تقسيم مملكة آل سعود الى 5 دول

هناك ثقافات متباينة، وهويات قبلية متمايزة، وتوترات مذهبية تحكم بالقوة وبإسم
إسلام وهّابي صارم، وتعاني من خلل بنيوي وحكم أقلّوي مذهبي ومناطقي

عبدالحميد قدس

مشروع تقسيم السعودية، بفعل فاعل أو في ضوء المسار التاريخي للدول نهوضاً وانهياراً ليس جديداً، بل يمكن القول بأنه لا يكاد يذكر التقسيم في الشرق الأوسط، إلا وتكون السعودية من بين الدول الرئيسية التي سوف تخضع لتقسيم ما.

هل هي مصادفة أن تأتي مقالة روبن رايت في (نيويورك تايمز) حول التقسيم في 28 سبتمبر الماضي بعد مقالة أخرى تتحدث عن تفكك السعودية للكاتبة والباحثة في شؤون السعودية والشرق الأوسط ساندرا ماكي والمنشورة في موقع (ناشيونال انترست) في 13 سبتمبر الماضي؟

لماذا يصبح الحديث عن تقسيم السعودية أساساً مع أنها لا تعيش أوضاعاً استثنائية كالتي تعيشها الدول الاربع الأخرى الواردة في مقالة رايت، أي اليمن والعراق وسوريا وليبيا، التي شهدت إما ثورات، أو حروب أهلية، ويفترض أن المملكة دولة مستقرة نسبياً من الناحية الأمنية، سوى بعض المظاهرات المتفرقة؟

في حقيقة الأمر، أن التقسيم ليس خياراً ولا قراراً، ولا صلة له بأوضاع راهنة أمنية وسياسية، بل هو مآل بنيوي ونتيجة لابد أن يصل اليها الكيان السعودي في لحظة تاريخية ما، لأن الأسس التي نشأ عليها لا توفر له البقاء طويلاً، فضلاً عن أن تبقي الكيان متماسكاً، وليس بهكذا أسس تنشأ الدول، ولا بها أيضاً تستمد مشروعية أنظمة الحكم فيها..

روبن رايت، الكاتبة والباحثة في شؤون الشرق الأوسط، ومؤلفة كتاب (العنف المقدّس) أوردت خارطة تقسيم 5 دول عربية الى 14 دولة، وهي اليمن والسعودية وليبيا وسوريا والعراق. وحين تأتي على السعودية تذكر بأن كل التجارة السعودية تقريباً تتم عبر البحر، وأن منفذاً مباشراً على بحر العرب سيقلّص الاعتماد على الخليج الفارسي وكذلك المخاوف من قدرة ايران على إغلاق مضيق هرمز.

في موضوع تقسيم السعودية ترسم رايت خارطة تقوم على اعتبارات قبلية ومذهبية واقتصادية. وترى بأن السعودية تواجه انقساماتها الداخلية المقموعة التي قد تبرز الى السطح مع انتقال السلطة الى الجيل التالي من الأمراء..

وتقول رايت بأن وحدة المملكة مهدّدة أيضاً بفعل الخلافات القبلية، والانقسام السني الشيعي والتحديات الاقتصادية. وبذلك يمكن أن تنقسم الى خمس مناطق سبقت قيام الدولة الحديثة.

تبدأ رايت مقالتها بالقول بأن خارطة الشرق الأوسط الحديث، المحور السياسي والاقتصادي في النظام الدولي، في حال تشظي. الحرب المدّمرة في سوريا هي نقطة التحوّل. ولكن القوى المركزية للمعتقدات المتنافسة، والقبائل، والاثنيات ـ والتي استقوت بواسطة التداعيات غير المقصودة للربيع العربي ـ تفضي الى تفكيك منطقة تمّ تحددها من قبل القوى الاستعمارية الأوروبية قبل قرن ودافع عنها طغاة العرب مذذاك.

خارطة مختلفة سوف تكون مغيّر اللعبة الاستراتيجية للجميع، وسوف تفضي ضمنياً الى إعادة تشكيل التحالفات، والتحديات الامنية، والتجارة وتدفق الطاقة للكثير من أجزاء العالم أيضاً.

الخارطة الجديدة قد تكون أكثر جاذبية. العرب مهتمّون بجزء من جنوب اليمن الذي قد يندمج في نهاية المطاف في السعودية. فكثير من الجنوبيين هم سنة، كما هو الحال نفسه بالنسبة لمعظم السعودية، وهناك الكثيرون لديهم عوائل في المملكة. العرب الأشد فقراً، اليمنيون قد يفيدوا من الاثرياء السعوديين. في المقابل، فإن السعوديين سوف يحصلوا على منفذ الى بحر العرب للتجارة، بما يؤدي الى تقليص اعتمادهم على الخليج الفارسي والخوف من السيطرة الفعلية لإيران على مضيق هرمز.

الأفكار الأكثر روعة تتعلق ببلقنة السعودية، التي هي الآن في الدورة الثالثة لبلد قام بدمج القبائل المتنافسة عن طريق القوة تحت إسلام وهابي صارم. وتبدو السعودية محصّنة عملياً في ناطحات سحاب عالية من زجاج وفي طرق سريعة (هاي وي) من ثمانية مسارب، ولكن لا يزال هناك ثقافات متباينة، وهويات قبلية متميزة، وتوترات بين الأغلبية السنيّة والأقلية الشيعية، وبصورة واضحة في الشرق الغني بالنفط.

التوترات الاجتماعية تزداد عمقاً بسبب الفساد المستشري ونحو 30 بالمئة من البطالة الشبابية في بلد منغمس في الملذات الذي قد يكون عليه استيرادالنفط بعد عقدين. وحيث أن الملكية تنتقل الى الجيل الجديد، فإن على العائلة المالكة في السعودية إنشاء عائلة حاكمة جديدة من آلاف الأمراء، وهي عملية جدلية.

الخمس الدول المقترحة من قبل رايت هي: في الوسط وهابيستان، وفي المنطقة الغربية (غرب الجزيرة العربية)، و(شمال الجزيرة العربية)، و(جنوب الجزيرة العربية)، و(شرق الجزيرة العربية)..قد تبدو الخارطة مستغربة الى حد ما كونها تقوم على التقسيم الاداري الحالي، ولكن في خلفيات الخارطة ثمة معالم منفصلة ومميزة تاريخية وثقافية واجتماعية وسياسية قد تبدّل الأسماء هنا وتعيد إحياء الأسماء القديمة كالاشراف والادارسة وغيرها.

الصفحة السابقة