النمر: أقوياء بالكلمة.. ضعفاء بالسلاح!

حكم بإعدام الشيخ النمر يوتّر منطقة النفط

هيثم الخياط

15 اكتوبر الجاري، يوم مشهود، ففيه تمّ إعلان المحكمة الجزائية بالرياض الحكم على الشيخ نمر النمر، القيادي السياسي والديني الشيعي في القطيف، بالإعدام (تعزيراً). وقد جاء الحكم بعد تأجيله أكثر من مرّة؛ في وقت طالب فيه المدعي العام التابع لوزارة الداخلية بإعدامه على قاعدة (حدّ الحرابة).

قبل صدور الحكم بنحو أسبوعين.. وفيما كان باسم القديحي (٣٦ عاماً) ينتظر في حي الشويكة بمدينة القطيف شرق السعودية، ومعه عشرات من رفاقه، بقية المشاركين للبدء بتظاهرة سلمياً من أجل اطلاق سراح معتقلي الرأي وفي مقدمتهم الشيخ نمر النمر، تحت عنوان (القيد لا بدّ أن ينكسر).. تقدمت مجموعة من قوات المهمات الخاصة التابعة لوزارة الداخلية في سيارات مدنية، وأنزلت نوافذها وبدأت برشّ نواة التجمّع بالرصاص الحي، ما أدى الى سقوط أكثر من عشرة جرحى، وكانت جراح باسم القديحي خطيرة ما أدّى الى استشهاده؛ فيما تمكن الأهالي من إسعاف عدد من الجرحى في المنازل؛ وأُخذ ثلاثة آخرون الى أحد المستشفيات القريبة، لكن السلطات حاصرته واعتقلت الجرحى.

هي ليست المرة الأولى التي يتظاهر فيها المواطنون، فلازال الحراك الشعبي مستمراً رغم القمع الفاحش للنظام منذ فبراير ٢٠١١ وحتى الآن. وهي ليست المرة الأولى التي يطلق النظام فيها الرصاص على المتظاهرين؛ بيد أنها المرة الأولى التي يتعمّد النظام فيها قتل المتظاهرين قبل انطلاق المظاهرة، في تصعيد مكشوف وواضح.

المتحدث بإسم وزارة الداخلية اللواء منصور التركي.. سارع الى القول بأن باسم القديحي كان ضمن المطلوبين الأمنيين الخطرين؛ وهو بالقطع ليس كذلك، ولم تضعه السلطات في أي من قوائمها رغم كذبها، بل وزعم المتحدث بأن الضحية قد أطلق النار هو وغيره  على السلطات من أسلحة كانوا يخفونها، وأنه كان بحوزته مسدس وسلاح. 

هكذا نوع من البيانات تعوّد المواطن عليها، وهي مليئة بالأكاذيب الفاضحة. فبعد القتل الحكومي المتعمد لا بد من إيجاد المبرر الرسمي ليس إلاّ. من حسن الحظ أن صورة النظام انكشفت هذه المرة الى حد أن المتحدث باسم الداخلية يتحدث  عن مكان الحادثة في العوامية، وأن باسم القديحي من العوامية، بينما الحادثة وقعت في القطيف، والضحية هو من مدينة تاروت.

ويبدو واضحاً أن المنطقة الشرقية في السعودية حيث آبار النفط ومصانعه وإنتاجه ومنصّات شحنه ونقله، ستواصل مشوار الإضطراب، بعد صدور الحكم بالإعدام على الشيخ النمر، حيث الإصرار الحكومي على استخدام الحلّ الأمني لمشاكل اجتماعية وسياسية أنتجها النظام نفسه؛ وهو يعتقد ـ أي النظام ـ بأن المزيد من القمع سيوفّر الإستقرار الأمني والسياسي ويخمد روح المعارضة، المستمرة منذ عقود، وإن كانت قد تصاعدت في السنوات الثلاث الأخيرة بشكل مستمر غير مسبوق في تاريخ السعودية نفسها.

ردود الفعل المحلية كانت حانقة، إذ خرجت تظاهرات بالآلاف ـ نساء ورجالاً في القطيف؛ كما أن الناشطين عبروا عن رأي يقول بعدم الإقتناع بحكم قاسٍ، فالجريمة مهما بلغت ـ ان كانت هنالك من جريمة ـ لا يمكن أن تسوّغ الحكم بالإعدام.

دولياً، فإن عدداً من المنظمات الحقوقية الدولية أصدرت بيانات تنديد بالحكم في اليوم الأول من صدوره. وقد فاجأتنا الأمم المتحدة نفسها باعتراض على المحاكمة غير العادلة للشيخ النمر؛ وبضرورة إيقاف الإعدامات في السعودية والتي تزايدت في الأشهر الأخيرة. أمنستي (العفو الدولية) اصدرت بياناً  ـ بعد ساعات من اعلان الحكم ـ كشفت فيه عن صدمتها إزاء حكم الإعدام، وقالت بأن الرياض تريد تصفية كل النشاط السلمي المعارض. وفي ذات الإتجاه أيضاً أصدرت هيومن رايتس ووتش بياناً مندداً بقمع السلطات السعودية وبفساد قضائها.

وكانت دولٌ غربية حليفة للنظام قد نصحته بالتخفيف من وطأة القمع في المنطقة الشرقية؛ لا حباً في حقوق الإنسان، وإنما خشية أن تصاب أسواق النفط بالتوتر، وتتعرض إمدادات النفط للخطر، آخذة بعين الإعتبار أن معظم تمديدات النفط تمرّ على مسافة عشرات الأمتار من منازل المواطنين المهمّشين اجتماعيا واقتصاديا وسياسياً.

نعم.. فرح كثير من المتشددين الوهابيين بحكم الإعدام من الزاوية المذهبية والطائفية.. ولربما جاء الحكم في جانب أساس منه إرضاءً لشهوة العنف لديهم، وتحويراً للصراع السياسي المحلي باتجاه طائفي؛ اي خلق صراع اجتماعي طائفي يوحد النظام من خلاله النظام جبهته الداخلية وترميمها بسبب التشققات في الجسد السلفي الوهابي. مع أن القاعديين والداعشيين من أتباع التيار الوهابي، يعادون الحكم، وبالرغم مما يعلمه الجميع من استسهالهم بل وتأييدهم العنف ضد الخصم المذهبي، فإن القبول بأحكام اعدام اعتباطية في محاكم لا تتسم اجراءاتها ومعاييرها بالعدالة والإنصاف.. سيسهل استصدار أحكام اعدام على مئات المعتقلين من المنتسبين الى ذلك التيار.

بيد أن قضية الشيخ النمر تحوي قدراً من الخصوصية، فهو لا يؤمن بالعنف واستخدامه، بل لا يؤمن باستخدام الحجارة ضد الشرطة؛ كما تحكي ذلك تفاصيل محاضراته العديدة. وله كلمة يقول فيها: (زئير الكلمة أقوى من أزيز الرصاص) وأخرى تقول: (أقوياء بالكلمة.. ضعفاء بالسلاح). كما أن الشيخ النمر، وخلافاً للتيار الداعم للنظام، لا يكفّر النظام ولا رموزه، ولا المذهب الذي يتبنّاه، وإن كان أتباع المذهب الوهابي يكفّرونه!

إذن لماذا الإعدام تعزيراً أو حرابة؟!

الجواب: (لإنه مثير للفتنة).. أو لأنه نزع البيعة من ولاة الأمر؛ أو لأنه حرّض المواطنين على عدم طاعة ولي الأمر.. هذا ما تقوله الحكومة وقضاؤها المستقلّ جداً!؛ وكما هي العادة فإن الإتهامات العمومية افضل مخرج لسلطات الإستبداد الديني والسياسي.

نعم النمر ضد النظام وضد سياساته، وهو في التحقيق معه قال ذلك ولم ينكره، بل أصرّ على رأيه. ما يعني أنه صاحب رأي. كل قضية الشيخ النمر لها علاقة بالرأي وحده؛ ولم يحدث خلال العقود الماضية أن حكم النظام بالإعدام على أحد لرأيه، حتى على القاعديين والداعشيين ودعاة العنف الآخرين، بل بالسجن، خمس سنوات أو أكثر. وهناك في سجون آل سعود الكثير من الداعشيين التكفيريين من دعاة العنف. فلماذا كانت قضية الشيخ النمر مختلفة، إن لم يكن السبب طائفياً، كونه ينتمي الى مذهب الشيعة؟

صحيح أن الشيخ النمر حرّض على النظام، ورأى عدم طاعته، وطالب المواطنين بالمواجهة السلمية لآل سعود بحيث لا يُستخدم حتى الحجر مقابل رصاص الأمراء، الذين وصفهم بأنهم (ظَلَمَة).. وهو رأى أن الإعتراض والإحتجاج سبيلٌ للمواطنين كيما ينالوا حريتهم وكرامتهم وحقوقهم. لكن هذا يختلف عن التحريض على العنف؛ أو خلع بيعة لم تتم في الأساس، فمن منّا بايع آل سعود بالحكم؟!

الغريب أن النظام لم يكتفِ باعتقال الشيخ النمر والحكم عليه بالإعدام، فقد سبق له أيضاً أن حكم بالإعدام على علي النمر (ابن أخ الشيخ) وهو لم يبلغ من العمر ١٧ عاماً، في محاولة شنّ حرب نفسية على عائلته. وفي جلسة اصدار الحكم على الشيخ النمر، غرّد أخو الشيخ (الناشط محمد النمر) من جوّاله وهو وسط المحكمة، قائلاً: (الحكم قبل دقائق: القتل تعزيراً. الشيخ فرح مستبشر متماسك). كلمات قلائل، كانت سبباً في اعتقاله حتى كتابة هذه السطور!

عائلة الشيخ النمر أصدرت بياناً أبدت فيه دهشتها واستغرابها من صدور حكم الإعدام، واعتبرته سابقة خطيرة، وأنه (حكمٌ سياسي بامتياز)، حيث كانت التهم غير صحيحة ولا ترقى الى طلب المدعي العام بإقامة حدّ الحرابة حال ثبوتها، فكيف (وقد فنّدها الشيخ النمر ومحاميه الدكتور صادق الجبران في مذكرة الردّ)؟ وهي مذكرة تمنّت العائلة من القضاة لو أنهم تمعّنوا فيها بتجرّد بعيداً عن الإملاءات. وأضاف البيان: (تمنينا أن لا يكون الأصل لدیهم تجریم من یقف أمامهم من الموقوفین) وأن (لو تمعنوا قلیلا في المنهج السلمي واللاعنفي للشیخ النمر والرافض دائما وابدا بكل وضوح وتجلي استخدام العنف او السلاح وحتى الحجارة في مواجهة الرصاص)؛ كما تمنّوا أن لو تمعّن القضاة قليلاً في (رؤية الشيخ النمر للإصلاح السياسي في مذكرة الرد على اتهامات المدّعي العام).

ودعا بيان عائلة النمر كل (الخیرین من العلماء والمثقفین والسیاسیینوالمفكرين والكتاب في الوطن، انطلاقا من مبدأ رفض الظلم، ومساندة المظلوم، وإحساساً بالمسؤولیة الشرعیة والأخلاقیة.. ان یعبّروا بالوسائل المشروعة التي یرتؤونها عن عدم رضاهم وعدم قبولهم لهذا الحكم، وكذلك أحكام الإعدامات الأخرى، التي صدرت مؤخرا في حق الناشئین والأحداث، لما فیها من تبعات ومتوالیات سلبیة).

وأخيراً، دعا البيان (المسؤولين للبحث في الأسباب التي أوصلت المنطقة ـ الشرقية ـ الى ما وصلت الیه)، كما حثّ على (اتخاذ مبادرة شجاعة لمعالجة مشاكل الوطن عامة، وأولها إغلاق ملف المعتقلین ـ كل المعتقلین).

الصفحة السابقة