تفجير مستشفى اليمن

قاعديو السعودية مؤيدون والمجتمع مصدوم

هيثم الخياط

تفجير مستشفى وزارة الدفاع في اليمن كان صادماً وأدى الى تحول ما في الرأي العام السعودي، خاصة في المحيط السلفي النجدي. فبشاعة الهجوم والاستهتار بالدماء المعصومة، كان واضحاً في الفيديوهات التي بثّت حول المجزرة في المستشفى. لهذا تعالت اصوات النقد من المؤسسة الرسمية الدينية، وإعلام آل سعود بصورة مفتعلة في كثير من الأحيان، فيما غاب صوت من يسمّون بالتيار الصحوي الديني السلفي.

من الناحية الفعلية، فإنه لا يتم التنديد بالإرهاب إلا إذا أصاب آل سعود أو تعارض مع مصالحهم من جهة وقوعه في بلدان حليفة للرياض؛ وعلى هذا الأساس ينسج وعاظ السلاطين موقفهم. إذ لم يفتِ مفتي السعوية ضد ارهاب القاعدة في العراق مثلاً رغم انه يحصد عشرات الألوف، ولا في سوريا، فكل هذا حلال؛ ولكن ان وقع في المملكة فهو حرام، ومثلها الحليفة اليمن.

الفكر القاعدي هو نفسه الفكر الوهابي، لا فرق بينهما، الخلاف فقط حول ان بعض التكفير توجه ضد النظام ومصالح حلفائه المحليين والدوليين (دول الغرب مثلاً) وإلا فلا خلاف بين الطرفين.

تيار الصحوة السلفي، الذي اخذ مسافة من النظام دون ان ينقلب عليه، يحمل نفس الفكر الديني الرسمي القاعدي التكفيري، ولكنه لا يكشف عن أوراقه كافة، ويلتزم الصمت.

بعد تفجير مستشفى اليمن وقتل الأبرياء من اطباء ومرضى بدم بارد، ثار سؤال عن سكوت رموز الصحوة عن النقد، فيما المفتي أظهر الموقف السياسي الرسمي بحرمة لبس الأحزمة الانتحارية!!

لاحظ مغردون أن مشايخ الصحوة السعودية توقفوا عن التغريدات السياسية في تويتر بعد تفجير مستشفى اليمن، وقد كان توقفاً تكتيكياً لأنهم لا يريدون إبداء موقف تجاه الحدث، لهذا صمتوا، حتى تمضي الأيام ثم يعودوا الى سيرتهم الأولى.

الكاتب الأديب عبده خال يقول انه لا يكفي التنديد بوحشية الهجوم على المستشفى والذي نُشرت صوره الفظيعة، بل يجب مراجعة البنية الفكرية للقتلة، تلك البنية موقعها في السعودية، وفي اتجاه مذهبي محدد، وهو المذهب الوهابي الرسمي، وهو مذهب اقلوي ومناطقي وموقعه معروف في وسط البلاد. اما المقدم السعودي في قناة (الحرة) الدكتور سليمان الهتلان فيرى في تفجير المستشفى شاهدا آخر على خطورة الفكر الذي يجيز ويحث على العنف والقتل باسم الدين.

لكن من يروج لهذا الفكر، اليس هم ولاة الأمر السعوديون؟ ومن يدرسه في مدارسنا، من يلقنه لصغارنا وكبارنا، من ينشره الى خارج حدودنا، لماذا لا يتم تجريم النظام والفكر الإرهابي الذي قام عليه وشرعن نفسه في إطاره؟

ويحذ الكاتب فارس ابا الخليل بأن من يتعاطف مع داعش من السعوديين عليه ان يتذكر ان سوريا هي التمرين، وأن المعركة المنتظرة هي معكم، اي في السعودية، فأنتم وقودها وضحاياها القادمون. ولأن معظم من قام بتفجيرات مستشفى اليمن سعوديون، فإنه يعني ـ بالنسبة ليوسف ابا الخليل ـ أننا لم نتقدم خطوة واحدة نحو تجفيف منابع التكفير.

نعم. لم نتقدم، لأن أركان النظام تستفيد من هذا التكفير في معاركها الداخلية مع المعارضين ومع منافسيها الخارجيين، وهذا لا يحتاج الى جهد لإثباته.

  الناشطة الحقوقية نسيمة السادة، وهي إذ تشاهد مقاطع الهجوم على المستشفى وقتل الأبرياء تعلق: (تعساً لمن يسميكم شهداء أيها التكفيريون. نبي الرحمة منكم براء). اما المغردة المشهورة الدكتورة ريما فقد كانت صريحة في اتهاماتها فـ (السعودية تمول الإرهاب، وتسمح لقنوات ارهابية متطرفة بأن تبث من اراضيها رغم تشددها بالرأي، ولكنها تحاكم المفكرين السلميين). وتضيف: (تورّط السعودية بتصدير الإرهاب يحرجها ويحرجنا كمواطنين مكروهين عالمياً، ونتعرّض للإيذاء بسبب التخوف منا كإرهابيين).

أما الشيخ حسن فرحان المالكي فغرد معلقاً على قتل الطبيبات والمرضى: (هنيئاً لكم بالسلفية يا أهل اليمن).. واتهم من يسمون انفسهم بالسلفيين المعتدلين، وحزب الاصلاح بالإجرام والترويج للتراث السلفي التكفيري. اما البلوغر سعود الرويلي فرأى ان هناك فكراً بغيضاً يجب ان يزال، ويضرب مثالاً لفتاة تؤمن بقتل اليمنيين وتصفهم بالحثالة لأنهم شيعة، وفي نفس الوقت تزعم حُسن الأخلاق، والسعادة التي تجدها بذكر الله والإقتراب منه!!

ما كاد السعوديون ينهون تعليقاتهم على تفجير المستشفى اليمني، حتى انتشر مقطعان فيديو من تلفزيون (وصال) الطائفي الممول من أمراء سعوديين، يحرض فيهما المقدم خالد الغامدي على تفجير ومهاجمة المستشفى نفسه لأن مقاتلين سلفيين قاعديين اعتقلوا من داخله. واندهش الجميع من التحريض الذي استجابت له القاعدة في اليمن!

وبسبب المطالبات بمحاكمته والهجوم العنيف عليه، قررت السلطة إيقاف الغامدي من العمل في وصال، ولم تحاكمه بتهمة التحريض او ما أشبه، ولم تحقق معه والسؤال عما اذا كانت له ارتباطات مع القاعدة.

السلفيون المتطرفون غضبوا من إقالة المتطرف الغامدي، وقال أحدهم: (المفروض ان الدولة تكافئه وتدعمه وزملاءه وتساندهم بدل ايقافه)؛ واتهم سامي الهذلي، هيئة الإعلام لأنها استجابت لطلب الرافضة بإيقاف الغامدي. يعني يريدها معركة شيعية سنية، مع ان المطالبين باقالة الغامدي في غالبيتهم الساحقة سنّة الذين طالبوا بايقاف القناة تماما؛ وشنوا هجوماً على من يدافع عن الغامدي ووصفوه بأنه عديم الانسانية وينفخ في الفتنة.

لكن مهلاً.. أليس عبدالعزيز بن فهد هو من أكبر الداعمين لقناة وصال؟ أليست وصال تبث الجزء الأكبر من برامجها من السعودية، وتهاجم بلغات عديدة خصوم آل سعود؟ هذا اعتراف عبدالعزيز بن فهد نفسه. ثم أليست وصال هي التي امتدحها العريفي وقال أن تأثيرها متميز جداً وأنها تبث بتسع لغات، وانها تجمع كلمة المسلمين وهي ضد التعصب الطائفي؟

الغامدي نتاج ثقافة خرّجته، ولا تزال تخرّج أمثاله. قبل ان توقفوا الغامدي أوقفوا الثقافة التي أنتجته. يقول احد المغردين، ويضيف بأن الغامدي رضع من حليب التشدد حتى ارتوى، أين انتم من مصدر هذا الحليب. والمقصود أن مصنع التكفير لازال فاعلاً في تخريج التكفيريين والقتلة والمجرمين. المصنع هو الفكر السلفي بنسخته الوهابية.ذات الفكرة طرقت ذهن الصحفي الحميدي العبيسان: (فردم المستنقع أولى من محاربة البعوض) حسب قوله. فيما طالبت الناشطة سعاد الشمري بالتحقيق مع الغامدي وتقديمه للمحاكمة؛ لكن السؤال أين هم مشايخ السلفية الصحويين.. لماذا لا يدينون القاعدة؟

وصم بعض المغردين مشايخ الصحوية بأنه خوارج، وانهم شوهوا صورة المواطنين، حتى صار اسم السعوديين مرتبط بالإرهاب؛ وقد وجهت اتهامات حادة الى الشيخ العريفي الذي دافع عن القاعدة وبرأ أعضاءها من العنف ممارسة وفكراً، ويومها لم تحقق معه الحكومة السعودية ولم تعاتبه. اما الكاتبة عالية القرني فوجهت كلامها لمشايخ الصحوة كما يسمون: (عاجبكم اللي يحصل في العالم الاسلامي من هرج ومرج وسفك لدماء الأبرياء بسبب تحريضكم وتشجيعكم للإرهاب؟).

بديهي ـ كما يقول معلقون محليون ـ فإن مشايخ الصحوة لا يريدون خسارة اتباعهم، كما لا يستطيعون الاشادة بأفعالهم، وفي هذا فإن الأمراء اكثر (شطارة) منهم، فهؤلاء الأمراء يدعمون القاعدة في الدول المعادية ويحاربونها في الدول الموالية؛ وحتى الدعم فإن لآل سعود حيلاً يستطيعون من خلالها توصيل الدعم دون أن يشعر الطرف الآخر بأنه جاء من الحكام السعوديين. وقد اعتادت الرياض ارسال المال عبر المشايخ التابعين لها، او عبر رجالها المجندين في المباحث الذي اخترقوا صفوف القاعدة منذ زمن بعيد.

الصفحة السابقة