حضور الدولة وتمثيل السلطة

بقيام الدولة السعودية الحديثة، امتدت المركزية الى كل المناطق التي أخضعت لسلطانها، ففي الوقت الذي تجمّعت فيه سلطة القرار السياسي في الرياض، وسحبت معها السلطة الدينية من مكة المكرمة.. انتقلت أعداد كبيرة من نجد لتمثل مركزية الدولة في المناطق المفتوحة، على قاعدة تقاسم الغنائم بين المنتصرين (النجديين). فإمارات المناطق ومراكز الشرطة والقضاة ورجال الدين وموظفي البيروقراطية الوليدة، انتقلوا من المركز الى المناطق الجديدة، التي لم تكن خالية من الكفاءات، بل كان فيها أكبر مما لدى المركز نفسه. وهذا ما أعطى الإنتشار البيروقراطي للدولة صفة (الإحتلال الداخلي) وصفة الإخضاع القسري المناطقي والمذهبي. وبقدر مازادت مركزية الدولة بتطور الإتصالات الحديثة، تقلصت سلطة الإمارات التي يرأسها أمراء من آل سعود أو من الموالين المقربين جداً من العائلة المالكة، وبقيت تمارس دوراً أمنياً بحتاً، وكأن وجود ممثلي (نجد) في تلك المناطق، شرط أساسي لاستمرار ذلك الخضوع القسري، الذي لم يتحول الى خضوع طوعي منذ قيام الدولة وحتى الآن.

وفي الوقت الذي تبدو فيه مبررات تمدد الدولة وسلطتها الى كل الأنحاء مفهومة، ورغم أن أدوات ذلك التمدد اتخذت أشكالاً تعسفيّة خارج النسق المتعارف عليه في الدول وبنائها.. من جهة سيطرة الروح المناطقية واستفرادها بالسلطة والثروة.. مع هذا فإن هناك أمراً غالباً ما يتم تناسيه حين الحديث عن (الإندماج السياسي) بين مكونات الشعب (السعودي).

يفترض أن يرافق تمدد السلطة وحضور جهازها في المناطق المحتلة الأخرى، نسق معاكس يدمج القوى السياسية والمذهبية الأخرى في مركز السلطة نفسها. أي أن يكون هناك حضوراً لكل المناطق في جسد الدولة المركزي في الرياض، وليس في المناطق فحسب، وهذا القليل نفسه لم يتم حتى الآن. إن ذلك الأمر لو حدث، لأعطى صورة أفضل للدولة في نظر سكان المناطق، ولحوّل الدولة من تسلطيتها الى دولة وطنية تتمتع بهامش كبير من الإحترام بين شعبها. ولكان هناك القليل من القلق على النظام السياسي، وليس كما هو الحال اليوم، حيث مصير الدولة نفسه مهدد ليس بسبب الأميركيين الذي يتحدثون عن التقسيم، بل بين أبناء الوطن أنفسهم ممن ألغوا من الخارطة السياسية كلها.

الصفحة السابقة