خلفيات المبادرة الروسية

سقوط سيناريوهات الحرب المفضلة سعودياً

محمد فلالي

في 21 آب أغسطس الماضي اشتعلت جبهة الاعلام السعودي والقطري على خلفية الهجوم الكيميائيفي الغوطة، وخصصت (الجزيرة) و(العربية) حملة منظمة ضد النظام السوري، ما أدّى الى نسيان وضياع قضية خان العسل وحلب التي تورّطت المعارضة السورية في قصفهما بالكيمياوي. النظام السوري كان مربكاً ولم يعرف حقيقة ما يجري وما حدث، وهذا ما كشفت عنه المكالمات الهاتفية التي التقطتها الاستخبارات الالكترونية الاسرائيلية، ولذلك وافق النظام السوري على دخول فريق المحققين الى جوبر ولم يذهب هذا الفريق الى خان العسل أو حلب.

كانت مهمة الفريق مقتصرة على: التحقق من مزاعم استعمال السلاح الكيميائي، بمعنى إثبات أو نفي الاستعمال وليس تحديد هوية من استعمله. وضع مهلة زمنية لمدة اسبوعين يثير الاهتمام ويبعث أسئلة حول ما جرى برمته مع أن المكان الذي ضرب بالكيميائي يمكن كشفه فلماذا تؤجل النتائج؟

في واحدة من الروايات المتداولة أن ما تفجّر في جوير هو صناعة يدوية، وأن أحد قيادات المعارضة قال بأنه غنم صاروخاً من الجيش النظامي ولكن لم يحسن استخدامه ولم يعلم بأنه كيميائي. في هذا الوقت وصلت القوات النظامية وسيطرت على مخازن الاسلحة الكيميائية وكان تحت سيطرة المعارضة.

لم يكن لدى الاميركي أي إثبات بأنه سلاح كيميائي من الجيش النظامي، والدليل الوحيد هو المكالمة الهاتفية الذي تمّ تفسيرها بخلاف حقيقتها حيث فسرت على أن قيادة الأركان طلبت من الضابط المسؤول عن الصواريخ بأنه لم يكن من المفروض تجاوز العدد المطلوب من الصواريخ المطلقة، دون تحديد أهدافها.

على أية حال، قررت واشنطن الدخول في الحرب، وتمّ تحديد 50 موقعاً منها 15 موقعاً لجبهة النصرة.

طرحت ثلاثة سيناريوهات للحرب:

الاول: قصف المواقع الصاروخية والمطارات الجوية، وهذا السيناريو يحقق هدفين واحد لإسرائيل بضرب منظومات الصواريخ السورية البالستية منها على وجه الخصوص، والآخر للمعارضة السورية بتعطيل سلاح الجو السوري الذي لعب دوراً كبيراً في الحرب مع الجماعات المسلّحة.

الثانية: ضرب القواعد العسكرية ومخازن الاسلحة الكيميائية، مع خشية من انتشار الغاز الكيمياوي وخطره على المدنيين.

الثالثة: إعادة المعارضة الى ما قبل ستة أشهر حيث كانت تسيطر على مواقع هامة. فمن المعروف بأن أغلب المناطق التي كانت تحت سيطرة الجيش الحر سقطت في يد جبهة النصرة، حتى حرستا ودوما بريف دمشق، والجيش الحر يبتعد الآن 30 كليو متراً عن دمشق.

وتقوم الخطة على إيصال المعارضة من درعا الى دمشق على أساس تجهيز 3 آلاف عنصر مقاتل تمّ تدريبهم في الأردن على ان يستقر هؤلاء في الغوط الشرقية، وحين يطهرون درعا يتم الاعلان عن حكومة مؤقتة فيها ويتم الذهاب الى مؤتمر جنيف 2 من اجل إحداث توازن في المفاوضات مع النظام السوري.

وضعت الخطط وتقررت الميزانية المالية التي تكفّل بندر بتوفيرها، فيما كان مركز التدريب العسكري في الاردن بإشراف أميركي يضطلع بمهمة اعداد المقاتلين ووضع خطط التسلل الى الداخل السوري والتمركز في محيط العاصمة السورية.

في المقابل، دخل مكوّن جديد وفاعل في المشهد السياسي والميداني، متمثلاً في الضغط الايراني: خبراء صواريخ وصلوا الى دمشق واستقروا في فندق محدد ومعلن ووصل خبرهم الى الروس بقصد الضغط.. فيما تحرّكت فرق تابعة لحزب الله متخصصة باطلاق الصواريخ وتعمدت أن تتيح للأقمار الصناعية الاسرائيلية وغيرها بالتقاط الصورة عنها من أجل اثبات جديّة رد الفعل الفوري والواسع على الضربة الاميركية.

الروس أفادوا من هذه المعطيات والجهوزية في التصلب في المواقف وتأكدوا بأن الموقف الايراني وحزب الله جدي ويمكن الرهان عليه.

اوباما يقترح الكيمياوي سلماً للنزول

الاميركيون أعادوا التفكير ولا زالوا مربكين ولكن لم تحسم الأمور ولم تنته القضية.

في لقاء بوتين بندر الشهر الماضي، حاول الاخير أن يستعرض انجازاته قبل عرض الصفقة على بوتين، وراح يتحدث عن اسقاط الاخوان في مصر، وإسقاط حكومة حزب الله في لبنان، وأن لديه مقاتلين في الشيشان يمكن التأثير عليهم، وهو ما اغضب بوتين الذي اعتبر ذلك اقراراً من بندر بأنه يعبث بالأمن القومي الروسي، وأن ذلك ينطوي على ابتزاز على حساب الأمن الروسي.

على أية حال، فإن الصفقة مع الروس لم تنجح، فيما لم يحقق بندر أي انجاز عسكري ميداني كاسر للنظام ويحقق مبدأ توازن القوى. بالنسبة لاسرائيل فهي تشعر بالخطر خصوصاً بعد معركة القصير التي أظهر فيها حزب الله كفاءة قتالية عالية، لما كان يتحضر في القصير وهو ربما يشكل خلفية للعامل الكيميائي الذي دخل على الخط بصورة مفاجئة لجهة احداث ما وصف بتبديل معادلة القتال.. وتالياً تهيئة ظروف الحرب.

مبررات الحرب على سوريا هي:

ـ الضغوط السعودية التركية القطرية الاسرائيلية على الادارة الاميركية، واستعداد السعودية تحمل تكاليف الحرب.

ـ الفشل الميداني للمعارضة، بحيث بات من الممكن أن يستعيد النظام السوري زمام المبادرة وتخريب كل جهود الأطراف المذكورة اعلاه.

ـ انفراط التحالف الإقليمي والدولي حول الملف السوري.

ـ تصدّع جبهة المعارضة وتشققها، بحيث بات انفراط عقدها أقرب الى فرص توحّدها.

بالنسبة للاسرائيلي فهو يخشى الحرب ولكنه يريد ثمارها. مسألتان طارئتان خففتا من اندفاعة الاسرائيليين نحو الحرب: عدم وجود ملاجىء كافية في اسرائيل وأن 49% من الملاجىء غير صالحة، والأخرى عدم وجود أقنعة كافية للحماية من الأسلحة الكيميائية وهذا ما أثار رعباً في اسرائيل.

كل الضغوط التي واجهها أوباما لم تكن بلا نتيجة، وكان يريد الاستفادة منها لجهة توجيه ضربة محدودة. وتشمل الاستهدافات روسيا وايران.

اللافت أن الأميركيين أبلغوا الروس والايرانيين بأنهم سوف يضربون قواعد جبهة النصرة، من أجل تطمينهم على أن الضربة قد تكون لصالحهم أيضاً، ولكن السعوديين سرّبوا الخبر لقيادات النصرة الذين سرعان ما بدّلوا مواقعهم العسكرية ونقلوا معدّاتهم الى أماكن أخرى تفادياً للضربة.

لم يكن الرئيس الأميركي في وارد الدخول في حرب جديدة، وهو الذي وعد ناخبيه بسحب القوات وانهاء الحروب الاميركية في العالم، ولذلك حين تم استدراج اوباما للدخول في حرب لا يريدها.. خضع تحت خدعة المحافظين الجدد بالتعاون مع بندر بن سلطان والاستخبارات المركزية الاميركية السي آي أيه التي قدّمت أدلة ملفقة له حول استخدام السلاح الكيميائي.

الاميركيون طمأنوا الروسي والايراني الى أن الضربة ستكون محدودة في المكان والزمان، ولكن هذه الطمأنة لم ترق لأي من الاطراف المقابلة سواء الروس أو الايرانيين أو حزب الله أو النظام السوري وتصرفوا على أساس أنها الحرب المفتوحة، ولذلك تجهزوا لها بكل الاستعدادات، وقد حصلت الادارة الاميركية على معلومات موثقة عن تحركات ميدانية في لبنان وايران وسوريا جعلت الأميركي واثقاً تماماً الى أن الضربة لن تمر بسلام، وقد تشعل المنطقة بحرب لا يمكن تحملها.

الصحافيون الاجانب تقاطروا على لبنان بأعداد كبيرة من اجل استحصال على تصريحات من مسؤولي حزب الله حول الحرب ورد فعله على الضربة المحتملة، ولكن تعميماً داخلياً صدر من الحزب بمنع الادلاء بأي تصريح لوسائل الاعلام المحلية والاجنبية، الأمر الذي أثار مخاوف لدى الاميركي والاسرائيلي.

لافروف وكيري: اتفاق الخروج من مأزق الحرب

تغيرات سريعة كسرت مناخ الحرب، بدأت أولاً بامتناع ايطاليا واسبانيا والمانيا وكندا عن المشاركة في الضربة العسكرية، وفجأة خرجت بريطانيا من تحالف الحرب بعد تصويت مجلس العموم البريطاني على رفض المشاركة فيها، ولم يبق حينئذ سوى فرنسا التي ربطت قرارها بقرار الادارة الاميركية، فيما كان الداخل الاميركي يتصاعد في معارضة الحرب حيث كشفت استطلاعات الرأي عن أن 60% يعارضون الحرب وأن 29% فقط يؤيدونها، وكذا الحال بالنسبة لهيئة الامم المتحدة التي اعتبر امينها العام بأن أي حرب خارج اطار مجلس الأمن تعتبر غير قانونية.

إضطر أوباما للجوء الى الكونغرس أولاً، وقد تبين ان أغلبيته ضد الحرب، ثم لجأ الى لجنة التحقيق الدولية وانتظار النتائج، كل ذلك للتراجع من الباب الخلفي عن الحرب، فيما كانت أعين الديمقراطيين على الانتخابات البرلمانية الفرعية القادمة وما تتطلبه.

المقابلات التلفزيونية الست التي أجراها أوباما كشفت عن قبول التسوية السياسية وكان ذلك واضحاً في عباراته الصريحة التي قطعت الشك باليقين بأن لا حرب مقبلة وأن طريق الحل السياسي والدبلوماسي قد بدأ.

قمة العشرين في ستراسبورغ الروسية أخفت وراءها حقيقة الاتفاق بين بوتين وأوباما، رغم أن الأخير جاء بفكرة خلاصية، وهي ما كشف عنها وزير الخارجية الروسي لافروف الذي قال بأن مبادرة اخضاع الاسلحة الكيميائية السورية للسيطرة الدولية لم تكن روسية خالصة بل هي بالاتفاق مع الاميركيين. ما لم يقله لافروف أن أوباما هو الذي تناقش مع بوتين هذه الفكرة حتى وان أميط اللثام عنها في وقت لاحق. وهذا ما يفسر ترتيب زيارة وزير الخارجية السوري وليد المعلم الى موسكو بعد قمة العشرين مباشرة، وقبل الاعلان عن المبادرة الروسية، ثم لحق به نائب وزير الخارجية الايراني عبد اللهيان حيث عرض الروسي عليهما تفاصيل المبادرة التي قد يكون الروس اطلعوا الايرانيين على تفاصيلها قبل وصول عبد اللهيان الى موسكو.

المبادرة الروسية وصفت بأنها ضربة ذكية لمشروع بندر بن سلطان والخليجيين عموماً، المنخرطين في النزاع المسلح في سوريا، وكذلك لمعسكر الحرب عموماً. تفاصيل المبادرة خلافية وهناك شد وجذب. الفرنسيون بلغوا بها حد المساومة المستحيلة حين طالبوا باخضاع سوريا تحت الفصل السابع، والذي سريعاً ما رفضته روسيا وسحب المطلب الفرنسي من التداول على وجه السرعة.

لا شك أن الاسرائيليين خسروا الحرب ولكن ربحوا الكيميائي، وهو ما كان يشكل تهديداً وقلقاً شديداً لديهم.

الروس في مبادرتهم اشترطوا ليس تأجيل الضربة العسكرية وانما الغاءها، وهذا ما أكّد عليه الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بأنه من غير الممكن أن تطلب من دولة أن تتخلى عن سلاحها وأن تهدد بضربها. وهذا ما أعاده رئيس النظام السوري بشار الذي قال بأن بلاده لن تقوم بتسليم السلاح الكيميائي قبل أن تتوقف الولايات المتحدة عن تهديداتها بالحرب على سوريا. ولذلك كانت استراتيجية السوري تقوم على وضع كل الاحتمالات على الطاولة.

المبادرة الروسية تشتمل على شقين: عسكري يقوم على اخضاع أو التخلص من الاسلحة الكيميائية، وسياسي بتشكيل حكومة مؤلفة من 10 وزراء من الحكومة الحالية و10 من المستقلين والخلاف كان يدور حول الوزارات السيادية وهذا الشق له صلة بمؤتمر جنيف2.

المطلب الأميركي قد لا يقتصر على اخضاع الكيميائي السوري تحت اشراف دولي، ولكن قد يتطور الى اتلاف واخضاع المعامل والمصانع ومراكز الابحاث وهكذا.

الاميركيون يريدون شيئين من سوريا: الكيميائي والصواريخ البالستية، وما بعد ذلك فليحكم من يحكم لا يهم، سواء كان النظام السوري أو جبهة النصرة. والثاني: قطع علاقة النظام بحزب الله وايران.

ما تخشى منه السعودية بعد المبادرة الروسية الاميركية حول الشق العسكري أن ينسحب الى الشق السياسي بحيث تجد نفسها خارج التسويات السياسية التي بالتأكيد سوف يكون الايراني الطرف الأكثر حضوراً، وقد تؤول الى تسويات على مستوى المنطقة.

الصفحة السابقة