.. ويزعمون الحرية!

أحكام بالسجن 3 أشهر والجلد سبعين سوطاً لكل متظاهر!

إذا كانت صورة النظام في الداخل سيئة.. فلا يمكن أن تكون حسنة في الخارج. من الصعب أن تجدي العلاقات العامة كثيراً في قلب حقائق الواقع الداخلي. بل أن الدولة التي تستشعر الحاجة الى العلاقات العامة أكثر لتحسين صورتها أمام حلفائها، هي الدولة الأكثر (تورطاً) والأكثر (قباحة) في الداخل، وخير للحكومة السعودية أن تصلح وضعها وتنفق أموالها في الداخل لإصلاح الوضع، بدل أن تصرفها على شركات العلاقات العامة في أميركا والغرب عموماً، أن تصرفها لتحسين أوضاع المواطن، وهي بعد ذلك لن يهمها ـ إذا ما رضي المواطنون عنها ـ ما يقوله الآخرون!

لكن الحكومة السعودية عبثاً تحاول أن تجد المشتركات مع الغرب، وحين طرحت الحفاظ على حقوق الإنسان وفي مقدمتها حرية التعبير والتجمع، إنّما كانت تمارس عملاً غير مقتنعة به، وإنما من صميم العلاقات العامة، ولذا قال عبد الرحمن الراشد في الشرق الأوسط تعليقاً على المظاهرات التي وقعت في الرياض، بغض النظر عن حجمها، أن قمع التظاهر واعتقال المتظاهرين واحتضان مؤتمر لحقوق الإنسان في الرياض في آن واحد، أمران متناقضان، لا يساهما في تحسين صورة السعودية في الخارج.

التظاهرات التي حدثت في 15 اكتوبر الماضي هزّت الحكومة ليس بحجمها، وإنما بدلائلها، فهي تواجه عملاً لم تعترف به من قبل، ولا تستطيع اليوم ـ وفق ظروفها الخاصة ـ أن تشرعنه. بل أطلقت لمداحيها المفتين أن يتنافسوا في (تحريم) التظاهرات! من أساسها، كالمفتي، ومثل أكبر شخصية قضائية وهو الشيخ صالح اللحيدان، الذي (استغاث) بالحكومة لتقمع (المفسدين) المتظاهرين! في حين أن هؤلاء الأخيرين مارسوا ما يشبه الإعتصام منه الى التظاهر ـ بل أن وزارة الداخلية سمّته (تجمعاً) ـ وطالبوا بإطلاق سراح المعتقلين السياسيين، ولم يدمروا شيئاً من الممتلكات العامة، ولم يصرخوا مطالبين بإسقاط النظام. بل كان جلّ المشاركين من الشباب، من خريجي الجامعات الذين لم يجدوا لهم أذناً تسمع مطالبهم، أو تلبي حاجاتهم. وبينهم أيضاً نساء اختطف رجال المباحث أبناءهن.

رغم هذا، توعدت السلطة كل المتظاهرين ـ حتى المتفرجين بقربهم! ـ واعتقلت من اصطادته وسط الشوارع في ملاحقات غبيّة، بعد أن أحكمت طوقاً على كل الشوارع المؤدية للتظاهرات، وكل ذلك حفاظاً على (هيبة آل سعود) من الضياع، إذ لا يوجد شيء (سلمي) يمكن أن يهزّ أعماق النظام مثل التظاهرات السلمية، ففيها تسري روح الجماعة والأهداف الجماعية التي عملت السلطة على تفتيتها وتقسيمها ومعالجة ما تريده من أجزاء وإهمال الباقي.

في العاشر من هذا الشهر، ديسمبر، صادقت هيئة (التمييز) على أحكام بالسجن والجلد للمشاركين في (تجمع) العليا بالرياض، كما قالت الصحافة المحلية، وهي أحكام أمضتها المحكمة المستعجلة في الرياض في حق نحو 36 مواطنا ومواطنة شاركوا فيه، والحجة هي: (ثبت أنهم وقعوا ضحية جهات مشبوهة). وقال قاضي محكمة التمييز في مكة حسين حكمي، وهو قاض فاسد ومعروف بأنه أحد اللصوص الكبار، وله سجل أسود في استخدام السلطة له ـ مقابل إمتيازات ـ لإيقاع الأذى بالمواطنين، قال هذا القاضي المرتشي أن أحكام السجن والجلد التي أقرت هي 3 أشهر سجناً والجلد بـ(70) سوطاً، وأضاف بأنه يجري (حاليا) تنفيذ (الحكم الشرعي).

هذا ليس شرع الله، بل شرع آل سعود وأزلامهم. وأشار الحكمي إلى أن محكمة التمييز في مكة المكرمة لم تصادق بعد على الأحكام التي صدرت بحق عدد من المواطنين الذين شاركوا في تجمع جدة والذين أصدرت بحقهم المحكمة المستعجلة في جدة عددا من الأحكام الظالمة.

أصبح التظاهر تهمة، بغض النظر عن الموضوع والهدف، فأصل التجمّع خطيئة يعاقب عليها قانون آل سعود!

الصفحة السابقة