الحكومة السعودية تمنع الفايبر والواتس آب

فات عصر الرقابة وجاء زمن الفضائح!

ناصر عنقاوي

تستطيع ان تقول ان الحكام السعوديين مهووسون بالتكنولوجيا، حبّاً فيها، وبغضاً لها. شعوران ممتزجان. فالتكنولوجيا سهّلت لهم السيطرة على المواطنين، والتلصص على مكالماتهم، واستخدام الهاكرز لاختراق حواسيبهم؛ ولكنها في الوقت نفسه ـ خاصة في هذا الزمن ـ قلبت المعادلة فحررت المواطنين وجعلت النظام ورموز الأسرة المالكة ضحيّة، بعد ان تلذّذت لعقود بالستر (والله يحب الساترين).

وحتى قبل ظهور الوسائط الإجتماعية. كلّنا يتذكر عشرات الملايين التي صُرفت لمراقبة اجهزة الفاكس، مما لم تعمله دولة في التاريخ. ما أن اكتملت الأجهزة، حتى تبخّرت أهميتها.

فقد ظهر التلفون المحمول، بالتوازي مع شيوع استخدام الإنترنت والإيميل. ومرّة أخرى كانت العائلة المالكة وجلة خائفة الى أبعد الحدود.

يكفي أن نعرف بأن الهاتف الجوال دخل الى اليمن (المتخلفة والفقيرة) قبل أن تسمح السلطات الأمنية السعودية ببيعه في الداخل!

كانت الحكومة الأمنية السعودية غير قادرة على الرقابة، فهي لا تستطيع أن تفتّش أية كمبيوتر يدخل لمنع نسخة كتاب، ولكنها كانت تأخذ الكتاب المطبوع، واذا كان على ديسك او سي دي لاحقاً، صار امراً تصعب مراقبته.

من مراقبة الفاكس الى مراقبة الهوتميل واختراقه احيانا عبر تشغيل هاكرز خاص، وبالرغم من وجود (مدينة الملك عبدالعزيز للتكنولوجيا) وتسخيرها كاملة لمراقبة النت وحجب المواقع.. الا ان الأمور خرجت عن السيطرة كما كان واضحاً لكل مراقب.

الدكتور المرحوم غازي القصيبي، كان يقول دائماً بأن من الحمق الإشتغال والإستثمار في الرقابة. كان القصيبي ممن عانوا الى وفاته، حيث كانت كُتبه ممنوعة من التوزيع، الى ان جاءت بركات الإنترنت فقرأها المواطنون على النت!

ومرّة اخرى ورغم مئات الآلاف من المواقع المحجوبة من قبل مملكة الحجب. لم تتعلم هذه العائلة المالكة الغبيّة!

في كل يوم حجب، ويقابله في كل يوم (بروكسي) يتجاوز الحجب. هي حرب التكنولوجيا، وقد اصطف آل سعود في وجه الأجيال الجديدة، راغبين في احتكارها لأنفسهم دون الشعب.

وجاء جوال (ابو كاميرا) فقامت قيامة أهل السلف والخلف ومن ورائهم آل سعود.

كانوا يصادرون جوالات ابو كاميرا من المطارات والمنافذ الحدودية! إذ كيف يُسمح ـ من وجهة نظر وزير الداخلية نايف وحلفائه من مشايخ الجهل ـ للمواطنين بأن تتوافر لكل واحد منهم كاميرا في يده يصور بها ما يشاء في أي مكان يتواجد به، ويستطيع أن يبعثها الى من يشاء دون أن تمر على (الرقيب الأمني)؟

كيف تعين الحكومة مراقبين على كل وسائل الإعلام والصحف وتراقب حتى محتويات الدعاية والصحف الحائطية وتعاقب من يكتب على الجدران، وفي نفس الوقت يستطيع المواطن ان يقرأ أية صحيفة في العالم، ويبحث عن آخر اخبار العائلة المالكة وما يُنشر عنها، فضلاً عما ينشره المواطنون في منتدياتهم الإنترنتية، والمقالات مجهولة الإسم لشخصيات علمية وصحافية تقول فيها ما لا تستطيع قوله في الفضاء المحكومة بقمع السلطة؟

كيف يكون حال الصحافة المحلية المتخلّفة والمضلّلة، مع المواطن بعد أن فُتح له الفضاء، هل يهتم بالقاء نظرة عليها فضلاً عن أن يشتريها؟

جاء (ابو كاميرا) فمنعوه، وألزموا التجار بأن لا يستوردوه!

وجاء المشايخ فقالوا بأن الكاميرا تفضح الخصوصيات، وتنشر العورات!

واستمر الحال أشهراً بعد أن اعلنت وزارة الداخلية منعها. لكنها في النهاية رضخت حين أُبلغت بأن لا أحد في العالم سيصنّع لكم هواتف خاصة بكم وتراعي خصوصيات أمنكم المزيّف؟ الجوال بدون كاميرا في طريقه الى الإنقراض!

وافقوا مكرهين، ودائماً كانوا مكرهين!

وتذكر الناس قضية (الدش) الممنوع والمحارب، فيما كل البيوت فوق رأسها واحدٌ منها!

لم يتخلّص آل سعود من عقدة مراقبة شعبهم. ولن يتخلّصوا منها!

فالديكتاتور يبحث عن التكنولوجيا لاستخدامها في القمع. فيما الشعب يبحث عنها للتحرّر من الرقيب، ويستخدمها لتوسعة افقه واطلاعه وربما لمحاربة الديكتاتور نفسه.

هذا هو الحال في مملكة آل سعود.

وواضح اليوم أن التكنولوجيا اسرع في التطور من وسائل مراقبتهم. خاصة وان المراقبة السعودية تدخل في تفاصيل حياة الناس. بمعنى أنها رقابة صارمة على كل ما يكتب ويتداول ويتحدث بشأنه.

الرقابة الصارمة لا يستطيعها إلا الله سبحانه وتعالى.

لو حوّلت وزارة الداخلية السعودية نصف الشعب ليعمل لديها مراقباً فإن العدد لا يكفي لمراقبة النصف الآخر!

بل أن النصف المُراقِب، يحتاج الى مراقبة أيضاً!

لكن ماذا تقول عن عقول صدئة تعيش الماضي، وتعتقد أن بالأموال يمكنها إخراس الشعب.

غالباً ما يسمع المواطنون ان الملك عبدالعزيز كان حاذقاً، وأنه يحب العلم والمخترعات بعكس المشايخ، وغالباً ما يوردون قصة التلغراف التي رفضها المشايخ واصر هو عليها. لكن الحقيقة هي أن ابن سعود كان مهتماً بالتلغراف للسيطرة على مملكته الشاسعة، بحيث يستطيع التحرك في عصر الجِمال بأسرع مما يستطيع الخصم.

بسبب ذلك تم وأد ثورة شيخ قبيلة بيلي حامد بن رفادة عام ١٩٣٤، فقطعت رأسه بعد فشل الثورة، وتمّ صلبه، بل وتُرك الصبيان يلعبون برأسه الكرة! هذا ما يقوله مستشار ابن سعود خير الدين الزركلي في كتابه (٤ مجلدات): شبه الجزيرة العربية في عهد الملك عبدالعزيز!

لم يكن ابن سعود سوى ديكتاتور، بل أبٌ لكل الديكتاتوريين من ابنائه. منه تعلموا أهمية التكنولوجيا واستخدامها للقمع. هو من علمهم فرض الجوازات او وثائق سفر في وقت لم تقم فيه الدولة القطرية بعد، ولم ترسم الحدود. قيّد حركة الناس، ومنع المواطنين من السفر إلا بإذن. ولم يكن متحمساً ان يتوافر الراديو الا لعلية القوم.

ومثله ابناؤه قد فعلوا. كانوا يخشون جهاز الإستنساخ (الفوتوكبي) الذي لا يمكن ان تشتريه حتى للاستنساخ التجاري إلا بإذن من وزارة الداخلية.

حتى الطباعة القديمة (الإستنسل) كانت ممنوعة الى عام ١٩٨٠، في الحقيقة انقرضت وهي لاتزال على القائمة الممنوعة. حتى لا يستطيع المعارضون طباعة الممنوعات من منشورات وغيرها!

وحدهم آل سعود من استثمر في التشويش اكثر من اي نظام آخر، على محطات الراديو والتلفزيون، والآن على القنوات الفضائية، بما فيها فضائيات المعارضة.

وحدهم آل سعود من شكا وتألم علناً من تويتر والفيس بوك والإنترنت عموماً، كما هو حال الملك عبدالله الذي قال بأن من اكتشف النت تورّط به! فيما خطيبه المفتي يصرخ لنا كل يوم ـ هو وجماعته ـ ضد هذه التكنولوجيا التي أظهرت ما بداخل المواطنين، وجعلتهم اكثر المستخدمين له في العالم (من حيث النسبة المئوية لعدد السكان).

فاض بآل سعود الكيل، ولم يستمع أحد لتحذيراتهم، فما كان منهم إلا أن عادوا ـ وبدلاً من ان يصلحوا أنفسهم ـ الى هواية المنع، بغباء منقطع النظير. طلبوا من شركات الهاتف ان تتجسس لحسابهم (سكايب والفايبر)، طلبوا ايضاً كشف خصوصيات الواتساب. الجميع رفض، وبدأ حجب الفايبر، ثم هم الآن يهددون البقية.

يأتي هذا والحكومة الأمنية المسعودة تعلم علم اليقين بأن الرقابة فاشلة، وأن كل ما سيحدث هو: ان يتحول المواطن الى تطبيقات أخرى، تجعله يتكلم بأمن، ويكتب ويعلق ويراسل بعيداً عن أعين آل سعود ومخابراتهم.

اذا لمَ هذه الجهالة؟ ولمَ محاولة شراء تويتر ـ بعظمته؟!

التكنولوجيا تخنق آل سعود. تفضحهم هم ومشائخهم.

التكنولوجيا تخرج لسان من لا لسان له.

التكنولوجيا تحرّر المواطن وتفتح عينه وعقله.

التكنولوجيا تحرّض وتجمع وتُنزل الى الشارع معترضين على آل سعود.

التكنولوجيا تتحدّى نظام آل سعود.

لا تحتاج الى أحزاب سياسية، فهناك احزاب في العالم الحقيقي لا الإفتراضي.

ومن هنا كانت أزمة النظام الجاهل والجاهلي.

حقاً: (سيكتب التاريخ يوماً، أن الهواتف الذكية حاربتها عقول غبية بتعطيل تطبيقاتها الأكثر جماهيرية). هكذا تحدث المغرد عبدالله الملحم.

حجبت الحكومة السعودية الفايبر فخسرت!

وستحجب الواتس آب بعد أن هددت بذلك ولكنها ستخسر أيضاً!

من يواجه التكنولوجيا الحديثة يخسر. نصيحة قُدّمت مراراً للمسؤولين ولكنهم لم يأخذوا بها!

ولكن الحكومة هوايتها المنع والإغلاق، وترى أن ذلك أسهل الحلول. بالأمس فايبر واليوم واتس أب: (اقترح على الحكومة الرشيدة أن تلغي الإنترنت مرة واحدة)! انه تعليق مغرد ساخر يتناسب مع من يناطح الجبل! وما أكثر التعليقات الساخرة على قرار الحجب.

مغرد آخر كتب: (أتوقع أن الدولة ترغب في عودة الزمن الجميل أيام السبعينيات وتلفون أبو هَنْدَلْ). والمغردة جواهر رأت في ذلك ما يشبه التطويق (الشبوك التي تنهب الأراضي): (شبوك شبوك بكل مكان حتى بالنت!) وتضيف: (وبكرة انا وأنت يشبكونا بعد)! وسارة تقول: (سنصبح في المركز الثاني بعد كوريا الشمال ية في أكثر الدول انغلاقاً). لتكمل سندس الِعْنِزي مقترحة على الحكومة السعودية (شرايكم تقطعونا عن العالم وتعيشون بكهف أيضاً؟).

لكن هل يفيد هذا الحجب؟

كلا.. فشركة الفايبر وعدت على لسان رئيسها بعودة خدمتها رغماً عن الحكومة السعودية وحجبها، وفعلاً تمّ ذلك عبر الانترنت. فما كان من المواطنين إلا أن شمتوا سخرية بهيئة الاتصالات الرسمية. وكتب الناشط عبدالله السعيد معلقاً على عودة الفايبر: (عوداً حميداً… ولتخسأ هيئة الإتصالات والتجسس). وفائق منيف وبمناسبة عودة الفايبر قدّم تعازيه: (أحسن الله عزاءكم يا هيئة الإتصالات). أما بندر العتيبي فعلّق: (لو ما حجبوها أحسن لهم.. الحين فايبر تشتغل غصب على هيئة الاتصالات. تحطّون أنفسكم بمواقف بايخه).

لماذا الإصرار على الحجب للفيبر والواتس اب؟ ربما كما يقول نمر العتيبي ساخراً لأنها لم تكمل متطلبات هيئة الإتصالات وهي: (ملف علاّقي أخضر؛ صورة شمسية؛ شهادة حسن سيرة وسلوك). وتوقع مغرد ان يتضمن خطاب هيئة الاتصالات لشركة واتس اب كتبرير للحجب: (شعبنا وحُرّين فيه. اما تتركونا نتجسس عليه ونسرقه براحتنا، والا انتظروا الحجب).

ان اصرار الحكومة على الحجب هو الذي يجعل الجمهور معانداً اكثر ويعتبر المعركة ليست بين الحكومة السعودية وشركة فايبر بل بين المواطنين والحكومة، فالمواطن يحصل على اتصالات مجانية عبر الفايبر والتانغو وغيرها، وهي اتصالات خارج رقابة النظام. المغردة جوجو الشمري ترى بأن السعوديين كشعب اذا ما منعوا من شيء بحثوا عن مخرج للوصول اليه، واضافت بأن هناك بدائل كثيرة عن الواتس اب. ريان الجبر يقول بأنه لم يستخدم الفيبر ولكن بعد ان منعته الحكومة فإنه سوف يستخدمه (لَعَانَهْ في ذا الشبيحة). اما خالد الصَقْعَبي فيعلق على (يهودية فايبر): (يعني كل ما بغيتوا تخوفوننا من شيء قلتوا: شركة يهودية. وشركة الاتصالات الذين يسلبون اموال الناس بغير وجه حق، ماذا يقال عنهم؟). وحذر المهندس عبدالله بديوي من أن (كثرة الضغط تولّد الإنفجار). في حين فسرت مغردة سبب الحجب كالتالي: (تحجبون كل شيء، عشان تسترون على انفسكم. لكن عقولنا التي عرفت الحقيقة ما تقدرون تحجبونها). ونصح عبدالله القصادي بالتالي: (يجب ان تعود العقلية المتحجرة التي تحكم البلد الى رشدها. ما عاد الحجب يجدي. وما عادت الإعتقالات تُرهبْ. وما عاد الشعب قطيع شياه). واضاف: (هكذا سيكون الحال مع تويتر وسكايب والواتس. فلتت الأمور من زمام الحكومة وصار الإعلام شعبياً بامتياز، بطرحه ونفوذه).

الصفحة السابقة