دور ملتبس في المنطقة والعالم

آل سعود والباكستان

هادي شريف

كثيرة هي الأسباب التي تدعونا إلى ملاحقة الأحداث المتسارعة في الباكستان ومتابعة متغيراتها السياسية وتردي الأوضاع الأمنية فيها، حيث أن للوضع الأمني في الباكستان دوراً أساسياً في اللعبة السياسية الداخلية المرتبطة بمصالح إقليمية ترجع في تاريخها إلى يوم دخول الإتحاد السوفياتي إلى أفغانستان.

الدخول السوفياتي تزامن حينها مع استلام الجنرال ضياء الحق ـ حليف السعودية ـ الحكم في الباكستان إثر إنقلاب عسكري على حكومة ذو الفقار علي بوتو الديمقراطية، وإعدام بوتو نفسه لاحقاً. كما تزامن ذلك مع الثورة الايرانية وسقوط ما كان يعرف بشرطي الخليج، حليف الولايات المتحدة الأمريكية القوي في المنطقة وسليل عائلة بهلوي الملكية.

فالباكستان بموقعها الجيو- استراتيجي المتقدم، استطاعت إغراء الولايات المتحدة الأمريكية لاتخاذها قاعدة متقدمة لصد المد الشيوعي من جهة، وتطويق الوليد الجديد الذي أطاح بحليفها الإستراتيجي في ايران. والباكستان متاخمة لبحر العرب جنوباً ولأفغانستان وإيران غرباً وللهند شرقاً، ولها حدود مع الصين على طول «جلجت» وبلتستان في الأقاليم الشمالية الشرقية والشمالية الغربية. كما يفصل الباكستان عن الجمهوريات الإسلامية المستقلة عن الاتحاد السوفيتي السابق رقعة صغيرة من الأراضي الأفغانية.

يؤكد ما نشير إليه ما ذكره السفير الباكستاني السابق لدى الولايات المتحدة الأمريكية حسين حقاني في كتابه «الأوهام المهيبة» عندما يتكلم عن الدور الذي لعبه السفراء الباكستانيون الأوائل لدى الولايات المتحدة الأمريكية عندما روجوا لموقع الباكستان الإستراتيجي وأهميته في حفظ المصالح الأمريكية في العالم. وقد درّ التحالف الباكستاني - الأمريكي على الباكستان مكاسب مادية طائلة ما كانت لتعيش من دونها الدولة الناشئة حديثاً (1947)، والتي خاضت ثلاث حروب مع عدوتها التقليدية الهند التي كانت حينها في الصف السوفياتي، ما ساعد في حبك هذه العلاقة التي عانى خلالها الأمريكيون كثيراً من الإبتزاز الباكستاني. ولعل السبب يعود لقاعدة أرساها مؤسس دولة الباكستان محمد علي جناح عندما قال: «أمريكا تحتاجنا أكثر من حاجتنا إليها «.

لكن اليوم من يحتاج من؟

إنها الباكستان التي تعيش على الهبات الدولية والمساعدات الخليجية والأمريكية ..

الباكستان ذات المؤسسات المنهارة.

انها الباكستان التي ينخر فيها الإرهاب كالسوس!

الإرهاب الذي زرعته هي نفسها يوم عقدت الإتفاقية المشؤومة مع أمريكا والسعودية لدعم ما أطلق عليه حينها بجهاد أفغانستان. لذا فالباكستان تتخبط اليوم بحثاً عن حل للجماعات الإرهابية المسلحة التي ترعرت في المدارس الدينية التي تبرّعت السعودية بفتحها ودعمها برضا المؤسسة العسكرية الباكستانية، حتى أن السعودية اشترطت على المؤسسة العسكرية إبان حكم ضياء الحق بفتح مسجد في كل ثكنة عسكرية، على أن يكون إمام المسجد من الفرقة الديوبندية الوهابية المتطرفة برتبة ضابط، وذلك مقابل مساعدات مالية كانت ضرورية بالنسبة لباكستان، التي بدأت حينها في الشروع ببناء قنبلتها النووية.

هل صحيح توصيف البعض للعلاقات الباكستانية الأمريكية بأنها كعلاقة التوأمين متلاصقي الرأس؟

ما يمكننا قوله هو ان فسيفساء المشهد الباكستاني أكثر تعقيداً. انها مثل اوكرانيا اليوم.. مجرد جزء من لعبة الأمم. اللاعبون هم أنفسهم منذ ثلاثة عقود ونيف، وهم أنفسهم اليوم يستجلبون المقاتلين الذين تربوا في مدارس مولانا سميع الحق في الباكستان ليقاتلوا في سوريا. ها هي السعودية تشتري للمعارضة السورية أسلحة دفاع جوي وغيرها من الأسلحة النوعية من باكستان. وقد أفرج شهباز شريف، حاكم أقليم البنجاب وشقيق رئيس الحكومة نوازشريف، عن 700 معتقل من السجون الباكستانية ليتم إرسالهم الى سوريا بحسب ما انتشر في الإعلام الباكستاني، ما أثار ضجة كبيرة في الأوساط السياسية والشعبية، فسارع حزب الشعب أحد أكبر الأحزاب الباكستانية وأحزاب أخرى الى مطالبة الحكومة بتوضيح حول ما نُشر.

تسنيم أسلم، المتحدثة باسم وزارة الخارجية الباكستانية ردّت بالنفي، ووصفت التقارير المنشورة بأنها (تافهة)!

بيد أن انتظار يومين على التصريح كانا كفيلين لتوضيح الصورة. ففي الأول من مارس الماضي، تحدث الإعلام الباكستاني من جديد عن وصول أول شحنة أسلحة مُتفق عليها بين الرياض واسلام آباد، الى الأردن على متن طائرة C130 أقلعت من مطار كراتشي عاصمة السند .الخبر اكدته مصادر أمنية في الجيش الباكستاني وضباط مطار كراتشي. والجديد في الأمر اضافة الى الأسلحة، هو نيّة إرسال 3000 جندي وضابط باكستاني ممن تقاعدوا عام 2010 الى الأردن لتدريب المسلحين السوريين، وربما حتى قيادة المعارك في درعا.

وعلى الطريقة الرسمية المعتادة، فإن سرتاج عزيز، مستشار نواز شريف نفى عبر البي بي سي، اي تورط باكستاني في سوريا، ووصف الاسلحة التي تم بيعها لمملكة ال سعود بالتقليدية. وكانت الرياض قد طلبت ـ وحتى قبل زيارة ولي العهد وزير الدفاع السعودي في مارس الماضي ـ صواريخ بعيدة المدى صناعة باكستانية، يؤمل السعوديون تحميل رؤوس نووية عليها، لمواجهة ما تمسيه التهديد الإيراني. وقد قام خصوم نواز شريف رئيس الوزراء بتسريب معلومات أخرى لها علاقة بإرسال نحو 30 ألف جندي باكستاني في تكرار لتجربة سابقة في السبعينيات الميلادية. من بين الآلاف تلك وصل في الأسبوع الأخير من مارس نحو 1200 ضابط باكستاني لوضع خطة امنية لمختلف مناطق المملكة في الشرقية والغربية.

الباكستان.. الدولة الفاشلة، تساعد اليوم دولة أخرى في طريقها الى الفشل وهي السعودية!

الصفحة السابقة