ثنائية الرياض ـ تل أبيب

تحالف الثكلى في مواجهة التصدّع الإستراتيجي

محمد السباعي

بات سؤال العلاقة بين السعودية واسرائيل من الماضي، ولا يجب بعد الآن التوقّف عنده للحظة، فما توافر من معطيات جمّة لا يدع مجالاً لطرح مثل هذا النوع الأسئلة. فما يجب طرحه هو الى أي مدى بلغ التعاون بين الكيانين، خصوصاً على الصعيد العسكري والامني، وهو تعاون لا ينعقد غالباً ودائماً الا حين تصل العلاقة بين دولتين مرحلة متقدّمة، أي مرحلة تكون فيه مصالحهما متطابقة الى حد كبير..

لقاءات علنية بين مسؤولين سعوديين وآخرين اسرائيليين باتت خبراً عادياً، بعد أن كان بالنسبة لكثيرين سبقاً صحافياً.

في الثاني من كانون الأول (ديسمبر) كشفت صحيفة (يديعوت احرونوت) الاسرائيلية أن الرئيس الاسرائيلي شيمون بيريز أجرى مكالمة هاتفية مع تسعة وعشرين وزير خارجية من بعض الدول العربية والاسلامية وذلك بواسطة نظام الفيديو كونفرانس عندما شارك هولاء الوزراء في مؤتمر قمة في ابو ظبي، في منتصف نوفمبر الماضي. واضافت الصحيفة أن مساعد الامين العام للامم المتحدة تيري رود لارسن والموفد الاميركي الخاص الى المنطقة مارتين انديك وقفا وراء ترتيب هذه المكالمة الهاتفية حيث صفق وزراء الخارجية في ختامها لبيريز.

على المكشوف:تركي الفيصل وأيالون نائب وزير الخارجية الاسرائيلي

هل بدا الخبر مفاجئاً، أو يحمل جديداً بالنسبة للقارىء. سوف تكون الاجابة، كما أتوقّع، سلبية، في ظل أجواء التقارب الاسرائيلي الخليجي.. فقد اجتمعت وفود الطرفين عقب الاعلان عن توقيع الاتفاق الاولي بين ايران ومجموعة 5+1 في جنيف في 24 نوفمبر الماضي لتنسيق المواقف حيال ما ينبغي فعله..

في 30 نوفمبر الماضي، بث على موقع يوتيوب فيديو يظهر فيه الامير السعودي تركي الفيصل، رئيس الاستخبارات العامة الأسبق والى جانبه يوسي ألفير المستشار الخاص لرئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو، وهو أيضاً أحد أكبر ضباط جهاز الاستخبارات الاسرائيلية (الموساد).. ويأتي هذا الفيديو بعد أقل من اسبوعين على التقرير الذي نشرته جريدة «صنداي تايمز» والذي تقول فيه الصحيفة أن الأمير السعودي بندر بن سلطان يعقد لقاءات دورية مع مسؤولين وضباط كبار في الموساد الاسرائيلي، وذلك بهدف التنسيق لمواجهة العدو المشترك وهو ايران. وبحسب التقرير فان السعودية أعطت ضوءاً أخضر للاسرائيليين من أجل استخدام أجوائها في أية ضربة عسكرية تقرر تل أبيب توجيهها لطهران..

اجتماع تركي الفيصل مع الفير كان في المجلس الوطني الايراني الاميركي، الذي يديره بقايا رجال نظام الشاه، لم يكن الأول، فقد كانت مصافحة تركي الفيصل لمساعد وزير الخارجية الاسرائيلي داني ايالون في مؤتمر ميونيخ في فبراير 2010 مؤشراً على أن ثمة علاقة غير مرئية بين الرياض وتل أبيب، وصفها رئيس الوزراء الاسرائيلي نتنياهو بالحيوية، تصل الى حد التنسيق (بحسب مقطع فيديو نشر على الشبكة يجيب فيه نتنياهو عن سؤال حول العلاقة مع السعودية حيث كشف عن علاقة سليمة وتنسيق متواصل).

في التفاصيل، كشف صحيفة (معاريف) الاسرائيلية في 25 نوفمبر الماضي عن أن الحرب السرية التي خاضتها «إسرائيل» ضد المشروع النووي الإيراني خلال الأعوام الخمسة الماضية تم تمويلها من قبل كل من الولايات المتحدة والسعودية. وقال شالوم يروشلمي، المعلق السياسي للصحيفة إن الحرب السرية التي شنتها إسرائيل ضد المشروع النووي الإيراني أسهمت بشكل واضح في تشديد الخناق على إيران، حيث أدت إلى مضاعفة تأثير العقوبات الاقتصادية. وأشار يروشلمي إلى أن العالم بأسره كان يعرف أن إسرائيل هي التي تقف وراء الحرب السرية.

وذكر أن الحرب السرية التي خاضتها «إسرائيل» ضد إيران تضمنت تصفية عدد من علماء الذرة الإيرانيين وتفجير مرافق حساسة في قلب إيران، بالإضافة إلى توظيف الحرب الإلكترونية، الذي وصل ذروته في استخدام فيروس “stuxnet”، الذي أدى في العام 2009 إلى تعطل معظم أجهزة الطرد المركزي المسؤولة عن عمليات تخصيب اليورانيوم، وفيروس “flame”، المسؤول عن سرقة معلومات بالغة الحساسية من المنظومات المحوسبة في الكثير من المرافق العسكرية والسياسية والصناعية الإيرانية.

في نيسان (إبريل) 2012، نشرت صحف اسرائيلية تقريراً استراتيجياً عن جامعة تل أبيب، كشف عن مخاوف حلفاء أمريكا من تخليها عنهم، وأكد التقرير بأنه في حال سقوط النظام السعودي فسوف تسقط بقايا القوى المقاومة العربية لايران، وأن حلفاء امريكا من العرب مستاؤون من تخليها عنهم.

تتحدث المقدمة عن تصدّع المحيط الاستراتيجي الذي تعمل فيه اسرائيل، الى درجة التهديد بانهيار اجزاء كبيرة من المنظومة التي اعتمدت سياستها عليها، والتي تمثل السعودية آخر القلاع التي يمكن الركون اليها في الحرب ضد ايران..

يشير التقرير الى الضعف الذي يلم بالعالم العربي، والذي يمثل مشكلة بالنسبة لاسرائيل ما يزيد احتكاكها بالقوى الاقليمية وراء منطقة سايكس بيكو التي تحاول ترسيخ وجودها في الساحة مثل ايران وتركيا. ثم يخلص التقرير في هذه النقطة: (وعلى هذه الخلفية تصبح السعودية فجأة دولة قريبة جدا من اسرائيل في قراءة الخريطة الاقليمية ووضع أدلة العمل الاستراتيجي).

يقول التقرير بأنن التنافس السعودي الايراني على النفوذ في المنطقة، وأن ايران ربما تحصر عنايتها في المرحلة التالية في تحدي الاسرة المالكة السعودية. ويعلق التقرير (ومن الضروري أن نعرف أهمية بقائها. لأنه اذا سقطت أسرة آل سعود فهناك خطر تهاوي بقايا المقاومة العربية لايران)، وفي نهاية المطاف، فإن سقوط أسرة آل سعود يعني وجود خطر جدي على بقاء دولة اسرائيل.

يشير التقرير الى تغييرات دراماتيكية تمثل تهديد لمنظومة اسرائيل الاستراتيجية، وجميع هذه التغييرات تمس النظام السعودي مباشرة:

1ـ نهاية توازن القوى بين ايران والعراق: حيث كان الصراع بين البلدين لسنين طويلة شغلهما كلتيهما وحد من امكانية نشوء جبهة شرقية فعالة. ولكن مع حل النظام السني البعثي في العراق وانسحاب الولايات المتحدة من هذه الدولة يُحدثان شروطا لتضعضع توازن القوى وجعل ايران هي العامل المهيمن على العراق.

2ـ عدم استقرار في مصر: ان خروج مصر الصوري من دائرة القتال في السبعينيات قد جعل منظومة اسرائيل الاستراتيجية تستقر، لكن التطور الذي لم يكن يقل عن هذا أهمية كان نشوء شراكة استراتيجية. وقد نشأت الشراكة بالتدريج في السنين الاخيرة وظهرت بوضوح في حربي 2006 و 2008 وفي النضال لصد ايران. ولكن بعد تنحية مبارك عن السلطة جعل مصر ساحة مرشحة لمفاجئات عديدة غير منظورة..

السعودية خسرت القوتين الإقليميتين: تركيا وايران؛ ولم تربح مصر!

3ـ تركيا تتغير: كانت تركيا شريكة في احداث توازن قوى مع سوريا وبقدر ما أيضاً مع ايران والعراق، لكنها غيرت سياستها. وليس لتركيا عداوة استراتيجية حقيقية مع اسرائيل، لكن عند قادتها الرغبة باستغلال العداوة مع اسرائيل لتدفع الى الأمام بمصالحها مع أطراف ثالثة. وقد أثمرت هذه السياسة الجديدة اجراءات مثل القافلة البحرية الى غزة، والمبادرة التركية البرازيلية في الشأن الذري الايراني، وتجميد العلاقات بين حكومتي تركيا واسرائيل. كذلك يوجد احتمال احتكاك ينبع من اتفاق بين اسرائيل وقبرص على تطوير حقول الغاز شرقي البحر المتوسط.

4ـ تضعضع النظام العلوي: للجيش الاسرائيلي قدرة ممتازة على تهديد النظام العلوي في دمشق، ومكّن هذا اسرائيل من كف جماح سوريا والتمتع بأربعة عقود هادئة كثيراً. هذا الى ان اسرائيل في السنين التي سبقت انسحاب سوريا من لبنان قد استعملت تهديدها لسوريا، والنظام السياسي السوري في بلاد الأرز أداة للحفاظ على هدوء في الشمال: فلم يكن من المجدي على سوريا ان تخاطر مخاطرة كبيرة من اجل حزب الله وحرصت سوريا على ضبطه ما ظلت تسيطر على لبنان.

ان اخراج سوريا من لبنان ضاءل تأثير دمشق في بيروت وضاءل بذلك ايضا فاعلية كف اسرائيل غير المباشر لجماح حزب الله.

ان العصيان الحالي في سوريا يضع علامات استفهام حول مستقبل النظام العلوي. ان الوضع المعروف في الماضي يضمن الاستقرار، لأن النظام العلوي حساس للاصابة ولاسرائيل حسن تعامل عسكري معه. لكن اذا سقط النظام فستكون النتيجة المباشرة عدم يقين وضعضعة طائفة من الوسائل التي تكف جماح سوريا. ويبدو أنه أفضل عدو لاسرائيل هو دولة متسقة نقاط الضغط عليها معروفة جيدا من خطر تحويل سوريا الى شبه عراق، أي انحلالها الى دولة شبه فاشلة.

5ـ الولايات المتحدة تفقد الفاعلية: ان الولايات المتحدة هي عامل الاستقرار الرئيسي في الشرق الاوسط، لكن مكانتها باعتبارها النقطة الارخميدية للجغرافية السياسية الاقليمية تتضعضع. فالولايات المتحدة أولا أقل جدوى في صد أعدائها، ونشاط ايران في العراق في مواجهة الولايات المتحدة ونشاطها في الشأن الذري مثلان جيدان على هذا، وينبع هذا الامر ايضا من ان الادارة الحالية طرحت عن برنامج عملها في الواقع امكانية استعمال القوة في ميادين جديدة.

وثانيا، تضطر حليفات الولايات المتحدة الى ان تفحص من جديد السير في المسار الامريكي كيما تضمن حماية معقولة لمصلحتها. ان ادارة الادارة الامريكية ظهرها لمبارك أثارت مخاوف عند نظم الحكم العربية الموالية لامريكا. وفي نفس الوقت فان عدم فاعلية الولايات المتحدة في مواجهة ايران، في البحرين مثلا، قد اضطر الملكيات السنية الى ملء الفراغ الاستراتيجي والى ان تعمل بنفسها عملا لم تكن تحتاج اليه في الماضي تقريبا.

وعليه بحسب التقرير فإن على اسرائيل ان تكون قلقة من تضعضع الثقة الاستراتيجية بالولايات المتحدة..وأن الادارة لا تعمل بالحزم الذي يقتضيه كون المعسكر الموالي لامريكا ينتقص وأنه قد بقيت لها شريكتان مؤكدتان ومهمتان في الشرق الاوسط هما اسرائيل والسعودية.

يشير التقرير الى أن الدول الحليفة للولايات المتحدة سابقاً أو حالياً تعلمت أنه يمكن تجاهل إرادة الادارة الامريكية من غير تحمل نتائج مميزة. وعلى ذلك تُقصى الولايات المتحدة عن مسارات مركزية مثل تأليف الحكومة الجديدة في لبنان، وإقصاء جيش تركيا عن السياسة وتبديل قيادته، واتفاق المصالحة الفلسطينية.

من وجهة نظر اسرائيلية بحسب التقرير، أن المضمون الدقيق لسياسة الولايات المتحدة أقل جوهرية، فقد عرفت اسرائيل كيف ترتب امورها مع الكتف البارد لبوش الأب ومع الاحتضان الدافىء لبوش الابن.

يتحدث التقرير عما أسماه الاستعداد للمعركة الاخيرة أي: النضال من أجل بقاء آل سعود. ويفرّق التقرير بين معسكرين: معسكر الاستقرار ومعسكر التغيير، ويعتبر ذلك أصح من الحديث عن معسكر موال لامريكا وآخر معاد لها. ويشرح التقرير ذلك بأن اسرائيل والسعودية تريدان وضع حد لمصادر التزعزع للوضع الراهن، ومعهما أيضا دول أقل تأثيراً كالاردن ودول الخليج. وتطمح ايران الى زعزعة الوضع الراهن. ومن وجهة النظر هذه على الأقل تُعد تركيا أيضاً في المعسكر العدو لأنها تطمح أيضاً الى ان تنظم علاقات القوى من جديد.

ويرى التقرير بأن الامور إذا ما تعلقت بمنظار آل سعود فان الصورة قد اتضحت وذاك أن السعودية بقيت وحدها تقريباً. وترى الأسرة المالكة السعودية ان الصفقة الاستراتيجية مع الولايات المتحدة النفط مقابل الأمن تفقد من فاعليتها وذاك لسببين: الاول، ان الولايات المتحدة غيرت سياستها من وجهة نظر الأسرة المالكة وهي تترك آل سعود يواجهون بأنفسهم تحدياتهم في الداخل والخارج. وهذا يُحدث فروقاً أخذت تتسع بين السعودية والولايات المتحدة، بدءاً بطلب الولايات المتحدة اصلاحات ديمقراطية في النظم الملكية السنية مروراً بحوارها مع «الاخوان المسلمين» في مصر، وصورة علاج الازمة في البحرين، وانتهاءا الى سحب قواتها من العراق بما يشبه «ليكن الطوفان من بعدي»، والذي يأتي بايران لتقف على عتبة السعودية.

وثانيا، تُقدر السعودية أن فاعلية الولايات المتحدة قد قلّت وبدأت تفكر بمفاهيم عهد ما بعد امريكا. وبرغم ان حكام السعودية يبذلون جهودا للاقتراب من الصين والهند وباكستان فانه لا يوجد بديل على هيئة قوة عظمى أخرى أكثر تأييداً وجدوى. لكن السعودية تدرك ان الحاجة الى اعتمادها على نفسها قد زادت وان عليها ان تحاول ان تملأ بقواها الذاتية جزءا من الفراغ الذي خلفته الولايات المتحدة. وأصبح هذا الادراك يثمر صفقات سلاح بمبلغ متراكم يبلغ 70 مليار دولار، وقد يفضي بالسعودية الى تقدير انه يجب عليها أن تملك سلاحاً ذرياً.

عبدالله: لا نثق في أمريكا ولا نستغني عن حمايتها!

وترى السعودية أنها قد فقدت شريكاتها المهمات في الجبهة العربية السنية، فقد سقط مبارك ومستقبل مصر غير واضح، وبعد انسحاب الولايات المتحدة ستصبح ايران الجهة المهيمنة في العراق. وقد اضطر هذا الوضع الجديد الشديد السعودية الى تغيير استراتيجيتها. ان من فضل في الماضي ان يعمل من وراء أبواب مغلقة ويتهرب من المخاطرة قد دُفع الى عمل مكشوف مباشر في البحرين. وقد بدأت السعودية بنفس روح الجرأة الجديدة (أو التعجل) تعمل على ضعضعة حليف ايران في دمشق أي النظام العلوي.

بقي آل سعود المحاربون العنيدون الرئيسيون وربما الآخِرون لصد ايران. وان ضعضعة الأسرة المالكة السعودية، بعمل مباشر أو بوسائل غير مباشرة، قد يفضي بإيران الى شفا القدرة على إطاحة النظام الاقليمي نهائياً. وكذلك يوجد خوف من تحولات استراتيجية تنبع من تبديل الأجيال في قيادة آل سعود، أو من تقدير السعودية أن مكافحة ايران خطيرة جداً واحتمالات نجاحها ضئيلة جداً، وعلى ذلك يجب على السعودية ان تبحث عن توافق يعتمد على اعتراف لتقدم ايران.

من هنا تأتي الأهمية الكبيرة لآل سعود بالنسبة لاسرائيل. بازاء الفروق الثقافية يصعب الحديث عن شراكة مكشوفة بين اسرائيل والسعودية. لكن الدولتين تقرآن بصورة متشابهة الخريطة الاستراتيجية وتسيران في مسارات استراتيجية متوازية ولهذا يوجد مكان للفحص عن توسيع الحوار بينهما.

التقرير في مجمله يؤسس لخلفية الشراكة الاستراتيجية بين الرياض وتل أبيب، وتأكّد ما ذهب اليه التقرير بعد التقارب الايراني الاميركي حيث بدا العمل المشترك بينهما يكاد يجري في الهواء الطلق، ودون مواربة..

وفق المتغيرات الجديدة على الساحة الاقليمية والدولية أصبح الائتلاف السعودي الاسرائيلي واقعاً، وما جمع بينهما الخوف من ايران أصبح هناك عوامل أخرى مثل تخلي واشنطن عن حلفائها. فهذا الائتلاف يتفق على حصار ايران، والحيلولة دون تمدد نفوذها بعد الاتفاق مع 5+1. الحديث اليوم لا يتوقف عن لقاءات سعودية اسرائيلية في أكثر من عاصمة عربية وأوروبية، بل ذهبت تقارير لما هو أبعد حيث أن السعودية فتحت أبوابها أمام قادة اسرائيليين لزيارة الرياض وإجراء محادثات مشتركة من أجل وضع استراتيجية تعاون بعيدة المدى..

وقد تكون ما ذكرته صحيفة (آسيا تايمز) في 21 نوفمبر الماضي عن أن الانفجار الذي استهدف السفارة الإيرانية في بيروت تم نتيجة تنسيق بين المخابرات الاسرائيلية والمخابرات السعودية. ولهذا - أضافت الصحيفة - فإن دول الغرب لم تصف هذا الحــدث أبــداً بأنــه عمــل إرهــابي واكتفت بتسميته بأنه «تفجير» (...) ووصفت الصحيفة هذا العمل بأنه «عمل أدّاه بيت آل سعود الليكودي»، في اشارة صريحة الى امتزاج «الليكود» الاسرائيلي مع بيت آل ســعود.

وفيما يضع الائتلاف السعودي الاسرائيلي مصر في صميم أي خطة استراتيجية مستقبلية لمواجهة النفوذ الايراني، والحيلولة دون التقاء ايران ومصر تحت المظلة الاستراتيجية لروسيا في الشرق الأوسط، وهذا يكشف سبب شراء السعودية أسلحة روسية بقيمة 4 مليار دولار لصالح مصر، في محاولة لاستيعاب روسيا وقطع الطريق على أي تحالف روسي ايراني تكون مصر جزءاً منه، خصوصاً وأن مبادرات ايرانية سابقة في عهد الرئيس المخلوع محمد مرسي جرى اجهاضها من قبل السعودية لمنع أي تقارب ايراني مصري..

كانت العقيدة الاسرائيلية ومازالت أن تطبيع العلاقات مع الدول العربية يتم عبر البوابة السعودية. وكان بن غوريون قد أخبر مستشار عبد العزيز، حافظ وهبة، بذلك في ثلاثينيات القرن الماضي. ويبدو أن السعودية تعمل حالياً على فك عزلة اسرائيل في العالم العربي، وهذا ما يفسر انهمار القصص في الصحف الاسرائيلية والأجنبية خصوصاً تلك المملوكة لتجار يهود مقرّبين من اسرائيل (في بريطانيا والولايات المتحدة بدرجة أساسية)عن لقاءات سعودية اسرائيلية، فيما لا تبدي ماكينة النفي التي كانت فاعلة في سنوات سابقة أي رد فعل لافت، ولذلك مرّت كثيراً من قصص اللقاءات كما لو أنها باتت أمراً واقعاً ويجب التعامل معه على أنه خبر اعتيادي..وحتى اللقاءات بين القادة العسكريين والاستخباريين الذي ضم ضباط كبار في الموساد الاسرائيلي ونظرائهم السعوديين والاردنيين والاماراتيين في عمّان في أواخر نوفمبر، وقبل الهجوم الكبير المقرر عبرالجبهة الاردنية باتت لقاءات عادية بل متوقّعة..

السعودية باتت أقرب الى الكيان الاسرائيلي من أي وقت مضى، وإن ما كان يقال في السر وفي الكواليس بات واقعاً، فقد أصبح الخوف والقلق والمصلحة مفردات راسخة في التحالف السعودي الاسرائيلي، فهما أكبر المتضررين من تخلي حليفهما الاستراتيجي عنهما. السعودية تتصرف كالمذعورة إزاء متغيرات المنطقة وملفاتها التي بات الحل فيها سياسياً، بدءاً من الملف النووي الايراني وتالياً الأزمة السورية وانتقالاً الى البحرين واليمن ولبنان ومصر فلا يمكن للقوة أن تحسم أوضاعاً عجزت أمريكا نفسها عن حلها بالقوة..

ولأن السعودية لا تملك أدوات تقليدية تدير بها معاركها، فإنها تلجأ للجماعات الارهابية التي تعمل كشركة بلاك ووتر للمرتزقة الذين يتخذون من العنوان المذهبي شعاراً لحروبهم المقدّسة، فيما يغيب عنوان الصراع العربي الاسرائيلي بصورة شبه كاملة.

الصفحة السابقة