أوباما في الرياض..

الزيارة فشلت قبل وبعد موعدها

تبدو الزيارة كما لو أنها خارج السياق التاريخي والموضوعي، بل وخارج الزمن..
ليس فيها ما يدّل على نجاحها قبل وبعد موعدها..

يحي مفتي

في الشكل، تنبىء طريقة الاستقبال عن شيء ما كبير ضامر في النفوس، وكأن البدوي الكامن في اللاوعي لدى آل سعود قد حضر فجأة، وراح يجرّب تكتيكات الانتقام والثأر لكرامته المهدورة، وتدفيع الضيف ثمن الخديعة التي يعتقد الملك بأن أوباما قام بها حين تراجع عن قرار الحرب على سورية، لاسقاط النظام.

انتظر ال سعود ضيفهم كي يبلغوه رسائل شتى. بدأت أولى الرسائل بالاستقبال، حيث كان كما لو أن آل سعود أرادوا تصويره بأنه استدعاء وليس لقاء بين زعيم أقوى دولة في العالم وملك لدولة إقليمية لاتملك من وسائل القوة الا ما تحصل عليه من أموال النفط..

وصلت طائرة الرئيس، ونزل من السلم فكان في استقباله أمير الرياض خالد بن بندر بن عبد العزيز، ونائبه الأمير تركي بن عبد الله بن عبد العزيز، ومدير عام مطار الملك خالد. أول سؤال برز في حينه: لماذا غاب الأمير سلمان، ولي العهد، وولي ولي العهد الأمير مقرن، أو حتى وزير الخارجية سعود الفيصل، أو زير الداخلية محمد بن نايف.

هناك من يقلل من شأن الأمر، على قاعدة أن الرئيس الأميركي لا يستقبل ضيوفه الرؤوساء والملوك في المطار بل في البيت الأبيض. ولكن الحال في المملكة السعودية غير ذلك، ولم تجر العادة أن يتغيّب أحد الأمراء الكبار عن استقبال الرؤوساء والملوك..

إنها دون ريب رسالة واضحة الى الضيف، خصوصاً في دولة تعنيها البروتوكولات الدبلوماسية، والسلوك الشخصي أكثر من أي شيء آخر. تحتفظ وثائق البيت الأبيض ما جرى في زيارة الملك سعود الى واشنطن في يناير 1957، حين أصرّ على حضور الرئيس ايزنهاور بنفسه الى المطار لاستقباله، خلافاً للبروتوكولات المعمول بها في الولايات المتحدة بأن يستقبل الرئيس ضيوفه في البيت الأبيض وليس في المطار..وبعد إلحاح وزير الخارجية جون فوستر دالاس، حضر ايزنهاور للمطار لاستقبال ضيفه الملك سعود، وكتب ايزنهاور بأن فوستر قال له (إن لم تفعل، فقد يعدل عن المجيء... لأنّ هؤلاء القوم حسّاسون ومهووسون بالمظاهر!).

إذن لم تكن مجرد هفوة أو تقليد قديم، وإنما كان تصرّفاً مقصوداً.

في الشكل أيضاً، كانت الزيارة بمثابة مخاض عسير، بل هناك من بلغ به اليأس في حصول الزيارة أن شكك فيها. وكتب عبد الرحمن الراشد في (الشرق الأوسط) في 25 مارس الماضي مقالة بعنوان (أوباما في زيارته للرياض)، وكتب: (ما لم يؤجل الرئيس الأميركي باراك أوباما زيارته المجدولة للعاصمة السعودية، فإنها تعتبر أهم زيارة يقوم بها للمملكة منذ توليه الرئاسة..).

لم يخف الراشد حنق أمراء ال سعود من المواقف الاميركية بخصوص ملفات سوريا والمفاضوات النووية الايرانية، والتزام أوباما بالشراكة الاستراتيجية مع واشنطن، وفق مبدأ أيزنهاور في عام 1957.

في كل الاحوال، كانت زيارة أوباما للمملكة الأكثر إثارة للجدل في تاريخ العلاقات السعودية الأميركية.. آخر زيارة قام بها أوباما كانت في 3 حزيران 2009، أي في الدورة الأولى من رئاسته.

عوامل فشل زيارة أوباما الى الرياض كانت تتراكم كلما اقترب موعدها. ومن راقب أداء الطرفين، الزائر والضيف، قبل أيام من وصول أوباما الى المملكة يخرج بخلاصة واحدة: أن ثمة زهداً في الزيارة، حتى بات هناك من يترّقب صدور إعلان من البيت الأبيض بتأجيل الزيارة إن لم يكن إلغاؤها لعدم توفر شروط نجاحها، تماماً كما هي الجولة الخليجية التي تمّ إلغاؤها لنفس السبب.

سقف التوقعات السعودية تدنى بصورة تدرّجية منذ الاعلان عن الزيارة في 3 شباط الماضي، حتى نظر اليها الجانب السعودي وكأنها زيارة عادية، بلا أجندة محدّدة باستثناء (تهدئة المخاوف السعودية).

في المعلن من أنباء الزيارة، جاء أوباما الى الرياض بهدف (تقوية الروابط) على حد بي بي سي في 3 شباط الماضي، على خلفية السخط السعودي من سياسات أوباما في المنطقة، وخصوصاً في ملفي سوريا وايران.

وقد أحدث قرار أوباما برفض شن ضربات عسكرية على سورية على خلفية استعمال الاسلحة الكيماوية صدمة عنيفة لدى السعوديين، انعكس فوراً على أدائهم السياسي المتقلّب في أكثر من محطة على مستوى المنطقة والعالم. وعبّرت السعودية عن خيبة أملها في رفض تسليح الجماعات المقاتلة في سوريا لاسقاط الأسد، فيما كانت واشنطن ترى بأن الجماعات التي تزعم السعودية بأنها معتدلة هي ليست كذلك، وأن ثمة خشية من وصول الأسلحة الى المكان الخاطىء.

في الملف الإيراني، هناك موقف صريح وثابت لدى السعوديين، عبّر عنه السفير السعودي في لندن الأمير محمد بن نواف في مقالة له في (نيويورك تايمز) العام الماضي، حين وصف المفاوضات بين ايران والقوى الغربية حول الملف النووي بأنها (مقامرة خطيرة)، فيما كان رئيس الاستخبارات العامة الأسبق وسفير الرياض في لندن وواشنطن سابقاً تركي الفيصل يواصل هجومه على ايران في كل مناسبة حول مشروعها النووي وتدخلها في سوريا..

الملك وسلمان ومقرن والتويجري في حضرة أوباما: المواقف لم تتغيّر

الصحيفة السعودية الصادرة باللغة الانجليزية (عرب نيوز) كتبت في 6 آذار الماضي بأن العيون موجّهة نحو الرياض، وأن الزيارة تستهدف التأكيد علىى العلاقات الوثيقة والعريقة بين الولايات المتحدة والسعودية. وشأن كل الصحف السعودية والأوروبية المحافظة فإن الهدف المتوقّع من الزيارة هو طمأنة أوباما لنظيره السعودي لبقاء الدعم الأميركي للعائلة المالكة ومصيرها في الجزيرة العربية.

صمت البيت الأبيض حيال أجندة الزيارة والملفات، التي سوف يجري طرحها وتداولها بين الرئيس أوباما والملك عبد الله، ينطوي على احتمالات عدّة من بينها أن لا موضوعات جدّية سوف تكون مورد تداول، أو أنها قد تكون بالغة التعقيد ما يتطلب سرية عالية خشية فرطها، أو أن شكوكاً بنجاحها يحول دون مجرد التلميح اليها.

في زيارة أوباما الأخيرة في 3 حزيران عام 2009، أعلن المتحدث باسم البيت الأبيض روبرت جيبس أن أوباما سوف يلتقي الملك عبد الله في الرياض وسوف يناقش مجموعة قضايا من بينها: السلام في الشرق الأوسط، ايران، والارهاب. وأضاف الى ذلك بأن الرئيس لن يقوم بأي نشاطات علنية (محاضرات، مؤتمر صحافي، ندوة..الخ) خلال فترة إقامته في المملكة.

أما في هذه الزيارة المثيرة للجدل، فلم يصدر عن البيت الأبيض بيان يتعلق بموضوعات الزيارة، سوى ما تتناقله الصحف من توقعات، وتدور في الغالب حول القلق السعودي على مستقبل التحالف الاستراتيجي والتاريخي بين واشنطن والرياض، خصوصاً وأن الزيارة تأتي بعد سلسلة ثورات شعبية في الشرق الأوسط، والتي أطاحت برؤوس كبيرة مثل حسني مبارك، وزين العابدين بن علي، ومعمر القذافي، وعلي عبد الله صالح، ولا تزال بعض الدول تشهد ارتجاجات أمنية عنيفة تكاد تجعل خارطة الشرق الأوسط أمام تحوّلات بنيوية خطيرة.

لم يكف بعض الدبلوماسيين الأميركيين المولجين بالعلاقة مع الرياض عن ترديد العبارة التقليدية: «إن العربية السعودية شريك وثيق الصلة بالولايات المتحدة، وأن العلاقات الثنائية بين البلدين راسخة ولا تتأثر بتغييرات هنا وهناك».

بيد أن هذا النوع من التصريحات لم يكن كافياً لطمأنة الرياض الخائفة على مصير الكيان. ومن اللافت، أن العلاقة بين الرياض وواشنطن تتحدّد ضعفاً وقوة من خلال المسافة الفاصلة بين واشنطن وطهران، فكلما تقلّصت المسافة بينهما ساءت العلاقة بين واشنطن والرياض. ولذلك، كانت المخاوف السعودية في أعلى مستوياتها حين قررت إدارة أوباما البدء برفع تدريجي للعقوبات المفروضة على ايران في مقابل وقف تخصيب اليورانيوم لفترة من الوقت وتخفيض جزئي لمخزون اليورانيوم.

قبل أيام من موعد الزيارة بدأت حملة ضغوطات وضغوطات مضادة بين الجانبين الأميركي والسعودي. في الجانب الأميركي، أطلقت الصحف ومراكز الدراسات في الولايات المتحدة قائمة توصيات للرئيس الأميركي من أجل طرحها على القيادة السعودية تتعلق بالإصلاح، وحقوق الانسان، وإصلاح المناهج الدينية، ووقف تمويل ودعم الجماعات الارهابية.

وقد رفع أكثر من خمسين عضواً في الكونغرس مناشدة للرئيس أوباما من أجل طرح قضية إثنين من أبرز الناشطين في مجال حقوق الانسان في المملكة السعودية، وهما عبد الله الحامد ومحمد القحطاني، المعتقلين بتهمة تأسيس جمعية الحقوق المدنية والسياسية (حسم) دون ترخيص. كما طالب الأعضاء بزيارة عائلتيهما، كتعبير عن التضامن مع المدافعين عن حقوق الانسان في المملكة السعودية، ذات السجل (المثير للقلق) بحسب توصيف التقرير السنوي الصادر عن وزارة الخارجية الأميركية.

من جهة ثانية، كتب إيلي ليك في (ذي ديلي بيست) في 25 آذار مقالاً حول تشجيع مقررات التعليم الدينية في السعودية على التطرّف، وأن ضغوطات تتزايد على وزارة الخارجية الأميركية من أجل نشر دراسة أميركية رسمية شاملة حول مقررات التعليم في المملكة. تشير ليك الى أن الانتهاء من الدراسة كان في أواخر سنة 2012، ولكن لم يتم نشرها للعلن، بحسب تقرير صدر مؤخراً عن مؤسسة الدفاع الديمقراطيات، وهي مؤسسة بحثية في واشنطن تنتمي الى يمين الوسط.

ويقول مسؤولون أميركيون سابقون وحاليون بأن وزارة الخارجية فوّضت في عام 2011 المركز الدولي للدين والدبلوماسية (ICRD) وهي مؤسسة غير ربحية تعمل على تشجيع التسامح الديني، لتقييم المقررات الدراسية السعودية في عام 2011، بسبب أن الجهود السابقة التي بذلت في هذا الشأن لم تكن شاملة. وبحسب مؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات اعتماداً على مصادر مقرّبة من المركز، فإن المقررات الدراسية السعودية (تخلق بيئة تشجّع الخصوصية، التعصّب، وتدعو للعنف بما يعرّض الأقليات الدينية والاثنية للخطر). مصادر مؤسسة الدفاع عن الديمقراطية تحدّثت عن قرار الإدراة الأميركية بعدم نشر الدراسة بعد استكمالها أواخر 2012، كون المقررات الدراسية السعودية تحتوي على مواد تنزع الخصائص الانسانية عن اليهود والمسيحيين بما يسيء الى صورة السعوديين.

استقبال بارد للرئيس الأميركي في الرياض

في المقابل، ردّت الرياض عبر ضغوطات مضادة. بدأت برفض أي وساطة أميركية في الخلاف السعودي القطري، الأمر الذي أدى إلى إلغاء البيت الأبيض لجولة أوباما الخليجية. نشير الى أن طلبات عدّة وصلت الى إدارة أوباما من قادة خليجيين بزيارة بلدانهم بعد لقائه الملك السعودي. ثانياً، في ختام القمة العربية، جاء إعلان الكويت بنبرته العالية والثورية الى حد ما ليبعث برسالة واضحة وجماعية الى الإدارة الأميركية باستبعاد ملف التسوية الاسرائيلية الفلسطينية من أي نقاش مع الملك عبد الله، ولسان حاله (كما خيّبتوا آمالنا في الملف السوري سنخيّب آمالكم في ملف التسوية).

لم تكن صحوة عربية مفاجئة هي التي تقف وراء رفض الحديث عن الدولة اليهودية، والتأكيد على حق سوريا في استعادة الجولان، وتوجيه التحيّة الى لبنان ومقاومته في حرب تموز 2006..شهادات إطراء خارج السياق، والأسباب واضحة:

■ مصر ليست على وفاق مع الولايات المتحدة، وكانت الأخيرة أعلنت قبل أيام عن مراجعة موضوع المساعدات.

■ إلغاء الجولة الخليجية من جانب البيت الأبيض، جعل دول الخليج في حلّ من أي التزام سياسي مع واشنطن.

■ السعودية خسرت رهانها على ضربة عسكرية أميركية على سوريا، ولا تجد نفسها ملزمة بتقديم تنازل في الموضوع الفلسطيني، رغم حصول وزير الخارجية الأميركي جون كيري على موافقة سعودية بإقرار مبدأ يهودية الدولة الاسرائيلية، ولكن تبدّل الحال لاحقاً.

في سياق المناكفة أيضاً، قررت السعودية رفض منح تأشيرة دخول لصحافي أميركي، مايكل ويلنر، يعمل في صحيفة (جيورزاليم بوست) الاسرائيلية، وعبّر البيت الأبيض عن (خيبته العميقة). وكان مقرراً أن يكون ويلنر من بين الفريق الصحافي الذي سوف يغطي زيارة أوباما للمملكة. وقال الناطق بإسم مجلس الأمن القومي الأميركي برنديت ميهان في 25 آذار الجاري (إننا سوف نواصل التعبير عن قلقنا الجاد حيال هذا القرار غير الموفّق).

في حقيقة الأمر، أن الرفض لم يكن بسبب كون الصحافي إسرائيلياً أو يعمل في صحيفة إسرائيلية بل هو جزء من المناكفة السعودية. يتذكر المراقبون للشأن السعودي زيارة وزيرة الخارجية الأميركية سابقاً مادلين أولبرايت الى الرياض في كانون الأول 1999 حيث وجدت في انتظارها الصحافية الاسرائيلية ومدير مكتب واشنطن التابع لصحيفة (يديعوت أحرونوت) الاسرائيلية أورلي أزولاي كاتز وكانت قد باشرت العمل في المملكة السعودية بعد أن منحتها السلطات هناك تأشيرة نافذة لمدة شهرين، كممثلة للصحيفة. وقالت حينذاك بأنها لا تواجه أية مشاكل في الاتصال بمكتبها الرئيسي في الدولة العبرية. اللافت، أن أولبرايت كانت تصطحب معها كذلك ديفيد ماكوفسكي رئيس تحرير صحيفة (جيروزاليم بوست) الإسرائيلية.

تجدر الاشارة الى أن الصحافية الاسرائيلية أورلي أزولاي قد زارت الرياض مرتين لتغطية وقائع القمة العربية برفقة بان كي مون في مارس 2008. وذكرت صحيفة (يديعوت احرونوت) بأن الخارجية السعودية هي التي منحت مراسلتها أزولاي تأشيرة زيارة للسعودية من أجل تغطية القمة العربية، وقد استقبلت بحرارة وخاطبها ممثل عن وزارة الاعلام السعودية بأنها مرحب بها في بلاده (ولا يوجد أي داع للقلق..).

كل ما سبق يشير الى أن من غير الممكن أن يحدث اختراق في زيارة أوباما للرياض، بل هناك ما يفيد بأنها أقرب الى العادية، وأبعد ما تكون عن الاستثنائية، ببساطة لأن عوامل التباين كانت أكثر من أي وقت مضى أكبر من عوامل الانسجام بين واشنطن والرياض، وإن على السعودية أن تعتد على التغيير في الاستراتيجية الاميركية في الشرق الأوسط وفي العالم..

شاتام هاوس، المركز الملكي للدراسات الاستراتيجية، نشر مقالاً للباحث الزميل في المركز السير توم فيليبس في 26 مارس أشار فيه الى تساؤلات الرياض حول إمكانية نجاح أوباما في إصلاح التلف الذي أصاب العلاقات الاميركية السعودية. وقال فيليبس بأن الملك عبد الله رجل يحاكم الدول من خلال قادتها، وأن لديه سجّلاً بعدم مسامحة أو نسيان أولئك الذي يعتقد بأنهم ليسوا على قدر التزامهم بتعهّداتهم. وأن أوباما لا يرغب في أن يكون مدرجاً على القائمة، ولكن كلماته هي جزء من المشكلة. في الشرق الأوسط وفي أماكن أخرى، ومن خلال خطبته الرائعة في القاهرة في مارس 2009 وما بعد ذلك، فإن العالم العربي لحظ الفجوة بين اللهجة والالتزام.

من وجهة نظر سعودية، فإن أوباما فشل في الالتزام بتعهده بمعاقبة الأسد لاستعماله الاسلحة الكيميائية وأخفق في إعطاء الشعب السوري الاسلحة التي يحتاجها لمزاولة حقه في الدفاع عن نفسه.

على أية حال، ما يريده السعوديون أكثر من ذلك، ولكن واشنطن تعتقد بأنها ليست معنيّة بتلية رغباتها التي لا تتطابق بالضرورة مع مصالحها، وليست على استعداد لأن تخوض حروباً لمجرد أن الرياض لديها أعداء ليسوا بالضرورة هم بالنسبة لواشنطن كذلك، أو ليسوا أعداء دائمين..

موضوعات الزيارة

كل ما قيل عن الملفات التي جرى تداولها بين الرئيس أوباما والملك عبد الله مجرد تكهنات وليست مبنية على معلومات سواء من البيت الأبيض أو من الجانب السعودي. وفي الغالب هي معلومات صحافية.

من تقارير وكالات الانباء في 28 مارس، أن الملفات هي سوريا وإيران والقضية الفلسطينية والعلاقات الثنائية. بي بي سي أشارت الى أن الزيارة (تهدف إلى توطيد العلاقات بين البلدين التي شهدت توتراً على مدار الأشهر الماضية).

قد يكون التصريح اليتيم الذي يحمل دلالالة إيجابية هو تصريح مساعد مستشارة الأمن القومي بن ردوس. وقد نقل موقع (DW.DE) عن رودس قوله: إن العلاقات بين الولايات المتحدة والسعودية «تشهد تحسنا منذ الخريف» بسبب التنسيق الأفضل للمساعدات المقدمة للمعارضة السورية. وأضاف بن رودس، الذي رافق أوباما خلال زيارته للسعودية، للصحافيين إن «علاقاتنا مع السعوديين اقوى اليوم مما كانت عليه الخريف الماضي عندما واجهنا خلافات تكيتكية بيننا» موضحا أن التحسن حصل بفضل «التعاون الوثيق» بينهما من أجل تنسيق الدعم للمعارضة السورية.

حوار سعودي أمريكي في ظل تزعزع بالثقة في الحليف

الزيارة التي كانت مقرّرة مدة يومين لم تدم سوى ساعتين، ولم يلتق خلالها شخصاً آخر غير الملك. وفي اليوم التالي، أعلن موفد (العربية) في الرياض أي في صبيحة 29 مارس أن الرئيس الأميركي يغادر السعودية بعد قمة مع العاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز. وصدر بيان رسمي مقتضب بأن الرئيس أوباما غادر المملكة مع الوفد المرافق له.

مرّ الخبر كما لو أن الزيارة اختتمت بصورة عادية، وأنها حقّقت أغراضها، بالرغم من أن المغادرة هي الأخرى تمّت بصورة مفاجئة ودون مراسم وداع. صدر بيان تقليدي يتّسم بالعمومية من البيت الأبيض يقول: الطرفان السعودي والأميركي أكدا عمق العلاقات الثنائية على مدى 80 عاماً.

كل ما قيل بعد ذلك لا يتجاوز التكّهنات أوالتفكير الرغائبي.

اللافت أن تصريحات قيلت سابقاً جرى استخدامها في الزيارة لإثبات نجاحها، من قبيل التصريح المنسوب لمسؤول أميركي رفيع بأن أوبا أكّد للملك عبد الله أنه (لن يقبل باتفاق سيئ مع إيران). ومن يعود للأرشيف سوف يجد مثل هذا التصريح خلال جولات المفاوضات النووية بين ايران ودول 5+1 واعتراض اسرائيل على التفاهم بين ايران والغرب.

صحيفة (واشنطن بوست) نشرت قبل يوم من الزيارة مقالة عن موضوعات الزيارة فكانت عبارة عن توقّعات وليس معطيات. وتحدّث ديفيد إغناطيوس عن محاولة إرضاء الولايات المتحدة للسعوديين في زيارة أوباما الأخيرة، حيث تحدث عن برنامج سري لتدريب المعارضة في الأردن وشمال سوريا وقطر، ودعم للمجالس المحلية، وتفكير في تقديم أسلحة ثقيلة.

صحيفة «وول ستريت جورنال» ذكرت في تقرير لها في 29 مارس، نقلا عن مساعدين للرئيس أوباما، أن مساعدة بعض الثوار السوريين كانت أحد أهم النقاط على جدول أعمال اللقاء الذي جمعه مع العاهل السعودي الملك عبدالله ، وبدا أن الخلاف بينهما حول دعم المعارضة السورية المسلحة بدأ يضيق، ولكن لا تزال هناك خلافات، وفقا للتقرير نفسه.

ومع ذلك، أضاف التقرير، لا تزال هناك أنواع من الأسلحة لن توافق واشنطن على تزويدها للثورا السوريين، بما في ذلك الصواريخ التي تُطلق من الكتف، والمعروفة باسم منظومات الدفاع الجوي المحمولة.

في الموضوع المصري الذي قيل بأن الولايات المتحدة لديها مصلحة مشتركة مع السعودية بشأن استقرار الوضع في مصر. وهذا التصريح لا يحمل جديداً أو معنى ذا مغزى، لأن وجود المصلحة المشتركة لا يعني تطابق الموقف. لأن مساعد مستشارة الامن القومي ردوس يقول بالحرف (أن مواصلة مصر الالتزام بعملية انتقالية نحو انتخابات حرة ونزيهة وحكم ديمقراطي ستكون أفضل وسيلة لتحقيق الاستقرار). ولا أظن ان هذا التصريح يعكس الرؤية السعودية في مصر، تماماً كقوله (إن استمرار مصر في التمسك بخريطة طريق الديمقراطية سيخدم هذا الاستقرار)، مشيراً إلى أن (الولايات المتحدة لا تزال لديها مخاوف بشأن أشياء مثل احتجاز الصحفيين والناشطين السياسيين).

باستثناء اللقاء بين الرئيس أوباما والملك عبد الله الذي دام ساعتين، لم يجر الحديث عن لقاء آخر أو نشاط اعلامي أو ثقافي باستثناء تسليم الدكتورة مها المنيف جائزة أشجع امرأة في العالم في الرياض قبيل مغادرته الرياض.

إلغاء الجولة الخليجية

الجواب كما أعلن عنه البيت الأبيض أن الخلافات الخليجية هي السبب وراء إلغاء الجولة. وفي التفاصيل أن الخلافات بين السعودية والامارات من جهة وقطر من جهة أخرى دفعت واشنطن للنأي بنفسها عنها. خصوصاً وأن لدى واشنطن موقفاً بخصوص قضايا هي موضع خلاف بين الرياض والدوحة مثل الاخوان المسلمين في مصر، حيث رفضت واشنطن الطريقة التي أدّت الى اسقاط حكم مرسي.

وكانت الرياض قد قرّرت إغلاق الحدود البرية مع قطر، الا أن واشنطن ضغطت على الرياض لوقف هذا التدبير لأن ذلك يتسبب في إضرار العاملين في القاعدة الجوية في السيليّة.

صحيفة (النهار)، وبعد مرور خمسة أيام على الزيارة، نشرت في 3 إبريل الجاري مقالة للصحافي علي حمادة بعنوان (ايجابيات زيارة اوباما الى السعودية)، ولكّنه افتتحه بمقدمة متناقضة مع العنوان (لم يرشح الكثير عن نتائج عملية لزيارة الرئيس الأميركي باراك اوباما للسعودية والمحادثات التي عقدها مع الملك عبدالله بن عبدالعزيز). ثم استدرك قائلاً (والحقيقة، بحسب مصادر ديبلوماسية عربية مواكبة، ان المحادثات التي بدأت بين اوباما والملك عبدالله في حضور عدد محدود من المسؤولين السعوديين حفلت بمناقشات مستفيضة لواقع العلاقات الاميركية - السعودية، وللسياسة الاميركية في المنطقة، ولا سيما في ما يتعلق بالقضايا التي تهم المملكة العربية السعودية، وأهمها: عملية السلام الفلسطينية - الاسرائيلية ثم تطور المفاوضات بين ايران والاميركيين بالتوازي مع المفاوضات المعلنة الدائرة مع مجموعة ٥+١، والموقف الاميركي من الصراع الدائر في سوريا، فضلاً عن الموقف من النظام المصري الجديد. اما الملف اللبناني فحضر في سياق البحث في الوضع السوري).

ثم عاد وتراجع وقال بأن (العنصر المهم في المحادثات ان تفاصيل التفاهمات التي تمخضت عنها بقيت طي الكتمان وفقاً لاتفاق الطرفين).

ما لا يقوله حمادة في مقالته، أنه لا يملك معطيات حول الزيارة، ولكنه لم يتنبّه الى أن ساعتين من اللقاء يتخللها غالباً كلاماً فارغاً من قبل الملك أو من المقرّبين منه، لا تكفي للتداول في شأن ملف واحد فكيف بمجموعة ملفات يتطلب النقاش فيها أياماً خصوصاً بعد تفجّر الخلاف بين الدولتين حول ملفات عديدة، فكيف نجحت قمة أوباما ـ عبد الله في التوصّل الى تسويات في ملفات خلافية وبسرعة قياسية!

الصفحة السابقة