الدولة السعودية قد تصبح هي الأخرى حطباً لداعش!

لماذا أصبح السعوديون الوهابيون حطب داعش؟

محمد الأنصاري

حطب داعش أم حطب جهنّم لا فرق. فالمؤسسة الدينية الوهابية ـ ومن أعلى مقاماتها كالمفتي وهيئة كبار العلماء ـ لا تعتبر قتلى داعش (وليس كل أفرع القاعدة) شهداء، وأنهم ماتوا في طريق الضلال. 

هذا لم يحدث سابقاً مع انتحاريي القاعدة السعوديين وغير السعوديين الذين كانوا يفجرون انفسهم في الأسواق والحسينيات والمساجد الشيعية. كان الصمت سيّد الموقف، مع ترحيب مبطّن او صريح يصدره مشايخ الطبقة الثانية من الوهابيين. وتكرر الأمر مع سوريا، الى أن انتشر الوباء الوهابي القاعدي في كثير من البلدان العربية القريبة بما فيها اليمن وليبيا.

هذه المرة اختلف الأمر، حين وصلت سكينة داعش الى رقبة النظام، أو هكذا على الأقل يشعر ال سعود والمقربون منهم وبينهم مشايخ المؤسسة الدينية.

وككل محاولات التحليل الإعتذاري، يقدّم لنا النظام ومشايخه تحليلات وتفسيرات، حول سؤال مركزي:

لماذا أكثر العمليات الإنتحارية التي تقوم بها داعش ينفذها سعوديون؟

لماذا ينتمي الإنتحاريون السعوديون الى مذهب الأقلية النجدي الوهابي الرسمي؟

ومع ان التحليلات تتخذ صيغة الجمع: شبابنا ينضمون الى داعش، او القول شبابنا غُسلت أدمغتهم. لكن الحقيقة فإن أحداً من المواطنين غير الوهابيين لم ينخرط في أعمال عنف داعشية وقتل الآخرين، لا في الحجاز ولا في الجنوب ولا بين المذاهب الإسلامية الأخرى سواء في الشرقية او غيرها.

كل انتحاري سعودي ينتمي الى المذهب الوهابي بالضرورة.

الحماسة الدينية المزعومة

من التفسيرات التي يقدمها النجديون الوهابيون عن شبابهم الانتحاريين الذين انضموا الى القاعدة او داعش او النصرة او كل أفرع القاعدة، أن الشباب (السعودي) شديد الحماسة للدين، وأن هناك من جاء واستغلّ تلك الحماسة لخدمة اغراضه السياسية من الأحزاب والجماعات (وهم هنا لا يقصدون استغلال آل سعود).

فهل هذا التحليل صحيح أم اعتذاري؟

الأسئلة التي تُطرح هنا كثيرة؟

ما هو الدليل على أن (شباب الوهابية) أكثر حماسة للدين من غيرهم من الشباب؟ لا توجد إحصاءات اصلاً حول نسبة التديّن في المملكة، ولكنها متدنية بما يعتقده الناس، وهذا ما ظهر من خلال احصاءات انتشار الإلحاد التي أجريت مؤخراً، والتي أثبتت أن نسبة الإلحاد في السعودية هي الأعلى بين المسلمين، وهي تقترب من نسبة الإلحاد في أوروبا. والإحصاء جرى في المدن، ونظنّ أن نجد تحوي بين أظهرها الأكثر إلحاداً ـ كما نموذج عبدالله القصيمي ـ بل وحسب الأسماء الظاهرة، فإن نجد جرى فيها التحوّل الى المسيحية ـ وإن كانوا أفراداً ـ ولم يظهر من خلال الفيديوهات والأسماء المنشورة، أن أحداً من الحجاز او الشرق او من اي مذاهب أخرى وهي في مجموعها تمثل الأكثرية، اعتنق المسيحية. فنجد ليست الأكثر تديّنا كما هو ظاهر بين مناطق المملكة المختلفة، كما أنها ليست الأكثر حماسة للإسلام حتى بين شبابها، من خلال استقراء الممارسات والسلوكيات سواء داخل المملكة او خارجها. اذن فالحديث بالمطلق عن أن شباب الوهابية اكثر حماسة دينية، يحتاج الى توقّف على الأقل، فنسبة الشباب المتدينين الوهابيين ليست كبيرة فيما نظن، وهي قد تكون أقل من مناطق أخرى.

هذا على صعيد المملكة. اما أن يكون الشباب الوهابيون هم الأكثر حماسة دينية على مستوى العالم الإسلامي فهذه تحتاج الى أدلة اكبر. فهل يعقل أن العالم الإسلامي عامة، لا يوجد به متحمسون دينيون يفعلون ما يفعله الوهابيون من قتل وعنف وتفجير وانتحار، لو كان هذا أصلاً من الحماسة الدينية؟ لماذا لا يوجد متحمسون دينيون في الحجاز يعكسون حماستهم الدينية بالطريقة الوهابية مثلاً؟

التطرف الديني لا الحماسة الدينية

لو قيل أن شباب الوهابية (المتديّنين منهم) هم الأكثر تطرّفاً وعنفاً، وأن هذا هو الذي قادهم الى أن يكونوا حطباً للقاعدة بأفرعها بما فيها داعش، لقلنا هذا صحيح بالقطع. لكن هذا الإعتراف، يستدعي سؤالاً آخر حول مصدر الفكر المتطرف، والذي جعل الشباب الوهابي ينخرط في أكثر الجماعات عنفاً ودموية. وهذا سيشير بالضرورة الى الفكر الوهابي نفسه كمصنع للحقد والعنف والتكفير، بحيث انعكس على شباب الوهابية وليس على الآخرين.

هناك بين الصحفيين السعوديين من يقول بأن التطرف سببه المشايخ الوهابيين، وسببه مناهج التعليم، أو سببه الأيديولوجيا الوهابية، وهذا صحيح في الأساس، وبات العالم اليوم يجمع على أن فكر الوهابية هو الذي فرخ القاعدة وأضرابها، بحيث لا ترى مسلمين غير وهابيين ينخرطون بين مقاتليها ويفجرون انفسهم ويقتلون على الهوية، ويسترخصون الدماء البريئة.

ولنا هنا ملاحظة ذات أهمية ـ فيما يتعلق بالمناهج الدينية السعودية، والمرجعية الدينية السعودية. فالوهابية ذات طابع محلي وان تم تعميمه. بمعنى ان الدعوة الوهابية هي دعوة نجدية ـ هكذا تسمّى. ورؤوسها هم من نجد، ومنظروها من نجد، وممولوها من آل سعود النجديون ومن تجار نجد؛ كما أن مقاتليها من نجد في الأكثر. ومع أن المناهج الدينية في السعودية يدرسها الجميع، من السنة الأولى الإبتدائية وحتى الجامعة، إلا أن المواطنين غير الوهابيين ـ في أغلبيتهم الساحقة ـ لم يتأثروا بالفكر الوهابي الذي يتعلموه بحيث يدفعهم ذلك الى الإنتحار واعتماد القتل للمخالف على الهوية، وغير ذلك من الفظائع. فالحجازي والشيعي والإسماعيلي والشافعي والصوفي والمالكي والحنفي موجودون جميعاً في السعودية ويمثلون أكثرية الشعب، فلماذا لم يؤثر فيهم التعليم الوهابي: أولاً بحيث يعتبرونه مذهبهم، وبحيث يعتبرون مشايخ الوهابية مرجعيتهم الدينية ثانياً، وثالثاً بحيث ينعكس الفكر الوهابي في سلوكهم فيصبحوا متميزين بالعنف والتطرف دونما سواهم من المسلمين، وليس فقط بين المواطنين؟

المواطنون في اكثرهم وهم يتعلمون المناهج التعليمية الوهابية لا يعتبرون الفكر الوهابي صحيحاً، ولا ينظرون الى مشايخ الوهابية على أنهم يمثلون الطريقة الصحيحة في الإسلام، بل يستسخفون كثيراً من افكارهم وتصرفاتهم، ولهذا فهم يتعلمون ويحفظون المناهج ولكن لينجحوا في الاختبارات، فهذا هو المهم. اما الوهابي النجدي الأصلي فغالباً ما يعتبر ما يتعلمه هو الصحيح، ويسعى لتطبيقه على ارض الواقع سواء داخل البلاد او خارجها، وبهذا يكون هو دونما سواه حطباً للقاعدة او داعش او حتى جهنم!

التطرف الديني العنفي في السعودية لا يوجد إلا بين أتباع المذهب الأقلوي الوهابي. ويتغذى هؤلاء الأتباع على خطب وكتابات ومناهج تعليم تؤدي بهم في النهاية الى اختيار طريق داعش وأضرابها. وبذا يكونوا هم دونما سواهم من شباب المملكة حطباً لداعش والقاعدة.

والملك عبدالله حين لم يفلح في التعبير كعادته فقال بأن (العلماء كسالى) فإنه يقصد علماء الوهابية الذين رفضوا مواجهة داعش والقاعدة، فهؤلاء هم الذين يتولون التوجيه ويسيطرون على المنابر، ويرفضون التنديد بما تفعله داعش والقاعدة، حسبما طلبت منهم وزارة الشؤون الإجتماعية، بعد ما سُمي بغزوة (شرورة) التي قامت بها قاعدة اليمن باختراقها الحدود وسيطرتها على مبنى المباحث وغير ذلك. اي أن من يجعل شباب الوهابية حطباً لداعش، هم مشايخ الوهابية، وفكر الوهابية، وأيضاً ـ أكثر أهمية ـ قادة الوهابية السياسيين، أي آل سعود، الذين أرادوا استخدامهم في حروبهم الخارجية.

التحريض السياسي والديني الرسمي

 ألم يدعو عشرات المشايخ الوهابيين علناً للجهاد في العراق، وهم في أكثرهم شخصيات رسمية، ولم تقل الحكومة السعودية شيئاً؟ فهل تحرّك شباب الوهابية للقتال بدون إذن ولي الأمر كما يقال؟ أم كان ذلك أمراً واضحاً لا لبس فيه، أن توجيهات السياسي هي التي دفعت بالشباب الوهابي للإنخراط في القاعدة وداعش لتخريب مشاريع الخصوم السياسية؟ ألم يكن صمت آل سعود عن تلك الدعوات المتكررة وبالأسماء، وعن التحريض المعلن في الصحف طائفياً، كان غرضه دفع الشباب الى العراق بدلاً من مواجهة النظام في الداخل، وهو ما كان يفعله ناصر العمر، وسفر الحوالي وأضرابهم؟ 

ألم يقل رئيس مجلس القضاء الأعلى يومها، صالح اللحيدان، بأن (الجهاد يكون في العراق) اي ليس في المملكة؛ فلماذا يُقال بعدئذ ان هؤلاء الشباب خرجوا بدون إذن ولي الأمر؟ خاصة واننا نعلم ان مفاتيح رجال الدين الرسميين ـ على الأقل ـ هم بيد النظام؟ فهل كان آل سعود أرادوا بصمتهم اعلان براءتهم من قتل أولئك الشباب بعد أن يشكو الآباء والأمهات النجديون الوهابيون من خسارتهم ابناءهم وفلذات أكبادهم؟ اليس هذا ما حدث بالفعل؟

وفي سوريا، ألم يقل اللحيدان نفسه، بأنه لا مانع من أن يُقتل ثُلث الشعب السوري لكي يُنقذ الثلثان المتبقيان؟! من حسن الحظ ان الفيديو لازال في اليوتيوب حتى الآن!

ثم ألم يكن النظام بإعلامه وسياسته الطائفية التحريضية الغرائزية هي من حركت شباب الوهابية للقتال في سوريا؟ أم لم يقم النظام ـ وباعترافات كثير من الوهابيين انفسهم ـ بإطلاق سراح القاعديين لديه، شرط أن يخرجوا الى سوريا ويقاتلوا هناك. حتى ذلك الشاب الذي نجا بتفجير صهريج في العراق، وعاد الى السعودية في عملية استرضاء عراقية، ظهر لنا على الفيديو من سوريا بعد ان تعافى في السعودية!

كان النظام يدافع عن القاعدة (جبهة النصرة) وهي تفعل فعلها هناك، ثم لحقتها داعش (الأم) وكان الصمت هو السياسة. كل أفعال القاعدة بفروعها تُنسب في الاعلام السعودي الى الجيش الحر إن كانت انتصارات ضد النظام في سوريا، وأما الجرائم فيتم تحويلها على النظام او يتم الصمت عنها.

بعد أن أكلت النصرة وداعش، الجيش الحر، فأصبح كفص ملح ذاب في الماء. وبعد أن أوغل بندر بن سلطان في دعم القاعدة فتقاتل المحاربون في سوريا مع بعضهم.. أدرك الجميع أن السعودية لعبت لعبة خطيرة، بتمويل الأجنحة الأكثر تطرفاً وسلفية (أي وهابية) وأنها سبب أساس في شرذمة المعارضة السورية في الأساس، وسبب تغلّب الأجنحة السلفية على ما عداها. وحين وجهت الإتهامات للرياض حتى من واشنطن، كان الضحية بندر بن سلطان، وكان اعلان الحرب على داعش في الإعلام والسياسة (وليس النصرة)؛ فهذه الأخيرة لا تُذكر إلا لماماً في الإعلام السعودي، ومنذ اشهر عديدة.

اعلنت الرياض الحرب الإعلامية لهدف وحيد هو إعلان براءتها من داعش.

وبعد نحو شهرين او أكثر قليلاً، احتلت داعش الموصل، فانقلب الشتم الى دعم بين السلفيين الوهابيين في معظمهم، ولكن لما اقتربت داعش من الحدود الأردنية والسعودية، أعيد التأكيد من جديد على ان داعش (سيئة) مع صمت عن الأجنحة الأخرى كالنصرة.

ما نريد تأكيده هنا، أننا نشهد المرحلة الأخيرة من استثمار آل سعود لشباب الوهابية سواء داخل المملكة أو خارجها في حروبهم مع خصومهم. لكن الآية بدأت بالإنقلاب. وقد تصبح المملكة المسعودة هي الأخرى حطباً لداعش، أو حطباً لجهنم، مثلما شباب الوهابية أنفسهم!

الصفحة السابقة