعديون سعوديون وراء تفجيرات بوسطن أمرٌ خطير جداً على السعودية. على نظام الحكم، وعلى أيديولوجيته.

السعودية بالكاد فرّت من تبعات تفجيرات 9/11 المباشرة، واستطاعت النجاة بتقديم المزيد من التنازلات السياسية (مبادرة عبدالله للصلح مع اسرائيل/ الإنضواء تحت لواء مكافحة الإرهاب/ دعم حروب امريكا في العراق وأفغانستان، وغيرها) وبتقديم التنازلات المالية (تريليونات من الريالات ذهبت الى واشنطن في صفقات أسلحة، وأعلن عن تريليون ريال كاستثمار جديد في سندات الخزانة دعماً للإقتصاد الأمريكي ـ هذه الأموال وما سبقها لا يرجح أنها ستعود يوماً، مثلما حدث مع الكويت بعد احتلالها حيث نهب منها علناً 29 مليار دولاراً).

بدلاً من ضرب السعودية المفرّخة للإرهاب وفكر الإرهاب والمصدرة لهما؛ جاءت الضربة في رأس الطالبان ونظام صدام حسين الذي اتهم بدعم القاعدة، في حين تم تجاهل دور السعودية الأساس في الأمر!

تجاوزت السعودية الأزمة، بخنق الجمعيات الخيرية الخارجية، وتملّصت من مطالب كبح التطرف الوهابي عبر ما سمي بالمناصحة وبتأهيل الأئمة وما أشبه. وجاءت تفجيرات القاعدة في السعودية لتظهر الأخيرة نفسها كضحية مثل أمريكا! في حين أنها جنت ما زرعته.

الآن هناك عودة لحدّ أسنان القاعدة في أماكن عديدة تحت نظر الغرب وسمعه، بالمال السعودي والقطري، وبالمقاتلين من بلدان الخليج وغيرها. القاعدة مطلوبة في سوريا والعراق، وليست مطلوبة في اليمن والسعودية وغيرها.

الغرب لازال غبيّاً يكرر أخطاءه. فإذا ثبت أن سعوديين قاعديين وراء تفجيرات بوسطن فإن ملف العلاقات السعودية الأميركية سيتفجر هذه المرّة بأكثر مما حدث سابقاً. سيفتح المجال إن حدث ذاك ـ وفي أدنى الحدود ـ زيادة في ابتزاز آل سعود ونهب الثروات بأكثر مما يفعل الغرب اليوم. وفي أسوأ الأحوال، فإن الغرب قد يضغط من أجل فك الإرتباط بين الوهابية ونظام الحكم، ما يعني مقتله. هذا المطلب تمّ تقديمه عشية تفجيرات 9/11، لكن السعودية تملّصت من ذلك، وضربت بيد تيارها الديني المتشدد، ومنحت التيار التقليدي الوهابي ما أخذته منهم علناً. سيتم التعامل مع السعودية كمنطقة موبوءة. سيصبح كل سعودي مثار شك وريبة، ليس في الغرب فحسب، بل وفي كل بلدان العالم. لا يخفى أن السعودي يُنظر اليه بريبة في العديد من البلدان العربية المبتلاة بالفكر الوهابي، من طنجة الى جاكرتا.

هذا ما يخاف منه النظام السعودي: أن يخسر حلفاءه وحماته، في وقت يعلم أنه لا يستطيع الإستمرار بدون مشايخ الوهابية؛ كما لا يستطيع ولا يرغب بأية ضغوط من أجل إصلاح الوضع السياسي والإجتماعي والثقافي المحلي والذي أفرز ظواهر مثل القاعدة ولازال يمدّها بعصب الحياة: المال والرجال!

ان ثبت ان سعوديين وراء تفجيرات بوسطن، ستنعزل السعودية أو تعزل سياسياً. لن ينظر اليها كحليف، بل كمصدر للشر والشرور. وربما جاءها ما هو أسوأ من ذلك: فرض تغييرات سياسية داخلية تمنع تكرار العنف السعودي القاعدي من التفريخ والتمدد. فالمشكلة أن نمو القاعدة ـ كما يفهمها كل الباحثين ـ انها نشأت من فكر وفي أحضان بيئة متطرفة، ونظام سياسي مغلق. هذه البيئة لا بدّ من تغييرها إن كان يراد قطع شريانات القاعدة.

ما هو مؤكد ان القاعدة ليست في طريقها الى الإنحلال والفناء. فمصادر الحياة التي تغذيها فكراً ومالاً ورجالاً لازالت قائمة. والسعودية ـ انضمت قطر مؤخراً ـ هي المروّج الأساس لها بسلوك سياسي ومذهبي متعصّب سيرتدّ على كل المنطقة بل والعديد من دول العالم.

القاعدة بدأ ربيعها وليس انحلالها. والأيام حبلى بالكثير من مفاجآتها. لا يمكن مكافحتها على السطح بدون (إغلاق المصنع) كما يقول شلسنجر، وزير الطاقة الأميركي الأسبق. والمصنع ليس في دمشق ولا كابل ولا بوسطن ولا مدريد ولا بغداد. المصنع في (نجد) وقد آن غلقه.

الصفحة السابقة