إقالة بندر بن سلطان

جهاز الإستخبارات صار نحساً!

عمر المالكي

بأمر من الملكي، أُعلن الديوان الملكي في 15 أبريل الماضي عن إقالة بندر بن سلطان مع اضافة جملة معتادة وهي: (بناء على طلبه)، وذلك حفظاً لماء وجهه.

قد تكون الحجة صحيّة؛ ولكن الإعفاء سياسي، وإلا فلدينا مرضى وعجزة ومصابين بالزهايمر ولازالوا يمسكون بالسلطة. والملك فهد فقد عقله بسبب الجلطة وبقي ملكاً لتسع سنوات من ١٩٩٦ الى ان مات في ٢٠٠٥.

كان بندر آخر سهم في كنانة العائلة المالكة، استخدمته بأوامر من واشنطن بعد إجازة قسرية مدتها ثلاث سنوات، ولكن بندر لم يكن الشخص الذي يحل معضلات آل سعود الكثيرة في سوريا وايران والعراق ومصر والبحرين وغيرها، فضلاً عن المشكلات الداخلية التي هي منبع المشكلة. ثم ان الرجل بسبب الإدمان وحالة الإكتئاب الشديدة، اثرت على قراراته، فصار مغروراً بذاته، متجاوزاً لصلاحياته، واصبح يدعم القاعدة علناً، بل ويهدد باستخدامها ضد الآخرين، كما حدث مع بوتين ومع طوني بلير، وهو ما نشرته الصحف البريطانية وغيرها في حينه.

بفشل بندر السياسي في الملفين السوري والعراقي وغيرهما، وتضخيم القاعدة حتى اصبح الغرب يخشى وصول نارها اليه.. ولأن الملك يريد التخلص من الوجوه السديرية ما أمكنه حتى يصبح ابنه متعب ملكاً.. لكل هذا، تمّت اقالة بندر، وبأمر أمريكي، وقُضي على مستقبله السياسي، بعد ان مُنح فرصة أخيرة فشل فيها. وجاءت الإقالة بعد زيارة اوباما للرياض بأيام فقط.

يمكن القول بأن بندر جاء به الأميركون وذهبوا به. فحين ظهر فجأة بمعيّة مدير السي آي أيه السابق ديفيد بترايوس في يوليو 2012 خلال لقاء مع الملك عبد الله في جدّة، بدا واضحاً ان العامل الأميركي لعب دوراً رئيساً في تذليل العقبات أمام بندر بن سلطان في الوصول الى مركز هام في الدولة السعودية.

وفي ضوء تقارير متعددة كان بندر قد غاب نتيجة خلاف مع الملك عبد الله، عقب تهديد بندر لمستشار الأخير خالد التويجري وإشهاره السلاح في وجهه. عاد بندر بدعم أميركي واضح، وكان تعيينه رئيساً للاستخبارات العامة حمل في طياته رسالة أميركية لمرحلة أريد من بندر أن يلعب فيها دوراً مركزياً.

نال بندر كل ما يريد من الدعم السياسي والمعنوي من الولايات المتحدة وأوروبا، وخلال عام ونصف تولى فيها إدارة الملف السوري بعد نقله من قطر، حظي بندر بن سلطان بكل أشكال الدعم، وراح يتحدث باسم الأميركي والأوروبي على حد سواء، ويعقد الصفقات مع الفرنسي والروسي وغيرهما.

جرّب بندر كل أشكال الخداع والمكر في مشروع إطاحة النظام السوري، وحرّض على الحرب الاقليمية، وكاد أن يشعل حرباً عالمية لتحقيق هدف إسقاط النظام، ولكن في نهاية المطاف وجد الرجل نفسه أمام حقائق على الأرض يصعب تغييرها.

خسر الرهان، وكان لابد أن يخسر موقعه أيضاً. فكان قرار إعفائه من منصبه، ولكن ليس (بناء على طلبه) كما جاء في الأمر الملكي المتعلق بقرار إعفائه، وإنما بناء على طلب أميركي. هذا ما كشفت عنه صحيفة (هآرتس) الاسرائيلية المقرّبة من الدوائر الرسمية في تل أبيب.

فقد ذكرت الصحيفة في 28 إبريل الماضي بأن بندر لم يطلب الاستقالة، وربما لم يكن يتوقع البيان الملكي الذي وضع حدا للدراما الجارية في ملعب الملك عبد الله منذ سنة. وذهبت الصحيفة لحد القول إن الرئيس الأمريكي اوباما هو من طلب من الملك استبعاد بندر من منصبه بهدف تهدئة التوتر بين البلدين خلال زيارته الاخيرة للملكة.

وتابعت: (بعد تراجع الولايات المتحدة عن توجيه ضربة الى سوريا، وتوصلها لاتفاق نووي مع ايران، عمد بندر الى الاعلان ان السعودية تعمل على اعادة النظر في سياستها تجاه الادارة الامريكية، كما تبين للادارة الاميريكية أنه انتقد سياستها بالذات أمام خصومها الجمهوريين، وشجّع على مهاجمة سياستها في كل مكان، بما في ذلك الكونجرس). وأوضحت الصحيفة: (إضافة الى الخلاف بشأن مصر، تأزم الوضع بين واشنطن والرياض بسبب سياسة المملكة في سوريا التي كان بندر مسؤولاً عنها، وهو الذي وجه المملكة للمطالبة بالتدخل العسكري، العربي والدولي. كما قام بتطوير ميليشيات متطرفة يرتبط بعضها بالقاعدة في سوريا. وقد نال بندر مساندة من الملك، بعد أن وعده بأن هزيمة الاسد قريبة). وختمت الصحيفة بأن (تزايد هذه الجماعات في سوريا أثار وزير الداخلية محمد بن نايف الذي بات يتخوف من عودة المقاتلين السعوديين الى المملكة، وهو ما أجّج الخلافات داخل البلاط الملكي، وإبعاد بندر يأتي للحد من الضربات السياسية داخل بيت آل سعود).

# شكراً بندر بن سلطان

كان التخلص من بندر يعني هزيمة لآل سعود، لم يتحملها البعض الذي وجد في الإقالة انتصاراً للمحور المضاد، فأسس الطبالون هاشتاقاً بإسم (# شكراً بندر بن سلطان) فكيف يُقال بندر وصفاته الغراء ملأت الكون كما يقولون؟

أحدهم غرّد: (لن ننساك يا سيدي)، يقول المطبل مبارك: (أطفأتَ حروباً أهلية ونازلتَ لوبيات قوية). وبندر داهية، بل هو حسب الطبال اياه: (ترسانة مواهب) اجتمعت في شخص!. المغرد بإسم النحياني فقد توازنه وصار يضع منجزات لبندر مثل (حصول المملكة على الرؤوس النووية من الصين)! في حين ان كل القصة شراء صواريخ بعيدة المدى! والمغرد ابو عمر يقول بأن السعودية هي وحدها التي تستطيع ان تقول لا لأميركا.

المغرد الجهني ذهب بعيداً وهو يخاطب بندر: (سيذكرك التاريخ بأنك من أسقطتَ بشار وأعوانه، وهدمتَ وأسقطتَ مخططات الفرس)! انها منجزات لم تقع. اما المغرد العضيدي فيختلط عليه الأمر، حتى ان الذم يصبح مديحاً: (شبل من ذلك الأسد، قاهر الفرس والمجوس. الإعفاء خسارة للكرة الأرضية. الآن مَنْ يسوّي لنا صفقات مثل صفقة اليمامة؟).

ومن فضائل بندر لدى المغرد محمد الوليم: انه حمل ملفات لو اجتمع سفراء العالم على حملها لفشلوا! وفاق المديح حدّه، وهو يعكس البكاء على رحيله، اذ يقول فيصل بأن بندر رجل دولة أرعب الغرب والشرق، انه اسطورة لا تعوّض! وهو عند المغرد السبيعي عبقري السياسة وأسطورة الدبلوماسية. وعند الثقفي: (لا نظير له، انه داهية هذا الزمان)!

اقالة بندر كان لها وقع الصاعقة على البعض، لأنهم صدقوا الدعاية أعلاه، ولأنهم من الطبالين فليس لهم إلا نقد (الفرحين) برحيله، وليس نقد الملك الذي أقاله. وإلا فإن كل ما يُزعم عن انجازاته واذا به (في الأخير شَلّوتْ لكلبْ أميركا) يقول مغرد. المغرد خالد يسأل الطبالين ذكر منجزات بندر (علشان أسوّي مثلكم أي أمدحه وأتحسّر عليه). الأكثر اضحاكاً، انه وقبل ان يجفّ حبر اقالة بندر، جاءنا برزان ليقول: (هل تعلم ان ايران تهاب الإدريسي ـ خليفة بندر ـ أكثر من أي شخصية سعودية أخرى. من أفشل مخططاتهم في المنطقة هو الإدريسي). وهنا يعلق المنبطح ساخراً: بأن أكثر ما يخيف ايران هو مدرب الكرة ناصر الجوهر!

يستغرب المغرد بندر وهو يخاطب الطبّالين: (أحسستُ أنه أوقف النفط عن الغرب، وأخرج القواعد الأميركية، وأفسح الطريق للشعب لاختيار حاكمه.. كفاكم غباءً). داعشي اسمه تركي يشتم: (شكراً يامن تسرقون كل شيء وجعلتم الشعب شويّة بهايم تأكل الفتات وتلحس الأقدام). آخر يشكر الامير بندر ساخراً لأنه حرر بيت المقدس؛ ورابع يشكره (على هذا الإنبطاح)، وخامس يسأل: (تشكرون شخصاً سارقاً وخائناً للأمانة؟ منافقين! علّموني أيش سوّا بندر، هو أفضل متذوّق للويسكي، تبّاً لكم ولعقولكم المُغيّبة).

واستثارت جملة اقالة بندر (بناء على طلبة) سخرية المغردين السعوديين. فسالم يقول إنه ليس إعفاءً بل (طرداً). انها عادتهم في استخدام جملة: بناء على طلبه، يقول المغرد منصور. آخر غرد: (يا رجل، لو يتوفّى واحد من آل سعود، قالوا: بناء على طلبه)!

من جهة أخرى، استشعر المواطنون بأن إقالة بندر لها علاقة بالصراع على الحكم بين الأمراء. أي انهم لم يقتنعوا بالحجج الرسمية بأنه مريض او بحجة (بناء على طلبه).

المغردة نورة تتمنى بعد اعفاء بندر وتدعو (عقبال باقي الأسرة الحاكمة ما تعفي نفسها)؛ ومن رأي المغرد سعد: (هل يغني استئصال إصبع واحد من رِجْلٍ كلّها مصابة بالغَرْغَريْنا؟). واقالة الأمير بندر بالنسبة للمغردة مريم المطيري مؤشر لاتساع دائرة النزاع فراح بعضهم يصفّي البعض الآخر، تقصد الأمراء. أما البقمي فسُرّ بإقالة بندر، ورأى أن (آل سعود يكسرون شوكتهم بأيديهم. اللهم اجعلهم كِبَاشاً تنطَحُ بعضها البعض). وتسأل مغردة: (وِشْ فيه أبو متعب ـ تقصد الملك ـ قام يطيّرهم؟). يعني اخذ بازاحة العديد من الأمراء من مناصبهم؟ اما المغرد سامي فرأى ان الملك عبدالله (قاعدْ يِنَتِّفْ ريشْ السديريين، ريشةْ ريشة)! وهو صحيح!

غازي العصيمي علق اعفاء الامير بندر بن سلطان، بالقول: (سو وات So What) وهو جواب لبندر نفسه في مقابلة مع محطة تلفزيونية غربية حين سألته عن سمسرات وعمولات بالمليارات ضاعت، فأجابها يومها سو وات؟ الآن يرد المواطنون على اعفائه: سو وات؟

هناك من يسخر من تأخر قرار الإقالة، فبندر أقيل بعد أن (جابْ العيد والمشاكل لنا، ووهّقنا وراح). حقاً كان خطأ اعادته لجهاز الإستخبارات منذ البداية، تقول ليلى. والجنوبية لاحظت انه منذ تركي الفيصل، فإن جهاز الإستخبارات صار نحساً، كل واحد يجلس فيه سنتين ويتركه بناء على طلبه!

الصفحة السابقة