من أخبار مملكة العبيد

قال الراوي أن مملكة العبيد تختلف عن غيرها، بمعنى أنها متميّزة، وذات خصوصية. إنها قطعة من الجنّة، على رأسها والٍ لا يجيد قراءة إسمه، يكاد يصبح رسولا، فهو أبخص، والشيخ الأبخص لا يردّ كلامه، ولا يناقش. وحسب شاعر البؤساء:

ماذا أقول؟

والشيخ أبخصُ حين يفعلُ او يقول

حامي الحمى وزعيم أمته،

والله أعلمُ قد يكونُ هو الرسول

هلْ تُرفعُ الأصواتُ، يا هذا على صوت الرسول؟

وكان في مملكة العبيد حاشية تأكل الأخضر واليابس، يسمونها البطانة، سأل وعاظ السلطان الله ان يحولها الى بطانة صالحة، فيما يقول العبيد في مملكتهم، بأن هذه البطانة لن تصلح، اللهم إلا إذا صلحَ إبليس والوالي نفسه. البطانة بمثابة كيس يتعلم الشعب عليه الملاكمة، وهي بهذا تمثل خطاً دفاعياً عن وليّ الأمر.

أما ربوع مملكة العبيد فيصف بعض حالها شاعر البؤساء فيقول:

الليلُ مرخيُّ الجناحْ

والقريةُ الترباءُ سفّتها الرياحْ

مَسَحتْ أزقّتها وقبّلت البطاحْ

وكتائبُ العسسِ المدجّجِ بالسلاحْ

تتثاءبُ الرغوَ المشرّبَ بالنّباحْ

والليلُ مرخيُّ الجناحْ

الليلُ في الوطن الحبيبِ المُستباحْ

يمضي ولا يمضي وأفواهٌ تلاقَفَها المُحاحْ

والرّعبُ مرسومٌ بشاحبةِ الصّفاحْ

يا ليلُ كيفَ رضيتَ أن تئدَ الفلاحْ؟

يا ليلُ كيفَ رضيتَ ان تلدَ السفاحْ؟

عاثوا وكنتَ لهم مِراحْ

أمْ هل خبا فيكَ الضميرُ،

وما تذكّرتَ الصباحْ؟

الشعبُ في مملكة العبيد مشغولٌ حتى الأذقان بلقمة عيشه. رفاهيته الوحيدة انتزعها صدفة بفضل التكنولوجيا، حيث خرج له لسان ليس بالطويل، ولكن له مفعولٌ جيّد، يستطيع به التندّر على ولاته، وفي بعض الأحيان وفي خلسة من الزمن وبأسماء مستعارة، يجلدهم في مواقع التواصل الإجتماعي.

مملكة العبيد مشغولة بالنساء وما له علاقة بها: سواقتها، عملها، حجابها، دراستها، سفرها، محرمها، واجبها وليس حقوقها. اما العبيد من الرجال، فهم أقل رجولة من نسائهم، لا شغل لبعضهم إلا طأطأة الرأس، واستجداء الرغيف، وندب الحظّ العاثر.

مملكة العبيد لها ميزة واحدة، وهي وجود الحرمين فيها، وهي ميزة استخدمها الطغاة لمزيد من استعباد الناس وتضليلهم في الداخل والخارج. لهذا صرخ شاعر البؤساء مخاطباً رسول الإسلام:

قمْ يا محمّدُ وارتحلْ عن أرضهمْ

وانشدْ لقبركَ قبّة خضراءا

فالحقُّ هانَ وزُلزلتْ أركانهُ

وتعاورتهُ النازلاتُ فناءا

والأرضُ من حول المقامِ تشقّقتْ

عطشاً وتُستسقى العداةُ دماءا

همْ يشربونَ الرّاحَ كأساً مُترَعاً

ونخيلُ يثربَ لا يلاقي الماءا

والمسجدُ الأقصى يُحوقلُ يائساً

إنْ يا محمدُ جدّدِ الإسراءا

يا سيدي إنّ المصائبَ جمّةٌ

وجليلُ رُزئكَ طاولَ الأوراءا

يا سيدي نرثيكَ أم ترثي لنا

أنا لستُ أدري منْ أحقُّ رثاءا

قال الراوي: ولاتزال مملكة العبيد في غيّها، ولا يزالُ عبيدها صامتون، حتى خرجت ثلّة منه تحرضه على مواجهة الطغيان واستعادة الكرامة:

إلى الله قمْ أيّها الشعبُ، لا تلتفتْ للنّباحْ

فهذا أوانُ الكفاحْ

أجِبْ داعيَ الله عند الأذانِ،

إذا ما دعا للفلاحْ

توضّأْ بماءِ الطهارةِ،

وامسحْ دماءَ الجراحْ

فهذا أوانُ الصلاةِ،

وهذا زمانُ السلاحْ

وهكذا أصبحت السجون متلاصقة من شرق مملكة العبيد الى غربها؛ وصار القتلُ لمعارضي ولي أمر العبيد عبادة، ولازال المُستعبدون يقدمون رجلاً ويؤخرون أخرى، يخشون من كسر قيودهم، فلازال الوالي لبعضهم ظلّ الله في الأرض، وقد تخسف السماء بفقده او الثورة عليه.. جاءهم صوتٌ من السجون يدعوهم للفلاح لازالوا يتفكرون فيه:

أخي، يا أخيْ، لمَ الإنتظارْ؟

لقدْ ضجّتِ الأرضُ بالظلمِ والفسقِ،

والموبقاتِ الكبارْ

ومهدُ الرسالاتِ والمجدِ والإفتخارْ

ألا ألفُ ويلي إذا قُلتُها:

مرتعاً للسفاهاتِ أو مربعاً للقمارْ

أخي.. فلتدمّر مرابعهمْ

فلتزعزعْ مضاجعهمْ

فلتفجّرْ موانعهمْ

دعْ كلّ شبرٍ من الأرض،

يهتزّ للإنفجارْ

وختم الراوي، بأن الملك الضال، وبعد اجتماع مع البطانة، قرّر صرفَ ربطة برسيم لكل عبد، لتأجيل موعد الإنفجار.

أكل اكثرهم العلف وناموا يدعون له: الله لا يغيّر علينا!

الصفحة السابقة