السعودية ـ قطر ـ تركيا

صراع الثالوث في سوريا

سعدالدين منصوري

لا خيار آخر أمام من وضع كل بيضه في سلة الحرب سوى الاستمرار فيها وقطع السبل على الخيارات الأخرى، هكذا هو حال السعودية في الملف السوري. نعم ما تقوم به السعودية من تكتيكات بعد الغاء الضربة العسكرية الأميركية لا يندرج في سياق التأييد لما بعده، أي مؤتمر جنيف 2، وإنما هو انتقال الى تكتيك آخر في سياق الحرب أيضاً، وبحسب ما نقلت السفير في 26 سبتمبر الماضي عن مصدر سوري معارض قوله إن السياسات السعودية بدأت (انتقالاً منظّماً إلى الخطة ب، لقطع الطريق على أي تسوية سياسية وشيكة محتملة للأزمة السورية).

يقول المصدر نفسه بأن هذا التحوّل يأتي في سياق (ردّ سعودي ممنهج على التوافق الأميركي الروسي بخصوص العديد من الملفات المتعلقة بالأزمة السورية، والذي يندرج في سياقه التقارب الغربي الإيراني) الأمر الذي استشعر السعوديون من خلاله (مخاطر تسويات كبرى تسير خلافاً لأهوائهم).

من مؤشرات هذا التحوّل كان نزع الشرعية عن الائتلاف السوري المعارض من قبل الجماعات المسلّحة المرتبطة بالسعودية والذي يجعل من الذهاب الى جنيف أمراً لا طائل منه، وهو ما سيقود بالتالي إلى إرجاء المؤتمر الى أجل غير مسمى بالتزامن مع تصعيد عسكري جديد وشيك في دمشق ومحيطها على وجه التحديد. وقد أشار المبعوث الدولي الأخضر الابراهيمي في 5 أكتوبر الجاري الى عدم تحديد موعد لمؤتمر جنيف 2 بل وعدم تأكيد انعقاده.

بدا واضحاً منذ بدء مؤشرات التقارب الاميركي الايراني أن تحركاً سعودياً منفرداً يهدف الى تقويض التقارب وأيضاً منع انعقاد مؤتمر جنيف 2، وذلك عبر تشكيل ائتلاف من مجموعات مسلحة في ريف دمشق يعارض الائتلاف السوري المعارض والحكومة المؤقتة برئاسة أحمد طعمة، والهدف من التشكيل هو قطع الطريق على الائتلاف والحكومة المؤقتة المدعومة من واشنطن من أن تنفرد بتمثل المعارضة في جنيف 2.

المصدر المعارض تحدّث أيضاً عن دور محوري للواء الاسلام بزعامة زهران علوش الذي يعتبر رجل السعودية الأول داخل المجموعات المسلّحة في سوريا، ويقود فصيلاً منظماً يعمل تحت إشراف الاستخبارات السعودية بشكل مباشر. وأضاف المصدر بأن إنهاء دور الائتلاف الوطني السوري هو (تجسيد لإستراتيجية سعودية تقوم على إبعاد المجموعات المسلحة عن أي تمثيل فعلي داخل المجالس والهيئات السياسية المعارضة، بحيث يتم لعب ورقة هذه المجموعات في اللحظة المناسبة لرفع الغطاء عن الهيئات السياسية، التي تتم ترضيتها بالطرق المعهود دون مقدمات تفجّرت الجماعات المسلّحة في سوريا في هيئة انشقاقات متوالية منذ انطلاق الحديث عن تسوية في الملف السوري وفي العلاقة بين ايران والغرب ة)، مشيراً في هذا السياق إلى أن (البيان الرقم 1 لم يكن مفاجئاً لرموز الائتلاف الذين وضعوا في صورته قبل الإعلان عنه، وتم ذلك خلال اللقاء الذي عُقد بين وفد الائتلاف برئاسة أحمد الجربا، ووزير الخارجية السعودي الأمير سعود الفيصل، في مقر إقامة الأخير في نيويورك، وهو النشاط الأول الذي قام به وفد الائتلاف بمجرد وصوله إلى الولايات المتحدة).

مقاتلون من داعش: القاعدة احتلت مسرح الثورة السورية

فدون مقدمات تفجّرت الجماعات المسلّحة في سوريا في هيئة انشقاقات متوالية منذ انطلاق الحديث عن تسوية في الملف السوري وفي العلاقة بين ايران والغرب خلال تواجد الرئيس الايراني روحاني في نيويورك. وتتواصل الاشتباكات بين الجيش السوري الحر ومجموعات (داعش) حيث تتوسع رقعة الاشتباكات في شتى المناطق السورية، حيث تتواجد المجموعات المسلحة، هذه المعارك تعتبر معارك إقليمية بالوكالة، تحصل بين أجهزة الإستخبارات السعودية والقطرية وكذلك التركية.

بات معروفا أن هناك خلافات كبيرة بين قطر والسعودية، وأن العلاقات بين البلدين تشهد توتراً مستمراً، وهناك ايضاً خلافات سياسية على العديد من القضايا، ويسعى البلدان الى بسط نفوذهما اقليمياً، كما يوجد خلاف كبير بين جماعة (الاخوان المسلمين) المدعومة من تركيا وقطر و(الوهابية) السعودية. أما الخلاف بين تركيا والسعودية، فهما وإن كان تجمعهما الأزمة السورية، إلا أن هناك خلافات عميقة بينهما، فتركيا الاردوغانية هي تركيا إخوانية، وهنا يبدأ الخلاف، كما أن تركيا تزاحم السعودية على الريادة الاقليمية، الا ان الاتراك ازاحوا انفسهم عما يحصل.

وبعد تعاون كبير بين أجهزة المخابرات في البلدان الثلاث، بدأت تطفو الخلافات على السطح، لتتحول من خلافات على الأموال والمصالح الى خلافات عسكرية موسّعة، وتبدأ الحرب بين البلدان الثلاث بطريقة مستعرة ومستترة على الأرض السورية وبأدوات متعددة. وتوسعت الرقعة اليوم لتتحول من افتراس داخلي بين جماعات مرتبطة بأجهزة الاستخبارات في كل من السعودية وتركيا وقطر

وقد كشفت معلومات أن مجموعات (داعش) تدعمها المخابرات السعودية، للقضاء على الجيش الحر، االمدعوم من تركيا تنظيمياً واستخبارياً وعسكرياً ومن قطر مالياً، والمجموعات التي تريد الالتقاء معها من (جبهة النصرة)، وذلك لأن السعودية تريد بسط سيطرتها على كامل سوريا، ولا تريد ان يقف أحد بوجهها.

وتشير المعلومات الى أنه في السابق كانت السعودية، تدعم مجموعات جبهة النصرة، الا أن الأخيرة لم تأتمر بأوامر المخابرات السعودية دائماً ما جعل السعودية تنقم عليها، وبهذه المعارك تكون السعودية تضرب عصفورين بحجر واحد، من خلال القضاء على الجيش الحر وجبهة النصرة، وكسر شوكة القطريين وإزاحة الأتراك عن الساحة والا سيتم ضرب حدودهم).

تبدو في الظاهر معارك بين توجّهات عقدية وسياسية ولكن في جوهرها مخطط سعودي لتدمير الطريق الى جنيف 2، ولذلك تبدو وكأنها حرب استنزاف شديدة الشراسة بين مقاتلي الدولة الإسلامية في العراق والشام (داعش)، وجماعات الجيش الحر. حيث انفجر النزاع الدموي المسلّح بعد مناوشات قامت بها داعش ضد قياديين في الجيش الحر في دير الزور والحسكة وحلب عبر سلسلة اغتيالات وذبح ورمي بالرصاص في الساحات العامة تحت عنوان تطبيق الشريعة، ما دفع بالجيش الحر لطلب المساعدة من الاتراك والاميركيين والاوروبيين لتقديم السلاح والعتاد والاموال له.

ما يحصل بين داعش والجيش الحر يخفي صراع النفوذ التركي السعودي، حيث تحوّلت السعودية الى مصدر تمويل لكل الجماعات المسلحة القاعدية او السلفية على السواء، وأن تشكيل ائتلاف جيش الاسلام لا يعني التناقض مع داعش أو النصرة، حيث أكّدت مصادر عديدة على تنسيق تام ووثيق بين قيادات القاعدة مع الاستخبارات السعودية ممثلة في الأمير سلمان بن سلطان، الاخ غير الشقيق للأمير بندر بن سلطان، ونائب وزيرالدفاع الحالي.، فيما لا تزال تركيا تمثّل الراعي الرسمي للجيش الحر، الذي تتواجد قياداته السابقة والحالية مثل رياض الأسعد وسليم إدريس على الأراضي التركية.

ولا شك أن السعودية التي نجحت بالتعاون مع ضباط في الجيش المصري بإطاحة حكم الاخوان المسلمين، الأمر الذي أغضب رئيس الوزراء التركي رجب أردوغان، وانعكس ذلك على علاقاته مع الرياض، حيث سعت الأخيرة بعد تسلّم بندر بن سلطان الملف السوري من القطريين الى تقليص الدور التركي في الساحة السورية.

سعت استانبول للاحتفاظ وتعزيز مواقعها في الشمال السوري، وخصوصاً في حلب وريفها، إلا أنها واجهت تحديات كبيرة فرضها تواجد مجموعات قاعدية على الحدود. وكانت السلطات التركية قد أعلنت في 23 مايو الماضي وبعد تفجيرات الريحانية داخل الاراضي التركية والتي تبنتها القاعدة بأن تبني سوراً على الحدود مع سوريا لمسافة 2.5 كيلو متراً لمنع تسلل عناصر (داعش).

ومع اندلاع واحتدام المعارك بين الجيش الحر وداعش في 7 أكتوبر الجاري بدا واضحاً أن الخلاف التركي السعودي قد بلغ مستوى متقدّماً، حيث تحتدم المعارك في المناطق الخاضعة تحت سيطرة الجيش الحر في إعزاز وباب الهوى وإدلب، ولم يكن تقدم جماعات داعش على هذه الخطوة الا بضوء أخضر سعودي لمسلحي دولة العراق لوضع اليد على هذه المناطق، وأرادت الرياض من هذا الموضوع امتلاك أوراق قوة لمقايضتها في أي تسوية مقبلة، بعد أن كانت تخضع هذه المناطق لمجموعات مسلحة مرتبطة بجهاز الاستخبارات التركي، بل إن سيطرة داعش على مناطق حدودية سورية هي رسالة إلى تركيا بالدرجة الأولى.

في حقيقة الأمر، أن السعودية تأمل من خلال انخراط الجماعات المسلّحة المرتبطة بها في معارك مع الجماعات الأخرى المرتبة بتركيا أو قطر أو حتى الأميركيين بأن تملك أوراق التفاوض بالكامل في يدها، وأن تحكم قبضتها على مستقبل التسوية في سوريا.

لا يبدو أن الاتراك في وارد التنازل عن مكتسبات دفعوا من أجلها أثمان باهظة من أمنهم واستقرار بلدهم، وفتحوا حدودهم لمرور العتاد والمسلّحين الى سوريا، فكانت تركيا ممراً ومقرّاً لمجموعات كبيرة من المقاتلين من أرجاء العالم. السعودية التي تريد السيطرة على الملف السوري تشكّل اليوم منافساً جديّاً للأتراك، الذين لا يريدون رؤية خسارة أخرى كتلك التي دفعوها في مصر.

في جعبة بندر بن سلطان الكثير من الأحلام، وليست بالضرورة قابلة للتحقّق، ولاشك أن الشرق الأوسط عموماً والشطر الشرقي منه على وجه التحديد ليس مكاناً مريحاً لأحلامه، ولكنّه يسعى لأن يجعل منه أرضاً غير خصبة لأحلام الآخرين أيضاً. ويبدو الطموح الإقليمي لدى التركي والسعودي على المحك في هذه الأيام، مع الحديث عن التسويات خصوصاً وأن الطرفين التزما خياراً واحداً في الملف السوري وهو الخيار العسكري، ما يجعل أي كلام عن تسوية خارجاً عن نطاق اهتمام الطرفين التركي والسعودي..

حرب التصفيات الشرسة بين الجماعات المسلّحة الكبرى خصوصاً داعش والجيش الحر والنصرة وقد تنفتح جبهات القتال على مشاركة أطراف أخرى تجعل التركي يميل الى التنسيق مع واشنطن في دعم الجيش الحر والحكومة المؤقتة باعتبارها خياراً أميركياً، فيما ترى واشنطن بأن توفير الدعم لجماعات دينية مسلّحة مرتبطة بالرياض، رغم التطمينات التي قدّمها بندرر بن سلطان للإدارة الأميركية بامكانية ضبط الوظيفة الميدانية لهذه الجماعات، على أن التجارب السابقة أثبتت بأن بندر بن سلطان بالتعاون مع الاستخبارات المركزية الاميركية السي آي أيه ساعدت في تدريب وتجنيد جماعات قاعدية مثل فتح الاسلام في نهر البارد وتخلت عنها لاحقاً، فانتظم عناصرها في مجموعات قاعدية غير مسيطر عليها..

اليوم تخشى تركيا بأن تفقد السيطرة على الجماعات المسلحة العاملة على حدودها، وأن ما حذّر منه قادة عسكريون من أن آلاف المقاتلين من القاعدة الذين يتحركون على حدود تركيا سوف يصبحوا يوما ما على الاراضي التركية وقد يقيموا مشروع الإمارة الاسلامية، أن لم تستخدمهم السعودية كورقة للضغط على تركيا.

الصفحة السابقة