كيف يرى السعوديون أنفسهم وبلدهم؟

يحي مفتي

يبدو أن الزمن قد حفر أخاديد وجروح عميقة في هذا المجتمع (المُسعوَد). فالى وقت قريب كان يرى نفسه الأعلى والأفضل والأحسن ويستخدم كل أفعل التفضيل. كان يرى حكومته رمز الوطنية والإستقلال والعزّة والذكاء والشجاعة والحميّة العربية والعداء للإستعمار والصهيونية. وكان يرى نفسه الأرقى عرقاً ومحتداً، والأكثر تديّناً، بلا دين موجود في العالم إلا لديه. كان يعتقد بأن بلاده ومنجزاتها لا يضاهيها أحد، وكان يستعلي حتى على جيرانه.

التكنولوجيا ذبحت النظام، بمعنى عرّته امام هذا الجمع الذي انكشف الكون عليه. وجد المسعودون انفسهم ضحايا الاعلام والكذب والنفاق الرسمي والتضليل الديني. هم الأقل استمتاعاً بالمال والحياة على مستوى الخليج. هم الفقراء حتى على مستوى الخليج وغيره. هم المتخلفون في التنمية، وهم العاطلون عن العمل، وهم المروجون للدم والتطرف والعنف.

ثلاثة هاشتاقات ظهرت على تويتر تفضح حقيقة كيف تغيرت نظرة هذا المجتمع السعودي الى نفسه والى بلده وأمرائه. وهي: السعودية عبارة عن…؛ واختصر الشعب السعودي في تغريدة؛ وشيء لازم يفهمه المجتمع السعودي.

# شيء لازم يفهمه المجتمع السعودي

جميلٌ أن يمارس المجتمع ـ أي مجتمع ـ عملية النقد الذاتي. وكيف ينظر الى نفسه ونواقصه وأمراضه.

وجميلٌ أيضاً أن يتعرف القراء على مواطن الخلل الثقافية والنفسية والإجتماعية والسياسية من وجهة نظر المواطنين أنفسهم.

هذا رأي المجتمع في ذاته:

شرفي بن قادرة وعشرات آخرون سخروا من مجتمعهم وقالوا بأنه لا يفهم. أو حسب وائل الزهراني وغيره: يستحيل أن يفهم! ولربما ليس مطلوباً من المجتمع أن يفهم، لأن عواقب الفهم خطيرة حسب (تركي الكحيلي)؛ وبالتالي عليه أن لا يفهم اصلاً. وربما في هذا مغزى سياسياً فهناك من يفكر عن المجتمع ويتخذ القرارات بالنيابة عنه، او أن القضية لها علاقة بقول عبدالله البردّوني:

فظيعٌ جهل ما يجري/ وأفظعُ منه أن تدري!

عبدالعزيز الفريدي قال بأن المجتمع السعودي (يفهم بس ينقصه التطبيق). اي أنه يعرف ما يجري حوله من فساد واستبداد، ولكنه يخشى تحويل المعرفة الى فعل تغييري.

طيّب! ماذا يريد المغرّدون من مجتمعهم أن يفهم؟.

ريحانة يائسة وتقول بأنه مستمر على نفس المنهج في التضييق على قيادة المرأة للسيارة أو في دراستها او عملها. وتأتينا بصورة لكتاب قديم للشيخ عائض القرني عنوانه ممتع رغم سوداويته: (ألو.. احذري التلفون يا فتاة الإسلام)! الآن ـ سماحة الشيخ ـ لازم تحذر من تويتر والفيس بوك والهواتف الذكية اللعينة!

مغردة أخرى قررت حقيقة اجتماعية وهي ان المجتمع يجب ان يفهم ان المرأة ما عادت تلك المغلوبة على أمرها. وتهدّد بأنها تستطيع اليوم الاستقلال بذاتها وبحياتها وتعيش. بمعنى انها تستطيع بفضل عملها ان تفتح بيتاً، وأن تهديدها بالطلاق لم يعد مخيفاً كما في الماضي! 

على المجتمع السعودي أن يفهم بأن لا خصوصية لديه حسب عبدالله العلويط، وأن استخدام كلمة الخصوصية غرضه (شلُّ حركته) وتساءل: هل رأيتم أن كلمة الخصوصية أثيرت إلا على سبيل المنع والتحريم؟

مغردون عدة عالجوا موضوع العنصرية في المجتمع السعودي. رشا الدويسي قالت بأن المجتمع يجب ان يفهم أن ولادة أبنائه في بلد جغرافيا يضم الحرمين، لا يعني أنه (شعب الله المختار). ومثل ذلك قال أبو مشاري: (لستم شعب الله المختار، ولستم أفضل من الهندي والبنقالي والمصري والشامي واليمني إلا بالتقوى). سعيد آل سالم لفت انتباه المجتمع الى امر (لازم يفهمه) وهو أنه تمّ تجهيله وأدلجته لعقود مضت. ثم خاطبهم: انظروا لحالكم وحال المجتمعات الخرى. فكروا وتفكروا فقط!

اما المغردة مها، فبدت منزعجة من وتيرة الطائفية وعلوها فحذرت بأنه يلزم المجتمع ان يفهم أن (الطائفية ليست من صالحك كمواطن، فلننبذها ونحارب العنصرية). والمنتقد مشعل عبر عن طَفَشِه من النقاشات الطائفية المتخلّفة بين الشيعة والسنة.. لا تشغلونا! مازن الحازمي نبه الشعب بأن التدخين هو المضر بالصحة وليس التفكير!

وربما بسبب حالة الإستعلاء السائدة، هناك من اعتقد انه اكثر تدينا وانه يحق له التدخل في امور الناس وتكفيرهم. فلزم تنبيه المجتمع بأن هناك فرق بين السعودية والإسلام! وماجد الماجد اكتفى بقول ابن سينا: بُلينا بقوم يظنّون ان الله لم يهد سواهم! وحقاً هو ذاك. ومازن ذهب الى العُمق:(لازم يفهم المجتمع السعودي بأن إدخال الناس للجنة بالعنوة ليس من اختصاصكم). أي ليس من شأنكم. أكثر من هذا فالدكتورة ريم رأت ان يفهم المجتمع السعودي بأن لا يفرض وصايته على الآخرين وبيته مصنوع من زجاج.

هل هناك وصايا أخرى؟ نعم.

عبدالله الدغيلي رأى وجوب ان يفهم المجتمع ثقافة المطالبة بالحقوق، وحذّر: (السكوت الدائم قد يجعل منّا قنابل موقوتة ستنفجر). وعلي المنصور رأى ضرورة أن يفهم المجتمع أن (نقدنا للدولة من أكبر مسؤول وهو الملك الى حارس مدرسة حارتنا هو حق مشروع لنا). وأنغام حسين رأت ضرورة الصبر على الإبتلاء أن لم يستجب الأمراء للمطالبة بالحقوق. والمغردة فطوم ركزت على فهم المجتمع ماهية حقوقه بالضبط ويطالب بها، فكثير من حقوقه مسلوبة. وتالين الشمّري تقول ايها المجتمع: إفهم بأن (لا وطن بلا حريّة).

ونختم هنا بتغريدة موجهة لمن لا يفهم: فعبارة (تشكيل لجنة) معناها في القاموس (تلايط). واللي يقول لكم الشرع مطبّق عندنا: قلْ له: مطبّق ولاّ فلافل؟!

# اختصر الشعب السعودي في تغريدة

يستطيع السعوديون كشعب أن ينقدوا أنفسهم طالما أنهم يتحدثون فيما بينهم، ولكن يا ويلك ويا سواد ليلك إن كنتَ من جنسية أخرى وتجرّأتَ وكتبتَ حرفاً.. حينها ستنقلب عليكَ الطاولة. علّق مضيف في خطوط الإمارات (وبصمت) سلباً على السعوديين، فسمع ذلك احد الركاب السعوديين وتحول الى هاشتاق ينافح فيه عن الشعب الكريم الأبي الطيّب. في ذات اليوم كان هنالك هذا الهاشتاق الذي يحوي النقائض تماماً، حلّل فيه المواطنون شخصية الشعب كمجموع، لا كأفراد، فكانت التحليلات صاعقة إنْ قرأها أحدٌ من خارج المملكة المحروسة بالنفط والسيف الأمْلَحْ. هذا بعض مما جاء.

أول صفات الشعب السعودي أنه يحب المديح، ويكفّر غيره، وأنه يصنع المشاكل للآخرين، ويتدخّل في شؤونهم، في حين أنه لا يحب من يتدخل في شؤونه. هو شعب يعتقد بأنه الوحيد الذي يفهم الدين، وبقية خلق الله هم من الكفار. هو (حسب المغرد عبدالمحسن) شعب باللغة الشعبية (ملقوف) يتدخل في الدول الأخرى في حين أنه (ماكِلْ تِبِنْ) في بلده. لكن انتصار تقول بأنه أرقى شعب لأنه خرج من بين ظهرانيه ابن باز وابن عثيمين وغازي القصيبي والأمير الشاعر بدر بن عبدالمحسن.

الشعب السعودي بنظر مغرد يعاني من فراغ عاطفي، سببه ـ ويا للعجب ـ هو البعد عن الدين، وليس كثرة التديّن كما يعتقد البعض. ورغم طيبته كما يقول توفيق المروقي فإنه يحب حكامه من طرف واحد، وهم لا يكترثون به وبحبّه، ولذا فإن حقوقه جميعها مهضومة.

ومن أسوأ الصفات: الإستعلاء على الآخرين، وقد يكون من أكثر شعوب العالم عنصرية، أو على الأقل هو عنصري. وهو يعتقد بأنه شعب الله المختار، في حين انه لا يعدو أن يكون: شعب الله المنهار، فهو كما في التغريدات العديدة خَوّارٌ جبانٌ في بلده، وشجاعٌ في بلاد الآخرين. فبعد أن عجز عن أخذ حقوقه في بلده، صار يطالب بحقوق الشعوب الأخرى. ويرى نادر العتيبي ان مشكلة الشعب السعودي أن القمع الحكومي قد سُلّط عليه فأصبح متأثّراً لا مؤثراً.

وتعتقد ريم بأن التغريدات في الهاشتاق تعبّر عن حالة من جلد الذات، ولكنها تتساءل: هل هناك في الأصل شعب سعودي؟غسان يعتقد أنه شعب يستحق الشفقة (بالعامية يِكْسِرْ الخاطِرْ) لماذا؟ لأن ربع احتياطي النفط في العالم تحت قدميه، وهو لا يمتلك شبراً من الأرض.

والمغرد جميل وجد ميزة لدى هذا الشعب، فهو رغم القمع ومصادرة الحريات وغياب الدستور والحقوق السياسية فإنه لازال قادراً على التزاوج. يا لها من سخرية. هناك من ألقى باللوم على ما وصل اليه الشعب على العلماء الجهلة والحكام الظلمة (أي تحالف الوهابية وآل سعود). بيد أن هناك أميراً سعودياً ملحداً اسمه طلال بن عبدالله قال بأنه لو لم يختم نبي الإسلام باب التدليس لظهر كل يوم نبي من بينهم. ترى هل كان يقصد نجد، مركز السلفية ـ الوهابية، التي ظهر منها مسيلمة الكذاب، وسجاح؟

وبنظر مغرد فإن النظام بأفعاله يستفز الشعب ولكن الأخير لا يثور، والكاتبة خلود الفهد تقول بأن الشعب (في مأزق)، ولاما القطيفي تقول بأن من خصوصية الشعب السعودي ان عُقَدَ العالم اجتمعت فيه: العنصريةوالقبلية والطائفية والمناطقية، وأنه لا ينتمي الى وطن بل لعائلة تتوارثه هو وأرضه.

أما الكاتب والمغرد النشط طراد الأسمري، فاختصر الشعب وحيرته وتيهانه بحصان امرؤ القيس ولغرض مختلف: (مِكِرٍّ مِفِرٍّ مُقْبِلٍ مُدْبِرٍ معاً/ كجُلمودِ صخْرٍ حَطّهُ السيلُ منْ عَلِ). والألمعي يقول بأنه شعب يستفتي فيما يعرف، ويُفتي فيما لا يعرف، وأنه يمتهن حقوق الشعوب الأخرى، ثم يستغرب كراهيتها له. وخالد الفراج وصل الى النهاية: انه شعبٌ ميّت:  وهلْ يضرّ الشاةَ سلخها بعد ذبحها؟ لكن سعد آل سالم يخفف الوطأة علينا لأنه شعب شهم ولكن تمّت أدلجته عبر عقود!

الكاتبة تماضر اليامي تقول بأن الشعب بنى من موروثاته أصناماً، ولو جاء من يكسرها، لحفر له حفرة ورماه في نارها. واختصرت ابنة الشيخ سليمان الرشودي رأيها: (شعبٌ مسجون). وآخر: يعيش على البركة ويبذّر الأموال ولكنه بصراحة يحب الإجازة! يعني مو شعبْ شغلْ!

مغردون قالوا إنه شعبٌ (شحّاذ) لحقوقه واتكالي. انه يحب المكرمات الملكية ويفتخر بالمعاريض لنيل بعض حقوقه. لذا يعالج جروحه بمرهم السخرية، وهو متناقض إذ تراه ينتقد الحكومة طيلة ايام السنة إلا أن تعطيه إجازة مطر أو غبار فيحبها فجأة!

ومن صفات هذا الشعب المُسَعْوَدْ انه طويل البال على ظالميه، إلا في السواقة فهو نار الله الموقدة. له أحلام ولكن دونها الأسوار والشبوك التي صادرت كل شيء بما فيها الحلم نفسه. وبسبب القمع الداخلي صار ينفّس عن نفسه بالسياحة والإنفلات في دول الجوار لكي (يفلّ أُمّها).

ترى هل هو شعبٌ لا يعرف حقوقه كما يقول ماجد، أم لا يعرف كيف ينتزعها، أم انه يخشى من دفع ثمن ذلك؟ من التغريدات القاسية قول عبدالعزيز السنيدي: (مطيعٌ لولي أمره، عاصٍ لخالقه، لا يفهم حقوقه؛ حياته مليئة بالكذب والتحايل والغش والمظاهر والتزوير والكبر…. و… شحّاذ).

# السعودية عبارة عن...

مؤلم ان تقرأ رأي مواطنين في بلدهم، فتجد غالبيتهم انها مقبرة لأحلامهم. هذا الوسم في معظمه يجيب على سؤال: كيف يرى السعوديون بلدهم؟ لا بد ان نظرتهم السلبية تصاعدت في السنوات الأخيرة اما بسبب الأزمة الإقتصادية والقمع السياسي، أو لأن الوعي العام جعلهم يرون بلدهم دون المستوى. لنقرأ آراءهم.

هي دولة تناقضات، فالفلوس كثيرة والشعب فقير، والحرامية مرتاحون. ومن التناقضات ان الناقة فيها أغلى من الآدمي، والعيب أشدّ من الحرام. السعودية بنك، والعالم كله يسرق منه، ولكن من يعمل بالبنك (وهم المواطنون) لا يأخذون شيئاً. بمعنى آخر: (نخلة مايلة يطيح ثمرها بحوض الجيران)؛ او هي مجرد كرت شحن للدول المجاورة.

السعودية بنظر المغردين بلد القمع أو هي حسب التعبير: (جمس أسود) يأخذك (وراء الشمس) الى المعتقل.كثيرون قالوا انها سجن كبير؛ أو (تابوت كبير)، او هي ملك وعبيد، بل ان فارس يرى أنها كبر سجن بالعالم، ولكن يوجد به مسجد!

والسعودية بلدٌ منهوب، أرضه، ونفطه وحتى شعبه. هي حسب دحيّم أفندي (شَبكٌ شبكٌ شبكْ) يمتلكه نصّاب. بل هي شبك كبير، كما بدره الشمري، ليس منهوباً فقط، بل سجناً أيضاً. وزيادة على ذلك هي بشوتٌ وفساد؛ أو نفطٌ وتراب، بعضهم يشرب نفطاً، والآخر يأكل تراباً حسب علي الحربي!

المهندس عبدالله قال ان السعودية عبارة عن محطة وقود لا أكثر للدول العظمى، وخزانة مكسورٌ قفلها. او هي مختصرة: (آل سعود وآل الشيخ) او اختصرت في سيفين ونخلة، او سيفين وبرميل نفط. وبعضهم كما عبدالله المهنا رآها مجرد مزرعة (يمتلكها الأمراء بالطبع)، ومحمد ازهري وجدها فرناً كبيراً والعياذ بالله من النار. او هي مكان (تِطْفَشْ فيه الى أن تموت)؛ وطلال بن ثنيان وجدها مجرد محمية كبيرة (لا بد أن تكون محمية امريكية).

الصفحة السابقة