(ولا حتّى تحلم بيها)!..

تسلح سعودي بالنووي الباكستاني

محمد قستي

قد تكون السعودية الدولة الثانية بعد اسرائيل في اهتمامه المبكّر بالتقنية النووية. يعود الأمر الى أواخر الستينيات، حين أقنع وزير النفط الأسبق الشيخ أحمد زكي يماني الملك فيصل بأهمية وجود مفاعل نووي من أجل انتاج الطاقة الكهربائية.

وافق الملك فيصل على ذلك، وبد الوزير بالخطوات الأساسية: جاء بشركتين غربيتيين من أجل الإنشاءات، وتقديم عطاءات، ودفع الوزير بأول بعثة من طلبة سعوديين للتخصص في الموضوعات الفيزياء النووية الى جامعات غربية، في فرنسا وامريكا وكندا.

فجأة توقّف المشروع.

لم يكن السبب اعتراضاً غربياً، أمريكياً بالخصوص.

لم يقلْ لهم أحدٌ بأن المملكة لا تحتاج الى الطاقة الكهربائية من خلال مفاعلات نووية، وان لدى المملكة طاقة اخرى يمكن استخدامها مثل النفط، وهي الحجّة التي قيلت لإيران بعد عقود من ذلك.

لم يفتح احدٌ موضوعاً مبكّراً مثل الطاقة المتجددة.

أبداً.. كانت المشكلة داخلية بحتة.

لم تكن العائلة المالكة النجدية الحاكمة، تريد أن تعطي الحجاز مكانة أكبر. فموقع المفاعل النووي المقترح كان في المنطقة الغربية، جنوب جدّة، وقد خشي الأمراء من أن النزعة الاستقلالية الحجازية ربما ستزداد ان تظافر (النووي) مع (احتضان أهم المقدسات الاسلامية/ الحرمين الشريفين).

هذ كان السبب الأساس، وهو ذات السبب الذي أجّل استخراج النفط من المناطق الغربية/ الحجاز حتى اليوم، رغم ان شركات نفطية غربية اكتشفت النفط هناك منذ الستينيات الميلادية الماضية أيضاً.

الملك فيصل أجّل انتاج النفط في المنطقة الغربية، ولازال، فالحجاز يجب ان يكون معتمداً على المركز او على أطراف المركز التي يسيطر عليه (المنطقة الشرقية/ الأحساء والقطيف). ولهذا يُستغرب مثلاً ان نجد (الوسط/ المركز) التي تشكل الحاضنة السياسة والاجتماعية للعائلة الحاكمة، قد أنتجت نفطها قبل عقدين تقريباً، في حين لا يُسمح للحجاز بإنتاج نفطه.

مالحل إذن بشأن النووي.

يُشاع بأن وزير الدفاع وولي العهد السابق، الأمير سلطان، أكد على موضوع نقل المفاعل النووي السعودي المفترض من المنطقة الغربية الى المنطقة الوسطى/ نجد.

قيل له: ولكن المفاعل النووي بحاجة الى مياه كثيرة، ولا يوجد ما هو متوفر منها سوى في البحار.

أصرّ سلطان بن عبدالعزيز على ان يكون المفاعل النووي السعودي في الرياض، ووعد بتوفير المياه الجوفية اللازمة، في وقت كانت فيه اجزاء كبيرة من العاصمة لم تصلها شبكة المياه!

انتهى المشروع، لكن ما تحقق منه، هو ابتعاث الطلبة يومئذ، والذين أصبحوا اليوم وبعد اعلان الملك عبدالله تأسيس (مدينة الملك عبدالله للطاقة الذرية والمتجددة) قبل أربعة أعوام، برئاسة أحد المبتعثين سابقاً وهو هاشم يماني.

بمعنى آخر، فإن السعودية تأخرت عن المشروع أكثر من أربعين عاماً. وحين عادت، فعلى وقع الصراع السعودي الإيراني، حيث بدأت ايران مشروعها النووي منتصف السبعينيات الميلادية الماضية، وتعوّق فترة ما بعد الثورة ١٩٧٨، ولكنه انطلق في منتصف التسعينيات بأقصى سرعة له، وليشمل الإهتمام اكثر من ٢٠٠ موضوع ومشروع من بينها الطاقة النووية.

وفي حين يعتمد البرنامج الإيراني على كفاءات محلية، وخبرات تمّ انتاجها في الجامعات المحلية، وليس عبر الإبتعاث.. فإن السعودية ذهبت الى الحلول السهلة كالعادة. بدأت بالإتفاق مع شركات أجنبية لتأسيس محطات نووية، ومثلها فعلت الإمارات التي سبقت الرياض حتى الان في هذا؛ وانتهت الى (شراء) الأخيرة أو (محاولة شراء) سلاح نووي من الباكستان!

تقرير البي بي سي حول محاولات السعودية شراء سلاح نووي من الباكستان، أزعج الرياض، وردّت بالنفي عليه. رسالة التقرير من جهة البث واضحة: (نحن نعلم بما تسعون إليه)؛ إذ ـ على الأرجح ـ ان يكون بث التقرير قد جاء بموافقة سياسية، فمثل هذه الموضوعات لا يُتعاطى معها كخبر اعتيادي، وللتقرير اهداف سياسية واضحة او لنقل رسائل سياسية وصلت الى المسؤولين في الرياض، فأعلنت البراءة من التقرير وكذّبته.

بالطبع فإن حصول المملكة على سلاح نووي من الباكستان ليس جديداً؛ فمنذ ما لا يقل عن سبع سنوات والتسريبات الصحفية الغربية مستمرة في هذا الشأن. وعموماً فالرياض ـ حسب دينيس روس ـ أبلغت واشنطن بأنه في حال امتلكت ايران سلاحاً نووياً فسيكون للرياض سلاحها النووي. هذا ما قاله الملك عبدالله لأوباماً في أبريل ٢٠٠٩.

هناك تأكيدات بأن برنامج اسلام اباد النووي المكلف مالياً قد تمّ تمويله من قبل الرياض بنسبة ٦٠٪، ضمن اتفاق تفاهم تحصل الرياض مقابل التمويل على أسلحة نووية في حال احتاجت اليها، ومن بين الأسلحة ٥-٦ قنابل نووية كما ذكر جوليان بيرغر في صحيفة الغارديان البريطانية.

الرياض تقول بأن مارك اوربن الذي أعدّ تقرير البي بي سي، مقرّب من الأجهزة الاستخباراتية البريطانية، ما يعني أن التسريبات التي قام بها متعمدة ولغايات محددة. وأوربن ـ كما تقول الرياض ـ اعتمد على تقارير استخباراتية في برنامجه المعدّ عن محاولات السعودية الحصول على سلاح نووي، بينها تقرير مخابرات لحلف شمال الأطلسي، الذي أشار الى أن الباكستان صنّعت سلاحاً نووياً خاصاً بالسعودية وأن الأخيرة دفعت الثمن.

بقي أن تحصل الرياض على الصواريخ بعيدة المدى التي تحمل القنابل النووية، اضافة الى القواعد والبنى التحتية التي تسهل عملية اطلاق تلك الصواريخ الى أهدافها. وفي هذا الجانب تم الحديث في يوليو الماضي عن قاعدة سعودية معدّة لهذا الغرض ـ حسب الديلي تلغراف ـ وانها تحوي صواريخ صينية قديمة يبلغ مداها ٢٥٠٠-٣٥٠٠ كيلومتراً، كان بندر بن سلطان قد عقد صفقتها مع الصين منتصف الثمانينات، وسميت تلك الصواريخ: رياح الشرق، او سيلك وورم، اوDF3 . ويعتقد على نطاق واسع بأن تلك الصواريخ قديمة وعديمة الفائدة، وأن الرياض تعوّل على الباكستان ايضاً في الحصول على بعض صواريخها بعيدة المدى، بحيث تضمن سريّة الصفقة وأهدافها.

الرياض تعيش العقدة الإيرانية، ويبدو أنها ستبقى كذلك لزمن غير قصير. فهي تشعر بثقل المنافسة السياسية الإيرانية في محيط الشرق الأوسط والعالم الإسلامي، وقد خسرت أكثر معاركها السياسية على يد الحلف الإيراني السوري. ومن جهة ثانية: تشعر الرياض بأنه (تختنق) إزاء التمدد السياسي الإيراني متعدد الأوجه والذي يحيط بالمملكة من كل اتجاه، وهي غير قادرة ـ حتى بالمعونة الأميركية والغربية ـ على مجاراته او منافسته.

وتأتي الصفقة المحتملة بين امريكا وإيران بشأن مشروعها النووي، لتزيد من غيظ السعودية. ففي السابق كانت خشية الرياض من أنها ودول الخليج قد تصبح رهينة بيد طهران إن امتلكت الأخيرة سلاحاً نووياً، ما برّر لها التحذير والتهديد في سباق تسلح نووي في المنطقة، رغم أن إيران تؤكد دوماً على ان مشروعها النووي سلمي. الآن ـ وفي حال اتفقت طهران مع الدول الغربية ـ فسيبقى مشروعها النووي السلمي بدون أسنان تسلحية، ما يعني ان الرياض يمكن لها ان تتنفس الصعداء، أو هكذا يفترض.

لكن الرياض لا تحسب الأمور على هذا النحو. ولهذا يبدو أنها ماضية في استيراد سلاح نووي ما من الباكستان (ان سمح الغرب بذلك وهو غير مرجّح) لموازنة نفوذ إيران (السياسي) وليس (العسكري) في المنطقة. وترى الرياض ـ بحسابات تبدو صحيحة في ظاهره أن إصلاح العلاقات الايرانية الغربية يعني اطلاق النفوذ السياسي والإقتصادي وحتى العسكري الإيراني في المنطقة بدون حدود أو منافسة، وسيكون ذلك على حساب الرياض التي تريد الإستعداد لذلك ب (النووي) وهو أمرٌ لا يسمح به الغرب ولا إسرائيل، سواء تعلق الأمر بالسعودية أو بإيران أو غيرهما.

تقرير البي بي سي أطلق تحذيراً غربياً ليس فقط باتجاه الرياض، وانما باتجاه اسلام آباد أيضاً.. إذ من المحظور كسر سياسة منع انتشار السلاح النووي، سواء في الشرق الأوسط او في غيره من مناطق العالم، وحتى لو كان غرض السعودية من السلاح النووي توجيهه باتجاه طهران لا تل أبيب.

الاستثمار السعودي: السياسي والعسكري وحتى الديني السلفي الوهابي في الباكستان، كان بعيد المدى. في هذا الإطار يمكن القول بأن الرؤية الاستراتيجية السعودية كانت في محلّها، وهي من المرات النادرة التي تستثمر فيها السعودية بشأن أمنها الأقليمي لمدة طويلة. لكن عيب هذا الإستثمار، أن وقت حاجة السعودية جاء في ظرف حرج للباكستان التي تعيش اضطرابات أمنية وسياسية مستمرة منذ نحو عقدين على الأقل، ما جعلها أسيرة وضعها الداخلي، وضعيفة في ممارسة دور فعال خارج اطار حدودها، وكذلك ضعيفة امام الضغوط الغربية نفسها والتي تراقب البرنامج النووي الباكستاني عن قرب، وتتابع مسألة تسرّب المعلومات والخبرات منها الى الدول المجاورة، وهو ما أدّى سابقاً الى الإطاحة بأب البرنامج النووي الباكستاني عبدالقدير خان، الذي سعى لتسويق معلومات الانتاج النووي من وحي التجربة الباكستانية الى دول اخرى غير السعودية، بما فيها ايران وليبيا، كما تقول الدول الغربية.

مسموح للسعودية ولدول الخليج الأخرى ان تستورد مفاعلات نووية من دول أخرى بغرض انتاج الطاقة الكهربائية، وتحلية المياه المالحة، ولكن من غير المسموح دولياً وليس غربياً فقط ان تحصل الرياض على سلاح نووي.

الأمر الذي تستطيع ايران التفاخر به اليوم هو أنها تستطيع أن تصنّع سلاحاً نووياً إن أرادت في ظرف من الظروف المتقلبة سياسياً، فلديها الإمكانات والخبرة والعقول. في حين ان الحالة السعودية تقول أن المال ل يستطيع أن يشتري سلاحاً نووي إن أرادت. السلاح النووي بضاعة ليست للبيع!

الصفحة السابقة