صقور العائلة يختطفون مملكة الإرهاب والفشل

ناصر عنقاوي

مالذي تستطيع المملكة العربية السعودية فعله غداة بدء الحوار الاميركي الايراني؟

مشكلة المملكة انها من دون سبب واضح تخلت عن سياستها التقليدية التي عرفت بها منذ عدة عقود باعتبارها دولة تميل الى ديبلوماسية المصالحة والوساطة بين الاشقاء او الاصدقاء. اختطف صقور العائلة الحاكمة ديبلوماسيتها واستبدلوا بها سياسة المحاور، وتصدروا المشهد الصدامي في النزاعات الاقليمية.

ومن دون حساب للمصالح الوطنية والامكانات الفعلية، صنفت السعودية نفسها راعية للارهاب العالمي والتشدد الديني بل والمذهبي، ولما اصطدمت مع (حليفها) الاكبر الاميركي اثر انقلاب المجموعات الارهابية على رعاتها، اضطرت السعودية الى تقديم المزيد من التنازلات السيادية، ومن بينها الاستسلام التام للسياسات الاجنبية، او المخططات الاجنبية التي تستهدف المنطقة.

الوضع ازداد سوءا لأن هذه التطورات حدثت في فترة حكم اليمين المتطرف في الولايات المتحدة بزعامة جورج بوش الابن، الذي قسم العالم الى فسطاطين: عالم الاخيار وعالم الاشرار. وككل المتعصبين والمتطرفين لم يعد هناك مكان للوسطية عند الادارة الاميركية.

وبدافع من الرعب المتأصل في العائلة الحاكمة، ولكي تدفع تهمة دعم الارهاب والتطرف عن نفسها، اندفع امراء العائلة السعودية الممسكين بالقرار الديبلوماسي يزايدون على المحافظين الجدد في واشنطن، وراحوا يروجون مشاعر العداء مع أعداء واشنطن، وتبنوا نظرية العداء بل الحرب ضد ايران، ووضعوا الصراع معها اولوية سياسية لهم، مفتعلين الخلافات، او نافخين في التناقضات الطائفية والمصالح لتكبير حجمها وتبرير سياساتهم المتحالفة مع الصهاينة.

عمّق الامراء علاقاتهم بالاجهزة الامنية الاميركية ونسقوا معها سياساتهم، ودبروا للأزمة السورية في سباق محموم مع نظرائهم القطريين. لم يسقط النظام كما حدث في تونس وليبيا ومصر، وما عاد بامكانهم العودة الى الوراء. فضخوا الاموال بلا حساب، واستوردوا المجموعات الارهابية التكفيرية من كل بقاع الارض، وجهدوا في تحويل ثقافة السوريين الوطنية والقومية الى ثقافة مذهبية حاقدة، وامعنوا في قتل الأبرياء، املا في تحقيق انتصار ولو على الخرائب والانقاض.

الاسرائيليون والصهاينة كانوا اشد فرحا بهذه السياسة، فهي كيفما قلبتها تخدم استراتيجيتهم بعيدة المدى: تدمير سوريا وجيشها، ذر رياح الفتنة المذهبية بين المسلمين، تهجير المسيحيين، تعميق الخلافات العربية والقضاء على اي امكانية للتضامن العربي، تمكين الفكر المتطرف في المجتمعات العدوة وهو ما يكفي لاشغال المنطقة الف عام بالصراعات والتحارب. والنتيجة لا احد يهدد الكيان الاسرائيلي في الامد المنظور.

بعقله البراغماتي البارد استنتج الاميركي ان التطورات لا تسير كما يشاء. فبعد سنتين ونصف السنة من الصراع استنفد كل ادوات الصراع والحرب، وشغل كل ادواته و(حلفائه) في المنطقة مجتمعين ومنفردين، من اردوغان الى امراء ومشايخ النفط الى جيش الارهاب الذي اصبح يضم عشرات الالاف، ومع ذلك لم ينجز هؤلاء المهمة ولم يحققوا الهدف.

وفي المقابل تحولت روسيا بفضل الأزمة السورية الى صدارة القوى الدولية لا يمكن تجاوزها، وتفردت ايران بالقوة الاقليمية وهي تواصل تطوير ترسانتها العلمية والعسكرية، والاخطر من ذلك ان المقاومة التي حاول الاميركي ان يحجمها بالقرار 1701 ويكبل حركتها بتعقيدات الوضع السياسي اللبناني انتشرت في مساحة تساوي ثلاثة اضعاف مساحة لبنان وتحولت الى قوة ضاربة بامكانها ان تحسم الصراع في أي بقعة دخلت اليها.

الاميركي ادرك انه صار مضطرا لخوض الحرب مباشرة بعد ان ادارها من المقعد الخلفي. ولما هدد باستخدام القوة اصطدم باستعداد الخصم للمواجهة وانهيار جبهته الداخلية، سياسيا واقتصاديا.

لم تفلح العقلية السعودية الحاكمة ان تواكب العقلانية الاميركية. هالها امر الاستدارة التي نفذها الرئيس باراك اوباما لاعادة التموضع في العلاقة مع اعداء الامس. صنفت نفسها خاسرة من الحوار ولم تدرك انها الطرف الاضعف في المواجهة ايضا.

عقلية قبلية جافة لا تفهم مرونة الديبلوماسية والتنازل والحلول الوسطى.. مرة أخرى هي لا تقرأ خارطة مصالحها، ولا تتصرف بناء على حسابات امكاناتها وقدراتها، هي سياسة اقرب الى منهج الانتحاريين اليائسين، تقلد منهجيات التكفيريين الذين اوجدتهم لصراع خصومها.

الاسوأ والاخطر ان امراء المملكة يشعرون ان واشنطن تخلت عنهم. يصدقون انهم كانوا يخوضون معركة تخصهم، وليس معركة بالوكالة ونيابة عن واشنطن نفسها. لم يسألوا أنفسهم يوما: ماذا إن لم يتم ربح المعركة في سوريا؟ ماذا لو اصطلحت العلاقات الاميركية الايرانية بعد صراع دام 35 عاماً؟ ماذا انقلب السيسي عليهم؟ لم يعد أمامهم اليوم الا جهة واحدة يلتحفون بغطائها، ويتبادلون معها النصيحة: انها اسرائيل! فالصهاينة وحدهم يرغبون في مواصلة مسلسل الدمار والخراب في المنطقة وليس في سوريا فحسب. وهؤلاء وحدهم لا يحسيون حساب الخسائر من جيوب غيرهم، وهؤلاء وحدهم لن يكونوا آسفين اذا انفقت السعودية مداخيل شعبها النفطية بعيدا عن التنمية والبناء، وسيزداد فرحهم لو هزمت السعودية وعادت فلول الارهابيين تكمل مهمة التدمير والقتل المجاني فيها.

هؤلاء وحدهم تناسبهم انفعالية امراء السعودية المصرين على مواصلة الحشد للحرب وتمويل الارهاب حتى لو كان من خارج الاستراتيجية الاميركية.

فهل سنتستغرب بعد من انباء اللقاءات والاجتماعات بين امراء سعوديين ومسؤولين صهاينة؟ انه جنون الامراء.. فمن يوقف جنونهم؟

الصفحة السابقة