لن تُسجن الحرية..

وليد أبو الخير

يحي مفتي

(لم ينقضي المشوار بعد... وسأسجن قريباً كما قيل لي.. لكن لن تُسجن الحرية أبداً). كان هذا تعليق المحامي والناشط الحقوقي وليد أبو الخير بعد اطلاق سراحه. استدعي وليد للتحقيق معه حول استضافته في شقته المتواضعة عدداً من الإصلاحيين وسمى مجلسه (ديوانية الصمود). بعد نقاش في مركز الشرطة تم توقيفه بأمر امير مكة خالد الفيصل. وقبلها بيوم كانت محكمتان تلاحقانه بتهم سياسية، واحدة في الرياض والأخرى في جدة والمسافة بينهما اكثر من ألف كيلومتر. غرض السلطة واضح، ولكنها فترة حالكة لنشطاء حقوق الإنسان (وطوبى لمن صبر)، فستصبح الملاحقات الأمنية في خبر كان ونكتة وتاريخاً، كما يقول وليد، والذي أوصى زملائه: (لا تتخلوا عن أوطانكم).

وكان وليد ابو الخير قد دافع عن المعتقلين في مناطق شتى متجاوزاً اطر المذهب والقبيلة والمنطقة، وكان همّه الدفاع عن الناشطين الحقوقيين حيث كان واحداً من المدافعين عن اصلاحيي جدة، كما رفع دعوى ضد جهاز المباحث لاعتقاله موكله دون اتهام. وبسبب ذلك شنعت به السلطات على مواقع التواصل الاجتماعي، وهددت والده بالاعتقال في يوليو ٢٠٠٩، كي يضغط على ابنه فيوقف نشاطاته والتي كان من بينها الدعوة الى اصلاحات سياسية، حيث وقع على عريضتي نحو دولة الحقوق والمؤسسات، والإعلان الوطني للإصلاح.

في يناير ٢٠١٣ منعته السلطات من السفر، حيث كان مقرراً ان يستلم جائزة اولف بالمه السويدية تقديراً لنضاله القوي والمستمر من اجل تعزيز احترام حقوق الإنسان، فكان ان تسلمت الجائزة زوجته الناشطة هي الأخرى سمر بدوي.

منذ ٢٠١١ وحتى الآن، لازال وليد يجرجر من محكمة الى اخرى، بتهم مثل: «ازدراء القضاء» و»التواصل مع جهات أجنبية» و»المطالبة بملكية دستورية» و»المشاركة في الإعلام لتشويه سمعة البلاد» و»تحريض الرأي العام ضد النظام العام للبلاد».

العديد من المنظمات الدولية دافعت عن وليد ابو الخير ونددت باجراءات السلطات التضييقية، وكان آخر ما صدر بشأنه، بيان من مركز الخليج لحقوق الإنسان، الذي أكد استهداف السلطات السعودية له.

ودعا المركز السلطات السعودية الى إسقاط جميع التهم ضد وليد أبو الخير فورا ودون قيد أو شرط؛ وتمكين مرصد حقوق الإنسان السعودي وغيره من منظمات حقوق الإنسان للعمل دون مضايقة، وتوفير الحماية للمدافعين عن حقوق الإنسان بدلاً من اعتقالهم.

ردود فعل غاضبة

لم تمض سوى أربع وعشرين ساعة على اعتقال ابو الخير حتى أطلق سراحه، حيث اصطف معه الحقوقيون جميعاً، والعديد من المثقفين والأحرار، في تظاهرة على مواقع التواصل الاجتماعي قلّ نظيرها، رغم وجود جيش تويتر التابع لرجال المباحث، وحضوره الهائل في التحريض على قتل وليد او طرده من البلاد، واصمينه بكل ما هو سلبي وقبيح.

(انها بلد العبودية، وهي خارج التاريخ)، هكذا كان تعليق الدكتور متروك الفالح، الناشط السياسي، واستاذ العلوم السياسية السابق، على اعتقال وليد ابو الخير. صالح المحضار قال كلمة معبّرة: (إيقافك حريةٌ لك؛ وسجنٌ لنا).  وسكينة المشيخص اوردت قولاً لجيفارا: (ان الطريق مظلم وحالك، فإذا لم تحترق انتَ، وأنا، فمن سينير الطريق؟).

الكاتب والناشط عصام الزامل، غمز السلطات التي تعتقل الإصلاحيين وتتغاضى عن المفسدين، بسؤال: (وشْ أخبار المتسببين في كارثة جدة؟ وين بيكونوا بإجازة الحج؟ في باريس أم لندن؟).

ايضاً أدلت الأكاديمية د. مضاوي الرشيد بدلوها: (هي محاولة من الحكومة السعودية لإخراس النشطاء والإصلاحيين)؛ واضافت: الحكومة تريد مواطن مطيع، لا يسأل عن القمع. من الصعب أن تجد أمثال هؤلاء هذه الأيام).

وتوقع الكاتب بدر الإبراهيم ان لا تتوقف الحكومة عن سياستها في ضرب الإصلاحيين، لأنها لن تتمكن من اخراس الجميع. واسف الاصلاحي مخلف الشمري لما جرى لوليد من معاملة امنية في حين يتم مناصحة الفئة الضالة. واضاف بان ما جرى يخالف الشرع والنظام الأساسي للحكم والقانون، وطالب بحرية الرأي.

وحذر الناشط فواز الحربي بأن هناك موقوف من كل جزء من أرض الوطن، وأن الفاتورة تزيد والحساب يكبر، في حين ان الناشط الحقوقي المعروف محمد العتيبي يقول بأن الامراء (لا يريدون أحراراً بل عبيداً).

صحيح أن ايقاف وليد خطر على دولة الإستبداد والقمع، كما يقول المغرد المقبل، خاصة ان الإعتقالات وتعطيل الاصلاح ينذر بانفجار داخلي وقد يكون عنيفاً. وصحيح أن مواقف وليد الإنسانية تجاه جميع المعتقلين أثمرت اجماعاً على محبته والوقوف معه، كما يقول عبدالله الآنصاري.. لكن من الصحيح أيضاً أن الدول الظالمة تزول ولا تبقى، لأن هذا النهج القمعي يستدعي ايقاف كل الشعب، اللهم إلا من يهدد الأمن ممن احتضنهم الأمراء ليفجروا الناس كما يقول الدكتور عبدالله الفارس.

وليد رمز وطني، واعتقاله رسالة تهديد لكل الإصلاحيين؛ يشرفه انه اوقف لدفاعه عن ـ وليس لانتهاكه ـ حقوق المواطنين؛ وهو بنظر الصحفي سعيد الوهابي بطل وطني حقوقي نزيه لم يقدر في بلده؛ كذلك هو بنظر الناشط عقل الباهلي، وعاصم الغامدي الذي يرى ان وليد يستحق منا الوقوف احتراماً لمواقفه الشجاعة، وهذا هو رأي المغرد المالكي، والأسمري، وتوفيق السيف ايضاً.

وفيما يستعد وليد ابو الخير لدخول المعتقل بتهم الخروج على ولي الأمر والتأليب عليه، واهانة القضاء وانشاء جمعية غير مرخصة حتى لو كان الإنشاء في كندا كما هو الحال، فإنه قد وطّن نفسه لاستقبال الأسوأ، وقد قال للناشط محمد العبد الكريم قبل سنة ان: النية تتجه لتصفية كل الناشطين: اما السجن او الصمت. اختار البعض الصمت، ووليد اختار الحرية.

الصفحة السابقة