القتل خارج إطار القانون

إغتيال الناشط مرسي آل ربح والمحروس

سامي فطاني

احتجّ المواطنون في تظاهرات سلمية، فأطلقت السلطات عليهم الرصاص وقتلت وجرحت منهم اعداداً غير قليلة.

زعمت انها تحقّق في حوادث القتل، فأصدرت بياناً يحدد قائمة ٢٣ مطلوباً، على غرار قوائم المطلوبين من القاعدة.

حددت التهم لهم (وفي مقدمتها تهمتا العمالة وقتل المواطنين في التظاهرات!)، ثم عمدت الى تصفيتهم خارج اطار القانون، واحداً تلو الآخر، في الشوارع وفي منازلهم، بل وقتلت معهم ابرياء لا ناقة لهم ولا جمل في التظاهرات ضدها.

هذه هي حكاية الحراك الشعبي في المنطقة النفطية الشرقية في السعودية مختصرة منذ فبراير ٢٠١١ ولاتزال مستمرة.

فقد اغتالت قوة أمنية أحد أعمدة الحراك السياسي الشعبي السلمي الناشط السياسي المعارض مرسي آل ربح (٣٨ عاماً) وسط مدينة العوامية في محافظة القطيف، ولم تزعم كما هي عادتها بأنه حدث اشتباك مسلّح، بل كل ما في الأمر أن مرسي هرب من (عدالة المملكة الإنسانية) فكان الجواب هو القتل. المتحدث باسم وزارة الداخلية يقول بوضوح ما نصه: (رصدت الجهات الأمنية تواجداً في احد المواقع ببلدة العوامية للمطلوب للجهات الأمنية على القائمة المعلن عنها بتاريخ ٨/٢/١٤٣٣هـ مرسي على ابراهيم آل ربح… وعند مباغتته من قبل قوات الأمن له حاول الفرار فتم التعامل معه وفق ما يتطلبه الموقف، ونتج عن ذلك إصابته حيث نقل الى المستشفى وتوفي لاحقاً متأثراً بإصابته).

اذن.. حسب وزارة الداخلية: تطلّب الموقف قتل مطلوب لم يعتقل ولم يحاكم، ولكنه متهم باطلاق نار على مواطنين ورجال أمن (اسفر عن مقتل بعضهم واصابة البعض الاخر). لم يُقتل رجل أمن واحد في كل الحراك القائم. وإنما قتل حتى الآن ١٨ مواطناً برصاص السلطة، وبدلاً من ان تعترف بالجريمة، نَسَبتها الى نشطاء او افراد عاديين لا علاقة لهم بالسياسة. لم يصدق المواطنون مزاعم الداخلية، والأخيرة لا يهمها أن تُصدّق. المهم اغتيال النشطاء الأساسيين في الحراك الشعبي السلمي المعارض بأيّ ثمن، والشهيد مرسي ال ربح، والشهيد خالد اللباد، كما الجريح بالرصاص عبدالله السريح الذي نجا من الموت باعجوبة، وغيرهم.. يجب ان يختفوا من ساحة الإعتراض السياسي على الحكم السعودي.

شهود عيان في مدينة العوامية قالوا بأن مرسي آل ربح كان وآخرون يقومون بالاعداد لاحتفال ديني منتصف شعبان، وكانت هذه آخر صورة له حين داهمت فرقة أمنية مكونة من اربع سيارات مدنية وباشر من فيها باستهداف الضحية بوابل من الرصاص الحي من رشاشات مجهزة بكواتم الصوت. وقد نزف ال ربح الكثير من دمه قبل ان يؤخذ الى جهة غير معلومة ليعلن لاحقاً عن وفاته.

وفيما اعلام النظام يزف خبر قتل الشهيد مرسي، باحثاً عن انتصار، وينعته بأقسى الصفات كان هنالك تمجيد وإكبار له، ونقمة على القتلة، بل وتشييع رمزي حتى قبل ان يتم تسلّم جثمانه. شموعٌ ودموعٌ واصرار على نيل الحقوق، ولقطات إنسانية لا تُنسى.

في اليوم السابق لمقتل مرسي بالرصاص، كان هناك قتيل آخر بالرصاص الحكومي المستهتر، حيث قتل شاب لم يبلغ العشرين من العمر وهو علي حسن المحروس، بطلق ناري في الرأس من سيارة أمنية وهو في سيارته، وليس في تظاهرة ضد النظام، ولا كان ضمن قائمة مطلوبين بتهم مزعومة. لكن بيانات الداخلية الكاذبة جاهزة، فقد زعمت انها تلاحق مخرباً او مروجاً للمخدرات كان على دراجة نارية، وزعمت انها ستحقق في الأمر، مثل قضايا قتل متعمد سابقة.

ويقول الناشطون الحقوقيون بان القتل المتعمد ازداد خلال العامين الماضيين، بغرض بث الرعب، ويندرج ضمن سلسلة من الإجراءات المهينة للمواطنين المطالبين بحقوقهم السياسية والمدنية.

وكانت السلطات الأمنية قد سبق لها أن قامت بمحاولة لقتل آل ربح في شهر فبراير ٢٠١٣، حيث هاجمت منزله المتواضع.

وسبق أن ردّ اولئك الذين يتعرضون للقتل المتعمد من قبل السلطات الأمنية السعودية في رسائل فيديو وغيرها تنفي التهم عن أنفسهم، وتؤكد تورط السلطات في قتل المتظاهرين. صالح الزنادي كان واحدا منهم، اطلقت السلطات السعوديه عليه الرصاص بقصد القتل وتركوه ينزف فأخذه اهالي الى المستشفى وهناك تم اعتقاله.

الشهيد مرسي آل ربح وآخرون لم يكونوا محظوظين، فقد نزفوا دماً حتى الموت أمام مرأى من السلطات، ولم تأبه السلطات بمحاججتهم لها علناً. الشهيد مرسي أصدر بياناً في حينه يقول فيه: (نعم أنا خرجت في مسيرات سلمية منذ البداية، وأنا مكشوف الوجه، حاملاً همّي وهمّ ابناء بلدي من معتقلين ومحرومين. كنتُ حاملاً في يدي مطالبهم، ولم أحمل سلاحاً، ولم يكن أحد من المشاركين في الحراك السلمي يحمل سلاحاً. كل التهم التي وجهتها الداخلية في حقا المطالبين بالحقوق باطلة ولا صحة لها، وجنودها هم من اطلقوا الرصاص بهدف تفريق المسيرات السلمية، وروعوا الآمنين وقنصوا المارة… وهذا ثابت لدى الأهالي). وتابع الشهيد آل ربح: (هل حين نطالب بالعدالة في توزيع ثروة البلاد، ورفع التمييز، والحرية في التعبير يصبح جرماً وإرهاباً.. انني أتعجب من بيان الداخلية العنيف ضدنا نحن المسالمين حتى في شعاراتنا المطلبية). وكأنه يعرف ما تبيّته السلطات الأمنية السعودية، ختم آل ربح بيانه قبل نحو عام ونصف فقال: (أتوجه بخطابي هذا لمنظات حقوق الإنسان العالمية للنظر في أمرنا، ونطلب الحماية كي لا نتعرض للخطف أو التعذيب أو القتل بحجة القمع والإرهاب).

في تشييع الشهيد مرسي والمحروس من قبل الآلاف من المواطنين كان هناك استفتاء على مزاعم السلطة السعودية، ومدى صدقية بيانات وزارة الداخلية، ومع ان هناك اصراراً من قبل السلطات على ملاحقة العشرة المتبقين على القائمة وقتلهم (كما في تصريح المتحدث باسم الداخلية)، فإن من الواضح ان القتل خارج اطار القانون، وإن لم يجد اعتراضاً دولياً، وتغطية سياسية من قبل الدول الكبرى الحليفة، أن النظام قد خسر شعبه، وأن دعاة الحرية والكرامة لن يتوقفوا مهما كانت خروقات النظام لحقوق مواطنيه، بما فيها بل وفي مقدمتها (الحق في الحياة).

الصفحة السابقة