فقيه السلطان.. صالح الفوزان

يكاد يغمر الفوزان الطغاة بعطفه حتى لا يكاد يترك ثغرة
يمكن أن ينفذ منها الشعب للتعبير عن المظالم والحقوق والمطالبة بالحريات الا سدّها

عبد الوهاب فقي

لا يحتاج المستبد لأكثر من عالم دين يسبغ على جوره مسحة من السماء، ويعدّ كل ما يقوم به سياسة شرعية، ومن يعارضه ضالاً مضّلاً مبتدعاً في دين الله ومخالفاً لأوامره..

مكر المستبدين الذي تزول منه الجبال يجعل من كل عالم دين أغلق كل منافذ المعرفة عن داره، مجرد ألعوبة بيد هذا الأمير وذاك..إكالة المديح والإطراء من قبل الأمراء المستبدين للمشايخ لا ينطوي على تبجيل للدين وأهله، فقد عرفت نوادي الليل، ومواخير الظلام حقيقة مزاعم الايمان التي لم تلامس قلب أحدهم، وإنما هي السياسة التي تتوسّل كل أداة كيما تحقق أغراضها، سواء كانت الاداة ديناً أم كفراً..!

من بين علماء الدين الذين يراهن آل سعود عليهم في الدفاع عن سلطانهم هو الشيخ صالح الفوزان، الذي لعب دوراً رئيساً في الدفاع عن حكم آل سعود في السنوات الأخيرة إزاء حركة الاحتجاجات المطالبة بالتغيير والإصلاح السياسي الشامل.. فمن هو هذا الفوزان، وماهي رؤاه وفتاواه في دعم سلطان آل سعود؟

صالح بن فوزان العبد الله الفوزان، مواليد الشماسية بالقصيم سنة 1935، هو عضو في أكثر من هيئة دينية: هيئة كبار العلماء، المجمع الفقهي بمكة المكرمة التابع للرابطة، لجنة الإشراف على الدعاة في الحج، اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء، وهو أيضاً إمام وخطيب ومدرس في جامع الأمير متعب بن عبد العزيز آل سعود في الملز..وله مؤّلفات كثيرة في العقيدة والدعوة والخطابة والاعلام والفقه، وله كتاب (مجموع فتاوى في العقيدة والفقه) في أربعة أجزاء، وله شروحات لكتاب التوحيد، أثار جدلاً واسعاً حيث أخرج غالبية المسلمين من دائرة (أهل السنة والجماعة)، وانتصر فيه بطريقة اقصائية وتنزيهية للمدرسة الوهابية، كما انتقد كتاب الشيخ يوسف القرضاوي (الحلال والحرام في الاسلام)، وله كتب أخرى حول نواقض الاسلام وضد الصوفية، وفي الحج والعمرة...

ما يلفت في كتابات وخطب الفوزان أنها اشتملت على منافحة مفرطة عن حكم آل سعود حتى ليخيل للمرء أنه خصّص جزءاً هاماً من نشاطه العلمي للتنظير للحكم الشمولي.

قبل الموعد المقرر لانطلاق التظاهرات في المملكة، أي 11 آذار (مارس) 2011، تحدث الشيخ الفوزان في الخطبة الاولى من صلاة الجمعة في 5 مارس من العام نفسه، عن ضرورة الولاية، ولابد للمسلمين من ولي أمر (وأن الله جل وعلا شرع لنا أن ننصب ولي الأمر وأن نطيعه ولا نختلف عليه وأن نناصحه..)، وأسهب في التشديد على مركزية القيادة وحرّم الخروج عليها فقال ( فلا يجوز الخروج على ولاة أمور المسلمين بحكم الحرية وبحكم أن كل إنسان يعبر عن نفسه ويقول ما يريد من الخلط والهمط ومن الكلام الباطل ويفرغ ما في ذهنه..)، واعتبر المطالبة بالحرية اتباع الهوى والشهوات (هذه عبودية وليست حرية).

فالحرية كما يفهمها الفوزان (الحرية في طاعة الله هي التي أنقذت الشعوب من ظلم الطغاة وأنقذت الشعوب من النزاعات والقتال والتناحر.. فالحرية في عبادة الله وحدة وترك عبادة ما سواه هي الحرية الصحيحة وليست الحرية اتباع الشهوات واتباع الآراء والرغبات وليست الحرية بأن يطلق الإنسان لسانه فيقول ما يريد من الهذيان ويحرض الناس بعضهم على بعض ليست هذه هي الحرية هذه هي البهيمية وهذه هي العبودية للشيطان..).

ثم قال الفوزان: (ليس من النصيحة لولي الأمر الخروج عليه بالمظاهرات والفوضى والاعتصامات..)، ويرفض الفوزان حتى مجرّد النقد في المجالس حيث لا يعد ذلك من باب التناصح لولي الأمر (أننا نتكلم بالمجالس أو نتكلم على المنابر بسب ولي الأمر وإشاعة الأخطاء أو في الأشرطة أو في الإنترنت ليس هذا من نصيحة ولي الأمر..)، ويقصر الفوزان النصيحة لولي الأمر على طريقة واحدة وهي (تبلغ إليه شفهيًا أو كتابيًا ولا تذاع ولا تظهر أمام الناس هذه نصيحة ولي الأمر كذلك من نصيحة ولي الأمر الدعاء له بالصلاح والاستقامة والتوفيق بالقيام بما ولاه الله..).

وللمرء أن يتسائل: وهل يحتاج المستبدون الى غير ما يقوله الفوزان، وهل بغير هكذا فتاوى يستند الطغاة، ويترعرع الجور والطغيان.. الفوزان يكاد يغمر الطغاة بعطفه حتى لا يكاد يترك ثغرة يمكن أن ينفذ منها الشعب للتعبير عن المظالم والحقوق والمطالبة بالحريات الا سدّها، عليهم حتى قال (فليس النصيحة لولي الأمر ذكر معائبه وشرح ما يحصل منه من الأخطاء..).

أي عالم فذّ هذا الذي عقمت نساء هذه الامة أن تلد مثله، وأي ضالة تلك التي عثر آل سعود عليها حتى لم يعد يرى في الأمة الا أمثال الفوزان يسبغ على طغيانهم مسحة من الإيمان؟.

في الخطبة الثانية، أعاد الفوزان الكرّة في تعظيم شأن ولي الأمر وحرمة الخروج عليه والاكتفاء بالمناصحة الناعمة التي لا تخيف ذبابة، ولا تعيد حقاً تافهاً الى أهله. ويضيف الفوزان هنا عنصر المؤامرة كي تكتمل الدراما، فثمة من يتآمر على هذه الأمة وهذه الدولة ويزرع أهل الشقاق الفتن بـ (شق عصا الطاعة للمسلمين وتفريق الجماعة)، وكل ذلك دفاعا عن ولي الأمر، وحرمة التظاهر ضده.

ما يثير في خطبة الفوزان أنه نسب الى المواطنين صفتي الكفار والنفاق وقال (إن الكفار والمنافقين والذين في قلوبهم مرض في الداخل والخارج تآمروا على المسلمين اليوم..)، والمسلمون هنا من التزام بطاعة ولي الأمر، أليس كذلك؟ فهو يرى بأنه هو من يلتزم طاعة ولي الأمر (على طريق صحيح وعلى طريق صواب وحق)، وكرد (لا تهمنا الكلاب النابحة هنا وهناك لا نغتر بأعدائنا ونقول هذه حرية وهذه مطالب وهذه وهذه..). بمعنى آخر أن كل من يطالب بالحرية وغيرها هم مجرد (كلاب نابحة)!

في 12 إبريل 2011 أصدر الفوزان فتوى اعتبر فيها ثورات الشعوب العربية مجرد (فتن تهدد أمنهم واستقرارهم وتفرق جماعتهم وتزعزع دولهم بتخطيط من الأعداء وتنفيذ من الغوغائيين والأغرار من أبناء تلك الدول المستهدفة دون تفكير في العواقب ومآلات الأمور تأثراً بالوعود الكاذبة وجرياً وراء السراب الخادع..). ثم عقّب: (وقد بقيت هذه البلاد السعودية آمنة مطمئنة لأن دستورها القرآن..).

وذكّر بما قاله علماء الوهابية عقب انطلاق دعوات للتظاهر من أجل المطالبة بالإصلاح السياسي الشامل في وقت مبكّر للحيلولة دون خروج التظاهرات. يقول الفوزان (أول ما رد به أهل هذه البلاد على الدعوة إلى الاضطرابات والمظاهرات والاعتصامات ردوا بأن ديننا يمنع من ذلك كله ولا يجيزه ويأمر بالهدوء والسكينة والتلاحم بين الراعي والرعية وينهى عن الفوضى ويأمر بالقضاء على الفتن وأهلها فهو ينهى عن البغي والعدوان والخروج على ولي الأمر..).

لا يتطلب الأمر كثير عناء في الوقوف على تلك القوالب الجاهزة والمجمل المعلّبة التي تعتبر التظاهر فوضى والمطالبة بالحرية فتنة وظلال، وفي النهاية على الناس القبول بالاستبداد وكفي.

وتلاحقت فتاوى الفوزان المعارضة للتظاهرات، وجاء في فتوى نشرت في الصفحة الرئيسية للموقع الرسمي للشيخ الفوزان بعنوان (المظاهرات ليست من دين الإسلام في شيء) بأن (المظاهرات حرام وليست من دين الإسلام لما يترتب عليها من التخريب والفوضى والشرور والسلب والنهب وقطع الطرق، وسفك الدماء..). نشير الى أن المظاهرات التي خرجت في تونس ومصر واليمن والبحرين وسوريا وحتى السعودية كان القتل والتخريب يقع من قبل قوات الحكومة وليس الجمهور، بل لحظنا في مصر كيف انبرى الشباب أنفسهم لتنظيف الشوارع وحماية المتحف الوطني وبعض المؤسسات الحيوية، ولم يقع ما يشير اليه الفوزان في فتواه، بل كان نصيب المتظاهرين بصورة سلمية القتل والاعتقال، فسفك الدماء كان يتم من قبل قوات ولي الأمر وليس الجمهور، وكذلك التخريب وتعطيل المصالح العامة.

كرر الفوزان موقفه الشرعي من المظاهرات ونفى أن تكون من باب النصيحة لولي الأمر. وفي 1 أيار (مايو) 2011 حذّر الفوزان في خطبتي الجمعة من (المنافقين) الذين يدعون للمطالبة بالحرية والتظاهرة من أجل الاصلاح السياسي الشامل، ودعا الى (السمع والطاعة لولي أمر المسلمين)، مالم يكفروا بالله ورسوله كفراً صريحاً، ولا نظن أن عاقلاً مهما بلغ طغيانه وجبروته وكفره أن يصرّح بكفره وهو قادر على أن يتجبر على الناس بإسم الدين.

وحذر من الاستماع لدعاة الحرية والتظاهر ممن أسماهم (الأعداء والغوغائيين والمفسدين ودعاة السوء)، فيما اعتبر كل من يفعل ذلك (بهيمة أو إمّعة). ثم حذّر (من الكفار عموماً)، لماذا؟ (لأنهم لا يريدون للمسلمون الخير، يحرضون على الفتن والشقاق، يحرضون على الخروج على ولاة أمور المسلمين، يحرضون على الفوضى والمظاهرات والاعتصامات ليفككوا جماعة المسلمين وليفككوا بلاد المسلمين..). وهنا لا يحدد من هم الكفار الذين يحرضون على التظاهرات، مع اننا لم نسمع مسؤولاً في الغرب، أي أوروبا والولايات المتحدة، من ذكر بكلمة إشادة واحدة لأي تظاهرة في المملكة فضلاً عن أن يكون قد حرّض عليها..فمنهم هؤلاء الكفار، يا شيخ؟

وفي سؤال عن حكم الخروج على ولاة الأمر إذا ما شرعوا غير ما أنزل الله في كتابه، وهل مثل هذا التشريع وضع القوانين العرفية كما في هذه الأيام؟ أجاب الفوزان، بأن هذا في مجمله يُرجع فيه إلى أهل العلم ، والخروج لا يجوز، والذي ذكره من تصرفات الولاة يراجع فيه أهل العلم ، ربما يكون أمراً لا يقتضي الخروج، ربما يكون أمراً فيه اجتهاد، هذا يحتاج إلى تثبت وإلى دراسة ، ويكون من العلماء . نعم .

وسئل الفوزان بأن بعض القنوات الفضائية وبعض المنتديات في الإنترنت تدعو إلى نزع يد الطاعة لولاة أمر هذه البلاد وخلع البيعة عنهم، فما هي نصيحته لهم. فأجاب: إن هذه الدعوات مرفوضة لأن هذه البلاد تمثل لنا السلف الصالح وهي البلاد الآمنة من الفتن ومن الثورات ومن الانقلابات فهي بلاد ولله الحمد يرفرف عليها الأمن والأمان ومنهج السلف الصالح.

الأغرب في فتاوى الفوزان حول طاعة ولي الأمر، تمثّل في رفضه حتى مجرد الكلام عنهم ونقدهم. وقد سئل: هل الكلام في ولاة الأمر وغيبتهم يعتبر من الخروج عليهم؟ فأجاب: نعم، نوع من الخروج عليهم أو تهيئة للخروج، فهو نوع من الخروج وتهيئة للخروج عليهم بالفعل.

وكان آخر فتاوى الفوزان في طاعة ولي الأمر وحرمة الخروج عليه ووجوب طاعته، قد صدرت في 25 مارس الماضي حيث قال بأن النصيحة العلنية لولي الأمر غير جائزة شرعاً وليست من فعل الصحابة رضي الله عنهم ولا التابعين ولا السلف الصالح. وأضاف: (هذه الدولة قامت على بيعة شرعية وتقيم الحدود الشرعية لتحقيق الأمن، حيث لا أمن إلا بجماعة، ولا جماعة إلا بإمامة، ولا إمامة إلا بسمع وطاعة، والإمامة تنعقد بمبايعة أهل العقد لا بالانتخابات الغربية).

وقال الفوزان بوجوب التعاون مع ولاة الأمر (بمناصحتهم بالطرق الشرعية وتكون النصيحة سراً، ولا يجوز إعلان الانتقادات على ولاة الأمور على الملأ).

وفي سياق متّصل مع رؤية الفوزان، وجّه الفوزان نقداً شديد اللهجة لكتاب الشيخ سلمان العودة (أسئلة الثورة)، حيث قال الفوزان في مقدّمة كتاب صدر مؤخراً للشيخ فهد بن سليمان الفهيد، حمل عنوان (الجناية على الإسلام في كتاب أسئلة الثورة)، (فإن الكفار في هذا الزمان قد تألبوا على العرب والمسلمين ليدمروا بلادهم، ويفرقوا جماعتهم، ويقطعوا مواردهم بما يسمونه “الربيع العربي”، وهو في الحقيقة التدمير الغربي، فأشعلوا الثورات في بلاد العرب والمسلمين، وجنَّدوا من أبناء المسلمين من يمهد لهذه الثورات بالدعاية لها، والتماس المبررات لها).

ثم تعرّض لكتاب العودة وقال: (وهو في الحقيقة الدعوة إلى الثورة وشق عصا الطاعة وتفريق الجماعة، معتمداً على شبهات يستقيها من مقالات أعداء الإسلام، معرضاً عن أدلة الكتاب والسنة التي توجب السمع والطاعة ولزوم الجماعة، محاولاً تأويلها وتحريفها، وقد قيض الله له من يعمل لدفع خطره عن المسلمين برد شبهاته، وإبطال تأويلاته..).

الصفحة السابقة