بايدن فضح الحلفاء واعتذر!

خالد شبكشي

مناوشات سياسية واعلامية بين حلفاء الحرب على اﻻرهاب بعد التصريحات الصادمة لنائب الرئيس اﻻميركي جو بايدن باتهامه المباشر لحلفاء واشنطن وخصوصا السعودية وتركيا واﻻمارات وقطر بتمويل الجماعات المسلحة وتالياً الإرهاب.

اعتذر بايدن للحلفاء، ولكن المهم أنه رمى حجرا ثقيلا في ماء التحالف الدولي، وعلى الآخرين ان يتابعوا تداعياته، والأهم في كلامه وما يجب فهمه أن الدول المشاركة في الحرب على اﻻرهاب هي ضالعة فيه.. والرسالة وصلت.

نائب الرئيس الأميركي جو بايدن أوصل الرسالة لحلفاء واشنطن واعتذر، فالحليف الأميركي قال ما قال ولا ينفع الإعتذار، فما صدر عنه ليس هفوة ولا زلّة لسان وإن حاول البيت الأبيض إخراجه على هذا النحو.

فالبيت الأبيض ورئيسه على يقين بأن ما قاله بايدن هو الحقيقة العارية، وهناك ما يكفي من الأدلة المتراكمة منذ سنوات بأن الحلفاء يقدّمون المال والعيال للجماعات الإرهابية في العراق وسوريا. وإن الاعتذار ليس أكثر من تدبير شكلي غير قابل للصرف.

في 2 أكتوبر الجاري أعلن بايدن في محاضرة في جامعة هارفارد بولاية ماساتشوستس، بأن الجماعات المسلّحة في سوريا حصلوا على تمويل ودعم من حلفاء واشنطن في المنطقة. وقال: (مشكلتنا الأكبر كانت في حلفائنا في المنطقة. فالأتراك كانوا رائعين، وكذلك السعوديون والإماراتيون وغيرهم؛ ولكن ماذا فعلوا؟. إنهم خاضوا حرباً بالوكالة؛ وقدّموا مئات ملايين الدولارات، وعشرات آلاف الأطنان من السلاح لكل من وافق على القتال ضد النظام في سورية.... جلّ هؤلاء الحلفاء فهموا خلافاً للمتوقع ما يجري، فالذي حصل على المساعدة كان عناصر «جبهة النصرة» وتنظيم «القاعدة» وعناصر متطرفة قادمة من مناطق أخرى في العالم).

ردود الفعل التركية والاماراتية كانت سلبية وغاضبة، ولكن ما قاله بايدن ردّده مسؤولون غربيون بصيغ مختلفة. على سبيل المثال، مارلين لوبان، زعيمة حزب الجبهة الوطنية في فرنسا دعت في 3 أكتوبر الجاري إلى قطع العلاقات مع السعودية وقطر وذلك لـ (دعمهما وتمويلهما الأصوليين الإسلاميين). وطالبت في حديث تلفزيوني مع قناة فرانس 24 بأن تختار بلادها حلفاءها في محاربة الإرهاب، وأن تعتمد على دول أخرى.

من جهة أخرى، ذكرت صحيفة (فايننشال تايمز) البريطانية في عددها الصادر في 2 أكتوبر الجاري بأن النموذج الإسلامي المتشدّد الذي تقدّمه السعودية أساس لفكر «داعش». وقالت الصحيفة أن السعودية تعيش حالة من الإنكار بشأن أيديولوجية تنظيم داعش. وأشار التقرير إلى أن هناك غياباً واضحاً في البحث عن الذات في السعودية، ودور الوهابية في هجمات 11 سبتمبر على الولايات المتحدة الأميركية. وأوضح التقرير، أن الوهابية تشترك في ملامحها مع أيديولوجية «الدولة الإسلامية». وذكر أن تنظيم (الدولة الإسلامية) استخدم أدبيات مؤسس الوهابية، الشيخ محمد بن عبد الوهاب لتبرير تدمير المزارات الشيعية والكنائس المسيحية أثناء توسع التنظيم في كل من العراق وسوريا؛ وتمّ تجنيد الآلاف من الشبان السعوديين في صفوف التنظيم.

وتنقل الصحيفة ما كتبه المعلق والصحفي السعودي، جمال خاشقجي، في صحيفة (الحياة) السعودية في يونيو الماضي، قوله: (للأسف مانزال نعيش حالة إنكار، وحان الوقت كي نطرح السؤال، أين الخلل؟ وعلينا أن نبحث في داخل أنفسنا).

وأضافت الصحيفة، أن السلطات السعودية سارعت لشجب «الدولة الاسلامية»، ولكن السلطات، وحسب مراقبين، كانت قلقة لتجنب فحص يمكن أن يكون له أثر مدمر للروابط الأيديولوجية المشتركة بين الجماعات المتطرفة والمدرسة الدينية السعودية، التي يسند دعمها العائلة السعودية الحاكمة ويمنحها الشرعية.

وتابعت الصحيفة: أن (الوهابية تطغى على كل ملامح الحياة في المجتمع السعودي، وبعد هجمات 11 سبتمبر، تعهدت السعودية بتشجيع التسامح، ولكن النقاد في الخارج يشتكون من عدم حدوث تغيير كبير، فما تزال المقررات والكتب المدرسية متحيزة ضد من لا يتبع العقيدة الوهابية).

وبحسب غريغوري غوس المتخصص في الشؤون السعودية بجامعة تكساس إي أند أم، شرح معضلة الدولة السعودية، قائلا إنه: (منذ الربيع العربي أغلقت النافذة، لأن الحكومة شدّدت من قوانين الصحافة، وألمحت إلى أنها لن تتسامح مع أي نقاش يسائل القاعدة التي تقوم عليها شرعية الدولة).

ولفت التقرير إلى أن المحلل السعودي عبد العزيز القاسم وغيره ألمحوا إلى ميول داخل المؤسسة السعودية الحاكمة لتحميل الإخوان المسلمين مسؤولية صعود (داعش)، وهي الجماعة التي تمثل رؤيتها تهديدا للنظام السعودي. ويخلص إلى أنه ولكل هذه الأسباب فإن زحف «داعش» لم يكن محل شجب داخل عدد من القطاعات السعودية.

وختم التقرير، أنه في ظل المناخ الجديد، فأي إشارة ونقد لأثر الوهابية المعاصرة على تنظيم الدولة الاسلامية، يؤدي للرد، ويقمع النقاش المفتوح، حسب المراقبين؛ وبدلاً عن هذا فقد أمر النظام السعودي المؤسسة الدينية بشجب المتطرفين كوسيلة لحماية العقيدة الوهابية من التحليل الواسع، حسب الصحيفة.

من جهة ثانية، بدت تصرّفات أعضاء هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر خلال موسم الحج أقرب الى «داعش». حيث ينتشر أعضاء الهيئة في مكة المكرمة، بهدف قمع أية مخالفات دينية كما يقولون، لكنهم يشبهون النموذج الأصلي لما تمارسه الجماعات التكفيرية اليوم بحق الأقليات الدينية في سوريا والعراق.

تحذير الحجاج من ممارسة البدع والمنكرات أثناء أدائهم مناسكهم، وإعانة الحاج على إقامة عماد التوحيد والرد على جميع استفتاءاته وبيان الحكم الشرعي فيها، هكذا تلخص هيئة كبار العلماء وهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مهامهما في موسم الحج، لكن الوقائع تشير إلى أنها ليست أكثر من ستار للتغطية على ما ترتكبه هاتان الهيئتان خصوصا الأخيرة من قمع للأقليات الدينية بمختلف وسائل العنف الكلامي والجسدي.

الكتيبات التحريضية هي أولى الأدوات وأكثرها رواجا هنا: (الكافي في تحذير البشرية، من دين الإثني عشرية)، و(السرطان الشيعي) و(اللوبي الرافضي) بعض من عناوين تلك الكتيبات، وهي مطبوعات تتضمن خلاصة ما أفتى به الشيخ المؤسس أحمد بن تيمية حول كفر الشيعة، وجواز قتلهم، واستحلال نسائهم، وممتلكاتهم.

سؤال يطرح نفسه في هذا المقام: ألا ترفع داعش وغيرها من التنظيمات الإرهابية الشعار نفسه بالأدبيات ذاتها وبالإستناد إلى العلل عينها؟

الصفحة السابقة