قبل ان ينقلب مرسي على السيسي أكله الأخير!

كيف خدع السعوديون (الإخوان المسلمون)؟

عبدالحميد قدس

مالذي تغيّر في الايام الأخيرة من عهد الرئيس المصري السابق محمد مرسي حتى استطاعت السعودية اختراق مصر؟

في اجتماع خاص لشورى الاخوان، طمأن المرشد العام للجماعة محمد بديع الحاضرين بأن الولايات المتحدة والغرب عموماً تعهدوا بدعم حكومة مرسي بل ودعم تولي الاخوان المسلمين الحكم في أكثر من بلد عربي، وثنّى خيرت الشاطر على كلام بديع الذي أكّد أيضاً على أن الدول الاقليمية الوازنة هي الأخرى تعهدت بدعم حكومة مرسي.

وقبل أربعة شهور من عزل مرسي، إتصل الأخير باللواء أركان حرب أسامة رشدي عسكر قائد الجيش الثالث الميداني في مصر وطلب اللقاء به في قصر الاتحادية. والباعث على اللقاء كان قرار الاخوان الدخول والسيطرة على مؤسسات الجيش والامن والشرطة والقضاء. وبعد بحث عن شخصية اللواء عسكر حصلت قيادة الاخوان على معلومات تفيد بأنه متديّن وأن زوجته محجّبة ويمكن اختياره كقناة للنفوذ الى مؤسسة الجيش.

وصل اللواء عسكر الى القصر والتقى مرسي الذي أثنى عليه وعلى التزامه الديني وأنه يكمن الرهان عليه في قيادة الجيش، ثم عرض عليه تولي وزارة الدفاع بدلاً عن اللواء عبد الفتاح السيسي، وطلب منه البحث عن أشخاص يشاركونه الالتزام الديني من أجل تعيينهم في مناصب قيادية في الجيش بدلاً من القيادات الحالية.

استمع اللواء عسكر لحديث مرسي طويلاً ثم غادر قصر الاتحادية، وتوجّه على الفور الى مقر وزارة الدفاع، والى مكتب السيسي على وجه الخصوص، وأبلغه بكل ما دار في اللقاء مع مرسي، وهنا وضع السيسي خطة عاجلة للإطاحة بحكم الاخوان بدأت بالاتصال بالسعودية والامارات طلباً للمساعدة في خطته، وبارك المسؤولون السعوديون والاماراتيون الخطة، بل وأبدوا استعدادهم لتقديم كل ما من شأنه دعم الانقلاب على حكم الاخوان.

في الوقت نفسه، استدعى السيسي قيادات حركة تمرّد، وشجّعهم على تصعيد خطواتهم، وتقديم كل ما يتطلبه انجاح ثورة 30 يونيو. كما أبدى السيسي استعداده لتقديم كل ما يريده قادة تمرّد من أجل انجاحه، وخصّص لهم موازنة لتمويل نشاطاتهم الاعلامية والجماهيرية. في حقيقة الأمر، يرجع الفضل للسيسي في إدارة حركة تمرّد وإيصالها الى هدفها النهائي في 30 يونيو، حيث استجابت الجماهير المصيرية لنداء الثورة، باستغلال الاخطاء والاجواء السياسية السلبية التي أحاطت بالاخوان وحكم مرسي.

كانت الاوضاع الاقتصادية في مصر عشية 30 يونيو على حافة الهاوية، وقد بلغت أزمة الوقود حداً لا يطاق، بحيث كانت طوابير السيارات على محطات الوقود تمثّل مشهداً رئيساً ويومياً في حياة المصريين، الأمر الذي أنذر بقرب انفجار أزمة سياسية على مستوى وطني.. ولكن ثمة حدث مفاجىء طرأ بعد أربع ساعات من اعتقال الرئيس مرسي، حيث تحرّكت قوافل شاحنات الوقود بطريقة منظمة ومتزامنة الى محطات الوقود، بحيث تمكّنت كل السيارات من الحصول على ما تحتاجه، وغادرت. كان مشهداً لافتاً بل مفاجئاً ذاك الذي جعل من إخلاء محطات الوقود خلال فترة قياسية أمراً مدبّراً، وكأن هناك من أراد إيصال رسالة واضحة للشعب المصري بأن أزمة الوقود سببها حكم الاخوان، والحال أن دول الخليج وخصوصاً السعودية والامارات رفضتا تقديم أي عون لحكم الاخوان.

السيسي ومرسي: تآمر متبادل، وفاز من استعان بالسعودية

تجدر الاشارة الى أن ثمة اتفاقاً كان على وشك أن يبرمه وفد مصري رسمي الى طهران قبل ستة شهور يقضي بحصول مصر على وقود بقروض مؤجلة ومخففة، وحين علمت السعودية بخبر وجود الوفد المصري في طهران وبموعد توقيع الاتفاقية أبرقت الى الحكومة المصرية وأبلغتها بأنها على استعداد لتقديم الوقود الى مصر بتسهيلات مالية مغرية. عاد الوفد المصري الى القاهرة دون توقيع الاتفاق مع طهران باعتبار أن الوقود السعودي سوف يصل الى مصر خلال أيام.. ماذا حدث؟

اكتشفت حكومة مرسي لاحقاً بأن العرض السعودي لا يستهدف سوى قطع الطريق على ايران من الوصول الى مصر وليس من اجل عيون الاخوان، الذين سقطوا في الفخ سريعاً، وثوقاً منهم بوعود ال سعود الزائفة. فلا هم حصلوا على الوقود، ولا استطاعوا ترميم علاقتهم مع ايران بالرغم من تطمينات عماد طنطاوي مدير مكتب الرئيس محمد مرسي للإيرانيين بأن علاقتهم الاستراتيجية هي مع ايران وليس مع أي دولة أخرى، ولكن اكتشف الايرانيون أن تفكير الاخوان في مكان، وفعلهم في مكان آخر. لم يستمع الاخوان لنصائح الايرانيين بعدم الوثوق في الاميركيين لأنهم سوف يتخلون عنهم بسرعة.

خسر الاخوان الرهان على الاميركان وعلى آل سعود، بل إن حركة (تمرّد) التي كان أكثر أعضائها محسوبين على خط الثورة وضد التدخل الاجنبي بما في ذلك الاميركي والسعودي، صار بعضهم يثني بطريقة لافتة على آل سعود، وأن بعضهم اعتذر عن سوء ظنه بآل سعود في السابق واكتشف أنهم (كويسين).. لقد بلع قادة تمرد الطعم السعودي أيضاً.. وهذا قد يفسر تباهي رئيس الاستخبارات العامة بندر بن سلطان أمام بوتين بأن ما حدث في مصر هو صناعة سعودية.

لا ريب أن في ذلك مبالغة، لأن من غير الممكن تحريك ملايين البشر في وقت واحد دون وجود مبررات قوية. وفي الواقع كانت أخطاء الاخوان الفادحة في ادارة الدولة المصرية مسؤولة بصورة مباشرة عما جرى في مصر، وإن باقي العوامل تعتبر مساعدة وثانوية.

هل يعقل أن يخسر الاخوان ألفي عنصر قتلاً في الميادين وتعتقل قياداته بطريقة مهينة وينكّل بهم وتغلق قنواته الفضائية وتضيّق الدنيا على حركته دون أن يحدث ردود فعل شعبية واسعة في مصر لولا أن الاخطاء التي ارتكبها الاخوان، وكذلك التعبئة المضادة التي تعرضوا لها من قبل خصومهم.. تركت جميعاً ردود فعل باهته وفاترة، حتى أن المظاهرات التي كان يسيّرها الاخوان في الآونة الاخيرة فقدت ثقلها الشعبي. فاعداد الضحايا المرتفع لم يحدث ردود فعل غاضبة بين المصريين، وهم الذين رفعوا شعار محاكمة الفلول بعد سقوط عشرات من الثوّار في 25 يناير 2011، بينما سقوط ألفين لم يحدث رد فعل مماثل.

من المؤسف القول أن ما حدث في 30 يونيو هو انقلاب عسكري، ولم تكن الجماهير التي خرجت ذلك اليوم سوى مباركة للانقلاب، لأن الجماهير التي خرجت أسقطت حكم الاخوان، ولكنها نسيت مطالبها بإقامة نظام ديمقراطي وإرساء أسس الدولة العادلة، دولة القانون. هناك مؤشرات تتراكم على أن الفلول يعودون الى السلطة، ولا غرابة أن ينال رئيس النظام السابق حسني مبارك حكم البراءة فيما يبقى رئيس منتخب عبر صناديق الاقتراع وراء قضبان السجن، ولا يسمح له حتى بالظهور على التلفزيون أو حتى الامتثال أمام محكمة علنية، بل كان الحبس الاحتياطي مجرد كذبة لإبقاء مرسي خلف القضبان.

هناك اليوم أحاديث كثيرة عن أن اللواء عبد الفتاح السيسي سوف يرشّح نفسه للرئاسة في مصر، وهناك كل ما يؤكد على أنه سوف يفوز في الانتخابات. السيسي ينفي دائماً ومكرراً بأنه لا يفكر في الرئاسة، ولكن الحقيقة خلاف ذلك.

على مستوى الامة، لا يجب أن يدفع الاخوان ثمن أخطاء حكم مرسي، وأن التدابير الامنية القاسية التي تعرّضوا لها هي في حقيقة الأمر تعكس نزعة انتقامية وهناك من يريد القضاء على كل فرص الاخوان في العملية السياسية رغم الدعوات الشكلية لهم بالمشاركة.

بات معلوماً اليوم بأن هناك من لا يريد للإخوان أن يحكموا ولا أن ينافسوا في الحياة السياسية وخصوصاً السعودية والامارات على قاعدة أن أي نموذج ديني حركي يعني تهديد النموذج الديني في السعودية. الأخيرة ترفض كل نماذج الحكم الديني في العالم لأن ذلك يخضعها للمقارنة ويجعلها دائماً في جبهة النقد.

إن اطاحة حكم الاخوان في مصر جاء على حساب قضايا أخرى مثل القضية الفلسطينية التي تعرّضت هي الاخرى الى تخفيض، تبعاً للعلاقة المتوترة بين حركة حماس والقيادة السياسية الجديدة في مصر.

لابد من تأكيد حق الشعب المصري على اقامة نظام سياسي يقرره بنفسه، بعد التصويت على دستور يلبي تطلعاته وطموحاته، ولكن لا يجب أن يكون ذلك على حساب استقلاله وعروبته وتقدّمه الحضاري.

الصفحة السابقة